مقاتلون عرب أعلنوا انشقاقهم.. هل "قسد" على موعد مع التفكك؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في تطور جديد تشهده الأراضي السورية الواقعة خارج سيطرة النظام، أعلنت مجموعة من العناصر المقاتلة ضمن تشكيل قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، الانشقاق احتجاجا على "إقصاء العرب" والسياسات التمييزية، وذلك قرب مدينة الشحيل شرقي محافظة دير الزور.

انشقاق 140 عنصرا ينتمون إلى الفصيل العربي بقيادة حمود العسكر في "قسد" التي يغلب عليها الطابع الكردي، جاء على خلفية اعتقالات طالت عددا من أبناء دير الزور الذين عارضوا سياسات وانتهاكات "قسد"، وآخرها رفضهم للمناهج الدراسية المخالفة لأعرافهم.

انتهاكات متراكمة

الأحداث المستجدة في مناطق "قسد" أثارت تساؤلات عن الأسباب الحقيقية وراء الانشقاق، ومدى إمكانية تمددها إلى مجامع أخرى منضوية تحت الكيان المدعوم من الولايات المتحدة، وهل من تداعيات يمكن أن يسببها الانشقاق في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية؟.

تعليقا على ذلك، يقول الخبير العسكري السوري العميد ركن أحمد رحال، لـ"الاستقلال": "قسد هي تحالف تشكل بالقوة والإجبار، أي أن الفصائل العربية التي انضمت لها ليست لعدالة أو شرعية قسد، فهم إما أن يرموا السلاح ويغادروا أو ينضموا إلى قوات سوريا الديمقراطية، والولايات المتحدة تدرك ذلك جيدا".

وبخصوص أسباب الانشقاق الأخير، قال رحال: "في مرحلة من المراحل أصبحت قسد أكبر من حجمها وبدأت تتصرف تصرفات ديكتاتورية وخاطئة بحق المكونات الموجودة، سواء من العرب أو الآشوريين والتركمان، وهذه كلها أخطاء متراكمة".

وأوضح الخبير العسكري أن "العمق العشائري والقبلي بالنسبة لهؤلاء المقاتلين يمثل شيئا أكبر من انتمائهم لقسد، ولذلك لما حصلت بعض الأخطاء بحق العشائر في منطقة الشحيل، أقدم المقاتلون من أبناء هذه المنطقة إلى رمي السلاح، لأنهم لا يستطيعون تجاوز شيخ العشيرة ولا تجاوز الظلم والتعدي الذي تقوم به قسد في منطقتهم".

من جهته، قال الحقوقي جلال الحمد مدير منظمة "العدالة من أجل الحياة"، خلال تصريحات صحفية في 23 يوليو/ تموز 2020: "سوء إدارة قسد في النواحي الإدارية والأمنية والعسكرية، أدى إلى تصاعد الغضب العربي، على شكل احتجاجات وأدوات أخرى منها الانشقاقات".

وأضاف: أنه نتيجة لعدم استماع "قسد" لشكاوى الأهالي، وكذلك لعدم إشراكهم في الحكم، فإن مناطق سيطرتها تتأهب لدخول مرحلة عنوانها لا زال مجهولا، مبديا تخوفه من دخول المنطقة في فوضى عارمة، بالقول: "يجب أن يكون الرفض مدروسا للوصول إلى نقطة أساسها الشراكة والشفافية في إدارة المناطق".

تداعيات محتملة

وفيما إذا كانت خطوة انشقاق العشرات من عناصر "قسد" بداية لعمليات مماثلة قد تشهدها قوات سوريا الديمقراطية في المستقبل القريب، توقع العميد الركن السابق أحمد رحال أن تستمر، لكنه أشار إلى أن الولايات المتحدة ستعالج الأمر كي لا يتفشى.

ونوه إلى أن "قوات قسد في الشمال السوري تضم جميع المكونات، لكن 80 بالمئة هم أكراد ويسيطر عليهم تنظيم (بي كا كا)، والقرار السياسي والعسكري كله يأتي من حزب العمال والاتحاد الديمقراطي الكردستاني".

ورأى رحال وصول الحالة في سوريا إلى مرحلة التصفيات، فالعشائر العربية لا يمكن أن ترضى بهذا الوضع، لأنه رغم أن الأكراد هم شركاء في الوطن لكن نسبتهم لا تتجاوز 10 أو 15 بالمئة، لذلك ليس لهم حق السيطرة وفرض القرارات على مناطق دير الزور والرقة والحسكة والقامشلي، التي معظم سكانها عرب ومن باقي المكونات.

وأكد الخبير العسكري أنه إذا لم تعالج ممارسات "قسد"، فإن معظم المنضمين لقوات سوريا الديمقراطية من عرب وتركمان وآشوريين سيغادرون، لأن "قسد" تجاوزت الحدود والخطوط الحمراء وتعدياتها كثرت، وهذا شيء مضر ببقائها واستمرارها. أتوقع أن الولايات المتحدة تراقب ما يجري وسيكون لها إجراء بهذا الخصوص.

وفي السياق ذاته، أدان "الائتلاف السوري" المعارض ما وصفها بـ"الانتهاكات والخروقات" التي تقوم بها قوات سورية الديمقراطية "قسد"، بحق أهالي محافظة دير الزور، والتي شملت الضرب والترهيب والإذلال وتعنيف الأطفال والنساء وصولا إلى فرض حظر التجول مع قطع الكهرباء، وتحويل المساجد إلى نقاط عسكرية ومنع رفع الأذان وإقامة الصلاة فيها.

وأوضح الائتلاف خلال بيان أصدره في 20 يوليو/ تموز 2020 أن مشاريع التهجير والتغيير الديموغرافي التي ترتكبها هذه "المليشيات الإرهابية" تمثل انتهاكا خطيرا يهدد النسيج الاجتماعي للمنطقة، فإضافة إلى الملاحقات الأمنية والقيود المتعددة وحملات الاعتقال والتجنيد الإجباري، تقوم "قسد" باستهداف الفئة الحية النشطة والفاعلة في المنطقة مستغلة شعارات الحرب على الإرهاب، من أجل فتح حرب على المجتمع المدني ومنعه من ممارسة دوره في الدفاع عن المدنيين.

ولفت إلى أن هذه المليشيات لم تكن لتحذو حذو نظام الأسد في ممارساته العنصرية، وتطغى لهذا الحد لولا انخداع بعض الأطراف الدولية بها، مؤكدا أن "ممارسات هذه المليشيات باتت واضحة وعصية عن التعامي عنها أو الانخداع بها". وطالب التصريح بموقف موحد ضد الإرهاب دون تفرقة، لاسيما وأن أهل شرق الفرات ما زالوا يتقلبون تحت سلطات إرهابية متنوعة من نظام الأسد إلى مليشيات إيران وتنظيم الدولة والوحدات الكردية.

تشكيلات "قسد"

تشكلت قوات سوريا الديمقراطية التي تعرف نفسها بأنها "قوة عسكرية وطنية موحدة لكل السوريين تجمع العرب والأكراد والسريان وكافة المكونات الأخرى"، في 10 أكتوبر/تشرين الثاني 2015، بعد إعلان الولايات المتحدة نيتها تقديم أسلحة لمجموعة محددة بهدف محاربة تنظيم الدولة.

تتألف قوات سوريا الديموقراطية، من مجموعة من الفصائل المسلحة، وتشكل "وحدات حماية الشعب"، و"وحدات حماية المرأة"، وهي قوى مسلحة تابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، العمود الفقري لها.

ومن بين أبرز الفصائل المنضوية تحت قوات "قسد"، هي: "وحدات حماية الشعب الكردية (أكثر من 15 ألف مقاتل)، وحدات حماية المرأة الكردية (أكثر من 5 آلاف مقاتلة)، التحالف العربي السوري، جيش الثوار الذي يضم: جبهة الأكراد، واللواء 99، والعمليات الخاصة 455، وأحرار الزاوية، ولواء السلطان سليم، ولواء شهداء أتارب".

ويضم أيضا: "غرفة عمليات بركان الفرات، قوات الصناديد، لواء السلاجقة، تجمع ألوية الجزيرة، المجلس العسكري السرياني- سوتورو، لواء ثوار الرقة، كتائب شمس الشمال، لواء التحرير".

يضاف إلى هذه المجموعات، كتائب بأعداد صغيرة، منها: صقور البادية، لواء الجهاد في سبيل الله، كتائب فاضل الشبلي، أحرار جرابلس، كتائب أسود الفرات، كتائب أسود السفيرة، لواء جند الحرمين، تجمع كتائب فرات جرابلس.

وقدرت الولايات المتحدة تعداد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" في 2017 بـ45 ألف مقاتل تقريبا، نصفهم من العرب. وطالما أمنت الولايات المتحدة الدعم لوحدات حماية الشعب الكردية من خلال تزويدها بالتسليح والغطاء الجوي في معاركها ضد تنظيم الدولة.

وبعد تشكيل "قسد" تلقت هذه القوات أسلحة ثقيلة من الولايات المتحدة من بينها ناقلات جنود ومدافع هاون ورشاشات ثقيلة إلى جانب الذخيرة، رغم معارضة تركيا الشديدة، التي تعتبر أن حزب "الاتحاد الديمقراطي الكردي" في سوريا ليس سوى الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه واشنطن على لوائح الإرهاب.

وتسيطر "قسد" حاليا على نحو ثلث مساحة سوريا الواقعة في مناطق شمال سوريا وشرق نهر الفرات بعد استعادتها من قبضة تنظيم الدولة.

كما تسيطر على نحو 90 في المئة من الثروة النفطية بالإضافة إلى 45 في المئة من إنتاج الغاز، وقد تكون هذه الثروات والمنشآت الواقعة في تلك المنطقة سببا لفصل جديد من القتال بين أطراف الصراع في سوريا.