صلاح قوش.. رجل مخابرات رافق البشير في انقلابه واختفى مع عزله

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

لم يكن صلاح قوش مجرد رجل أمن حديدي، ورئيسا ومؤسسا لجهاز الأمن والمخابرات السوداني، بل يجيد أيضا فن السياسة والتحالفات وترتيب الأدوار بما يناسب المراحل الآنية، حيث لعب أدوارا محورية على المسرح السياسي السوداني المضطرب خلال 3 عقود.

انطلق قوش مع رفاقه في انقلاب الإنقاذ عام 1989، بقيادة البشير وتخطيط الترابي. كان قوش رجلا مخابراتيا بامتياز، ترأس الجهاز الأخطر داخل مؤسسات الأمن السودانية (المخابرات). أطاح به البشير وسجنه ووجه إليه تهمة الانقلاب، ثم رده مرة أخرى إلى منصبه قبل أشهر قليلة من سقوط نظامه.

الآن وبعد سقوط نظام البشير، والقبض على قيادات النظام الحاكم، مايزال  الفريق أول مهندس صلاح عبد الله قوش مختفيا، إثر مغادرته البلاد، عقب سقوط البشير في أبريل/نيسان 2019.

وفي 20 فبراير/ شباط، أصدر الإنتربول نشرة للقبض على قوش، فيما أصدرت نيابة الثراء الحرام والمشبوه في السودان، أمرا بالقبض عليه، واعتبرته متهما هاربا، وأمر النائب العام السوداني، مولانا تاج السر الحبر، بسرعة ضبطه.

في فبراير/ شباط 2020، تحدثت وسائل إعلام سودانية عن زيارة مفاجئة قام بها قوش إلى العاصمة الخرطوم، التقى فيها شخصيات تابعة لحزب البشير وأيضا مقر وزارة الدفاع السودانية، فمن يكون قوش؟ وكيف بدأت مسيرته؟

قوش المهندس

اسمه بالكامل صلاح عبد الله محمد صالح، الشهير بـ"قوش"، وذلك نسبة إلى عالم رياضيات هندي كان يتسم بالنبوغ.

ولد قوش في قرية البلل شمالي السودان، بمعقل قبيلته الشايقية، وهي من أكبر القبائل السودانية وأكثرها نفوذا. ثم رحلت أسرته إلى مدينة بورتسودان شرقي البلاد، واستقرت هناك. 

في المرحلة الثانوية التحق قوش بالتيار الإسلامي، ثم أكمل دراسته الجامعية بكلية الهندسة جامعة الخرطوم التي تخرج فيها بداية الثمانينيات.

بدأ حياته العملية بالعمل في مجموعة شركات هندسية، بالإضافة إلى عمله الأهم كمسؤول عن جهاز المعلومات الخاص بتنظيم جماعة الإخوان المسلمين الذي كان أقوى تنظيم في الجامعة خلال فترة الثمانينيات، وسيطر على معظم الاتحادات الطلابية.

براعة قوش في العمل الاستخباري وجمع المعلومات وتحليلها كما يقول متابعوه كان سببا في التحاقه بجهاز المخابرات الذي أسسه الإسلاميون بزعامة حسن الترابي عقب الانقلاب العسكري الذي أوصل عمر البشير إلى السلطة عام 1989.

المؤسس الأول

على يد الفريق أول صلاح قوش، ولد جهاز الأمن والمخابرات الوطني، بهيئته الجديدة، في 11 فبراير/ شباط 2004، وذلك من خلال توحيد جهازي الأمن الوطني الذي كان مكلفا بالأمن الداخلي، والمخابرات السودانية الذي كان مكلفاً بالأمن الخارجي في جهاز واحد وتحت إدارة مدير عام واحد هو قوش.

ظل قوش رئيسا للجهاز لمدة 5 سنوات بحكم قربه من البشير وثقته المطلقة فيه ونجاحه في إضعاف حزب غريمه حسن الترابي، وكشفه للعديد من المخططات المحيطة بقصر الحكم، لكن سرعان ما انقلب البشير على قوش وأطاح به في عام 2009 بتهمة التخطيط لانقلاب عسكري، وتم وضعه في السجن.

أعلنت السلطات السودانية حينها أن الأجهزة الأمنية اعتقلت 13 من ضباط الجيش وجهاز الأمن والمخابرات وعناصر مدنية "لتورطهم" في محاولة انقلابية، ومن أبرزهم مدير جهاز المخابرات السابق الفريق صلاح قوش وقائد الحرس الرئاسي الأسبق اللواء محمد إبراهيم الشهير بـ"ود إبراهيم".

عام 2013، عاد البشير وأفرج عن قوش بموجب عفو رئاسي بعد وساطات تبنتها قيادات رفيعة في حزب المؤتمر الوطني الحاكم. وهنا تراجع ظهور اسم قوش في عالم السياسة والأمن، حيث انتقل الرجل إلى عالم المال والأعمال.

لكن قوش العارف بطبيعة ومتناقضات المسرح السياسي السوداني عاد مرة أخرى على رأس الجهاز في ديسمبر/ كانون الأول 2018، بعد نحو 9 سنوات من إقالته، مع اندلاع الاحتجاجات السودانية العارمة التي انتهت بإسقاط البشير، ولم يسقط قوش.

رؤية ثاقبة

الدور الذي لعبه قوش خلال حكم البشير، لم يكن عاديا في ظل دولة تتجاذبها الاضطرابات، والصراعات العسكرية من كل حدب وصوب، حيث ظهرت مدى قوة قوش وجهازه، وأسبقيته عن بقية الأجهزة الأمنية في السودان، عندما نجح في التصدي للمحاولة الانقلابية الأشهر لحركة العدل والمساواة المتمردة في دارفور.

في 10 مايو/أيار 2008، استطاعت عناصر الحركة الوصول إلى مدينة أم درمان المركزية داخل العاصمة السودانية الخرطوم، وفشل الجيش في رصد قوافل السيارات العسكرية للحركة التي انطلقت من حدود تشاد، وتجاوزت صحاري غرب السودان حتى أم درمان وسيطرت على بعض المواقع، بيد أن قوات الأمن تمكنت من مواجهتها وهزيمتها، فيما يعرف بعملية "الذراع الطويل".

بعد فشل هذه العملية، استخدم جهاز الأمن والمخابرات الوطني أساليب غاية في العنف لقمع الحركات المسلحة في دارفور، وشن حملات اعتقال موسعة وإنفاذ عمليات اغتيال وتصفيات جسدية، وأصدر قوش قرارا مباشرا باستبعاد وإخراج كل المنظمات الحقوقية العاملة في إقليم دارفور، في ذلك الوقت.

هيئة العمليات

في 14 يناير/ كانون الثاني 2020، استيقظ السودانيون على وقائع اشتباكات عنيفة، وإطلاق نار كثيف، وقوات أمنية تغلق طرقات رئيسية، وسقوط قتلى وجرحى، في قاعدتين تابعتين لجهاز الأمن والمخابرات الوطني، أحدهما في منطقة كافوري بالعاصمة الخرطوم، والأخرى في ضاحية الرياض شرقي العاصمة.

سرعان ما تبين، أن تلك الأحداث وراءها عناصر من قوات هيئة العمليات، الجناح المسلح لجهاز المخابرات، رافضة لخطة إعادة هيكلة الجهاز، الذي يقدر عدد أفراد هيئة العمليات فيه بـ 13 ألف عنصر، منهم قرابة 7 آلاف في ولاية الخرطوم فقط.

وبعد يوم واحد في 15 يناير/ كانون 2020، اتهم نائب رئيس المجلس السيادي في السودان وقائد قوات التدخل السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قوش، بالوقوف وراء الأحداث التي شهدها السودان والتي وصفها بأنها تمرد.

وشدد حميدتي على أن قوش "متورط في تمرد هيئة العمليات ولديه ضباط في الخدمة وخارج الخدمة للانقلاب على الوضع".

وقالت الحكومة السودانية: إن "القوات المسلحة أخمدت تمردا لوحدات من هيئة العمليات في جهاز الأمن والمخابرات الوطني".

ومنذ ذلك الحين، والغموض يلف مصير قوش، ولا تأتي إلا أنباء عن لقاءات يعقدها بزعماء سياسيين سودانيين بارزين، وعن مغادرته البلاد للاستقرار في دولة إفريقية، أو عن زيارة سرية للخرطوم.

فضلا عن تصريحات صحفية نسبت لزعيم حزب الأمة القومي، الصادق المهدي، تشير إلى أن دور قوش لم ينته بعد.