مقابر صحراء المماليك لم تسلم من معوله.. يد السيسي تبطش بتاريخ مصر

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منطقة "صحراء المماليك" التاريخية شرقي القاهرة، يقدر عمر آثارها بأكثر من 500 عام، وتضم أكثر من 30 أثرا مسجلا، دفن بها السلطان قايتباي وبرقوق، وغيرهم من سلاطين المماليك، بالإضافة إلى قبر شيخ الإسلام الإمام العز بن عبد السلام، وغيره من عظماء رموز العالم الإسلامي وكبار مؤرخيه وقادته في تلك الحقبة الآثرة من تاريخ مصر.

هذه المنطقة التاريخية تتعرض لمعول هدم من قبل نظام عبد الفتاح السيسي، التي بدأت تدشين محور الفردوس على أنقاض الآثار التاريخية العريقة، ما أثار حفيظة المؤرخين والمفكرين المصريين.

ورغم نفي رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية بوزارة السياحة والآثار أسامة طلعت لواقعة الهدم والتدمير، لكن في 21 يوليو/ تموز 2020، شهدت مصر حالة من الذهول والصدمة تلاها جدل عبر وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي بعد انتشار صور لعمليات هدم المقابر بالجرافات في منطقة صحراء المماليك.

بعض المهتمين بالآثار انتقدوا عملية الهدم، وتغيير ملامح المنطقة، عبر إنشاء محور "الفردوس" الجديد في منطقة تعج بالمباني التاريخية والأثرية في قلب القاهرة.

حقبة تاريخية

صحراء المماليك تضم قبورا شاهدة على تاريخ مصر، فهي تضم مدفن المفكر والفيلسوف أحمد لطفي السيد، رائد من رواد النهضة والتنوير، ووزير المعارف ثم الداخلية، ورئيس مجمع اللغة العربية ومدير الجامعة المصرية.

كذلك تضم مدفن نازلي هانم حليم ابنة محمد عبد الحليم باشا، وحفيدة محمد علي باشا الكبير. ومدفن أسرة عبود باشا، وهو اقتصادي ورجل أعمال مؤسس شركة السكر وخط البريد الخديوي وشركه الأمنيبوس، وأول مدير مصري لشركة قناة السويس ومن مؤسسي بنك مصر، وعلى اسمه تم تسمية "موقف عبود" المعروف بوسط القاهرة.

وبها أيضا مدفن حسن باشا صبري الذي تولى عدة مناصب سياسية ودبلوماسية كان آخرها سنة 1940 حيث تولى رئاسة الوزراء، والذي توفي داخل مجلس النواب (البرلمان) أثناء إلقاء خطبة العرش أمام الملك فاروق، ومنهم مدفن مراد باشا محسن ناظر الخاصة الملكية في عهد الملك فاروق الأول. 

وأوردت المؤرخة المصرية آمال محمد صفوت، في كتاب "آثار صحراء المماليك" أنه "كانت منطقة مقابر المماليك في الأصل ميدانا لتدريب المماليك، أُطلق عليه اسم (ميدان القبق)، وهو عبارة عن ميدان واسع في وسطه برج عليه كرة، حيث يلف الشخص على حصانه بسرعة، ويضرب الكرة، ومع الوقت، بدأ سلاطين المماليك يبنون فيه قصورا لهم، مثل السلطان قايتباي الذي بنى قصرا ومدرسة ومسجدا، وانتشرت بعده أعمال باقي السلاطين".

ومن أبرز ما تداوله الناشطون صور لمقبرة سلطان العلماء العز بن عبد السلام، حيث أكد بعضهم أن "المقبرة تعرضت للهدم ضمن أعمال إنشاء الطريق الجديد، والتي أدت إلى هدم عدة مقابر تاريخية"، لكن آخرين قالوا: إن "المقبرة لم تتعرض للهدم، لكنها تعاني من الإهمال منذ سنوات طويلة، وإن الصور المتداولة تعود للمقبرة بالفعل، لكن آثار الهدم ليست جديدة".

مقبرة الإمام العز بن عبد السلام

مذبحة بشعة

المؤرخ الإسلامي المصري محمد إلهامي قال لـ"الاستقلال": "إذا رأيت صورة الجرافات التي تهدم آثار مصر الإسلامية شعرت بها في قلبي حقيقة لا مجازا.. إنها كالمذبحة التي تقتل البشر، كالجرافات التي اقتحمت رابعة ودهست جثامين الشهداء.. هكذا أراها وهكذا أشعر بها".

إلهامي أضاف: "السيسي تسلط على مصر ليمسح عنها وجهها الإسلامي بأفظع وأشنع مما فعله عبد الناصر ومبارك.. بل حتى ما فعله الطاغية الجبار محمد علي باشا".

واستدل على ذلك قائلا: "في ذات الوقت يرمم الآثار اليهودية ويجدد بناءها ولا يأبه أن تصرف ملايين الجنيهات، مع أن خبر اقتراضه أموالا من الخارج هو خبر ثابت أسبوعيا".

وذكر المؤرخ المصري أن "مشاريع تطويره لا تدهس ولا تهدم إلا المساجد، ولا تمر أبدا على كنائس أو معابد بل إن السيسي شرعن وقنن أوضاع آلاف الكنائس المبنية بخلاف القانون والتي لم يقننها مبارك ولا طنطاوي (فترة حكم المجلس العسكري)".

وعاد إلهامي ليشدد بأن "السيسي يجدد معابد اليهود، ويحفظ معابد الفراعنة وكنائس المسيحيين ولا يستبيح إلا مساجد المسلمين وآثار العصر الذهبي العظيم الذي كانت فيه مصر مقر الخلافة الإسلامية وعاصمة المسلمين وحامية الحرمين والأقصى والقوى العظمى في المشرق وإحدى القوى الكبرى العالمية".

فيما كتب الصحفي المصري محمد طلبة رضوان على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) قائلا: أنا طبعا مقدر قيمة مقابر زي العز بن عبد السلام.. وأحمد لطفي السيد.. وإحسان عبد القدوس وغيرهم..قيمة معنوية وتاريخية.. مفيش شك.. بس مقابر الأهالي كمان لها قيمة عند أصحابها.. صورة الأب اللي كان واقف يقرأ الفاتحة على قبر ابنته بعد هدمه شيء موجع جدا... القبر ده بعد شوية هيتحول لمكان تحت كوبري.. والله أعلم هيبقى إيه بالظبط.. البنت دي لها قيمة وحرمة عند أبوها زي المشاهير والشخصيات التاريخية وأكتر... أقل حقوقه كانت نقل رفاتها بكرامة. لكن للأسف رفات البني آدميين مش متسجل أثر".

أبوبكر مزهر 

ما تعرضت له صحراء المماليك، لم يكن حدثا عابرا، بل هي منهجية دارجة على مدار السنوات السابقة، ففي 13 مايو/ آيار 2018، تم الإعلان عن قرار تفكيك ونقل 55 منبرا أثريا من مساجد القاهرة التاريخية، جلها يعود إلى العصر المملوكي في القاهرة الإسلامية تمهيدا لعرضها بالمتاحف القومية، بحجة أنها معرضة للسرقة.

إلى الآن لم يعرف مصير هذه المنابر العريقة والعتيقة، وأثار هذا الإعلان غضب واستياء الأثريين والفنانين التشكيليين المصريين، معتبرين أن من شأنه تدمير الآثار الإسلامية الفريدة بسبب التفكيك والنقل والإهمال.

مسجد أبو بكر مزهر الكائن بحارة برجوان، المتفرعة من شارع المعز لدين الله الفاطمي بحي الجمالية الذي يرجع تاريخ بنائه إلى عام 1480 ميلاديا، كان من المساجد التي تأثرت بالقرار بسبب منبره العتيق، خاصة وأن المسجد مُغلق من قِبل وزارة الآثار والأوقاف، لأن حالته من الخارج غير جيدة، وأبوابه مغلقة في وجه مريديه، فضلا عن بعض الشروخ التي اخترقت جدرانه.

وحسب التشكيليين المصريين، فإن منبر ذلك المسجد يعد تحفة فنية، حيث يحوي أشغالا خشبية وصدفية شديدة الدقة والجمال، ويتميز بضخامة حجمه ودقة صناعته.

واجهة جامع أبوبكر مزهر التاريخي بالقاهرة

حظيرة مواشي

ومن القاهرة الإسلامية إلى أسوان، لم تسلم الآثار الإسلامية من يد العبث، ففي 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، رصد بمسجد بدر الطابية التاريخي المهمل، عدد كبير من المواشي التى ترعى داخل الحديقة الخضراء للمسجد الأثري، بمدينة أسوان جنوبي مصر.

حيث تحولت ساحة المسجد إلى حظيرة مواشي تضم عددا من الماعز والخرفان التى تأكل من المسطحات الخضراء داخل حرم المسجد مما يهدد بالقضاء على الحديقة الخضراء للمسجد.

ومسجد بدر بالطابية أحد أقدم المساجد الموجودة فى أسوان، حيث تم تأسيسه خلال الفترة من 1969/1970، وتم افتتاح المسجد فى عهد الرئيس الأسبق محمد أنور السادات، والمسجد مبني على الطراز المملوكي بمساحة 700 متر مربع، بخلاف مساحة الحدائق، وللمسجد مدخلان رئيسيان من الجهة الجنوبية والغربية.

وتعود الأهمية التاريخية للمكان، باعتبار موقعه الذي كان مخصصا لإنشاء أول كلية حربية فى إفريقيا والشرق الأوسط تأسست خلال عام 1811 فى حكم محمد علي باشا، ويعد المكان مزارا سياحيا تأتي إليه الأفواج السياحية لزيارته نظرا لأهميته التاريخية، ونظرا لارتفاعه النسبي عن المدينة يمكن الزائرين رؤية المدينة بأكملها من فوق قمة المسجد، ويتم استخدامه أحيانا لاستطلاع هلال شهر رمضان، ويقبل عليه المواطنين المصريين فى العديد من المناسبات الدينية والاحتفالات والأعياد، وكان يقام فيه قبل ذلك عرض للصوت والضوء.