ترسو بالبحر الأحمر منذ 5 سنوات.. لماذا يرفض الحوثيون صيانة "صافر"؟

آدم يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

باتت المنطقة على موعد مع كارثة وشيكة أكثر من أي وقت مضى، بسبب مخاوف من غرق ناقلة النفط اليمنية "صافر"، قبالة السواحل اليمنية في البحر الأحمر.

في 16 يوليو/تموز 2020، حذرت الأمم المتحدة من كارثة إنسانية واقتصادية وبيئية وشيكة ومريعة إذا لم يتم السماح بصيانة ناقلة صافر التي ترسو في السواحل المحاذية لمدينة الحديدة غرب اليمن منذ 5 سنوات.

عقب ذلك بيوم واحد، أصدر مجلس الأمن، في جلسته المنعقدة بشأن اليمن، تصريحا شدد فيه على ضرورة سماح الحوثيين للفرق الهندسية بصيانة الخزان، وضرورة التزامهم بالوفاء بالسماح للفرق الهندسية بإجراء أعمال الصيانة.

حمّلت الولايات المتحدة، جماعة "الحوثي"، المسؤولية عن تداعيات أي تسرب نفطي أو انفجار محتمل لناقلة "صافر" في البحر الأحمر.

وأضافت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، كيلي كرافـت خلال جلسة لمجلس الأمن بشأن اليمن، أن على المجتمع الدولي منع وقوع الكارثة، وإلزام الحوثيين بتسهيل مهمة الفريق التقني الأممي، دون تأخير أو شروط مسبقة.

وعقب انتهاء جلسة حول الأوضاع باليمن، قال رئيس المجلس كريستوف هويسجن: "إن أعضاء المجلس أعربوا عن انزعاجهم الشديد من تزايد خطر تحلل أو انفجار ناقلة النفط، وحدوث كارثة بيئية واقتصادية وإنسانية."

ونقلت وكالة أسوشيتد برس عن المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة إنغر أندرسن في 15 يوليو/تموز 2020، أن الوقت ينفد لتجنب كارثة بيئية واقتصادية وإنسانية من ناقلة نفط متدهورة محملة بـ 1.1 مليون برميل من النفط الخام الراسية قبالة الساحل اليمني.

وقالت أندرسن لمجلس الأمن الدولي: إن التسرب النفطي من ناقلة FSO Safer ، الذي لم يتم الحفاظ عليه لأكثر من 5 سنوات، سيحطم النظم البيئية وسبل العيش لعقود في البحر الأحمر.

قصة الناقلة

صنعت ناقلة النفط في اليابان، ويبلغ عمرها 45 عاما، كانت تستخدم كمنصة تخزين عائمة، متصلة بخط أنابيب في قاع البحر يبلغ طوله 7 كيلومترات. وكان ينبغي التخلص منها قبل عقدين، أي في عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح.

ومنذ 5 سنوات تربض الناقلة اليمنية "صافر" وعلى متنها خزان نفطي مملوء بحوالي مليون و140 ألف برميل من النفط الخام، في ميناء رأس عيسى في محافظة الحديدة غرب اليمن.

تمكن الحوثيون، عقب اندلاع الحرب في مارس/آذار 2015، من السيطرة على الميناء، وبالتالي إحكام سيطرتهم على الناقلة النفطية، ومنذ ذلك الحين لم يقم الحوثيون باستخراج النفط، أو إجراء أي أعمال صيانة للخزان العائم الذي بدأ بالتسرب جراء تآكل هيكل الخزان نتيجة الأملاح والحرارة.

كانت الحكومة اليمنية قد شرعت في 2013 ببناء خزانات أرضية بديلة عن الخزان العائم لاستيعاب النفط  القادم من مأرب (على بعد نحو 430 كيلو من الميناء)، إلا أن انقلاب الحوثي في سبتمبر/أيلول 2014 حال دون اكمال بناء الخزانات النفطية.

وحسب وكالة أسوشيتد برس الأميركية فإن الحوثيين منعوا مفتشي الأمم المتحدة من الوصول إلى السفينة، وأضافت الوكالة أن مياه البحر قد دخلت إلى حجرة محرك الناقلة، ما تسبب في تلف خطوط الأنابيب وزيادة خطر الغرق.

ومع تزايد التحذيرات الأممية حول المخاطر الوشيكة من تسرب النفط إلى البحر، كان الحوثيون قد التزموا في أغسطس/آب 2019، بالسماح لفرق الصيانة الأممية بإجراء صيانة عاجلة للخزان، قبل أن ينقلبوا ويمنعوا السماح لأي فرق بالصيانة.

وتحيط بالناقلة عدد من الألغام البحرية، وكذلك العبوات الناسفة على متنها، لمنع وصول أي عناصر للناقلة المحاذية للميناء الذي يحكم الحوثيون سيطرتهم عليه.

ورقة مساومة

رغم القيمة السوقية الهائلة للحمولة النفطية، والتي كانت تصل لنحو 80 مليون دولار، قبل انخفاضها بعد ذلك إلى نحو 40 مليون دولار، إلا أن جماعة الحوثي لم تقم ببيع الحمولة، رغم احتياجها الماس للأموال لدعم جبهات القتال واستمرار حربها.

وتحتفظ جماعة الحوثي بالناقلة النفطية كورقة سياسية تسعى من خلالها للحصول على عدة أهداف، منها الضغط على المجتمع الدولي للاعتراف بالجماعة كسلطة شرعية، ومنها أيضا استخدامها كجهاز ردع في حربها مع التحالف بقيادة السعودية والإمارات.

صحيفة لوتون السويسرية نقلت عن الكاتب والصحفي السويسري لويس ليما قوله: "إن أهمية الناقلة بالنسبة للحوثيين لا تتوقف عند القيمة المالية للنفط الذي تحويه، بل تستخدمها كورقة مساومة ومفاوضة في حربها ضد السعودية التي تتلقى دعما من الولايات المتحدة".

يضيف لويس ليما: "الحوثيون يتخذون من المخاطر البيئية التي قد تتسبب بها تلك الناقلة كورقة سياسية يكافحون من خلالها للحصول على اعتراف دولي، وإضفاء الشرعية الدولية على سلطتهم، وهو الهدف الأوسع نقاطا بالنسبة لهم".

وتابع: "علاوة على ذلك نقلت وكالة أسوشيتد برس في تقرير لها عن دبلوماسي أوروبي، لم تذكر اسمه، أن الحوثيين يتعاملون مع السفينة على أنها سلاح ردع مثل امتلاك سلاح نووي".

وأضافت الوكالة: أن "الحوثيين يقولون ذلك صراحة للأمم المتحدة، بأنه يجب أن يكون بأيديهم شيء ضد المجتمع الدولي إذا تعرضوا للهجوم، لذلك الحوثيون مسؤولون بالتأكيد عن فشل الأمم المتحدة"، بحسب الدبلوماسي الأوروبي.

ونقلت الوكالة الأميركية عن الحكومة اليمنية أن "ميلشيا الحوثي تستخدم الناقلة كورقة مساومة لزيادة النفوذ السياسي والاقتصادي".

وحسب صحيفة لوفيغارو الفرنسية، فإن "الأمم المتحدة ومجلس الأمن يجريان ضغوطا على جماعة الحوثي من أجل السماح للفرق بصيانة الناقلة، بدون شروط مسبقة، وكان الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مارك لوكوك، قد أبلغ مجلس الأمن في 16 يوليو/تموز 2020، بأن فريقا من الخبراء الأمميين سيصل خلال أسابيع، لصيانة ناقلة صافر العائمة".

كوارث محتملة

الأضرار التي سوف تتسبب بها السفينة لن تتوقف على اليمن، وإن كان اليمن هو البلد الأكثر تأثرا، والأشد عرضة للمخاطر بشكل مباشر، فدول البحر الأحمر من قناة السويس وحتى مضيق باب المندب ستتضرر بشكل كبير في حال تسربت حمولة الناقلة في البحر.

وحسب صحيفة لوتون السويسرية، فإن السودان والسعودية ومصر ستكون من الدول المتأثرة والتي تطالها الأضرار البيئية والاقتصادية.

وتتمثل الكوارث التي سوف تتسبب بها الناقلة النفطية بمخاطر بيئية، حيث أن غرقها سيقضي على ملايين الأحياء البحرية والشعب المرجانية في البحر الأحمر، لعدة سنوات.

علاوة على ذلك سوف تتسب تلك الكارثة المحتملة بأزمة اقتصادية وإنسانية حيث يعتمد على الصيد في البحر الأحمر مئات الآلاف وهو الأمر الذي يهدد مصدر دخلهم لعشرات السنوات.

وكان الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مارك لوكوك قد أبلغ مجلس الأمن، في صدد حديثه عن الأزمة الإنسانية في اليمن،  بأنه إذا حدث تسرب للناقلة خلال الشهرين المقبلين، فإن التوقعات تشير الى تأثر أكثر من مليون يمني بشكل مباشر، فضلا عن آخرين من دول أخرى.

وأضاف لوكوك أن مجتمعات صيد الأسماك على طول الساحل الغربي ستفقد مصادر دخلها بالكامل، وستعاني من خسائر كبيرة.

كانت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية لليمن ليز غراندي، قد أدلت بتصريحات لوكالة فرانس برس قالت فيها: "إذا تحطمت السفينة سيكون لدينا كارثتان، ستكون هناك كارثة بيئية لا مثيل لها، وستكون هناك كارثة إنسانية لأن النفط سيجعل ميناء الحديدة غير صالح للاستعمال".

علاوة على ذلك، فإن انفجار "صافر" لو حدث بسبب احتكاك معدني أو رصاصة طائشة، فإن ذلك الانفجار سيرتبط باسم "اليمن" للأبد، وعليه فإن شركات النفط العالمية وغيرها ستتحاشى الاستثمار في اليمن بضغط من المستثمرين، الأمر الذي سيكبد البلد خسائر بمليارات الدولارات وسيكون سببا في رحيل استثمارات أجنبية وعوائد نفطية.

وتعيد ناقلة صافر إلى الأذهان حادث تسرب النفط من ناقلة إكسون فالديز قبالة ألاسكا عام 1989، والذي تسبب بكارثة بيئية، قضى فيها على الأحياء البحرية لعدة سنوات، رغم أنها كانت تحمل ربع الكمية التي تحملها ناقلة صافر اليمنية.