بعد لقاء الكاظمي وترامب.. إلى أين تسير العلاقات العراقية الأميركية؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

كسبت زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى واشنطن، اهتماما بالغا سياسيا وشعبيا، كونها الأولى من نوعها منذ تسلم الأخير منصبه في مايو/ أيار 2020، فضلا عن أنها حملت ملفات عدة على صعيد الأمن والاقتصاد والطاقة.

الكاظمي التقى خلال الزيارة بالرئيس دونالد ترامب، وكبار مسؤولي البيت الأبيض، وجرى الاتفاق بين الجانبين على موضوع انسحاب القوات الأميركية من العراق، إضافة إلى عقد اتفاقيات اقتصادية وأخرى تخص الطاقة الكهربائية والنفط.

كما التقى الكاظمي، في زيارته التي بدأها في 18 أغسطس/ آب 2020 واستمرت 4 أيام، برئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، إضافة إلى لقائه  شخصيا وعبر الهاتف مع قادة في الكونجرس.

تعامل جديد

واحد من أبرز الملفات التي بحثها الكاظمي مع إدارة ترامب، كان موضوع الانسحاب الأميركي من العراق، إذ اتفق الجانبان على تشكيل لجنة مشتركة تضع آلية للانسحاب خلال 3 سنوات.

وخلال مؤتمر صحفي مشترك مع الكاظمي في 20 أغسطس/ آب 2020، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب: إن "بلاده لديها عدد محدود من القوات في العراق، ونتطلع إلى اليوم الذي لا تكون فيه حاجة لوجودها في هذا البلد".

وأكد ترامب عزم بلاده على خفض قواتها في العراق، وقال: إن إرسال القوات إلى هناك كان خطأ كبيرا. وشدد على أن القوات الأميركية موجودة في العراق للمساعدة في حال أقدمت إيران على أي شيء.

وبخصوص أسباب تأجيل الانسحاب لمدة 3 سنوات، قال المحلل السياسي وائل الركابي خلال تصريحات صحفية في 21 أغسطس/آب 2020 : إنها "تأتي ضمن الأجندة الأميركية المخططة للمنطقة التي ربما تشهد تقسيمات جديدة، خاصة مع بداية التطبيع مع إسرائيل في إطار ما يعرف بصفقة القرن".

وأضاف: "ترامب يتوقع من الكاظمي تنفيذ مطالب أميركا خلال هذه المدة، وهي: حل الحشد الشعبي، وإبقاء القوات الأميركية، وتطبيق صفقة القرن، لكن السؤال الأهم هل يقوى الكاظمي على ذلك؟".

من جهته، قال فيليب سميث من معهد "واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" خلال مقابلة تلفزيونية في 21 أغسطس/ آب 2020: "حصل تغيّر أميركي في كيفية التعامل مع العراقيين، واليوم هناك تركيز من الأميركيين حول أننا ضحينا وأنفقنا الكثير على النظام العراقي".

مضيفا: "لكن رأينا أن إيران تستولي على الكثير من الأماكن بالعراق من خلال المليشيات والحشد الشعبي، فما الذي يمكنكم كدولة أن تفعلوه للولايات المتحدة أولا، وثانيا كيف يمكنكم أن تسيطروا على بلادكم وتفرضوا نفوذكم".

ولفت إلى أن "التوجه الأميركي اليوم هو إنهاء الحروب الخارجية ودعم حكومات معينة حتى لو كانت صديقة، لأن دونالد ترامب تركيزه الأول اقتصاديا، وبالتالي من السهل لإدارة ترامب أن تقول: إذا استطعتم فرض سيطرتكم ولا نرى صواريخ كل 5 دقائق من كتائب حزب الله، ففي هذه الحالة سنرى ما الذي يمكن أن نفعله".

وبخصوص كيفية التعامل مع المليشيات ومعظمها ممثل بالبرلمان أو ضمن الحشد الشعبي الذي يتسلم رواتبه من الدولة، قال سميث: "هذه مشكلة بالفعل، لأن الولايات المتحدة تعاملت مع العراق لسنوات طويلة حتى عام 2011، وبعدها يرى صانع القرار الأميركي أن هناك مؤسسة للنفوذ الإيراني في العراق".

وتابع سميث: "السؤال كيف يمكن عكس ذلك، بصفة عامة فإن صناع السياسات الأميركيين في إدارة ترامب يريدون رؤية كيف يمكن مواجهة النفوذ الإيراني بشكل لا يزيد نفوذهم عن الحد، لأنه لا يمكن إعادة الجن إلى القمقم مرة أخرى".

وأشار إلى أن "أمورا حدثت العام الماضي أظهرت أن الإيرانيين يحاولون الحصول على ما يريدونه، لكن الكاظمي اليوم قد يكون مرغما على أن يقف على قدميه ويظهر شخصيته الحقيقية إذا كان يريد زيادة من واشنطن لدعم حكومته".

تصاعد الهجمات

وفي السياق ذاته، أصدرت مليشيات مسلحة تطلق على نفسها "فصائل المقاومة" في 20 أغسطس/ آب 2020 بيانا بشأن زيارة الكاظمي، قالت فيه: "تفاجأنا من أن زيارة رئيس الوزراء لم تتضمن تنفيذ قرار إخراج القوات المحتلة الأميركية بشكل كامل، ونعد ذلك التفافا على سيادة العراق وعلى الدستور والقانون الذي يلزمه تنفيذ قرار البرلمان".

وصوت البرلمان، في يناير/كانون الثاني 2020، بالأغلبية على إنهاء الوجود العسكري الأجنبي على أراضي البلاد، وذلك إثر مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني برفقة نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبومهدي المهندس في قصف جوي أميركي قرب مطار بغداد الدولي.

وأضافت: "المقاومة لها الحق القانوني والمشروع في حال لم يتفق على الانسحاب الكامل للمحتل، بالانتقال من مرحلة العمل المقاوم التدريجي السابق، ومنح الفرصة للحوار السياسي، إلى مرحلة التصعيد واستهداف كل المصالح الأميركية وزلزلة الأرض تحت قواتهم المحتلة".

وأفادت تقارير صحفية بأنه "بعد فشل الكاظمي بإخراج الاحتلال الأميركي، عُقد ‏اجتماع مهم لقادة فصائل المقاومة البارحة ليلا، والمخرجات كانت على الاتفاق بالتصعيد والعمل الجهادي الجماعي، ضد قوات الاحتلال الأميركي".

وبعد ذلك مباشرة، تعرض رتل تابع للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة يحمل معدات لوجستية، لاستهداف بعبوة ناسفة، غرب العاصمة بغداد.

وتداول ناشطون مشاهد للحظة الانفجار الذي لم يوقع إصابات تذكر، حيث يعد هذا الهجوم الثاني خلال 24 ساعة، إذ قتل قبلها بيوم واحد سائق مركبة تقل معدات تابعة للتحالف الدولي، في تفجير بعبوة ناسفة، جنوبي بغداد.

وفي 23 أغسطس/ آب 2020 انسحبت قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة من قاعدة التاجي العسكرية في بغداد، وسلمتها لقوات الأمن العراقية المحلية، وسلمت قوات التحالف الدولى الموقع رقم (8) في قاعدة التاجي العسكرية إلى الجانب العراقي.

وأوضح المتحدث باسم العمليات المشتركة اللواء تحسين الخفاجي، أن الموقع كان يستخدم لتدريب الكوادر العراقية من قبل التحالف الدولي، مبينا أن الموقع سوف يخصص للقوات الأمنية العراقية لاستخدامه.

وقال بيان للتحالف: "قامت قوة المھام المشتركة - عملیة العزم الصلب بتسلیم الموقع الذي تشغله قوات التحالف في معسكر التاجي في العراق إلى قوات الأمن العراقیة في مراسم أقیمت في 23 أغسطس/آب 2020".

وأضاف البيان: "تم تسلیم الموقع المخصص إلى قوات التحالف إلى الجانب العراقي بفضل النجاحات التي حققتھا قوات الأمن العراقیة في الحملة المستمرة لھزیمة داعش (تنظيم الدولة)".

وتابع: "قام التحالف بتسلیم ما یعادل مبلغ 347 ملیون دولار من معدات وأصول ومرافق في معسكر التاجي إلى حكومة العراق. كانت ھذه أعلى قیمة مادیة بالدولار لأي من القواعد التي تم تسلیمھا".

وتنشر الولايات المتحدة نحو 5 آلاف جندي في العراق وينشر التحالف 2500 آخرين، وخرج الموقع 47 ألف منتسب عراقي أشرفت قوات التحالف الدولي على تدريبهم على مدى 6 سنوات. وخلال الأشهر الأخيرة أخلى "التحالف" 6 قواعد عسكرية، وسط استمرار المشاورات بشأن آليات وتوقيت إعادة انتشار القوات الدولية.

ناجحة أم فاشلة؟

الكاظمي، أكد في 20 أغسطس/آب 2020، أن لقاءه مع ترامب كان مهما وناجحا، لافتا إلى أن كلا الطرفين خرجا مرتاحين من هذا اللقاء، فهل كانت الزيارة بالفعل ناجحة أم فاشلة؟ وكيف ستنعكس على الأمن والاقتصاد للبلد، كون هذان الملفان أخذا مساحة واسعة من اللقاءات والاتفاقيات بين مسؤولي العراق والولايات المتحدة؟.

الباحث في الشأن العراقي لطيف المهداوي قال لـ"الاستقلال": "الاتفاقيات التي عقدت بين بغداد وواشنطن في الملفات الاقتصادية والأمنية والمالية، لا شك أنها تؤثر على مستقبل العراق وترسم وتشرع للوجود الأميركي في كل المجالات، وبالتالي انفراد الولايات المتحدة بالاقتصاد العراقي ومستقبله السياسي وربطه به بعيدا عن الدول الأخرى".

وأضاف: "ملف الكهرباء كانت ألمانيا تنافس عليه واليوم حسم لصالح الشركات الأميركية، وكذلك الاتفاقية مع الصين التي أبرمها رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي أصبحت اليوم بحكم المنتهية".

وأوضح المهداوي أن "الكاظمي جاء بإرادة غربية وهم داعمون له، وربما لديه خطة مدعومة منهم لتغيير الواقع السياسي وتغيير الوجوه والزعامات والكتل السياسية، لذلك أغلب السياسيين يتوقعون حصول هذا الأمر".

وأشار إلى أن "هذا الأمر ولد إرباكا لدى قادة الكتل الشيعية الكبيرة خصوصا لتخوفهم من الكاظمي وما يخشون حصوله من خلال السياسات التي يقوم بها، إضافة إلى أنهم يتخوفون من معارضتهم له علنا لزيادة رفضهم من الشارع وعدم انتخابهم مرة أخرى واستبدالهم بشخصيات وأحزاب جديدة".

وفي السياق ذاته، رأى المحلل السياسي غانم العابد خلال تصريحات في 22 أغسطس/ آب 2020 أن "زيارة الكاظمي إلى واشنطن كانت ناجحة، وأنه بدأ ينجح في العلاقات الخارجية، وهناك قمة عراقية أردنية مصرية، لتفعيل الجانب الاقتصادي بين هذه الدول الثلاثة".

وأشار إلى أن "ذلك يعني أن السياسة العراقية اليوم منفتحة وتختلف عما سبقها، والتي كانت تتصف بالانغلاق على جميع الدول والانفتاح على إيران فقط، لكن الكاظمي يسعى إلى الانفتاح على الجميع لكن دون تدخلهم في الشؤون الداخلية".

ولفت الغانم إلى أن "المعسكر الإيراني في العراق (المليشيات والأحزاب الموالية لإيران) يرى أن زيارة الكاظمي فاشلة، لأنه لا يرغب بانفتاح العراق على المحيط العربي والدولي، وإبقاء البلد فقط حديقة خلفية لإيران".