"التغريبة الفلسطينية".. مسلسل يفضح دراما التطبيع في رمضان 2020

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يبدو أن المشاهد العربي بات مضطرا للعودة إلى مسلسلات الماضي كي يستذكر القضية الفلسطينية ويحفز ذاكرته، بعد أن امتلأت الشاشات العربية بمسلسلات تسعى لطمس القضية من الذاكرة العربية، وخلق وعي يستوعب إسرائيل في ذهنية المشاهد العربي.

حينما يرجع المشاهد العربي للأعمال الفنية التي تناولت القضية الفلسطينية بلا تزييف للوعي أو تضليل للرأي العام، يقفز إلى ذهنه مباشرة مسلسل التغريبة الفلسطينية الذي أنتج عام 2004.

التغريبة الفلسطينية يعد من أشهر وأضخم ما أنتجته الدراما العربية، كتبه الدكتور وليد سيف، وأخرجه حاتم علي، وأنتجته شركة "سوريا الدولية". صورت مشاهد المسلسل بالكامل في سوريا عام 2004، وبث للمشاهد في نفس العام عبر 31 حلقة، طوال شهر رمضان.

المسلسل ملحمة درامية، تتناول قضية الفلسطينيين وكفاحهم الثوري ومسيرتهم النضالية خلال نحو 35 سنة، ويسلط الضوء على تفاصيل حياتهم من خلال سرد قصة أسرة ريفية فقيرة (أسرة أبو يونس) وبطل المسلسل أحمد أبو صالح، الذي يلعب دوره الفنان السوري جمال سليمان، ويتناول علاقة الأسرة ببعضها، في زمن الاحتلال البريطاني ثم الثورة والنزوح واللجوء ثم كفاحها ضد عصابات الاستيطان الصهيوني.

يسلط المسلسل الضوء على مرحلة مهمة وحساسة من التاريخ السياسي والاجتماعي والإنساني الفلسطيني، منذ عام 1932 مرورا بالثورة الريفية عام 1936 والنكبة عام 1948 وحتى النكسة عام 1967، وما حصل بين البداية والنهاية من أحداث ومحطات مهمة مثلت منعطفات تاريخية.

تناولت مشاهد المسلسل جوانب سياسية واجتماعية مختلفة في السياق الفلسطيني، من أحداث تاريخية مفصلية وتغييرات في الواقع الاجتماعي إثر النكبة، والعلاقة بين الريف والمدن الفلسطينية والمخيمات، ودور المثقف الفلسطيني.

أحداث حقيقية

لم يكن المسلسل من محض خيال الكاتب بل استند إلى أحداث حقيقية موثقة، أمضى الكاتب منذ مطلع الثمانينات وهو يتتبعها ويوثقها، وحتى إنتاج العمل في 2004 وإخراج تلك الوثائق في عمل فني درامي.

كان المسلسل دقيقا في تناول الأحداث ومحاكاة الواقع الفلسطيني، وهو ما جعل منه ردا كافيا على كل الأعمال التي تسعى لتزوير وعي المشاهد وتضليل الرأي العام عبر مغالطات تاريخية أو سرديات لا صلة لها بالواقع.

استعان المسلسل بأدوات منهجية لعرض القضية الفلسطينية، من خلال تشريح بنية مجتمع اللجوء الفلسطيني، والتفاعلات بين الطبقات الغنية والفقيرة، والخير والشر، ولعل تلك الأحداث وما تخللها من تفاصيل موثقة بالإضافة إلى بعدها عن الشطحات الدرامية، قد أقنعت المشاهدين بمصداقية أحداث المسلسل.

لم يتحدث المسلسل عن القضية الفلسطينية كشعارات أو لافتات، بل تحدث عنها كممارسات من خلال يوميات أبناء القرية وأسرة أبو يونس.

لم يمنح المخرج للقرية اسما بعينه، كي تكون معبرة عن كل قرية فلسطينية، كما جعل من عائلة الشيخ يونس الأساس الإنساني الذي استمدت منه الحكاية جاذبيتها الحقيقية لدى المشاهدين، وجسد أبو صالح، وهو الأخ الأكبر لهذه العائلة، شخصية الرجل المناضل القيادي، المخلص لقريته، ليعبر بدوره عن كل فلسطيني مناضل.

خاض مخرج المسلسل وهو من أبناء الجولان المحتل تجربة مشابهة حيث أمضى فترة نازحا في مخيم اليرموك، كما كان الكاتب من أبناء مدينة طولكرم الفلسطينية الذي عايش المعاناة بنفسه، ولعل هاتين التجربتين بتفاصيلهما قد انعكستا على المسلسل، وعلى قدرة الكاتب في توصيف الأحداث بدقة، وقدرة المخرج أيضا في ترجمتها إلى عمل فني بارع.

عدالة القضية

يؤكد المسلسل على عدالة القضية الفلسطينية، وعلى أصالة الحق الفلسطيني، في وقت تسعى أطراف غربية عبر أدوات عربية، لتمييع قضيتهم ومصادرة حقهم لصالح الكيان الصهيوني المحتل.

كما يوصل المسلسل رسالة مفادها أن الأجيال اللاحقة لن تترك حقا ما قاتل آباؤهم من أجله وسكبوا دماءهم على التراب رخيصة في سبيله، وأن التنازل عن شبر من الأرض يعد خيانة لهذه الدماء وتلك الأرواح.

المسلسل يحفز الذاكرة العربية نحو قضية فلسطين التي حاول الكيان الصهيوني عبر أدواته العبرية والعربية طمسها من ذاكرة الأجيال، مستهدفا جيل المستقبل  الذي لم يعش فصول النضال الفلسطيني في أوجها.

ختم المسلسل مشاهده بنهاية تبعث على الأمل بالعودة، في رسالة واضحة لأولئك الذين يعلنون استعدادهم لإنهاء النزاع الفلسطيني الإسرائيلي بمنح تل أبيب الأرض مقابل حفنة من المال للفلسطينيين.

المسلسل رسالة أيضا لأولئك الذين أصبحوا يهودا أكثر من اليهود أنفسهم، في دفاعهم عن الكيان المغتصب، كما هو حال الكاتب السعودي رواف السعين الذي شن هجوما على الفلسطينيين من خلال مقطع نشره على يوتيوب.

وخاطب السعين، في الفيديو الفلسطينيين، قائلا: "أنت لست عربيا، وليس لك أرض أو قضية، الأرض أرض إسرائيل، والقضية قضية إسرائيل، إسحاق شامير، ورابين، وغولدا مائير كانوا أبطالا، لكن نتنياهو جبان لأنه لم يحرقكم، لا أدري لماذا والأسلحة مكدسة عنده".

وطالب السعين نتنياهو بتخليص العالم من الفلسطينيين قائلا: "يا نتنياهو أحرق العصابات هذه وريح نفسك وريح العالم منهم وريحنا منهم، ليش مخليهم؟ ليش فاتح لهم الحدود يهاجرون؟".

مدفوع الثمن

بطلة مسلسل "التغريبة الفلسطينية"، الفنانة الأردنية من أصولٍ فلسطينية جولييت عواد، التي مثلت دور أم أحمد "بطل المسلسل"، استكرت بشدة ما تم ترويجه في مسلسلي "أم هارون" و"مخرج 7" اللذين يبثان على قناة أم بي سي خلال رمضان.

عواد قالت: "بعض الأعمال الدرامية العربية، التي تروّج للتطبيع مع إسرائيل، تأتي في سياق حملة ممنهجة ومدروسة، ومدفوعة الثمن، بهدف إعادة تشكيل الصورة النمطية عن الاحتلال وتغيير الوعي العربي تجاه القضية الفلسطينية".

وأضافت عواد في حوار خاص مع "وكالة سند للأنباء": "التطبيع الفني والثقافي، جاء بعد فشل سلسلة من أنواع التطبيع السياسي والاقتصادي بسبب الرفض الشعبي العربي لها".

وأردفت: "بعد مقاومة الشعوب العربية لمختلف أنواع التطبيع مع إسرائيل، قررت الأخيرة الدخول إلينا من البوابة الثقافية، للتأثير عاطفيا علينا، عبر أقلام ومسلسلات رخيصة جدا".

وأكدت أن "الفنان الأصيل صاحب المواقف المشرفة، لا يمكن له القبول بالمشاركة في مثل هكذا دراما، أو حتى الضغط عليه من شركات الإنتاج لأداء أدوار تُروّج للتطبيع مع الاحتلال".

وكشفت "عواد" أنها رفضت العديد من الأدوار التمثيلية بمبالغ باهظة، لأن مضمونها يُسيء للقضية الفلسطينية، مردفةً: "تم مقاطعتنا لـ10 سنوات أنا وزوجي بسبب مواقفنا الرافضة للخضوع على حساب الثوابت، ولم نمت من الجوع".

واستغربت الفنانة الأردنية، ما أسمته "صمت النخب والكُتاب عن "التطبيع الفني" متساءلة، هل "عجزوا عن مواجهته، أم أنهم استخفوا به؟".

وختمت عواد حديثها بالقول: "التغريبة قصّة شعب حقيقة بُنيت على حقائق، ويوجد عدد كبير من الشاهدين على هذه المأساة حتى يومنا هذا، أما أن تُحدث الناس عن تغريبة يهودية؟ أي هو شعبهم أصلًا وعاداتهم وتقاليدهم؟ أي أرضهم، لا أرض تجمعهم".

ورغم مرور أكثر من 16 عاما على إنتاج "التغريبة الفلسطينية"، إلا أنه مازال محط إعجاب الكثيرين، من الناحية الموضوعية بعدالة القضية المحورية التي سردها المسلسل، ومن الناحية الفنية من خلال الإتقان في الحبكة الدرامية والذائقة الفنية العالية التي تم إخراج المسلسل بها ورافقت مشاهده.

ورغم قدم إنتاج المسلسل، لكن مازالت محطات فضائية تبثه حتى الآن، ومازالت منصات التواصل الاجتماعي تحقق مشاهدات مرتفعة، وذلك لشح الأعمال الفنية التي تتناول القضية الفلسطينية.