صحيفة إسبانية: من خلال لبنان.. ماكرون يسعى لصرف الأنظار عن فشله

12

طباعة

مشاركة

مع مرور الوقت، انقلبت السياسة الفرنسية في الشرق الأوسط والساحل ضد باريس، حيث تكشف الأحداث التي جدت في الأشهر والأسابيع الأخيرة أن فرنسا لا تسترشد إلا بالمصالح الاقتصادية ولا تريد أن تصوغ مع شركائها سياسة تدافع عن القيم الجمهورية والقارية.

وقالت صحيفة بوبليكو الإسبانية: إن فوضى السياسة الفرنسية عادة ما تأتي من بعيد، لكن خلال الأسابيع الأخيرة شهدنا على تجسدها في كل من الشرق الأوسط وإفريقيا مع الأحداث التي جدت في ليبيا وشرق البحر المتوسط ​​والساحل، مما خلق وضعا مأساويا لباريس.  

وأضافت أن نكسات باريس تتراكم الواحدة تلو الأخرى، وتشكل في النهاية تحذيرات، ليس فقط لفرنسا، ولكن لكامل أوروبا.

وتؤكد الإخفاقات الفرنسية الفوضى التي تسود العواصم الأوروبية الكبرى، ولا سيما باريس وبرلين؛ التي يتظاهر قادتها، الرئيس إيمانويل ماكرون والمستشارة أنجيلا ميركل، بأن هذه الكوارث ليست نتيجة لسياستهم. 

ثمار الأخطاء

وأوردت الصحيفة أنه وصل إلى بيروت مطلع سبتمبر/أيلول 2020، في محاولة لإصلاح الأزمة الخطيرة التي يمر بها لبنان.

كما بدا وكأنه يريد حل الوضع في هذا البلد دون معالجة أسبابه الأساسية، أي الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين من جهة وبين تل أبيب وإيران من جهة أخرى.

وعلى الرغم من أن ماكرون قد يحقق بعض النتائج على المدى القصير، إلا أن جهوده في بيروت محكوم عليها بالفشل الذريع، وفق تقدير الصحيفة.

في الآن ذاته، من المحتمل تماما أن ماكرون يريد صرف انتباه الفرنسيين عن النكسات التي عانى منها على مستوى جميع الجبهات تقريبا، لكن مناورة بيروت، التي لا يمكن إنكار حسن النية فيها، يبدو أنها تستجيب إلى نوبة غضب أكثر من كونها سياسة مدروسة ومنطقية من وجهة نظر أوروبية.

وذكرت الصحيفة أن أوروبا لا تتحمل مسؤولياتها أو تصحح أخطاءها التي ارتكبتها على مدى عقود بجدية وبطريقة بناءة، كما أن التزامها بهذا السلوك لن يغير الأوضاع في المنطقة. 

على العكس ذلك، ستزداد سوءا؛ وهو ما تبرهن عليه حالة المنطقة في الوقت الراهن في ظل وجود أوروبا لا تكون حاضرة في الشرق الأوسط إلا عندما يتعلق الأمر بإجراء صفقات أسلحة مثيرة للجدل مع دول مثل السعودية، والإمارات التي تزرع الفتنة والحرب في جميع أنحاء المنطقة، بحسب الصحيفة.

وأوردت أن "فرنسا تجني ثمار أخطائها في ليبيا والساحل وشرق المتوسط". كما أن تلك المناطق تعاني من فشل ذريع بسبب سياسات باريس التي جاءت قبل ولاية ماكرون، والعجز الواضح له ولميركل عن مواجهة المشاكل من جذورها. 

وأضافت بوبليكو أن أبرز الهزائم التي عانت منها فرنسا كانت في ليبيا، حيث يدعم ماكرون اللواء المنقلب خليفة حفتر إلى جانب الإمارات ومصر والسعودية وروسيا.

لكن، اضطرت قوات حفتر إلى التخلي عن جبهة طرابلس وعانت من نكسات تؤثر على المصالح الاقتصادية الفرنسية، وهو الشيء الوحيد الذي يبدو أنه يثير اهتمام باريس.

معضلة إفريقيا

وفي أغسطس/آب، أطاح انقلاب عسكري برئيس مالي، البالغ من العمر 75 عاما وأحد أصدقاء فرنسا، مما أدى إلى زعزعة استقرار السياسة الهشة لهذا البلد.

وتجدر الإشارة إلى أنه في مالي، تحتفظ باريس بأكثر من خمسة آلاف جندي في منطقة تعادل مساحتها ضعف مساحة فرنسا، في مواجهة دائمة مع التنظيمات الإرهابية التي تأتي في بعض الأحيان من ليبيا ومع الجماعات العرقية المتمردة.

وبينت الصحيفة أن القوات الفرنسية كانت موجودة في المنطقة منذ أن أرسلها الرئيس فرانسوا هولاند في كانون الثاني/ يناير سنة 2013 لاستعادة مدن شمال مالي التي احتلتها الجماعات المسلحة وشبكات التهريب.

وفي عام 2018، وعد ماكرون بأنه لن يسحب الجيش حتى ينجح في القضاء على الجماعات السابق ذكرها؛ لكن الحرب في مالي تستغرق وقتا أطول من المتوقع دون إعطاء النتيجة المرجوة. وعلى العكس، فقد أصبحت مالي بمثابة خراب إستراتيجي ذي أبعاد هائلة. 

أما فيما يتعلق بليبيا، فهناك خلاف في القيادة الفرنسية بين من يؤيد فكرة تطبيق الدروس المستفادة من الإخفاقات السابقة وفتح حوار مع حكومة طرابلس، وهو ما يبدو أكثر منطقية؛ وبين من يرغب في الاستمرار في السياسة الحالية والحفاظ على الحرب ضد طرابلس، والاعتماد على "مستشارين عسكريين" وأسلحة ممولة من الإمارات. 

ويدعم هذا الموقف الأخير حلفاء فرنسا الظرفيين، ولا سيما الإمارات العربية المتحدة. في الآن ذاته، جازفت باريس إلى درجة مساواة حكومة طرابلس بتنظيم الدولة.

ونوهت الصحيفة بأن هذا الموقف الفرنسي دفع ماكرون إلى معارضة قرارات داخل مجلس الأمن الدولي تدعو إلى حل تفاوضي وسلمي.

علاوة على ذلك، عارضت فرنسا إصدار بيانات تندد بحصار طرابلس وبالانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان وتدعو إلى التحقيق في الجرائم ضد الإنسانية في ليبيا. وعموما، يتعارض هذا الموقف مع روح أوروبا التي تدعي باريس أنها تدافع عنها وأيضا مع روح الجمهورية الفرنسية ذاتها. 

وفيما يتعلق بشرق البحر المتوسط​​، أيد ماكرون الاتفاق الأخير لترسيم الحدود البحرية بين اليونان ومصر، والذي صادق عليه في أغسطس/آب برلمان أثينا، ردا على اتفاق مماثل بين ليبيا وتركيا.

وشاركت فرنسا أيضا في مناورات عسكرية إلى جانب اليونان ليست بعيدة جدا عن تركيا. لكن، من الواضح أن كل هذه التحركات الفرنسية تستجيب لمصالح اقتصادية، وهو موقف مخالف في هذه النقطة لموقف ألمانيا التي طلبت من الأتراك واليونانيين توخي الحذر.

وبشكل عام، من المرجح أن يؤدي هذا السلوك بفرنسا إلى مزيد من العزلة في أوروبا. وفي ظل هذا الوضع، يتعين على الاتحاد الأوروبي بلا شك اتباع سياسة معتدلة لا تستجيب حصريا للمصالح الاقتصادية، ولكنها تضمن الامتثال للقيم الأوروبية والمرونة إلى أقصى حد ممكن.