مهدي الصميدعي.. عشّاب بسيط نصبته إيران مرجعا للسنة في العراق

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يحاول مهدي الصميدعي، الذي يطلق على نفسه لقب مفتي عام الديار العراقية، تسويق نفسه في أكثر من مناسبة لتحقيق مآربه بالحصول على نفوذ وامتيازات جديدة من طهران وحلفائها بالعراق، وذلك من خلال مديح إيران وقادتها تارة، وتبني مواقفهم تارة أخرى.

الصميدعي، الذي دأب على إطلاق الألقاب والصفات الكثيرة على نفسه، ومنها: "إمام المجاهدين، وقائد المقاومة، وسماحة المفتي"، يتزعم مليشيا "أحرار العراق" التي تسطو على المساجد للسيطرة عليها ووضعها تحت سيطرته، يسعى إلى منصب رئيس ديوان الوقف السني.

"عشّاب بسيط"

لا تتوفر عن مهدي أحمد الصميدعي الكثير من المعلومات عن سيرته قبل الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، إذ عرف عن الرجل السبعيني أنه كان يمتلك "معشبا" بسيطا ويتكسب من العمل بمجال الرقية الشرعية والطب النبوي في منطقة اللطيفية الريفية جنوب بغداد.

ومع بدايات حالة الفوضى التي خلفها الاحتلال الأميركي عام 2003، استطاع الصميدعي مع مجموعة من الأشخاص السيطرة على جامع أم الطبول غرب بغداد، وفرض سيطرتهم عليه، وتغيير اسم المسجد إلى "شيخ الإسلام ابن تيمية"، واعتبر نفسه قائدا للتيار السلفي بالعراق.

وخلال مقابلة تليفزيونية في 4 أغسطس/ آب 2020، ادعى الصميدعي أنه أول رجل دعا إلى "مقاومة الاحتلال الأميركي في العراق عام 2003، وشكلنا المقاومة والجهاد، وأقنعنا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بأخذ دور في المقاومة ووافق على ذلك".

وأضاف: "أنا ومقتدى الصدر ذهبنا إلى العاصمة السورية دمشق في اليوم نفسه، والتقينا برئيس النظام بشار الأسد كل على حدة، ثم توجهنا إلى لبنان في اليوم التالي والتقينا بالأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، وعلى ضوء ذلك تأسست المقاومة".

وتابع: "حسن نصر الله بعث إلي بأحد رجاله من لبنان ويدعى زياد أبو طارق، وكانت مهمته تقديم الدعم، وقبل اعتقالنا من الأميركيين غادر المكان مع شخص آخر يدعى فخري القيسي، فهم نجوا ونحن اعتقلونا".

لكن المعلومات تشير إلى أنه كانت لمهدي الصميدعي علاقة بالسياسي العراقي سعد عاصم الجنابي أحد المقربين إلى الأميركي بول بريمر رئيس الإدارة المدنية للإشراف على إعادة إعمار العراق، وكان يمده بمبالغ مالية بشكل دائم.

"أستاذ البغدادي"

اعتقل الصميدعي عام 2004 على يد القوات الأميركية، وقضى في سجني أبي غريب سيئ الصيت وجروبر في مطار بغداد، 5 سنوات، تعرض خلالها إلى أكثر من 24 محاولة اغتيال داخل السجن من عناصر تنظيم القاعدة، حسب قوله.

يروي الصميدعي، أنه التقى زعيم تنظيم الدولة إبراهيم عواد المعروف بـ"أبي بكر البغدادي"، في سجن أبو غريب بعدما جيء به، ويصفه الصميدعي بأنه كان "رجلا مؤدبا" ويأخذ دروس القرآن، حتى أعطيته إجازة في القراءة عن روايتي "حفص" و"شعبة".

وفي المقابل، تربط الصميدعي علاقة قوية بزعيم مليشيا عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، والذي تعرف عليه في سجن جروبر أيضا، وكان حينها قائدا عسكريا لجيش المهدي، المليشيا التي أسسها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر.

صنيعة المالكي

بعد خروجه من السجن عام 2009 سافر إلى سوريا وأسس دار الإفتاء بدعم من بشار الأسد الذي منحه مكتبا في دمشق، وبقي من عام 2009 وحتى 28 ديسمبر/ كانون الأول 2011، ثم عاد إلى العراق بعد مفاوضات مع الحكومة.

عندها توطدت العلاقة مع رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، ودفعه الأخير إلى الواجهة ليكون زعيما سنيا بارزا، ومنحه لقبا صوريا تحت اسم مفتي "أهل السنة والجماعة في العراق"، وتحول بعدها إلى "مفتي الديار".

يقول عنه الداعية العراقي فاروق الظفيري خلال مقابلة تلفزيونية في ديسمبر/ كانون الأول 2019: "مهدي الصميدعي ليس له علاقة بأهل السنة، فهو يسير ضمن مشروع إيران، ومنصبه الحالي صوري أخذه من المالكي، وأساسا وضعه فيه محمد كوثراني مسؤول الملف العراقي في حزب الله اللبناني عام 2011 بعد رجوعه من سوريا".

وأفاد بأن الموجود في الدستور العراقي، هو منصب مفتي الديار، ويكون مستشارا لرئيس الجمهورية ومن يشغل هذا المنصب حاليا هو الدكتور رافع الرفاعي، وهو شخصية معروفة. 

وتابع: "الصميدعي أطلق على نفسه في بداية الأمر أمير السلفية في العراق، وبعدما رفضه السلفيون أنفسهم، تحول إلى مفتي أهل السنة، وكذلك رفض لأنه غير مؤهل فهو إنسان جاهل من ناحية العلم".

وبخصوص تحصيله الدراسي، يؤكد الظفيري: "تحصيل الصميدعي هو إعدادية دينية، وليس لديه بكالوريوس ولا ماجستير، أما شهادة الدكتوراه فاشتراها من جامعة الشرق الأوسط في سوريا، وحتى الراتب الذي يأخذه هو من جمعية ما تسمى الإمام الخميني".

ديوان الوقف

رجحت تقارير أن زيارة الجنرال الإيراني سليماني في حينها، كانت من أجل رسم خطة جديدة تتضمن تنصيب الصميدعي رئيسا جديدا لديوان الوقف السني، بعد إقالة رئيس الديوان عبد اللطيف الهميم ليكون لإيران دور أكبر في العراق.

وعن قصة الوقف السني ذاتها، يقول الكاتب نزار السامرائي في مقال نشره بموقع "العراق العربي" في 17 أغسطس/آب 2020: إنه "التقى الصميدعي في سيارة تقل وفدا عراقيا مناهضا للاحتلال الأميركي بين عامي 2010 و2011 كانت متجهة من دمشق إلى بيروت".

وأضاف: أن "الصميدعي عرض علي الحج مرة أخرى، فوافقت، فقال: إذا ساعدتني في الحصول على منصب رئيس ديوان الوقف السني، فستكون من ضمن بعثة الديوان أنت وزوجتك وعلى حساب الوقف".

ونقل عن الصميدعي قوله: "الوقف السني باع نفسه وممتلكاته للوقف الشيعي والحكومة الشيعية القائمة، وعبد اللطيف الهميم طامح في الوصول إلى هذا المنصب، وإذا تحقق له هذا الحلم الخبيث فإنه سيجهز على ما تبقى من استقلالية الوقف السني وحريته في التحكم في موارده وممتلكاته. لأن الهميم على استعداد لفعل أي شيء من أجل الوصول إلى المنصب وإثبات أنه صادق في تعهداته للشيعة وإيران".

لكن الصميدعي ذاته، قال خلال مقابلته التلفزيونية في 4 أغسطس آب 2020: إنه "هو من جاء بالهميم إلى رئاسة الوقف السني، بواسطة زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم، وبكتاب تزكية قدمه شخصيا إلى رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي".

ومن الأمور التي أثارت جدلا واسعا، ما كشفته وثيقة صادرة في سبتمبر/ أيلول 2015 عن "دار الإفتاء" التي يرأسها الصميدعي، يطالب فيها رئيس ديوان الوقف السني عبد اللطيف الهميم، بضم جامع أم الطبول الذي يتخذه الصميدعي مقرا له، إلى ديوان الوقف الشيعي.

رجل إيران

لا يخفي الصميدعي علاقته الوثيقة بإيران وفصائلها المسلحة في العراق، ويعلن على الدوام ولاءه الثابت لها، وسبق وأعلن في تصريحات متكررة أن "إيران تشرّف العالم باسمها، كونها ارتضت أن تسمي نفسها الجمهورية الإسلامية الإيرانية".

وفي السياق يقول المحلل السياسي العراقي، علي الحيالي، خلال تصريحات صحفية في مايو/ أيار 2020: إنه لم ير أبدا مواطنا قام بتوجيه سؤال ديني إلى مهدي الصميدعي بغية الحصول على فتوى منه في مسألة فقهية.

وأضاف الحيالي: أن الغالبية من العراقيين لم تكن تعرف الصميدعي، ومن يعرفه من البقية يعتبره "مفتي إيران"، وذلك بسبب علاقته الوطيدة بقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني.

وفي ديسمبر/ كانون الأول 2019 ظهر الصميدعي في صورة مع قائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني، ونائب رئيس الحشد الشعبي في العراق أبو مهدي المهندس اللذين قتلا في غارة أميركية قرب مطار بغداد في يناير/ كانون الثاني 2020.

ودليل على متانة العلاقة بين إيران والصميدعي، أهداه سليماني "سيف الإمام علي"، تعبيرا عن شكره للمفتي على مواقفه الثابتة، واعتبره علامة لصدق المشاعر والتوجه نحو تحرير فلسطين.

ووفقا لبيان "دار الإفتاء" العراقية، فإن الصميدعي (وقتها) استقبل سليماني والمهندس لبحث تطورات الوضع السياسي، وتشكيل الحكومة العراقية، إذ طالب الصميدعي سليماني بمنحه دورا في الحكومة.

وقبل ذلك، ظهر الصميدعي في أكثر من مرة مع المرشد الإيراني علي خامنئي، أثناء زيارات متكررة إلى إيران بدعوة من الأخيرة.

وشكل الصميدعي مجموعة مسلحة تحت اسم "حركة المقاومة الإسلامية / أحرار العراق" بذريعة مقاتلة تنظيم الدولة، وبتمويل عن طريق مليشيات الحشد الشعبي.

وعن أسباب اصطفافه مع المحور الإيراني، يبرر ذلك الصميدعي بالقول: "إيران تدعم المقاومة والمجاهدين، وكانت تدعم جميع الفصائل الجهادية السنية عندما كنت في السجن، ولذلك هو قريب منهم والتقى بالمرشد الإيراني علي خامنئي أكثر من مرة".