محاولات جرّهم للطابور.. كيف تعامل السودانيون مع إرهاصات التطبيع؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية السودانية حيدر بدوي مؤخرا عن قرب إقامة علاقات بين الخرطوم وتل أبيب، أحدثت زلزالا سياسيا في السودان.

تصريحات بدوي لم تمر مرور الكرام، بل خلفت ردود فعل غاضبة في الأوساط السياسية والشعبية، ومثلت ضغطا هائلا على حكومة عبد الله حمدوك التي تعيش في الأساس أزمات ومشكلات جمة سياسيا واقتصاديا.

لكن يبقى السؤال المطروح، عن مستقبل العلاقات الإسرائيلية السودانية خاصة بعد ما كشف بدوي عقب إقالته، عن وجود مباحثات ومحادثات غير معلنة بين البلدين.

من الناحية الرسمية، "لا توجد علاقات دبلوماسية بين إسرائيل والسودان، ويعتبران حتى الآن أعداء من الناحية الرسمية"، حسبما أكدت رينا باسيست، الموظفة السابقة بوزارة الخارجية الإسرائيلية.

لكن على أرض الواقع يحاول سياسيون وأعضاء بحكومة حمدوك الوقوف في طابور التطبيع، والحصول على صك المرور بعد الإمارات التي أعلنت في 13 أغسطس/آب 2020 إقامة علاقات مع إسرائيل.

تصريح صادم

في 18 أغسطس/ آب 2020، وبعد 5 أيام من إعلان الإمارات التطبيع مع إسرائيل، فاجأ المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية السودانية حيدر بدوي، الجميع بإعلان "عزم بلاده تطبيع العلاقات مع إسرائيل".

بدوي قال: "لقاء رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قبل أسابيع (في فبراير/شباط 2020)، كان خطوة جريئة فتحت الباب أمام اتصالات يمكن أن تتم بين الطرفين".

وأردف: "نسعى لأن يكون ملف التعامل مع إسرائيل لدى الخارجية باعتبارها وزارة سيادية. نحن لسنا أول دولة تطبع مع إسرائيل وعلاقتنا مع اليهود قديمة منذ عهد موسى عليه السلام، وسنناقش التطبيع مع إسرائيل في دهاليز السلطة بالخرطوم ولسنا تبعا لغيرنا".

وأضاف: "إسرائيل ستستفيد من السودان، ونحن سنستفيد منها ويجب التعامل بندية، إسرائيل ستستفيد منا فائدة عظيمة. تطبيعنا مع إسرائيل سيكون مختلفا ومن نوع فريد ولا يشبه الدول الأخرى". 

على الصعيد الإسرائيلي سرعان ما تلقفت القيادة السياسية في تل أبيب، تلك التطلعات ورحبت بها عن طريق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي غرد عبر تويتر، قائلا: "يرحب رئيس الوزراء نتنياهو بموقف وزارة الخارجية السودانية، الذي يعكس القرار الشجاع الذي اتخذه رئيس مجلس السيادة السوداني (عبد الفتاح البرهان)، والذي دعا إلى العمل على تعزيز العلاقات بين البلدين".

كما زعم أن "إسرائيل والسودان والمنطقة بأسرها ستربح من اتفاقية السلام (في حال توقيعها بين البلدين)، وتستطيع أن نبني معا مستقبلا أفضل لجميع شعوب المنطقة". 

فيما أعلنت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية أن "معظم الاتصالات مع السودان في الأشهر الأخيرة أحرزت تقدما، خاصة فيما يتعلق بالرحلات الجوية فوق أراضيه".

وضع ملتبس

بعد الضغط الشعبي الواسع، واللغط الذي أثير حول التطبيع، نفت وزارة الخارجية في 19 أغسطس/ آب 2020، ما ورد في تصريحات الناطق باسمها، وعبرت عن دهشتها، وقال وزير الخارجية المكلف عمر قمر الدين في تصريح صحفي: إن وزارته "تلقت بدهشة تصريحات حيدر بدوي صادق".

وأضاف الوزير: أن هذه التصريحات "أوجدت وضعا ملتبسا يحتاج لتوضيح". وشدد على أن "أمر العلاقات مع إسرائيل لم تتم مناقشته في وزارة الخارجية بأي شكل كان، ولم يتم تكليف السفير حيدر بدوي للإدلاء بأي تصريحات بهذا الشأن".

وعلى خلفية التصريحات تم إعلان إقالة بدوي الذي أجهش بالبكاء أمام كاميرا قناة الجزيرة، قائلا: "لولا الشعب السوداني العظيم لما تجرأت أن أقدم على هذا الموقف"، وأتبع كلماته، بتلميحات عن انزلاق النظام السوداني القائم برمته إلى مسار التطبيع.

بدوي دعا إلى ضرورة أن تكون الحكومة التي جاءت بها الثورة صريحة وواضحة في تعاطيها مع الشعب، قائلا: "البرهان التقى نتنياهو سابقا"، وأشار إلى التصريحات التي صدرت من مسؤول إسرائيلي بخصوص مفاوضات سرية تجري بين السودان وإسرائيل، موضحا "لم يتم نفيها أو تأكيدها من جانب الحكومة. الشعب يريد أن يعرف ماذا يدور في هذا الشأن".

رفض شعبي

دعوى التطبيع التي خرجت من أروقة وزارة الخارجية، جابهها رفض قاطع من الشارع السوداني، ومن أحزاب معارضة، حيث أعلن حزب الأمة القومي بقيادة الصادق المهدي، ورئيس هيئة علماء السودان، الدكتور محمد عثمان صالح، رفضهما أي خطوة للتطبيع.

حزب الأمة قال في بيان: "تناقلت بعض الأخبار ما يفيد احتمال إقامة السودان علاقات مع إسرائيل، ويعيش السودان الآن فترة انتقالية، ونرى أن البت في المسائل الوطنية الخلافية من اختصاص الحكومات الوطنية المنتخبة".

وشدد الحزب: "لم تزل إسرائيل محتلة لأراض عربية، ولم يتم التوصل إلى أيّ شكلٍ من أشكال التسوية النهائية بشأنها مع الفلسطينيين.. وأية علاقة مع إسرائيل في ظل عدم استرداد الأراضي العربية المحتلة، في تسوية مقبولة، والتزام بقرارات الشرعية الدولية لا مبرر لها".

فيما قال رئيس هيئة علماء السودان، الدكتور محمد عثمان: "تصريح المتحدث باسم الخارجية لا يمثل إلا نفسه ونرفض أي خطوة للتطبيع مع الكيان الصهيوني ويرفضه الشعب السوداني المناصر للقضية الفلسطينية".

مظاهرات عارمة

الموقف الذي أظهره الشعب السوداني جاء امتدادا لموقف سابق عقب أيام من الإطاحة بالبشير، في 3 فبراير/ شباط 2020، عندما التقى نتنياهو، بالبرهان، في أوغندا، وهو اللقاء الذي لم يتم الإعلان عنه مسبقا، ومثل صدمة لمعظم الأوساط السياسية والإعلامية في العالم العربي.

وقتها أعلنت الحكومة الإسرائيلية في بيان بأن "نتنياهو يؤمن أن السودان يسير في اتجاه جديد وإيجابي، وعبر عن رأيه هذا في محادثاته مع وزير الخارجية الأميركي (مايك بومبيو)".

الحدث أغضب بشدة عموم السودانيين، الذين خرجوا في مظاهرات عارمة عقب صلاة الجمعة، يوم 7 فبراير/ شباط 2020، في العاصمة الخرطوم، احتجاجا على لقاء البرهان ـ نتنياهو.

تلك المظاهرات دعا لها تيار "دولة القانون ونصرة الشريعة"، وتجمع "سودانيون ضد التطبيع"، وجابت الشوارع الرئيسية للعاصمة.

وقبلها في 5 فبراير/ شباط 2020، شهدت الحكومة الانتقالية أول استقالة احتجاجية بسبب الواقعة، تقدم بها السفير رشاد فراج الطيب، مدير إدارة السياسة الخارجية بمجلس السيادة الانتقالي.

وقال فراج في خطاب استقالته: "بعد سنوات حافلة بالبذل والعطاء من أجل وطني وشعبي العظيم، أجد اليوم عسيرا ومستحيلا على نفسي، الاستمرار في موقعي كمدير لإدارة السياسة الخارجية، بأمانتكم الموقرة، إذ يتعين علي أن أخدم في حكومة يسعى رأسها للتطبيع والتعاون مع الكيان الصهيوني، الذي يحتل القدس الشريف، ويقتل أهلنا في فلسطين، ويعربد في أوطاننا العربية والإسلامية دون رادع".

المظاهرات والاستقالات التي حدثت كردة فعل على تهافت الحكام نحو التطبيع، عبرت بقوة عن موقف الشعب السوداني.