تجنيد إجباري بـ"قسد" السورية.. لماذا طال الاختطاف الأطفال العرب؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تلجأ قوات سوريا الديمقراطية "قسد" التي تبسط سيطرتها على مساحات واسعة في مناطق شمال وشرق سوريا إلى عمليات التجنيد القسري للقاصرين لإجبارهم على القتال في صفوفها، حيث باتت هذه الممارسات تشكل ظاهرة متنامية، بعدما توقفت لأشهر عدة.

وتعتمد "قسد" وغيرها من التنظيمات الكردية في تجنيد الأطفال على عمليات الاختطاف، رغم توقيع زعيم قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي "خطة عمل" مع وكيل الأمين العام للأمم المتحدة فرجينيا غامبا في يونيو/ حزيران 2009 للتخلي عن تجنيد القاصرين.

خطف متواصل

لا يقتصر خطف "قسد" للأطفال وتجنيدهم قسريا في صفوفها على المكون الكردي، وإنما تجاوز الأمر إلى أبعد من ذلك ليطال القاصرين العرب، إذ أكد الخبير العسكري السوري عبد الله الأسعد أن "كل الأطفال الموجودين ضمن سيطرة قسد هم مجبرون على الانضواء تحت لوائها".

وقال الأسعد لـ"الاستقلال": إن "الأكراد لهم نظام داخلي لالتحاق الشباب إلى صفوف قسد، أي بمعنى إذا كانت عائلة لديها شاب واحد تحت سن الـ16 عاما، فيجب انضمامه إلى التنظيم، أما إذا كان في العائلة 3 شباب، فيأخذ اثنين ويترك واحدا".

وأوضح الخبير العسكري أن "اختطاف الأطفال وحرمانهم من التدريس لا يقتصر على الصبيان فقط، وإنما هذه الممارسات تطال الفتيات أيضا، ويجب عليهن الذهاب إلى الجبال والقتال مع تنظيم قسد".

ولفت إلى أن "هذه الظاهرة تنتشر لعدم وجود عناصر كثيرة من أبناء المكون الكردي، وأن قسد يجند الشباب العربي وبدأ بتصفية شيوخ العشائر من أجل أن تكون الساحة خالية لهم ويفرض شروطا جديدة".

وكشف الأسعد أن "قوات سوريا الديمقراطية تضع حواجز بين القرى الكردية والعربية، من أجل منع هؤلاء القاصرين المختطفين من الهروب وإجبارهم على القتال في صفوفه".

من جهته، أدان المرصد "الأورومتوسطي" لحقوق الإنسان بشدة عمليات الاختطاف التي تقوم بها "قسد" وزجهم في معسكرات التجنيد الإجباري، مطالبا الجهات الدولية المعنية بضرورة التدخل ووقف الانتهاكات المتلاحقة بحق الأطفال في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.

وقال المرصد الحقوقي الدولي ومقره جنيف، في بيان أصدره 5 يوليو/ تموز 2020، أدان فيه اختطاف "قسد" الطفلة رونيدا داري (11 عاما) من مدينة عامودا بريف الحسكة الشمالي، مشيرا إلى عملية الاختطاف هذه ليست الأولى، إذ تنتهج "قسد" سياسة تجنيد الأطفال وإشراكهم في العمليات العسكرية قسرا دون الالتفات إلى الحماية الخاصة التي أقرها القانون لهم.

وكشف "الأورومتوسطي" أن عدد الأطفال المجندين قسرا في معسكرات "قسد" وصل إلى 86 طفلا حتى مطلع يوليو/ تموز 2020. وشدد على حظر القانون الدولي الإنساني مشاركة الأطفال في النزاعات المسلحة، منوها إلى أن مشاركة الأطفال في الأعمال العدائية انتهاك للقواعد الإنسانية.

"الشبيبة الثورية"

كشفت وسائل إعلام سورية معارضة، عن مجموعة تدعى "الشبيبة الثورية" كواحدة من أبرز الجماعات العسكرية الكردية، التي تقف وراء عمليات اختطاف القاصرين في مناطق شمال شرق سوريا، حيث اختطفت 15 قاصرا مؤخرا، من بينهم ابنة أحد قائدة "المجلس الوطني الكردي".

"الشبيبة الثورية" أو ما يعرف كرديا بـ"جوانن شورشكر" هي مجموعة تتألف من شباب وشابات أغلبهم قاصرون لا يتبعون فعليا لأي من مؤسسات "الإدارة الذاتية"، ويتم غالبا قيادتهم من قادة عسكريين ينتمون لحزب "العمال الكردستاني" المعروف اختصارا بـ"بي كا كا".

وأفادت التقارير بأن حزب "العمال الكردستاني" يعتمد على هذه المجموعة للقيام بعمليات خطف وضرب النشطاء المعارضين لهم في سوريا، وحرق مقار "المجلس الوطني الكردي" وتهديد المعارضين لـ"الإدارة الذاتية".

ومن بين القاصرين الذين اختطفتهم هذه المجموعة، طفلة قاصرة (14 عاما) ابنة قيادي في حزب ينتمي لـ"المجلس الوطني الكردي" في الثاني من يوليو/تموز 2020، بمدينة القامشلي أثناء توجهها لمعهد تعليمي بالقرب من مقر لـ"الشبيبة الثورية" في المدينة.

وحسب التقارير، فإن "المجلس الوطني الكردي" تدخل لدى قائد "قسد"، مظلوم عبدي، وطالبه بضرورة إعادة الفتاة بأسرع وقت والتلويح بتعليق المفاوضات مع "حزب الاتحاد الديمقراطي" في حال عدم إطلاق سراح الفتاة، وبعد يومين قضتهما في أحد معسكرات التدريب بمدينة الحسكة، أطلق سراحها.

وأشارت التقارير إلى أن أكثر من 15 قاصرا اختطفتهم "الشبيبة الثورية" في عموم مناطق سيطرة "قسد" نقلوا إلى معسكر للتدريب بأطراف مدينة الحسكة، حيث يتلقون تدريبات عسكرية قاسية قبل تجنيدهم ضمن صفوف القوات التابعة لـ"الإدارة الذاتية".

العديد من حالات الاختطاف جرت في مناطق عين العرب (كوباني)، وفي أرياف الحسكة وحلب، إذ يقول الصحفي الكردي شيرزان علو خلال تصريحات صحفية في 9 يوليو/ تموز 2020: إن "وتيرة اختطاف الأطفال تصاعدت خلال الأيام القليلة الماضية".

وبخصوص العدد الحقيقي للمختطفين، قال علو: "لا أرقام واضحة، حيث لا يعلن الأهالي كلهم عن اختطاف أطفالهم، لأسباب منها الخوف على مصيرهم في حال تم تداول اسم المختطف إعلاميا، وأيضا في بعض الحالات يفضل الأهالي عدم الإفصاح لإفساح المجال أمام محاولة إعادة أطفالهم من خلال وساطات محلية".

وأشار الصحفي الكردي إلى أنه "غالبا ما يتم اقتياد الأطفال المختطفين إلى معسكرات سرية، داخل الأراضي السورية، أو خارجها في شمال العراق (ذات الغالبية الكردية)".

غسيل أدمغة

لا يخضع الأطفال المختطفون إلى عمليات تدريب عسكرية فحسب، وإنما إلى دورات أيديولوجية في مناطق سرية، بهدف زرع أفكار الحزب المتطرفة داخل عقول هؤلاء، وبعبارة أخرى فإنه يتم "غسيل أدمغة" القاصرين والقاصرات، ليكونوا كوادر حزب "العمال الكردستاني" المستقبلية، حسبما كشف نائب رئيس رابطة المستقلين الكرد السوريين، رديف مصطفى.

وأضاف مصطفى خلال تصريحات صحفية  في 7 يوليو/ تموز 2020: "العمال الكردستاني، لم يتوقف يوما عن خطف الأطفال والقاصرين بهدف التجنيد في صفوفه"، لافتا إلى أن "عمليات الخطف هذه التي تنتهك حقوق الإنسان والطفل، تتم على نطاق سري، في مناطق شمال شرقي سوريا، وتحديدا في المخيمات التي تؤوي العائلات الكردية النازحة، من عفرين وغيرها".

وأكد أن "العمال الكردستاني والأحزاب السورية التابعة له، يولي تجنيد الأطفال أهمية قصوى، فإن اختطاف الأطفال بهدف التجنيد، يعد أحد مرتكزات عمل "العمال الكردستاني"، رغم تعارض ذلك مع كل المبادئ الحقوقية الدولية"، مشيرا إلى "استحالة توثيق كل حالات الاختطاف".

وبيّن مصطفى أن "عددا كبيرا من حالات الاختطاف تتم بشكل سري، ولا يستطيع أهالي الطفل التصريح لوسائل الإعلام بذلك، على أمل أن يستجيب الاتحاد الديمقراطي لمناشداتهم بعيدا عن التصعيد عبر وسائل الإعلام".

الصحفي جوان رمّو، أكد في تصريح له يوم 7 يوليو/ تموز 2020 أن العدد الحقيقي لحالات اختطاف الأطفال ضخم، إلا أنه لا يتم ذكر كل هذه الحالات، بسبب مخاوف الأهالي من التعرض لمضايقات من عناصر "العمال الكردستاني".

وأرجع رمّو، زيادة حالات الاختطاف مؤخرا إلى محاولة "العمال الكردستاني" تعويض النقص في كوادره، بسبب الخسائر التي تكبدها خلال العملية العسكرية التركية الأخيرة ضد معاقله شمال العراق.

الخدمة الإجبارية

وسبق أن قال المرصد "الأورومتوسطي": إن قوات "قسد" المدعومة مِن التحالف الدولي اختطفت، خلال شهر ديسمبر/أيلول 2019، نحو 200 طفل من داخل (مخيم الهول)، وعزلتهم في أحد المعسكرات التابعة لها لتجنيدهم واستخدامهم في القتال.

ويعمل "حزب الاتحاد الديمقراطي" الذي يهيمن على "قسد"، على إطلاق حملات للتجنيد الإجباري تحت مسمى "واجب الدفاع الذاتي" في جميع مناطق سيطرته، ويشن من أجل ذلك حملات دهم واعتقال تشمل الشبان والفتيات لسوقهم إلى الخدمة قسرا.

وذكرت تقارير في 8 يوليو/ تموز 2020، أن قوات سوريا الديمقراطية "قسد" اعتقلت نحو 4 آلاف شاب في كل من الحسكة وحلب والرقة ودير الزور منذ بداية يوليو/ تموز 2020، لتجنيدهم في صفوفها تحت ما يسمى الخدمة الإجبارية.

واستأنفت "قسد" حملات التجنيد الإجباري للشبان ضمن مناطق سيطرتها منذ بداية يوليو/ تموز 2020، بالتوازي مع انتشار كبير لما يسمى الشرطة العسكرية في كل من الدرباسية وتل تمر، ومناطق أخرى شرق الفرات، وذلك بعد توقف التجنيد الإجباري لنحو 3 أشهر، حسبما أفادت مواقع المعارضة.