"أزمة داخل أخرى".. كيف تأثر الأمن الغذائي في إريتريا بجائحة كورونا؟

عبدالقادر محمد علي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم تزد جائحة كوفيد-19 والإجراءات الحكومية في مواجهتها الأوضاع في إريتريا إلا شراسة، لا سيما وأن مواطنيها يعانون أساسا ضعف الأمن الغذائي المزمن.

فوفقا للعديد من المصادر، تفاقمت الأزمة الغذائية في الأشهر الأخيرة لتعم بظلالها السوداء العديد من الأقاليم الإريترية، وإن كانت تأثيراتها الكارثية تتبدى في إقليمي البحر الأحمر الممتدين من الحدود الإريترية مع إثيوبيا وجيبوتي جنوبا إلى الحدود الشمالية مع السودان.

كورونا يضرب

"هناك أزمة غذائية منذ 15 عاما في إرتيريا" يقول الناشط الحقوقي إبراهيم أحمد في إفادته، مضيفا أن الوضع في الأشهر الأخيرة شهد تدهورا غير مسبوق.

وأوضح لـ"الاستقلال" أن تأثيرات الأزمة تشتد وطأتها في إقليمي البحر الأحمر اللذين يعاني سكانهما نتيجة إجراءات مكافحة كورونا لتي أقرتها الحكومة الإريترية، والتي جرى بمقتضاها التضييق على حركة المواطنين والتشديد في إغلاق الحدود مع الدول المجاورة.

ويضيف إبراهيم أن إقليمي البحر الأحمر يفتقران إلى المناطق الزراعية، في وقت يعتمد سكان الشق الجنوبي منه على الرعي والصيد، والتجارة النظامية وغير النظامية مع الدول المجاورة وعبورا إلى اليمن في الضفة المقابلة من البحر الأحمر.

وذكرت مصادر متعددة لـ"الاستقلال" أن ضعف الإمدادات الغذائية كان يضطر المواطنين إلى استجلاب الأغذية من الدول المجاورة بسلوك طرق تهريب يعرفها أبناء المنطقة.

غير أن التشديد الحالي مع إجراءات مواجهة كورونا على الحدود أدى إلى تضييق على هذه الأنشطة.

وأفاد بيان صادر عن منظمة عفر البحر الأحمر لحقوق الإنسان أن السلطات صادرت خلال شهر مايو/أيار 2020 قوافل تضم مئات الجمال، التي تحمل على ظهورها المواد الغذائية من جيبوتي وإثيوبيا وهو ما فاقم تدهور الوضع في الإقليم.

كما أن السلطات الحكومية أغلقت وفقا للبيان كافة الموانئ والمراسي البحرية ومكاتب الثروة السمكية في العديد من المناطق، في حين اعتقلت العشرات من المواطنين الذين كانوا يقومون بالصيد في البحر لسد احتياجات أهاليهم، وصادرت مراكبهم.

وهو ما وضع سكان الإقليم تحت خطر المجاعة المحدق، أما سكان الأرياف والقرى النائية من الرعاة والمزارعين فأوضاعهم أيضا أكثر مأساوية وفي ظروف إنسانية سيئة للغاية، وفقا للبيان.

ويقول إسماعيل قبيتا المدير التنفيذي لمنظمة عفر البحر الأحمر لحقوق الإنسان: إن الإغلاق البحري بدأ منذ انخراط إريتريا في حرب اليمن عام 2015، ومع إقامة القاعدة الإماراتية في الإقليم.

ويضيف قبيتا لـ"الاستقلال": أن "الإغلاق البحري أصبح أشد كارثية مع إجراءات مكافحة كورونا، حيث بات من المستحيل على أبناء المنطقة عبور البحر إلى اليمن القريب لبيع منتجاتهم وشراء الحاجات الأساسية كما اعتادوا أن يفعلوا". 

وظهرت أول حالة مصابة بوباء كورونا في إريتريا في مارس/آذار، وأعلنت وزارة الصحة عن إجراءات مشددة تتضمن حظر التجول في الثاني من أبريل/نيسان 2020.

ورغم إعلان الحكومة عن تماثل آخر حالة للشفاء منتصف مايو/أيار، فإنه لم يتم التخفيف من الإجراءات المتبعة على عكس كثير من دول العالم.  

ولم تقتصر التأثيرات الكارثية لإجراءات مواجهة كورونا على الجزء الجنوبي من إقليم البحر الأحمر، حيث أكدت مصادر متطابقة لـ"الاستقلال" أن الوضع الإنساني في الشق الشمالي منه أيضا يعاني من تدهور كارثي في أمن المواطنين الغذائي.

فوفقا لتلك المصادر، أدى إغلاق الحدود مع السودان إلى توقف تهريب المواد الغذائية منها، وإلى زيادة معاناة العائلات من الجوع الشديد، في ظل غياب أي مصادر  أخرى للتموين الغذائي. 

ومن بين 134 دولة درسها تقرير حالة الغذاء والتغذية الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) في 2019 كانت إريتريا ضمن البلدان التي سجلت في السنوات الأخيرة (2011-2017) زيادة في نقطة تحول معدل انتشار النقص الغذائي.  

ضعف غذائي مزمن

أزمة التدهور الغذائي ليست جديدة، فوفقا لتقرير بنك التنمية الإفريقي عن إستراتيجيته حول إريتريا الصادر في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2014 فإن "حوالي 70٪ من السكان في حالة ضعف شديد وانعدام الأمن الغذائي".

كما أن بنك التنمية أكد في تقارير متتابعة أن "65 ٪ من السكان يعيشون في المناطق الريفية ويعتمد 80 ٪ على زراعة الكفاف في معيشتهم".

وبحسب تقرير منظمة "يونيسيف" السنوي عن إريتريا الصادر في يناير/كانون الثاني 2020 فإن "الإنتاج الغذائي المحلي يقدر أنه لا يلبي سوى 60 إلى 70 ٪ من احتياجات السكان".

ويعزو بنك التنمية الإفريقي في تقريره الصادر في أبريل/نيسان 2020 تدني مستويات الإنتاجية الزراعية إلى "الاعتماد على التكنولوجيا البدائية والزراعة البعلية، والأراضي الصالحة للري، التي يتم ريها حاليا حوالي 10٪".

بالإضافة إلى "التدهور البيئي من خلال تآكل التربة والاستخدام المفرط لوقود الخشب، وكذلك لعدم كفاية إمدادات المياه بسبب الظروف شبه الجافة".

كما لاحظ تقرير صادر عام 2005 عن منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) وبرنامج الأغذية العالمي "نقص العمالة في كل مكان في إريتريا".

السبب الرئيسي لهذا النقص هو تجنيد الرجال في قوات الدفاع والخدمة الوطنية لفترات طويلة من الزمن، حيث يعاني الريف من فقدان القوة العاملة الشابة في التجنيد الإجباري مفتوح المدة في إريتريا. 

وفي غمرة انشغال العالم بكورونا، كان هناك خطر آخر يجتاح شرقي إفريقيا، حيث انتشر فيها الجراد الصحراوي أكثر الآفات المهاجرة تدميرا في العالم.

وسرب الجراد الصحراوي الواحد، الذي يمكن أن يحتوي على ما يصل إلى 150 مليون حشرة لكل كيلومتر مربع، قادر على أن يتناول في اليوم من الطعام مقدارا مماثلا لـ35 ألف شخص.

وذكرت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) أن المراعي والأراضي الزراعية تعرضت بالفعل لأضرار في إثيوبيا وكينيا والصومال وجيبوتي وإريتريا، وأن هناك عواقب وخيمة محتملة على المنطقة حيث يتعامل ما يقرب من 13 مليون شخص مع انعدام الأمن الغذائي الحاد ويعتمد الكثير منهم على الزراعة وتربية الماشية من أجل بقائهم.

ووفقا لإبراهيم أحمد الناشط الحقوقي، فإن هذه الهجمة ساهمت في تدهور الوضع الغذائي في إريتريا ولا سيما في إقليمي البحر الأحمر، حيث دمرت أسراب الجراد المراعي التي يعتمد عليها الكثير من السكان في تحصيل رزقهم.

وأضاف أن الآثار طالت الرعاة الذين يعملون على تربية مواشيهم في المراعي المفتوحة، ثم يعمدون إلى بيعها للاستفادة منها ومن منتجاتها في توفير احتياجاتهم الأساسية.  

وذكرت وسائل إعلام حكومية أن وزارة الزراعة تمكنت من السيطرة على انتشار أسراب الجراد في إريتريا قبل أن تلحق أضرارا كبيرة بالمحاصيل الزراعية، غير أن عدم الإذن بوجود وسائل الإعلام الخاصة في البلاد لا يسمح بالتأكد من مصداقية هذه الأخبار. 

"اقتصاد الكوبون" هكذا وصف "عند برهان جرجيس" المندوب السابق لإريتريا في الاتحاد الأوروبي السياسة الاقتصادية للبلاد، حيث يحتكر الحزب الحاكم عبر مؤسساته الاقتصادية استيراد المواد الغذائية الأساسية وتوزيعها، ويعتمد في ذلك على قسائم "كوبونات" تصرف على المواطنين وتحدد لهم حصصا شهرية بمقابل مادي.

وغالبا فإن هذه الحصص لا تكفي لسد احتياجات السكان، ولذا يتم اللجوء بشكل مستمر إلى تهريب المواد الغذائية من دول الجوار عبر طرق وشبكات، يرى محللون أنها ليست بعيدة عن فساد المسؤولين الذين يتربحون منها.

ووفقا لمصادر رفضت التصريح باسمها لدواع أمنية فإن المشكلة تفاقمت نتيجة غياب الدولة عن دورها التوزيعي على ضعفه، حيث تراجع مستوى التوزيع بشكل كبير مؤخرا.

كما أن ما يرد من مواد غذائية يتركز في المدن التي يصعب على أهل الأرياف الوصول إليها ضمن ظروف حظر التنقل الحالية.

وأكدت المصادر أن الدولة وضعت خطة لمكافحة كورونا لم تأخذ بعين الاعتبار الأوضاع الغذائية المتردية للمواطنين، ولم توفر لهم بدائل تعينهم على التصدي لاحتياجاتهم الأساسية. 

وفي ظل أشباح المجاعة التي تخيم على البلاد يرى إسماعيل قبيتا في إفادته لـ"الاستقلال" أن الحل يكمن في الضغط على الحكومة الإيرترية، وأن تقوم المنظمات والدول الداعمة للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان بممارسة الضغوط لفتح المنافذ وتيسير حياة المواطنين، ووضع خطط تراعي الضرورات المعيشية لهم قبل أن تتدهور الأمور بشكل لا يمكن إصلاحه.