تقترض لمواجهة كورونا.. انعاكسات أزمة التمويل على اقتصاد تونس

في ظل ما تواجهه تونس من أزمة تمويلية، وافق صندوق النقد الدولي على تقديم دعم مالي بقيمة 400 مليون دولار للجمهورية التي تبذل جهودا مضنية من أجل محاربة فيروس كورونا الآخذ بالانتشار.
وفي آخر إحصائية لها، أعلنت وزارة الصحة في تونس في 9 أبريل/نيسان 2020، عن ارتفاع عدد المصابين بفيروس كورونا في البلاد إلى 643 مصابا، إضافة إلى وفاة 25 آخرين.
وتلقت تونس الدعم الجديد ضمن 70 دولة ترغب في الاستفادة من برنامج الطوارئ لصندوق النقد البالغ قيمته نحو 50 مليار دولار، لمواجهة الضغوط الناجمة عن الأزمة التي خلفها فيروس كورونا.
وكانت تونس قد خسرت نحو 40 ٪ من قيمة قرض صندوق النقد البالغ 2.9 مليار دولار والمتفق عليه في 2016، حيث حصلت منه حتى الآن على نحو 1.8 مليار دولار، وأضاعت دفعتين من القرض نتيجة عدم التزامها بالإصلاحات الاقتصادية المتفق عليها مع الصندوق.
إجراءات استثنائية
وفي وقت سابق، أعلنت مصادر بالرئاسة التونسية والبنك المركزي، أن إيطاليا أقرضت تونس 50 مليون يورو للمساهمة في مواجهة وباء فيروس كورونا.
وتمكنت تونس من الحصول على موافقة مجموعة البنك الإسلامي للتنمية في التاسع من أبريل/نيسان 2020 لسحب تمويلات بقيمة 279 مليون دولار في إطار خطة تمويل وضعها البنك لمعاضدة جهود الحكومات على احتواء الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن انتشار فيروس كورونا.
تأتي تلك القروض مع إعلان الحكومة التونسية، اتخاذ إجراءات استثنائية بقيمة 2.5 مليار دينار (850 مليون دولار)، لحماية المواطنين والمؤسسات الاقتصادية المتضررة من تداعيات تفشي الفيروس.
وقال رئيس الوزراء إلياس الفخفاخ، في خطاب توجه به إلى التونسيين: إن "الدولة ستضمن استمرار رواتب العمال والموظفين، وستخصص مبلغا قيمته 300 مليون دولار كمساعدات لفائدة العمال المحالين على البطالة".
كما ستتكفل الدولة "بتخصيص اعتمادات مالية استثنائية بقيمة 150 مليون لفائدة الفئات الهشة ومحدودي الدخل والفئات ذات الاحتياجات الخاصة".
وأوضح الفخفاخ، في تصريحات لوسائل إعلام عالمية، في مطلع أبريل/نيسان 2020، أن التقييمات الأولية تفيد بأن الفيروس قد يتسبب في خسارة تونس نصف نقطة من النمو ليتراجع إلى 1 بالمئة.
وكان وزير الاقتصاد التونسي السابق، حكيم بن حمودة، قد توقع أن تكون خسائر الاقتصاد المحلي متراوحة بين ملياري دينار تونسي (نحو 660 مليون دولار) و6.6 مليار دينار تونسي (نحو 2.2 مليار دولار).
ورجح ابن حمودة أن تنعكس هذه الخسائر الاقتصادية على فرص العمل في تونس لتضاف إلى نسبة البطالة من 1.5 إلى 4.1 في المائة خلال الفترة المقبلة.
كما توقعت مجموعة كابيتال إيكونوميكس، أن يؤدي انهيار السياحة وحدها إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي هذا العام بنسبة 2 - 3 في المائة في تونس.
وتحتاج تونس إلى تدبير موارد بقيمة 3.8 مليارات دولار لسداد عجز الموازنة الحالية، إضافة إلى نحو 4 مليارات دولار لسداد القروض الخارجية.
اللجوء للخارج
يرى الخبير الاقتصادي، عز الدين سعيدان، أن الدعم المقدم لتونس من قبل صندوق النقد لن يساهم بشكل كامل في تقويم جهود هذا الوباء وحده.
واعتبر في حديث لـ"الاستقلال" أن هذا الدعم بعيد جدا عن الاحتياجات، "فالبلاد في حاجة لتعبئة أموال لتمويل احتياجتها سواء من الخارج أو إن لم تستطع ستلجأ إلى ما يسمى رقاع الخزينة (السندات) بالدينار لتمويل تلك الاحتياجات التي لا مفر منها".
وأضاف سعيدان أن مهمة البلاد أصبحت صعبة في اللجوء للتمويل من مصادر خارجية وبخاصة عقب خسارتها للدفعات المستحقة من صندوق النقد نتيجة عدم التزام تونس بالتعهدات والإصلاحات الاقتصادية المتفق عليها.
وتابع: " نعلم أن كل المؤسسات المالية في العالم تصطف وراء موقف صندوق النقد الدولي لأي بلد في إلغاء تلك الأقساط وهو أمر سيء".
وأردف: أنه "بطبيعة الحال، كل الدول ستجد صندوق النقد الدولي ألغى هذا المبلغ فكيف ستقبل بالتعامل مع هذه الدولة، فيبقى بالأساس إما العمل الثنائي مع الدول الشقيقة أو اللجوء إلى التمويل الداخلي حتى لو أدى ذلك إلى مزيد من التضخم المالي أو تراجع العملة الوطنية".
وأكد سعيدان أنه "مع استمرار هذا الوباء فإن كل أسبوع من الحجر الصحي يكبد البلاد 1% من الناتج المحلي الإجمالي كون الاقتصاد التونسي يعمل بنسبة 50% من قدرته الكلية".
وبالتالي، بعد مرور خمسة أسابيع من الحجر يمكن القول: إن تونس خسرت ما بين 4% إلى 5% من الناتج المحلي، بحسب الخبير الاقتصادي الذي دعا الحكومة إلى "ضرورة الحفاظ على المؤسسات الاقتصادية حتى تتمكن البلاد من إعادة الانطلاق بعد انتهاء هذه الأزمة العالمية".
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي صادق جبنون، أن قرض الصندوق يأتي في وقت يتطلب زيادة في النفقات الصحية، لمواجهة انعكاسات الوباء على مجالات التشغيل والضغوط الاجتماعية وبخاصة أن تونس تخسر كل شهر نقطتي نمو نتيجة توقف شبه تام للنشاط الاقتصادي للبلاد.
وأكد جبنون، في حديثة مع "الاستقلال"، أن "الدعم المقدم من صندوق النقد يأتي لمواجهة كورونا وليس في إطار إنعاش اقتصادي"، مشيرا إلى أن احتياجات تونس تتجاوز الـ10 مليارات دولار ولكن هذا المبلغ غير متوفر الآن.
وتوقع أن تكون تونس ضمن الاتفاق الذي سيتم مع مجموعة العشرين لمساندة الدول النامية والاقتصاديات الأكثر تضررا من الوباء، مضيفا أن البنك الدولي أعلن استعداده لتسخير ما يقارب الـ 150 مليار دولار في الفترة المقبلة لتلك الدول وبالطبع ستكون تونس طرفا معنيا بهذه التمويلات الجديدة.
وأشار جبنون إلى أنه في حال استمر الوباء سيتسبب بحلول أغسطس/ آب 2020 في خسارة نحو 5 % من نسبة النمو في البلاد، مؤكدا على أن المسأله جدية. وأضاف: أنه "إذا استمر تفشي كورونا حتى نهاية العام أو السنة القادمة، فستكون حينها كارثة اقتصادية ليس فقط في تونس بل في كل دول العالم".
الاقتصاد الموازي
وحول الفرص المتاحة للتمويل أوضح جبنون، أنه يمكن اقتراض الحكومة مباشرة من البنك المركزي دون المرور عبر البنوك كوسطاء حتى لتقليل كلفة الاقتراض، بالإضافة إلى أن هناك هامش مناورة مريح للحكومة نتيجة تراجع كلفة النفط على مستوى السوق الدولية.
وأشار إلى أن هناك أيضا إمكانية لاستعادة القطاع الموازي (غير الرسمي) إلى السوق الرسمية عبر فرض عفو من خلال تشريع عام بالنسبة للأموال الموجودة الآن بالعملة الصعبة والتي يقدر حجمها بنحو 4 إلى 6 مليار دولار في السوق الموازية مما سيدعم احتياج البلاد من العملة الصعبة.
ويعتبر البنك الدولي الاقتصاد الموازي في تونس أحد أهم عوائق التنمية أمام مناخ الأعمال في البلاد، بالإضافة إلى كونه يخلق المنافسة غير المتكافئة مع المؤسسات المسجلة الرسمية، ويتراوح الاقتصاد الموازي بين 27.16 % كحد أدنى و40.20 % كحد أقصى وفقا لتقديرات صندوق النقد.
وطالب جبنون الحكومة بخفض الضرائب ومساعدة المؤسسات الاقتصادية بالبقاء على قيد الحياة حتى تستطيع أن تستعيد نشاطها فيما بعد.
كما يدعو إلى "العمل على تشجيع القطاعات الجديدة بإلغاء كل مظاهر البيروقراطية الموجودة الآن سواء على صعيد افتتاح المؤسسات أو إنشائها، وعلى صعيد التمويل البنكي الذي تصل نسب الفائدة به إلى نسب مرتفعة بنحو 7.8 بالمائة".
وبالتالي "لا بد من خفضه (التمويل البنكي) في حدود 2 بالمئة حتى تستطيع المؤسسات أن تعود إلى الإنتاج بأريحية أكبر، وأيضا تشجيع المؤسسات في الصناعة والقطاعات الصحية والطبية فهنالك مجالات جديدة واعدة لما بعد أزمة كورونا ولا بد من الاستعداد لها من الآن".
المصادر
- إيطاليا تقرض تونس 50 مليون يورو لمواجهة كورونا
- تونس تدرس خطة لمجابهة انعكاسات «كورونا»
- تونس تعود إلى صندوق النقد وتوقعات بشروط جديدة
- 279 مليون دولار لتونس من "البنك الإسلامي للتنمية" لمواجهة كورونا
- Arab world’s middle-income nations face tough coronavirus choices
- تونس ستتلقى 400 مليون دولار من صندوق النقد الدولي
- فيروس كورونا: ارتفاع عدد المصابين إلى 643 حالة