ما أسباب صمت الأمم المتحدة عن القصف الروسي في سوريا؟

خلال تحقيقها في الغارات التي تستهدف المستشفيات والمدارس في مدينة إدلب السورية، لم تجرم الأمم المتحدة موسكو بشكل مباشر رغم مسؤوليتها عن هذه الهجمات.
تحت هذه الكلمات، نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرا تساءلت فيه عن أسباب صمت المنظمة الدولية عن القصف الروسي في سوريا.
وقالت "لوموند": إن تحقيق الأمم المتحدة في قصف مواقع إنسانية شمال سوريا، والذي نُشرت نتائجه يوم 6 أبريل/ نيسان 2020، يقر بأن "الحكومة السورية و/أو حلفاءها" ارتكبوا معظمها، لكنه امتنع عن تسمية روسيا صراحة.
وأوضحت أن اللجنة الداخلية التي أنشئت في 1 أغسطس/ آب 2019، بناء على طلب الأمين العام أنطونيو جوتيريس، استعرضت ست هجمات من بين مئات الهجمات التي استهدفت مدارس أو مستشفيات منذ 17 سبتمبر/ أيلول 2018، تاريخ التوقيع في سوتشي بين كل من روسيا وتركيا، على اتفاقية الاستقرار بمنطقة إدلب.
وخلصت اللجنة في تقريرها إلى أن خمسة من هذه التفجيرات الستة نفذتها "الحكومة السورية و/أو حلفاؤها"، لكن لجنة التحقيق لم تربط قط بين حلفاء النظام السوري وروسيا، بينما موسكو هي الوحيدة بين مؤيدي رئيس النظام بشار الأسد من تمتلك قاذفات مقاتلة تعمل في سوريا.
"مخيب للآمال"
وذكرت الصحيفة الفرنسية أنه في عام 2019، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أيضا تحقيقا شاملا أظهر، بدعم تصريحات طيارين روس، مسؤولية موسكو عن الغارات الجوية التي دمرت محافظة إدلب.
وقال لويس شاربونو من منظمة "هيومن رايتس ووتش"، الذي تعتبر الهجمات "جرائم حرب محتملة": إن رفض تجريم روسيا مخيب للآمال.
وبحسب منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان (غير حكومية)، فإن 595 اعتداء على المؤسسات الصحية بين 2011 وفبراير/ شباط 2020، نفذ النظام السوري وحلفاؤه 536 منها.
وفي هذا الإطار، يرى ريتشارد جوان، من مجموعة الأزمات الدولية أن عدم الإشارة إلى موسكو من قبل المنظمة الدولية، قد يكون مردها أن الأمين العام والأمم المتحدة يحاولان الحفاظ على علاقة عمل مع سوريا وروسيا فيما يتعلق بالمساعدات الإنسانية.
ورأى أنه "ربما لا يرغب أنطونيو جوتيريس في إفساد العلاقة مع موسكو، في حين من المقرر استئناف المفاوضات حول القوافل الإنسانية عبر الحدود في أوائل يوليو/ تموز 2020".
ففي يناير/ كانون الثاني 2020، فرضت روسيا عوائق على مرور الشحنات إلى سوريا، وقالت: "يجب ألا تمر بعد ذلك عبر نقطة عبور اليعربية السورية- العراقية، مما أدى إلى انخفاض شحنات المساعدات إلى شمال شرق البلاد".
أما عن السبب الثاني فيقول ريتشارد جوان: "إذا كنت تريد أن تكون أكثر سخاء في التفسير، يمكنك التفكير في إستراتيجية غير مباشرة ذات شقين".
ويلفت إلى أنه قبل ستة أسابيع، وجدت لجنة من الخبراء المستقلين، الذين عينتهم الأمم المتحدة، لأول مرة أن روسيا متورطة بتفجير في سوريا، وبالتالي ارتكاب "جرائم حرب"، لكن تقريرهم لم يصدر الكثير من الضجيج.
وتابع: "كانت فكرة الأمين العام هي نشر هذا التقرير الذي يشير إلى الروس أولا ثم بعد ذلك استنتاجات تحقيق اللجنة الداخلية التي لم تشر لهم بشكل مباشر. وبالتالي يمكن أن يكون لهذه الإستراتيجية التأثير المطلوب قبل أن يستحوذ فيروس كورونا على جميع الأخبار ويمحو كل ما حدث قبل مارس/آذار 2020".
وأكد ريتشارد جوان أنه "إذا كانت هذه الإستراتيجية هي التي راهن عليها أنطونيو جوتيريس، فإنها لم تنجح بالفعل في ظل سيل الانتقادات الذي أثارته"، لافتا إلى تصريح سفيرة الولايات المتحدة السابقة لدى المنظمة الدولية سامانثا باور.
إخفاء دور روسيا
واتهمت باور الأمم المتحدة، بالمساعدة في إخفاء دور روسيا في حملة القصف في الحرب الدموية بسوريا، والتي استهدفت المدارس والمستشفيات.
وكشفت باور أن هناك أدلة على دور روسيا، بما في ذلك التسجيلات الصوتية للضباط الروس الذين يخططون للهجمات ويمررون الإحداثيات، ويناقشون الأهداف التي يجب سحقها.
وقالت باور في تغريدة على تويتر: "إن الدليل على دور روسيا ساحق (...). الأمم المتحدة تتستر عليهم، وهذا أمر مخجل".
وربطت باور تغريدتها مع تقرير للأمم المتحدة الذي نشرته "نيويورك تايمز" ووجد أن تفجيرات المواقع الإنسانية في سوريا كانت من قبل النظام السوري أو حلفاء دمشق، ولكن التقرير لم يحدد موسكو على الرغم من الأدلة القوية على أن مثل هذا القصف تم من قبل طائرة حربية روسية.
يشار إلى أنه في 2015، قرر بوتين نشر قوة جوية للحيلولة دون سقوط النظام السوري، مع حملة قصف جوي ساهمت في تفوق نظام دمشق في المعادلة على الأرض.
وساعد التدخل الروسي بشار الأسد على استعادة قواته مناطق شاسعة في البلاد من أيدي مجموعات معارضة مدعومة من الغرب ومن تركيا.
وتُمثل سوريا أحد مواقع النفوذ الخارجية القليلة المتبقية لموسكو، وعلاوة على ذلك فإن وجود روسيا في دمشق يعتبر نواة لتوسعها أكثر في المنطقة.
وبحسب بافيل فلجنهاور، المحلل العسكري الروسي، فإن موسكو استثمرت بشكل كبير في قاعدتين على الساحل السوري وهما طرطوس البحرية وحميميم الجوية: وهو ما يمكن بوتين من إظهار قوته العسكرية في حوض المتوسط.
ويؤكد فلجنهاور أن روسيا غير مهتمة بسوريا كبلد، لكن بقاء الأسد في السلطة مهم لأنه يضمن بقاء هاتين القاعدتين الروسيتين في البلاد.
أما مدير معهد كارنيجي في موسكو ديميتري ترينين يرى أن النزاع في سوريا كان ساحة جيدة للتدريب العسكري مع اكتساب مئات الجنود الروس خبرة ميدانية واختبار مئات الأسلحة الجديدة.