في ذكرى حركة 13 يونيو التصحيحية.. لماذا يبحث اليمنيون عن "الحمدي"؟

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في يونيو/حزيران من كل عام تحل ذكرى حركة 13 يونيو التصحيحية التي نفذها عدد من الضباط الأحرار في شمال اليمن عام 1974. ورغم وأد هذه الحركة في مهدها، إلا أن كثيرا من اليمنيين باتوا على قناعة بضرورة القيام بحركة تصحيحية مماثلة في الوقت الراهن.

كثير من اليمنيين يطالبون باستنساخ التجربة، من أجل تصحيح مسار ثورة 11 فبراير/شباط 2011 التي تواجه تحديات هي الأكبر في تاريخ اليمن الحديث.

ما دفع اليمنيين لتلك القناعة، هو ما صارت إليه بلادهم من استلاب السعودية للقرار السيادي، وإغراق اليمنيين في أزمات سياسية واقتصادية وأمنية، للحيلولة دون قدرة القوى الثورية على اتخاذ أي قرار وطني، وهو ذات الأمر الذي دفع المقدم إبراهيم الحمدي ورفاقه إلى تنفيذ تلك الحركة التصحيحية التي قطعت ذراع المملكة في اليمن، وحررت الإرادة اليمنية من الوصاية السعودية.

كان هدف تلك الحركة إعادة ثورة سبتمبر/أيلول 1962 لمسارها الطبيعي الذي حادت عنه، وأصبحت بعيدة عن أهدافه، بسبب اختراق القوى التقليدية من المشايخ ورجال القبائل، للمؤسسة العسكرية، وعمل بعضهم على مصادرة القرار الوطني الجمهوري، لصالح أجندة خارجية.

الانحناء للعاصفة

اعتبر البعض تلك الحركة، التي كان رائدها وقائدها المقدم إبراهيم الحمدي، موجة ثانية لثورة سبتمبر/أيلول 1962، وعدّها البعض الآخر تصحيحا لمسار الثورة، في حين عدها آخرون انقلابا أبيض على الرئيس القاضي عبد الرحمن الإرياني، وإن اتفق الجميع على أن تلك الحركة قد صححت المسار، وأعادت الثورة إلى سياقها الطبيعي.

نفذ تلك الحركة التصحيحية المقدم إبراهيم الحمدي، بمعية عدد من الضباط، كان أبرزهم عبد الله عبد العالم، ومجاهد أبو شوارب، ويحيى المتوكل، وعلي الضبعي، وعلي أبو لحوم، وحمود بيدر، وعبد الله الحمدي، وعلي الشيبة.

ولأن الحركة استهدفت السعودية في المقام الأول، فسرعان ما تعرضت للوأد، رغم النجاح الذي حققته، خلال نحو 3 سنوات، وتعرض رائدها للاغتيال في 11 أكتوبر/تشرين الأول 1977، في عملية مجهولة، تعد فيها السعودية أبرز المتهمين بالوقوف وراءها.

الانحناء للعاصفة

عجزت السعودية عن إعاقة مشروع الثورة والجمهورية، وعملت على دعم الملكيين ضد الجمهوريين لنحو 8 سنوات، قبل أن تنحني للعاصفة، في مطلع السبعينيات، وتعترف بالجمهورية، بعد إدراكها بأن مهمة وأد الثورة باتت مستحيلة، في ظل وعي وصلابة النخبة الثورية حينها.

أدركت السعودية، أن الوقوف في وجه المد الثوري الجمهوري في اليمن، ليس إلا مضيعة للوقت، فقررت الاعتراف بالثورة والجمهورية، لكنها غيرت إستراتيجيتها فتحايلت على الثوار، وعملت على استقطاب رموز قبلية وقادة عسكرية ونخب ثقافية، بغية تفريق الصف الثوري من الداخل، ومصادرة القرار الوطني.

أمر الملك فيصل بن عبد العزيز، بإنشاء لجنة خاصة، عام 1962 للإشراف على ملف اليمن بعد الثورة، وفي مطلع السبعينيات، تم إدراج عدد من الأسماء اليمنية في اللجنة الخاصة، ومن خلالهم تم تمرير القرارات السعودية في اليمن.

شراء ولاءات

في مطلع السبعينيات، تم تعيين الضابط السعودي صالح الهديان كملحق عسكري في السفارة السعودية بصنعاء، والذي قام بدوره في مد شبكة واسعة، واستقطاب مشايخ القبائل، وقادة عسكريين، ومنحهم مرتبات سخية، استمر بعضها حتى اليوم.

خلال 4 سنوات، أي حتى عام 1974، كان القرار اليمني قد أصبح شبه مختطف، فلم يكن يعبر عن الإرادة اليمنية، ولا عن القرار الوطني، بل كان يعبر عما تريده السعودية في اليمن، وما يمليه الملحق العسكري صالح الهديان، على صناع القرار من المشايخ والضباط، الذين أصبحوا ينفذون توجيهات المملكة.

توقفت عجلة التنمية في اليمن، وأصيب اليمنيون بخيبة كبيرة، تعادل في مستواها فرحتهم بالثورة، وبات رئيس اليمن القاضي عبد الرحمن الإرياني عاجزا عن فعل شيء تجاه ما يحصل، فما كان من نخبة من الضباط الأحرار إلا أن أقنعوه بضرورة تسليم السلطة سلميا لتدارك الوضع وإصلاح المسار.

وبالفعل، قدم الرئيس الإرياني استقالته إلى مجلس الشورى المنتخب، في 13 يونيو/حزيران 1974، قائلا: "لا أسمح بأن تراق قطرة دم واحدة من أجل السلطة"، ثم غادر متجها إلى سوريا، ويكاد يكون الرئيس العربي الوحيد الذي سلم السلطة سلميا، وتولى الرئاسة إبراهيم الحمدي.

إعادة هيكلة

تولى إبراهيم الحمدي السلطة، وعمره 31 عاما، وقام بحزمة إصلاحات بدأها بإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية، وبناء الجيش على أسس وطنية، بعد أن كانت المؤسسة العسكرية قد اكتسبت طابعا جهويا قبليا، بفعل انخراط مشايخ القبائل فيها، فقام بتقليم أظافر الرموز القبلية التي اخترقت المؤسسة العسكرية، وبدأت تعمل لصالح أجندة خارجية، كما ألغى وزارة شؤون القبائل.

ومن أجل إعادة بناء الجيش على أسس وطنية، والقضاء على الفساد داخل المؤسسة العسكرية، دمج الحمدي لواء العمالقة والوحدات النظامية ضمن "قوات العمالقة"، وقام بتشكيل قوات المظلات من سلاح الصاعقة وسلاح المظلات ولواء المغاوير.

بالإضافة إلى ذلك، قام بتشكيل قوات الاحتياط، من خلال دمج لواء العاصفة ولواء الاحتياط، وشكل قوات الشرطة العسكرية من سلاح الشرطة العسكرية وأمن القيادة.

وخلال عملية الدمج تلك، ألغى عددا كبيرا من المناصب، وقضى على قدر كبير من الفساد الإداري والمالي في النفقات والمصاريف داخل المؤسسة العسكرية.

حزمة إصلاحات

في تلك السنوات القليلة التي تولى الحمدي الحكم فيها من 13 يونيو/حزيران 1974 وحتى 11 أكتوبر/تشرين الأول 1977، حصلت تحولات تنموية كبرى، في المجال الاقتصادي والتنموي، وساد الأمن والاستقرار.

أصبحت اليمن خلال تلك الفترة أقرب إلى الرخاء منها إلى الفقر، وقفزت من الترتيب الأخير في قائمة الدول النامية إلى واحدة من 10 دول هي الأسرع نموا في العالم، وفق تقارير البنك المركزي اليمني.

التقارير الصادرة عن البنك المركزي اليمني خلال الفترة من  1974 وحتى عام 1977، أشارت إلى أن الناتج المحلي الإجمالي حقق نسبة نمو بلغت من 56.1% عام 1977، بزيادة تبلغ 130% عن عام 1974، والذي كانت نسبة النمو فيه 21.5%، قبل تولي الحمدي الحكم.

ارتفعت نسبة السيولة في التداول المالي خلال فترة حكم الحمدي، من 25.6%  إلى 67.3%، وحقق ميزان الخدمات معدلات كبيرة وصلت إلى 4 مليار و 457.3 مليون ريال، بعد أن كانت 727.7 مليون ريال عام 1974.

وتبعا لذلك، حقق الميزان التجاري تحولا من عجز بمقدار بـ83.7 مليونا إلى زيادة بمقدار مليار و472.7 مليونا عام 1977، وانتهج الحمدي سياسة الانفتاح على الأسواق العالمية الأخرى، فقفزت حوالات المغتربين من 564 مليون ريال إلى 4 مليارات ريال.

وإلى جانب تلك الإجراءات، أجرى الحمدي حزمة واسعة من الإصلاحات الاقتصادية، التي أسهمت بتحقيق قدر عال من الاستقرار الاقتصادي، وارتفاع معدل التنمية في اليمن، وتغيرت فيها الأرقام والمؤشرات الاقتصادية بشكل إيجابي على نحو متسارع.

لم تكن تلك الإصلاحات إلا خطوة لخطة خمسية شاملة، للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وضعت، حسب خطاب الحمدي، "على أساس علمي دقيق، وبناء على تقييم الواقع ومعرفة احتياجاته وأولوياته".

ولم يكن تمويل الخطة معتمدا على القروض والمنح والمساعدات الخارجية، بل كان تمويلها محليا، بحسب خطاب شهير له عام 1975.

عمل القائد الشاب بلا توقف، وبدأ تحركاته بالتنسيق مع رئيس شطر اليمن الجنوبي حينها سالم ربيع علي، الملقب "سالمين" باتجاه تحقيق الوحدة اليمنية بين الشطرين الشمالي والجنوبي، وهو ما كانت تأباه السعودية وتعارضه.

اغتيال الحلم

وفي مارس/آذار 1977، نظم الحمدي قمة البحر الأحمر في مدينة تعز بمشاركة رؤساء من السودان وجنوب اليمن والصومال، ما أثار قلق السعودية بشكل بالغ.

رأت الرياض في مثل هذا التحالف القوي بين دول جنوب البحر الأحمر - التي كانت تربطها آنذاك علاقات متينة بالاتحاد السوفيتي- تهديدا لمصالحها في المنطقة، حسب المؤرخ الأميركي المتخصص في الشأن اليمني وأستاذ الشؤون الدولية بكلية رولينز، ستيفن داي.

ووفق تقارير صحفية، فإن عدد الذين حضروا لحظة تصفية واغتيال الرئيس الحمدي من السعوديين 4، وهم الملحق العسكري صالح الهديان و3 من عناصر الاستخبارات وصلوا إلى مطار صنعاء ليلة ارتكاب الجريمة أي مساء 10 أكتوبر/تشرين الأول 1977، وغادروا صنعاء بعد ارتكاب الجريمة فورا أي عصر 11 أكتوبر/تشرين الأول 1977.

التقارير أشارت إلى أن صالح الهديان أشرف بنفسه على اغتيال الرئيس الحمدي من خلال الحضور الفعلي في مسرح الجريمة، وكان حاضرا أثناء التنفيذ ثم خرج متنكرا من المكان.

وسبق أن وجه الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، اتهاما للسعودية باغتيال الحمدي، بعد عملية تمت بتنسيق من الملحق العسكري السعودي في صنعاء صالح الهديان، وفي ذات الوقت يوجه البعض اتهامات لصالح نفسه بالوقوف وراء اغتيال الحمدي، إلى جانب ضباط آخرين مدفوعين من قبل الرياض.

استنساخ التجربة

في حديث خاص للاستقلال، يقول الكاتب والصحفي محمد الأحمدي: "أصبح اليمنيون اليوم في أمس الحاجة لإصلاح مسار الثورة، التي تم اختطافها والانقلاب عليها من قبل عواصم الثورات المضادة، وأصبح اليمنيون بحاجة لإعادة ترتيب أوراق مشروعهم الوطني المناهض للحوثيين في الشمال والمجلس الانتقالي في الجنوب، ومن يقف وراءهم في المنطقة والإقليم".

يضيف الأحمدي: "قدم اليمنيون تضحيات جسمية خلال السنوات الماضية، منذ قيام ثورة فبراير/شباط 2011 وحتى اليوم، ومن حقهم أن يستعيدوا دولتهم وسيادتهم على أرضهم، ويحافظوا على وحدة ترابهم، ومكتسباتهم الوطنية".

يتابع الأحمدي: "يحتاج اليمنيون لتجربة مماثلة لتجربة الرئيس إبراهيم الحمدي  الذي صحح مسار ثورة سبتمبر، واستكمل عملية التحرر من الوصاية السعودية على القرار الوطني، وحافظ على ما تبقى من حضور الدولة والنضال الوطني في الجغرافيا اليمنية".

يضيف الكاتب اليمني: "يمكن أن تكون هذه التجربة مشابهة لتجربة الحمدي، الذي أعادت الاعتبار للقرار الوطني اليمني، ويمكن أن تصاغ من خلال إنشاء مجلس يضم قادة وطنيين ومدنيين وسياسيين داخل الجغرافيا اليمنية، ينهي تقويض التحالف للشرعية اليمنية، وتفكيكه للجغرافيا اليمنية وتشتيته للجهد الوطني".

ويختم الأحمدي قائلا:" كما غادر القاضي عبد الرحمن الإرياني المشهد السياسي بعد أن عجز عن فعل شيء، يجب على الرئيس هادي أن يغادر المشهد بعد أن عجز هو الآخر عن فعل شيء، بل أصبح غطاء شرعيا لأجندة التحالف الذي يمرر قراراته من خلال هادي وباسم الشرعية".