"بوجلود".. ما قصة الكائنات الغريبة التي تجوب شوارع المغرب في الأضحى؟

12

طباعة

مشاركة

في ثاني أيام عيد الأضحى تخرج كائنات غريبة في مدن المغرب الجنوبية، تجوب الشوارع. يتعلق الأمر بطقس احتفالي أمازيغي عريق توارثته الأجيال يطلق عليه "بوجلود"، أي لابس جلود الأضحية. 

"بيلماون" باللهجة الأمازيغية، و"بولبطاين"، أو "بو سبع بطاين"، "تاشيخت"، أسماء متعددة لحدث واحد وهي طقوس احتفالية تشبه عيد الهالوين. 

يتنكر الشباب في جلود الأضاحي ويجوبون أزقة المدينة، في طقس يتكرر سنويا منذ قرون، لكن السنوات الأخيرة زاغ الاحتفال عن هدفه الأساسي وهو تحقيق الفرجة وإدخال البهجة على السكان.

أصول الطقس

تُرجع بعض الآراء أصول الطقس إلى إفريقيا، معتبرة أنه مستوحى من أساطير قديمة تتحدث عن وحش تتدلى منه الجلود كان يزرع الرعب في قلوب الناس خاصة في البوادي النائية. 

وفي إحدى الروايات، يرجع أصل "بوجلود" إلى زمن كان فيه اللصوص يسطون على ممتلكات أهل القرية، متخفين في جلود الحيوانات حتى لا يتعرف عليهم أحد.

وفي حين يعتبر عدد من الباحثين في التاريخ أن "بوجلود" من الكرنفالات (الاحتفالات) المغربية الغنية بالدلالات والمعقدة التركيب، وهي طقس يهدف بالدرجة الأولى إلى تجمهر أهل القرية لمشاهدة مجسد الشخصية.

وحسب آخرين، يعود "بوجلود"، إلى عهد الرومان الذين كانوا يحتفلون بما يسمى بـ"ديونيسيس"، من خلال مرور موكب يضم ممثلين يرتدون أقنعة بصحبة أطفال، ويغنون أناشيد دينية، لتتحول إلى عادة مرتبطة بعيد الأضحى، ويرتدي الشبان جلود الأضاحي.

يخلد الاحتفال عادة تراثية يمارسها شباب تمتزج فيها الموسيقى والغناء والرقص رفقة الأطفال. ويحرص سكان الجنوب الغربي، وأغلبيتهم أمازيغ، على العزف على آلات موسيقية محلية كالطبل والدف.

غنائم "بوجلود"

يختار أهل المنطقة من سيرتدي جلود الأضاحي لتجسيد شخصية "بوجلود". يختار بوجلود جلد الماعز أكثر من جلود باقي الحيوانات، ذلك بفضل خفتها ومرونتها.

يجوب "بوجلود" القرية أو القبيلة ويجمع ما يجود به السكان من مال أو جلود الأكباش، التي يعاود بيعها والكسب منها، إذ يستخدمها أهل المغرب كفراش يجلسون عليه بعد تنظيفها بطريقة خاصة.

تستخدم هذه النقود في مساعدة المرضى والمحتاجين أو لأجل إصلاح طرقات القرية أو إكمال بناء مسجد وغيرها من الأعمال الخيرية التي يستفيد منها أهل المنطقة.

لكن الأمر تغير مؤخرا وأصبح الشباب الذين يجسدون شخصية "بوجلود" يتقاسمون المال فيما بينهم.

في السنوات الأخيرة أصبح المغاربة من باقي المناطق وبعض الأجانب، يحجون إلى الجنوب وتحديدا مدينة أغادير جنوب غربي المغرب ومنطقة إنزكان المجاورة لها، لحضور الاحتفالات التي لا تخلو من الغرابة والإثارة.

لا يوجد الاحتفال في الجنوب فقط، بل أيضا في مناطق أخرى، ويسمى في منطقة دكالة والشاوية، وسط البلاد، بـ"هرمة بولحلايس"، وفي شمال المغرب بـ"بولبطاين"، وعلى ساحل الأطلسي يقال له "ميمون" أو "أمعشار"، كما يدعى "بوهو" في مناطق عدة من غرب البلاد، وبـ"سونة" في شرقها.

أما في المناطق الصحراوية فيعرف بـ"سبع بطاين" لأن أحد الشخصيات يلبس 7 جلود، الأولى في اليد اليسرى، والثانية باليد اليمنى، والثالثة بالظهر، والرابعة على الصدر، والخامسة والسادسة على الرجلين اليمنى واليسرى، والسابعة توضع على الرأس بقناعها وقرنيها.

أقنعة مخيفة

لم يعد الأمر في السنوات الأخيرة يقتصر على جلود الحيوانات، بل أصبح الشباب يبتدعون لباسا وأقنعة مخيفة أكثر كما أن عددهم أصبح في تزايد، بعد أن هاجرت الاحتفالات مع السكان من القرى إلى المدن الكبيرة.

شهدت الاحتفالات انفلاتات كبيرة، إذ سجلت حالات سرقة واعتداءات وتحرش من طرف الشباب الذي يلبسون الجلود ويخفون وجوههم وهم يطوفون المدن.

وتعرض عدد من الأشخاص إلى السرقة في الشوارع وتعرضت نساء للتحرش، دون أي تدخل من الناس، خصوصا وأن المتخفين يتجولون في مجموعات يقرعون الطبول وبالتالي لا تخرج أي أصوات من بينهم.

تحول بهذه الممارسات "بوجلود" من طقس تاريخي تراثي إلى "كابوس" سنوي، ما جعل عدد الأصوات المطالبة بتوقيفه تعلو سنة بعد أخرى.

لكن بعض الجمعيات تتشبث بإحياء الطقس معتبرة أنه تقليد يجب الحفاظ عليه وصيانته وحمايته من الدخلاء الذين يسيؤون إليه، لأنه إرث ثقافي.

أصبحت هذه الجمعيات تحرص على تنظيم الطقس بنفسها، حتى أصبح أقرب إلى المهرجان أو الكرنفال المنظم منه إلى الطقس التراثي.

إرث ثقافي

الباحث في التراث الأمازيغي، خالد العيوض، قال: "لعل الطقس يعود إلى فترة ما قبل الإسلام، لكن جرت العادة على أن الناس في المناطق الجنوبية يحيونه منذ قرون كطقس احتفالي يعقب عيد الأضحى حيث يلبس الشباب الجلود، غالبا جلود الماعز ويضعون على وجوههم أقنعة، كانت هذه الأقنعة سابقا مصنوعة أيضا من رأس الماعز".

وأضاف العيوض لـ"الاستقلال": أن "بعض المناطق لازالت محتفظة بنفس الطقوس القديمة، إذ تستمر الاحتفالات يومين أو 3 بعد عيد الأضحى وغالبا ما تنتهي باحتفال كبير يقام داخل القرية".

وزاد الباحث قائلا: "عندما كبرت المدن بقيت هذه الطقوس منتشرة، خصوصا وأن القرويين الذين هاجروا إليها حملوا معهم ثقافتهم ففي المناطق المجاورة لمدينة أكادير - كمنطقة إحشاش مثلا والدشيرة وإنزكان - ظلت متشبثة حتى السنوات الأخيرة بالاحتفال، الذي كان يقام بعفوية وتلقائية ودون أي تنظيم".

بالعودة إلى أصول "بوجلود"، قال العيوض: "الاحتفال هو بالأساس من أجل الطفل، إذ يلبس الشباب الجلود والأقنعة ويحملون سيقان الماعز، ويحاولون التظاهر بأنهم سيضربون الأطفال بشكل خفيف، ثم يقدمون بعض الهدايا لـ(بوجلود) أو بعضا من المال الذي جنوه يوم العيد".

فقد عفويته

أقر المتخصص أن اليوم، تغيرت الأمور و"أصبحنا نجد كرنفالا أكثر منه احتفالا، وأصبح عدد الذين يلبسون الجلود يتزايد، ففي حين كان يقتصر الأمر على  3 أو 4 أشخاص، اليوم أصبحنا نشاهد 50 و60 شخصا".

وزاد الباحث، أنه في الكثير من الأحيان تقع انفلاتات أمنية، إذ أصبح الاحتفال وسيلة للتخفي والقيام بهجومات أو سرقات واعتداءات، ما جعل العديد من الأصوات ترتفع للمطالبة بتوقيف هذا النوع من الاحتفالات.

منذ 3 أو 4 سنوات وتحديدا في منطقة إنزكان بدأت جمعيات تنظم التظاهرة، عن طريق أخذ الأسماء وتقديم بطاقات المشاركة والحرص على أن يكون الاحتفال مراقبا، بحسب المتحدث.

يرى العيوض أن الاحتفالية فقدت شكلها العفوي البسيط الذي أتت به من البادية والأحياء الصغيرة داخل المدن، وبالتالي أصبحت الاحتفالية تتأثر بالكرنفالات الكبرى.

ففي احتفالية إنزكان أصبحت تصنع الأقنعة واللوحات التي تجسد الواقع وتسخر منه وتحتج عليه، وبهذا يجد الباحث أن الأصل في بوجلود لم يعد موجودا إلا في بعض المناطق النائية، في حين أصبح الأمر يتعلق في المدن بكرنفالات أو مهرجان من تنظيم الجمعيات.