استقالة الفخفاخ وطلب استبعاد الغنوشي.. هذه سيناريوهات حل أزمة تونس

زياد المزغني | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تعود رمال الحياة السياسية في تونس للتحرك مجددا، ولكن هذه المرة تحت أقدام الحكومة التي لم يمض على تشكيلها أقل من 4 أشهر بعد مشاورات عسيرة بين الأحزاب الفائزة في الانتخابات التشريعية الأخيرة في 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2019.

وأثارت شبهات الفساد المتهم بها رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ جدلا واسعا بين التونسيين ومواقف متباينة بين مختلف الأحزاب السياسية، وسط دعوات للاستقالة أو تفويض الصلاحيات.

كان آخر هذه المواقف قرار مجلس شورى حركة النهضة تفويض رئيسه في إطلاق مشاورات سياسية لتشكيل حكومة جديدة بدلا عن حكومة الفخفاخ التي تمتلك فيها النهضة العدد الأكبر من الوزراء وتعتبر الكتلة النيابية الأكبر الداعمة لها.

هذا الموقف تلاه قرار أكثر صلابة من قبل الفخفاخ، استنكر فيه موقف النهضة، ولمّح في بيان صادر عن رئاسة الحكومة مساء يوم 13 يوليو/تموز 2020 لفصل وزرائها من فريقه الحكومي، ما دفع النهضة للإعلان عن قرارها سحب الثقة من الفخفاخ الذي بادر بتقديم استقالته في نفس اليوم .

هذه المواقف المتضادة فتحت الباب أمام احتمالات عديدة في ظل تصاعد الخلاف السياسي، وتزامنا مع سعي عدد من الكتل النيابية لسحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي.

تصعيد سريع 

مساء الأربعاء 15 يوليو/تموز 2020، أنهى الفخفاخ الجدل المفتوح منذ أسابيع حول استمراره على رأس الحكومة بإعلان استقالته التي تقدم بها صباح نفس اليوم لرئيس الجمهورية قيس سعيّد الذي قبلها ونشرها بالرائد (الجريدة) االرسمية للجمهورية.

الفخفاخ استبق لائحة لسحب الثقة أعلنت عنها حركة النهضة في آخر اجتماع لها، حيث صوت أعضاء مجلس شورى الحركة بأغلبية الأصوات على سحب الثقة من الفخفاخ.

وقال بيان للمجلس: إنه تبنى خيار سحب الثقة من الفخفاخ، وكلف رئيس الحركة راشد الغنوشي بمتابعة تنفيذ هذا الخيار بالتشاور مع مختلف الأحزاب والكتل والنواب في البرلمان.

قرار النهضة جاء إثر تصاعد الخلاف بين الحركة ورئيس الحكومة عقب إعلانه نيته إجراء تعديل وزاري، يقصي به وزراء النهضة من تركيبة الحكومة، معتبرا دعوة النهضة إلى بدء مشاورات لتشكيل حكومة جديدة بدلا عن الحكومة الحالية تهربا من التزاماتها.

وأصدرت رئاسة الحكومة بيانا في هذا الصدد قالت فيه: "هذه الدعوات المخلة بمبدأ التضامن الحكومي بما لا يدع مجالا للشك تهرب لحركة النهضة من التزاماتها وتعهداتها مع شركائها في الائتلاف في خضم مساع وطنية لإنقاذ الدولة واقتصاد البلاد المنهك، وبناء على هذه الاعتبارات، قررت إجراء تحوير في تركيبة الحكومة يتناسب والمصلحة العليا للوطن". 

وبالفعل نجحت حركة النهضة في تقديم لائحة سحب ثقة من رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ وقع عليها 105 نواب من كتل النهضة (54 نائبا) وائتلاف الكرامة (20 نائبا) وكتلة حزب قلب تونس (27 نائبا) وعدد من النواب المستقلين.

لكن في الوقت الذي كان فيه النواب يودعون اللائحة في مجلس نواب الشعب، كان الفخفاخ يقدم استقالته رسميا لرئيس الجمهورية.

لم يكتف الفخفاخ بتقديم استقالته فقط، بل أعفى في نفس اليوم جميع الوزراء المنتمين لحركة النهضة من مناصبهم، ما وضعهم في حرج إثر منعهم من الالتحاق باجتماع الحكومة الذي كان مقررا مساء نفس اليوم في قصر الحكومة بالقصبة.

وأصدرت رئاسة الحكومة بيانا في وقت متأخر أعلنت فيه عن "إعفاء وزراء الشباب والرياضة أحمد قعلول، والتجهيز والإسكان والتهيئة الترابية منصف السليتي، والشؤون المحلية لطفي زيتون، والنقل أنور معروف، والصحة عبد اللطيف المكي، والتعليم العالي سليم شورى من مهامهم".

أزمات موازية 

في ظل الأزمة السياسية المتفاقمة في تونس، أطلق عدد من النواب من الكتلة الديمقراطية، والتي تضم نواب حزبي حركة الشعب (القومية) والتيار الديمقراطي (يسار اجتماعي)، حملة لجمع توقيعات على لائحة لسحب الثقة من رئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي.

ووجه النواب الموقعون على اللائحة انتقاداتهم لطريقة تسيير الغنوشي للمجلس، بالإضافة إلى اتهامات بتجاوز صلاحياته ومساهمته في تعطيل عمل البرلمان.

وأودعت عريضة سحب الثقة من الغنوشي، من قبل 3 كتل هي: "تحيا تونس"، و"الكتلة الديمقراطية"، و"كتلة الإصلاح"، إلى جانب الحصول على توقيعات من نواب كتل أخرى ومستقلين، ليصل عدد التوقيعات إلى 73 نائبا.

كما ألحقت كتلة الحزب الدستوري الحر (16 نائبا) توقيعاتها بلائحة سحب الثقة من الغنوشي في الوقت الذي تواصل فيه اعتصامها بمجلس نواب الشعب منذ أيام، ما أدى إلى تعطيل إجراء الجلسات العامة تحت قبة البرلمان، من بينها جلسة انتخاب المحكمة الدستورية التي تعطلت منذ أشهر.

ووفق النظام الداخلي للبرلمان، فإن لائحة سحب الثقة تمر بمرحلتين: تتمثل الأولى في الحصول على عريضة سحب الثقة موقعة من طرف 73 نائبا على الأقل وتكون معللة، وفي ظرف 3 أسابيع على الأكثر تحال إلى الجلسة العامة للتصويت عليها وتحتاج حينها لموافقة الأغلبية المطلقة 109 أصوات من أصل  217 العدد الكلي لمقاعد البرلمان.

ووفق متابعين للشأن السياسي التونسي فإن هذه اللائحة، كانت من الأسباب المباشرة للتعجيل بإسقاط حكومة الفخفاخ وإدخال البلاد في أزمة سياسية خانقة.

ماذا بعد ؟ 

مساء الأربعاء 15 يوليو/تموز 2020، وجه رئيس الجمهورية قيس سعيد رسالة إلى رئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي لمده بقائمة الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية قصد إجراء مشاورات معها، وذلك طبقا لما ينص عليه الفصل 89 من الدستور، بهدف تكليف الشخصية الأقدر من أجل تكوين حكومة، وذلك وفق بيان لرئاسة الجمهورية نُشر الخميس 16 يوليو/تموز 2020، على صفحتها الرسمية بفيسبوك.

الفصل 89 من الدستور التونسي، ينص على أن: "رئيس الجمهورية يقوم في أجل 10 أيام بإجراء مشاورات مع الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية لتكليف الشخصية الأقدر من أجل تكوين حكومة في أجل أقصاه شهر".

وفي هذا الوضع كأن عقارب الساعة عادت للوراء مباشرة بعد فشل رئيس الحكومة المكلف من الحزب الفائز بالانتخابات حينها (حركة النهضة ) الحبيب الجملي بحيازة ثقة البرلمان ليفتح الرئيس بعدها مشاورات مع الأحزاب والكتل لتكليف شخصية أخرى. 

وينتظر أن يفتتح جدل جديد حول تعريف الشخصية الأقدر التي سيعينها الرئيس، حيث يرى البعض أنها الشخصية التي يجب أن تحظى بغالبية مريحة في البرلمان، لا الشخصية التي تكون قريبة من رئيس الجمهورية وتوجهاته.

إلا أن الاختلاف الجديد هو تغيّر التحالفات المعلنة في البرلمان، والذي ظهر في قائمة الكتل الموقعة على كلتا اللائحتين (سحب الثقة من الفخفاخ والغنوشي). 

التطورات الأخيرة أظهرت توافقا ما بين كتلتي "النهضة" و"قلب تونس"، أعاد للأذهان تحالفهما وقت انتخاب رئيس البرلمان ونائبيه، كما يلتقي "ائتلاف الكرامة" في أكثر من مناسبة مع الكتلتين رغم موقفه السلبي من "قلب تونس".

في المقابل تظهر "الكتلة الديمقراطية" أكثر تضامنا داخليا، مع اقتراب في المواقف مع كتلتي "الإصلاح" و"قلب تونس"، إلا أنها تحتفظ بمواقف حادة مع كتلة "الدستوري الحر" برئاسة عبير موسي.

وأمام هذا الوضع لا يبدو أي الفريقين حائزا على غالبية أعضاء البرلمان رغم الأفضلية لدى النهضة وقلب تونس، مما سيفرض على الجميع الدخول في مشاورات ضرورية.

حل البرلمان

القيادي في حركة النهضة وعضو البرلمان محمد القوماني قال: "مهما كان الشكل للمشاورات، فإننا في حركة النهضة نتجه للإعلان عن تحالف أغلبية برلمانية، ممن وقع على لائحة سحب الثقة من الفخفاخ، وهذا الائتلاف إما أن يقدم مرشحا مشتركا أو يقرر موقفا موحدا من أي مرشح". 

وأضاف القوماني في حديث للاستقلال: "إذا حسم مسألة الأغلبية البرلمانية واتفاقها على شخصية واحدة، فمن المفترض تكليفه باعتباره الشخصية الأقدر على تشكيل الحكومة".

أما بالنسبة لتأثير لائحة سحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي على مشاورات تشكيل الحكومة، فإن القيادي في حركة النهضة أكد أن "المشاورات من أجل تشكيل الحكومة ستشمل الجميع بدون استثناء ولن تقصي إلا من أقصى نفسه (يعني الحزب الدستوري الحر)، رغم أن هذه اللائحة قد يكون لها تأثير على مناخ المشاورات لتشكيل الحكومة الجديدة".

يبدو أن مهمة التوافق على شخصية جديدة وتشكيل حكومة بحزام برلماني يحافظ على استقرارها يبدو مهمة صعبة جدا في ظل الوضع السياسي الذي تعيشه تونس، مما يجعل سيناريو التوجه إلى الناخبين مجددا أحد الخيارات المطروحة بقوة.

وحسب الفصل 99 من الدستور التونسي فإنه "عند تجاوز الأجل المحدد دون تكوين الحكومة، أو في حالة عدم الحصول على ثقة مجلس نواب الشعب، لرئيس الجمهورية الحق في حل مجلس نواب الشعب والدعوة إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها في أجل أدناه 45 يوما وأقصاه 90 يوما".