"أم هارون".. لماذا اختيرت الكويت لبدء التطبيع الفني مع إسرائيل؟

محمود سامي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

عبر شاشة سعودية وإنتاج إماراتي وبطولة كويتية وإخراج مصري، يقود مسلسل "أم هارون" أولى رحلات التطبيع الفني مع "إسرائيل" في دول الخليج، بالتزامن مع تصاعد وتيرته في الآونة الأخيرة.

ويحل مسلسل "أم هارون" خلال أيام قليلة، ضيفا "ثقيلا" –كما يراه منتقدوه- على مائدة الدراما العربية والخليجية في شهر رمضان المبارك، مستغلا الحجر الصحي العربي أمام الشاشة الصغيرة، في أوج انتشار جائحة فيروس كورونا (كوفيد 19)؛ ليروي حسب صنّاعه "مظلومية" اليهود في الخليج العربي.

والمسلسل أثار جدلا كبيرا منذ الإعلان الترويجي له، إذ ربطه مراقبون ومشاهدون بالمساعي الخليجية الأخيرة نحو التطبيع مع الكيان الإسرائيلي.

وباستثناء مصر والأردن، لا تقيم الدول العربية علاقات دبلوماسية علنية مع إسرائيل، في وقت تسعى فيه تل أبيب إلى الخروج بالعلاقات السرية مع الكثير من دول المنطقة إلى العلن.

حاخام على الشاشة

قبل أيام، عرضت فضائية "إم بي سي" السعودية مقطعا ترويجيا للمسلسل، وبدا منه أنه يحكي قصة يهود الكويت في أربعينيات القرن الماضي.

ويتحدث العمل الدرامي عن "مظلوميات" و"خيانات" و"حالات عشق بين ملل دينية مختلفة"، وفي الخلفية من مقطعه الدعائي يظهر "حاخام" في دلالة لوجود الديانة اليهودية آنذاك.

والمسلسل هو إنتاج مشترك بين شركة الفهد المملوكة للفنانة الكويتية حياة الفهد وشركة جرناس المملوكة للإماراتي أحمد الجسمي، وكلاهما منتج منفذ لصالح فضائية "إم بي سي" السعودية.

و"أم هارون" من إخراج المصري محمد العدل، ويشارك في بطولته الفنان السعودي عبد المحسن النمر، كما جرى تصوير مشاهده بالكامل في الإمارات بعد أن حصل على إجازة النص من السلطات الإماراتية.

والهدف منه كما جاء على لسان بطلته الكويتية المثيرة للجدل حياة الفهد، كشف "المظلومية" التي تعرض لها اليهود في بلادها خلال أربعينيات القرن الماضي أي قبل قيام دولة الكيان بسنوات قليلة، وهو ما أثار جدلا على منصات التواصل الاجتماعي.

ومن المفارقات، أن بطلته أثارت ضجة مؤخرا حين دعت إلى إلقاء المصابين بفيروس كورونا من الوافدين في الصحراء، في حين ترسل عبر شخصية "أم هارون"، رسالة تعاطف مع اليهود.

يهود الكويت

كان العراق وفق تقارير وروايات تاريخية، المركز الأساس لليهود في الخليج، بينما عاش في الكويت خلال ثلاثينيات القرن الماضي حوالي 100 عائلة يهودية فقط، قبل أن تغادرها لاحقا.

وأورد الكاتب الكويتي حمزة عليان في كتابه الصادر عام 2012 "اليهود في الكويت.. وقائع وأحداث"، أن إحصاءا تقديريا عام 1890، قدّر عدد الكويتيين بنحو 20 ألف نسمة، من بينهم 50 يهوديا.

ونقل الكتاب تقريرا للوالي العثماني على بغداد مدحت باشا، قال فيه خلال زيارته للكويت عام 1871: إن سكانها لا يوجد بينهم لا مسيحيين ولا يهود.

وتعددت الروايات عن تاريخ بدء رحيل اليهود عن الكويت التي نزحوا إليها مع بدايات القرن الماضي، فمنها ما اعتبر أنه في عام 1936 لم يتبق أحد منهم في الكويت، في حين ذهب البعض الآخر إلى القول: إن خروجهم النهائي كان في عام 1947. 

وفي تلك الأثناء أصاب علاقات اليهود مع محيطهم الكويتي التصدع الاجتماعي، خاصة مع قيام الثورة الفلسطينية الكبرى 1936، ومطالبة العرب بريطانيا بوقف هجرة اليهود إلى فلسطين، ومنع انتقال ملكية الأراضي إليهم.

وفي حقبة الثلاثينيات تحديدا، أخذت العلاقات بين سكان المجتمع المحلي واليهود منعطفا جديدا عززتها بعض ممارسات التلاعب المالي والتجاري من قبل اليهود في الكويت.

وأجمع باحثون على ربط هجرة اليهود من الدول العربية عامة بالحركة الصهيونية والنزاع العربي الإسرائيلي، التي تمت أواخر الأربعينيات والخمسينيات. وأشار الكتاب إلى أن اليهود عاشوا في أمان واطمئنان في خريطة الأقليات بالمجتمعات العربية.

لماذا الكويت؟

وفق المعطيات السابقة، يسعى المسلسل إلى تصدير صورة بوجود مجتمع يهودي واسع في الكويت، يشكل وجوده قضية ذات تعقيدات كبيرة. 

واختيار الكويت كمكان تدور فيه أحداث المسلسل، يأتي بعد أن أظهر الشعب الكويتي وقادته، مناعة في مواجهة التطبيع في الآونة الأخيرة.

ولطالما ظهر رئيس مجلس الأمة الكويتي، مرزوق الغانم، كأحد رموز رفض التطبيع في الدولة الخليجية ودعا إلى تجريمه بكل أشكاله. وفي 2017، طرد الغانم، الوفد الإسرائيلي في المؤتمر الـ137 للاتحاد البرلماني الدولي، الذي انعقد في مدينة سانت بطرسبورغ الروسية.

كما أن الكويت لا تعيش في ظل نظام استبدادي يسهل قمع الأصوات المناهضة للتطبيع، فكان الخيار أن يجري اختراق الساحة الكويتية من خلال القوة الناعمة، والتطبيع الفني.

وأبدى كويتيون رفضا للمسلسل باعتباره شكلا من أشكال التطبيع، إذ رأى معارضو العمل عدم وجود مبرر له في ظل الأوضاع العربية وما تشهده الأراضي الفلسطينية المحتلة من ممارسات عنصرية.

كما أبدى هؤلاء مخاوف من اعتباره بداية لاختراق الموقف الشعبي الكويتي الرافض على طول الخط للتطبيع، في ظل تسارع خطى بعض دول الجوار لتوثيق العلاقات مع "إسرائيل" مؤخرا.

استياء عربي

في السياق ذاته، عبّر فلسطينيون عن استيائهم من العمل الدرامي، وفي هذا الصدد كتب طاهر النونو، مستشار رئيس حركة "حماس" عبر فيسبوك إن مسلسل "أم هارون" يأتي في سياق "محاولات فرض التطبيع الثقافي والذهني" الذي اعتبره "أخطر بكثير من الاحتلال نفسه".

فيما نقل المركز الفلسطيني لمقاومة التطبيع عن طارق الشايع رئيس لجنة شباب لأجل القدس العالمية في الكويت قوله: إن "الكويت ضد التطبيع بكل أشكاله، ولا تسمح لكائن من كان أن يقوم بالترويج للتطبيع مع الصهاينة". وعلق المركز على صورة وضعها لأبطال العمل بأنه "دراما خبيثة".

ورأى أن هذا المسلسل ما هو إلا محاولة خبيثة لاختراق المجتمع العربي الخليجي، خاصة أنه يأتي بعد سلسلة أنشطة وفعاليات تطبيعية تصدرتها السعودية والإمارات والبحرين في منطقة الخليج.

أما الباحث المغربي المتخصص في الفكر الإسلامي، إدريس الكنبوري، فوصف المسلسل بـ"الطاعون".

وقال عبر فيسبوك: "لأول مرة أعرف أن الكويت كان بها يهود من الحجم الذي يستحق مسلسلا عنهم، قرأت الكثير عن اليهود العرب لكن هذه أول مرة أسمع بهذا".

وأضاف: "المال العربي لم ينتج سينما أو إعلاما لخدمة القضايا العربية والإسلامية، بل خصص لإنتاج التفاهة، والمرة الوحيدة التي أراد أن يكون جديا قرر إنتاج مسلسل عن يهود الكويت، لا فيلم واحد عن مسلمي البوسنة والهرسك الذين عاشوا المآسي العظمى، لا فيلم عن الفلسطينيين". 

وتهكم بالقول: "في الوقت الذي احتفلت أميركا بالقدس عاصمة لإسرائيل وأمام شاشات العالم كله، يأتي الفيلم لتزكية الواقع، إنه الطاعون يا أم هارون".

ليس الأول

لا يعد "أم هارون" أول عمل فني تلاحقه اتهامات التطبيع، ففي السنوات الأخيرة زادت وتيرة هذه النوعية من الأعمال وتنوعت بين المسرح والسينما والتلفزيون، التي تتعامل مع اليهود باعتبارهم العدو التاريخي.

ويأتي المسلسل بعد أن كانت الدراما العربية تدفع تل أبيب إلى سحب سفرائها من العواصم العربية، كما حدث عام 2002 حين اعترضت على عرض المسلسل المصري "فارس بلا جواد" وسحبت على إثره سفيرها من القاهرة.

وكان أبرز هذه الأعمال، التي وصفت بـ"التطبيعية" المسلسل المصري "حارة اليهود" الذي عُرض في رمضان 2015، والفيلم اللبناني "القضية رقم 23" عام 2017، والجزء السابع من المسلسل السوري "باب الحارة" عام 2015.

والعام الماضي، حظيت مسرحية مصرية حملت عنوان "سوبيبور" باحتفاء إسرائيلي، وأثارت جدلا واسعا وقت عرضها أغسطس/ آب 2019 بمصر، ونالتها اتهامات "الترويج للصهيونية والهولوكوست".

وتيرة متسارعة

تسارعت وتيرة التطبيع بين إسرائيل ودول عربية منذ بداية العام 2020 إلى حد كبير، وشملت مجالات مختلفة بما في ذلك السياسي والعسكري والاقتصادي وحتى الرياضي.

وأعلنت إسرائيل في 19 يناير/كانون الثاني رسميا، البدء بأعمال بناء الجناح الإسرائيلي في معرض "إكسبو دبي 2020" بالإمارات، لكن تحدثت أنباء لاحقا عن إلغائه أو تأجيله بسبب تفشي كورونا.

يأتي ذلك بالتزامن مع الإعلان عن خطة السلام الأميركية المزعومة المعروفة بـ "صفقة القرن"، والتي لم يكن مصادفة حضور ثلاثة سفراء خليجيين (الإمارات وعمان والبحرين) مؤتمر الإعلان عنها في واشنطن.

وتتضمن الخطة التي لاقت رفضا فلسطينيا وعربيا وإسلاميا، إقامة دولة فلسطينية في صورة أرخبيل تربطه جسور وأنفاق، وجعل مدينة القدس عاصمة غير مقسمة لإسرائيل.

وفي 31 يناير/ كانون الثاني 2020 شارك وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد، مقالا يدعو الفلسطينيين إلى عدم رفض "صفقة القرن" المزعومة.

وأعاد "ابن زايد"، عبر حسابه على "تويتر"، نشر مقال لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، يحمل عنوان "الفلسطينيون يخسرون في كل مرة يقولون فيها: لا".

وفي 21 ديسمبر/كانون الأول 2019، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: إنه يرحب بالتقارب بين تل أبيب و"الكثير من الدول العربية"، مؤكدا أنه "آن الأوان لتحقيق التطبيع والسلام".

وسبق لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، أن قال في تصريحات لمجلة "ذا أتلانتيك" الأميركية: إن لشعب إسرائيل الحق في العيش على أرضه بسلام.

فيما سبق أن دعا وزير الشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، عدة مرات إلى التطبيع مع إسرائيل والانفتاح عليها، كما وصف الحوار معها بالإيجابي.