مركز أمريكي يشكك بجدوى العقوبات ويطرح إستراتيجية للتعامل مع إيران

شكك "مركز الدراسات الإستراتيجية والعالمية" الأمريكي، من جدوى العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية ضد إيران، مقدما في الوقت ذاته إستراتيجية جديدة للتعامل مع النظام الإيراني.
وقال تقرير للمركز أعده الصحفي جون ب. ألترمان إن إستراتيجية إدارة ترامب فيما يتعلق بالشرق الوسط ليست متسقة، فبينما تسعى من ناحية إلى تحقيق"صفقة القرن" بين الإسرائيليين والفلسطينيين ومضاعفة القتال ضد تنظيم الدولة، فإنها فى الوقت نفسه تسعى إلى تقليص الوجود الأمريكي فى المنطقة. لكن الحماسة التى تتم بها المبادرات تحجب حقيقة أن هذين الاتجاهين لا يؤديان معا إلى إستراتيجية متسقة.
وأضاف: "حتى قبل مؤتمر وارسو الماضي، أصبح من الواضح أن إستراتيجية إدارة ترامب في الشرق الأوسط هى معاقبة إيران كي تصير أكثر طوعا. لكنها للأسف، إستراتيجية خاطئة".
جذور العداء
وعلى صعيد العداء بين الولايات المتحدة وإيران، قال ألترمان إن العداء بينهما له جذور عميقة، فالعديد من الإيرانيين يعتقدون أن الولايات المتحدة قد هددت سيادة إيران على مدى عقود، وكذلك ينظر الكثيرون في الولايات المتحدة إلى طموحات إيران باعتبارها تهديدا أمنيا كبيرا".
وأشار التقرير إلى أنه "لعقود من الزمان، برهنت إيران أنها لن تُسترهب، بل تصور نفسها على أنها المنافس الرئيسي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فهي تدعم جماعات حرب العصابات التي استهدفت جنودا أمريكيين، وتساعد الجماعات الفلسطينية واللبنانية التي تستهدف الإسرائيليين".
وأردف: "إيران تابعت بجهد برنامجها النووي، وطورت صواريخ باليستية قوية، وتدعم وكلاء لها يهاجمون حلفاء الولايات المتحدة في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ودائما ما تصدر قيادتها لغة معادية وغير متهاونة. ومع ذلك، فإن إيران ليست قوة عظمى".
وأوضح ألترمان قائلا: "فعلى الرغم من الطموحات الجريئة والاحتياطات الهائلة من النفط، فإن إيران تعاني؛ إنتاجها المحلي الإجمالي يقع فى مرتبة ما بين ولايتي ميريلاند وميتشيغان (وأقل من ولاية نورث كارولينا)، ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي هو السبع مقارنة بمسيسيبي، أفقر ولاية في الولايات المتحدة. وتعتمد قوتها الجوية والبحرية بشكل كبير على أساطيل من السبعينيات. بكل المقاييس، إيران ليست فى حجم الولايات المتحدة ولا تضاهيها".
لهذا السبب، رأى ألترمان أنه "ليس لدى إيران أي نية على الإطلاق لمواجهة الولايات المتحدة بشكل تقليدي. فعلى مدى السنوات الأربعين الماضية شكلت إيران أدوات زهيدة، غير كافية لتحقيق أهداف إيجابية، ولكنها تستخدم في كثير من الأحيان لمنع القوى الأخرى من تحقيق أهدافها دون موافقة إيرانية. بالنسبة لإيران، هذا يشبه النجاح فى ظل التحديات القائمة".
ولفت إلى أن "إدارة ترامب رأت أن إيران قد استنفدت صبر العالم بما فيه الكفاية. وبرؤيتها لنهج إدارة أوباما في إشراك إيران على أنه ساذج وغير ناجح، فقد سعت الإدارة إلى ردع إيران بشكل شامل. فعادت العقوبات، وانتهت المشاركة الدبلوماسية، وبدأت الولايات المتحدة تتراجع عن كل خطوات دعم إيران. وفي حين أن الأهداف الأمريكية الدقيقة غير واضحة، لكن من الواضح أن الرسالة هي أن الولايات المتحدة ستشدد الخناق حتى تتراجع إيران، أو تسقط الحكومة".
مشاكل النهج الأمريكي
وبحسب التقرير، فإن هذا النهج يحتوى على كثير من العوار أولها: "الحكومة الإيرانية يبدو أنها قد أقلمت نفسها على فكرة أن الولايات المتحدة معادية لها بشكل دائم. وهذا يعني أن التغييرات في السلوك الإيراني لن تنهي الضغط الأمريكي، بل هي تشجع أمريكا على مزيد من المطالب".
والمشكلة الثانية، وفق ما أورده التقرير تكمن في "وجود الكثير من الأسباب الوجيهة التي تدفعنا للتفكير بأن الحكومة الإيرانية على وشك السقوط، أو إذا كانت كذلك، فإن استبدالها سيكون أكثر توافقا مع مصالح الولايات المتحدة".
رأى المركز في تقريره أن هناك مشكلتان أخريان أكبر، فالأولى هي أن "التاريخ يشير إلى أن العقوبات الثنائية نادرا ما يكون لها تأثير في تغيير السلوك. فالعقوبات الأمريكية الأحادية المفروضة على كوبا منذ 1961 لم تعجل بسقوط فيديل كاسترو، ولكن العقوبات المتعددة الأطراف الواسعة النطاق- كتلك التي فرضت علي جنوب إفريقيا في الثمانينات، وعلى ليبيا في التسعينات، وعلى إيران في العقد المنصرم- أحدثت تغييرا".
وشدد على أن "الضغط الأمريكي الحالي ضد إيران يتمتع بدعم من جيران معظمهم ليس لهم علاقة تذكر بإيران، مما يقلل من تأثير ذلك عليها. وفى المقابل، فإن العقوبات الجديدة تخلق كراهية ضد الولايات المتحدة لدى حلفاء تحتاجهم أمريكا لأولويات إقليمية أخرى، دون أن تشكل تغييرا في السلوك الإيراني بشكل ملحوظ".
وأوضح التقرير أن "إيران جزء لا يتجزأ من عمليات منخفضة التكلفة ومستدامة في لبنان واليمن. فيلق الحرس الثوري الإسلامي نشط في سوريا وله نفوذ عميق في العراق، وسلاح البحرية التابع للحرس الثوري الإيراني يزعج السفن البحرية الأمريكية في الخليج، وعملاء المخابرات الإيرانية يواصلون هجماتهم في الفضاء الإلكتروني".
تعدّ القيادة الإيرانية أن "كل يوم تصمد فيه قوات بلادها وحلفائها لتستمر في القتال يوما آخر، هو بمثابة انتصار على التحديات الصعبة. وكلما عزلت الولايات المتحدة نفسها عن حلفائها وشركائها، كانت إيران أفضل حالا"، وفقا للتقرير.
الإستراتيجية الأكثر حكمة
وطرح المركز إستراتيجية جديدة للتعامل الأمريكي مع إيران، بالقول إن "الإستراتيجية الأكثر حكمة التي يجب على الولايات المتحدة اتباعها هي أوسع من ذلك. فبدلا من التغلب على الإيرانيين، يجب العمل مع الحلفاء والشركاء لتشكيل دور أمريكي مستقبلي في الشرق الأوسط قوي ودائم".
وأضاف: "بعد 30 عاما تقريبا من غزو صدام حسين للكويت، سئم الشعب الأمريكي من لعب دور الهيمنة الإقليمية. وقد تركت تريليونات الدولارات من الاستثمارات في العراق وأفغانستان حكومات هشة لا تزال بحاجه إلى الدعم؛ تجربة القيادة الأوروبية في ليبيا غير مرضية تماما (أسفرت عن عدة حكومات متنافسة بدلا من حكومة ضعيفة واحدة). وتضاءلت المساعدة الإقتصادية الأمريكية المقدمة إلى معظم المنطقة، كما أن إستراتيجيتها الدبلوماسية في فوضى. وبعد سنتين من الإدارة، لم يعد هناك سوى حفنة من السفارات الأمريكية التي لديها سفراء، والعدد يتناقص".
ونوه المركز إلى أن "الولايات المتحدة عليها قرارات صعبة يجب أن تتخذها في الشرق الأوسط، ليس ما ترغب فيه، ولكنه أكثر عما ستقبله. فهى تحتاج إلى تطوير مجموعة أوسع من الأدوات لتعزيز المصالح الأمريكية. والاستعانة بالوسائل الدبلوماسية والإقتصادية-مدعومة بالأدوات العسكرية والقدرات السرية-لإقناع الحكومات والشعوب بالسعي لشراكة مع الولايات المتحدة".
والأهم من ذلك، يختتم التقرير: "الولايات المتحدة تحتاج إلى إيجاد طرق لإدارة المشهد، بحيث تقوم بالقليل بنفسها وبالأكثر من خلال إيجاد طرق فعالة لحشد الحلفاء والشركاء للعمل بشكل متضافر. سياسة الإدارة الحالية تجاه إيران تقوم بالعكس من ذلك وتحتاج الإدارة إلى ائتلاف واسع لدعم مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بما في ذلك إيران. لكن بدلا من ذلك، اختارت الإدارة طريقا ضيقا".