محاكمة رئيس موريتانيا السابق بتهم فساد.. عهد جديد أم انقلاب ناعم؟

نواكشوط - الاستقلال | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

منذ وصوله لرئاسة موريتانيا في أغسطس/آب 2019، ومحمد ولد الغزواني حريص على قطع صلته بسلفه الرئيس السابق محمد ولد عبدالعزيز، مؤكدا عزمه السعي نحو تأسيس حقبة جديدة.

فور توليه منصبه، أقال ولد الغزواني، مسؤولين أمنيين وعسكريين مقربين من سلفه، كما أحدث تغييرات في بنية الحزب الحاكم "الاتحاد من أجل الجمهورية"، حيث تم انتخاب سيدي محمد ولد الطالب أعمر، رئيسا جديد للحزب خلفا لرئيسه السابق سيدي محمد ولد محم الذي استقال في مارس /آذار 2020.

ومؤخرا، بدا النائب البرلماني الموريتاني لمرابط بناهي حازما وهو يقول: "اللجنة البرلمانية التي يمثلها من حقها أن تستدعي أي مواطن من أجل التحقيق بمن فيهم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز". 

ولأن المشهد لا يتكرر كثيرا في العالم العربي، أثار التصريح العديد من التساؤلات وسط الموريتانيين وحتى بين المهتمين في الخارج، فهل تستدعي لجنة التحقيق البرلمانية ولد عبد العزيز للاستماع له في تهم فساد؟

إضعاف سياسي

في يناير/ كانون الثاني 2020، أي بعد 5 أشهر من تنصيب الرئيس الجديد، صادقت لجنة الشؤون الاقتصادية في البرلمان الموريتاني، على مقترح بتشكيل لجنة للتحقيق في فترة حكم رئيس البلاد السابق محمد ولد عبد العزيز.

وطالب 30 نائبا من  أحزاب "اتحاد قوى التقدم" و"تكتل القوى الديمقراطية" و"الاتحاد الوطني من أجل التناوب الديمقراطي" المعارضة أن يشمل التحقيق صندوق العائدات النفطية وعقارات الدولة التي تم بيعها في نواكشوط.

وكذلك، نشاطات شركة "بولي هونج دونج" و"صفقة الإنارة العامة بالطاقة الشمسية" وصفقة تشغيل رصيف الحاويات بميناء نواكشوط وتصفية الشركة الوطنية للإيراد والتصدير.

كما طالب النواب بعقد حوار سياسي جامع يضع حدا للفساد المستشري في مفاصل الدولة، ويفضي إلى استقرار البلد.

وفي أبريل/ نيسان 2020، صادق البرلمان على مقترح توسيع نطاق عمل اللجنة مبررا قراره بكون الملفات التي تحقق فيها اللجنة ترتبط بأخرى غير مشمولة بمجال تكليفها، وهو ما جعل من المهم توسيع مجال تفويضها، حرصا على مساعدتها على أداء مهمتها على الوجه المطلوب.

وبذلك أصبح مخولا للجنة التحقيق في السياسة التجارية للشركة الوطنية للصناعة والمناجم وصفقات البنية التحتية (الطرق – المطارات – الموانئ – الاستصلاحات)، وصفقات شركة الوطنية للكهرباء.

بدأت اللجنة بالفعل في استدعاء المسؤولين السياسيين واستجوابهم بخصوص الخروقات التي وصلت إليها، ومن بينهم ولد محمد الأغظف أكبر معاوني ولد عبد العزيز.

أفاد الصحفي الموريتاني والمحلل السياسي محمد عبد الله ولد لحبيب، أنه "فور خروج الرئيس السابق من قصر الرئاسة نظمت في حقه محاكمات شعبية، وصدرت عرائض عدة وظل الحديث عن محاكمته في وسائل التواصل الاجتماعي، وفي الصحافة حاضرا بوصفه أهم مدخل للإصلاح، لتصحيح الاختلالات الناجمة عن 10 سنوات من حكمه للبلاد".

وتابع المتحدث لصحيفة "الاستقلال": "حين عاد الرئيس السابق إلى البلاد قبيل نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وبعد 3 أشهر من الغياب عن الحكم، فجر أزمة سياسية كادت تمزق صف الأغلبية الحاكمة، بمحاولته العودة إلى السلطة من نافذة الحزب، ولعب دور سياسي في المرحلة الحالية".

في هذا الوقت انضم كثيرون من الأغلبية إلى صفوف الداعين إلى التحقيق في بعض الصفقات المشبوهة التي أثارت الكثير من اللغط إبان عقدها.

ورأى ولد لحبيب أنه من الطبيعي ألا تمانع السلطة الحالية، ممثلة في رئيس الجمهورية، مشددا أنها "تمنح مساحة واسعة للحركة لكل مكوناتها، في التحقيق في هذه الصفقات، لأنها من جهة مطلب شعبي، ومن جهة أخرى ستساهم في ردع لوبيات الفساد، كما أنها حق قانوني للبرلمان، ومن مصلحة النظام الجديد أن يسمح بحركة تمنحه المصداقية".

المحلل السياسي اعتبر أن "هذا التحقيق في حد ذاته سيساهم في إضعاف الرئيس السابق سياسيا، ويعيق بعض مراميه لزعزعة النظام والاستقرار، ومن الطبيعي ألا تكون السلطات العليا عائقا لمثل هذه اللجنة، بل من واجبها الوطني والقانوني والسياسي أن تشجعها، وتمنحها فرصة وتدعمها".

ردع الفساد

في إطار عمل اللجنة كشفت وثائق للشركة الموريتانية للكهرباء عن اتهام الرئيس السابق بتسع حالات تحايل على خدمات الكهرباء، ووصلت الفواتير المتعلقة بستة منها إلى حوالي 4 ملايين دولار.

ويتعلق الأمر بتوصيلات كهربائية في منازل ومصانع وفضاءات تابعة لولد عبد العزيز في ولايات نواكشوط والترارزة ونواذيبو وإينشيري.

المحامي محمد ولد أمين، وهو أحد وزراء إعلام الرئيس السابق وأحد خصومه الحاليين، أعلن بعد تشكيل اللجنة أن "اعتقال محمد ولد عبدالعزيز صار وشيكاً ويجب أن يتمتع بكامل حقوقه وأولها محاكمة عادلة، ودفاع نزيه".

وأضاف: "إذا لم يثبت على الرئيس السابق أي شيء، أو إذا ثبت عليه شيء كما أتوقع، فلا مانع من أن يصدر صديقه (الرئيس الغزواني) عفوا يصقله من التهم بعد عقوبة معنوية بسيطة، واستعادة الأموال المنهوبة".

أكد الوزير السابق محمد ولد امين ان اعتقال الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز بات وشيكا مطالبا له بمحاكمة...

تم النشر بواسطة ‏الشباب الاحرار من اجل موريتانيا‏ في الاثنين، ٢٧ يناير ٢٠٢٠

وعن اللجنة المشكلة للتحقيق، قال الصحفي عبد الله ولد لحبيب لـ"الاستقلال": "هدفها التحقيق في بعض الصفقات المشبوهة التي أثارت جدلا واسعا ساعة عقدها، وحامت حولها الكثير من الشبهات".

مضيفا: "الرئيس محمد ولد عبد العزيز تحول إلى أحد أثرى أثرياء البلد، وربما القارة الإفريقية، ومن الطبيعي أن يطمح الراغبون في الإصلاح، وخصوم الرجل ومن أساء إليهم، في التحقيق في حقبته، ولا شك أن لكل من هؤلاء أهدافه من تشكيل اللجنة ومن دعمها".

وأوضح المحلل السياسي أن منهم من يريدها بداية إصلاح، وقطيعة مع الفساد، أو إضعافا لتياره، ومنهم من يريدها تصفية أخلاقية لخصم سياسي استقوى عليهم طيلة 10 سنوات بالدولة وأدواتها، ومنهم من يعتبرها تقوية للنظام الحالي في وجه بقايا مؤيدي الرئيس السابق، ومع كل هؤلاء جزء من الحقيقة، بحسب تعبير لحبيب.

واعتبر المتحدث أن تشكيل هذه اللجنة وعملها، وما تثيره من أسئلة وما تجر من توضيحات وردود، سيكون رادعا لكثير من شبكات الفساد، ورسالة واضحة أن المحاسبة آتية في يوم من الأيام، وحتى لو لم يترتب عليها سجن الرئيس ولا محاكمته، ولا تجريده من ممتلكاته.

استبعد المتحدث الفرضية الأخيرة، فيما رجح أن تمضي التحقيقات إلى نهايتها وأن تترتب عليها قرارات بشأن الرجل وثرواته، وحتى لو لم يقع ذلك فإنها ستكون رسالة واضحة، وخطوة جادة على سبيل محاربة الفساد، وسيدرك من ينهبون الثروات أن يد العدالة ستطالهم يوما من الأيام. وسينكشف سوء خيانتهم لبلدهم ولأمانته، وقد ينالون عقوبتهم.

انقلاب ناعم

وسط من اعتبرها مناورة سياسية في بداية المدة الرئاسية ومن رأى فيها منهجية سياسية جديدة، أنهى الرئيس ولد الغزواني القطيعة مع المعارضة بعد 10 سنوات من حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، الذي سبق ووصفه معارضوه  بالصدامي والمنغلق.

الصراع ظهر على مستوى الحزب، فبعد مرور قرابة 100 يوم فقط على تنصيب الرئيس الجديد احتدم الخلاف داخل "الاتحاد من أجل الجمهورية" بين من أيد بقاء هيمنة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز على القرار السياسي، ومن سعوا إلى تحويل وجهة الحزب لصالح الرئيس الجديد ولد الغزواني.

وفي مؤتمره الذي عقد في ديسمبر /كانون الأول 2019 بنواكشوط، أعلن الحزب عن فك الارتباط بالرئيس السابق، واعتبر قادته الجدد ولد الغزواني وبرنامجه هو المرجعية الجديدة للحزب الحاكم.

وإثر المؤتمر العام للحزب والإعلان عن نتائجه، تم نزع جميع صور ولد عبد العزيز، من المقر الرئيسي للحزب الحاكم، التي كانت معلقة إلى جانب صور ولد الغزواني في واجهة مقر الحزب، وعلى بعض الجدران الداخلية له، ما اعتبره البعض انقلابا ناعما من الرئيس الجديد على حليف الأمس.

المحلل السياسي الموريتاني محمد عبد الله ولد لحبيب قال لـ"الاستقلال": "أعتقد أن تعبير انقلاب لا ينطبق على سلوك الرئيس الحالي ولا على تصرفاته، فالانقلاب يكون على من في يده السلطة أو من هو قريب منها وليس العكس.

وتابع المتحدث: "صفحة ولد عبد العزيز قد طويت، ووضع له مقعد بين الرئيس المدني المطاح به سنة 2008 سيدي محمد ولد الشيخ عبدالله، والزعيم التاريخي للمعارضة الموريتانية أحمد ولد داداه".

ما أعتقده، يزيد ولد لحبيب هو أن "الشق السياسي من أهداف اللجنة، والذي قام به نواب داعمون للرئيس الحالي، ولا شك أنه كان بموافقة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، كان يهدف إلى طي صفحة الرئيس السابق بشكل نهائي، وإعلان نهايته السياسية".

مضيفا: "الرئيس الحالي، انتخب بنسبة مئوية محترمة (52%) صحيح أنه كان مدعوما ظاهريا على الأقل من الرئيس السابق محمد ولد عبدالعزيز، وإن كان هناك الكثير من المؤشرات على أن ولد عبد العزيز لم يرغب في نجاح غزواني من الشوط الأول، وقد تكشف الأيام بعض الحقائق بالخصوص، ولكننا ننظر فيما بين أيدينا من معطيات".

لم ينف المحلل أن الرجلين كانا رفاق درب لعقود، قبل أن يستأنف قائلا: "لكن منذ اللحظة الأولى كان واضحا أن ولد الغزواني نمط مختلف من الرؤساء لا يمت بعلاقة لولد عبد العزيز، ولن يكون للأخير شأن في عهده، كانت الأمور ستسير بطريقة هادئة ومتدرجة، لكن وجود ولد عبدالعزيز طرفا فيها أعطاها شيئا من طبيعته فجاءت النهاية صاخبة ومدوية وتراجيدية".

وختم حديثه قائلا: "لكنها قد لا تكون النهاية الأسوأ، وقد نرى ولد عبد العزيز في وضع أكثر حرجا لرئيس سابق كان يرى نفسه رمزا لقوة لا تقهر".