وهبي.. سياسي مغربي يأمل العبور بـ"الأصالة والمعاصرة" للضفة الأخرى

12

طباعة

مشاركة

"إن انتخابك على رأس الأمانة العامة لحزب الأصالة والمعاصرة، ليعبر عن الثقة التي وضعها فيك أعضاؤه، بفضل ما أبنت عنه من التزام في خدمة مبادئ الحزب"، جزء من برقية تهنئة بعث بها الملك محمد السادس لعبداللطيف وهبي فور تعيينه أمينا عاما للحزب، لكن وصوله للمنصب لم يكن بهذه السلاسة، فقد أثار صاحبه الكثير من اللغط والتراشق داخل الحزب وصل صداه إلى الخارج.

"مبادئ الحزب" التي تحدثت عنها البرقية قال عنها وهبي بعد ترشحه: إنه "مصمم على قطع خيوط العلاقة مع المخزن (النخبة الحاكمة في المغرب التي تمحورت حول الملك أو السلطان سابقا). من أجل ضمان استقلالية القرار الحزبي".

المرشح آنذاك لمنصب الأمين العام، شدد على أن المتتبعين سيتفاجؤون كثيرا بحجم التحول الذي سيبصم مسار "الجرار" - رمز الحزب - في مستقبل الأيام، "خصوصا وأن الأعضاء باتوا شرسين في الدفاع عن قناعاتهم".

لم يكن بروز وهبي في الساحة السياسية المغربية متزامنا مع هذا الترشح، فهو رجل سياسة قديم بامتياز، استطاع أن ينسج علاقات مع التيارات المعارضة أيضا، كما كان صوت المعارضة من داخل الحزب. 

بانتخاب "الأصالة والمعاصرة" له، أصبح عبداللطيف وهبي الأمين العام لأكبر حزب معارض في المغرب، بعد أن جاء اختياره بالتزكية، في اليوم الختامي للمؤتمر الوطني الرابع للحزب، بعد انسحاب كل منافسيه الخمسة من السباق.

النزاع على "المشروعية" بين وهبي، الأمين العام الحالي، وعبد الحكيم بنشماش الأمين العام السابق أظهرها الخلاف حول قانون الانتخابات داخل الحزب أثناء عقد المؤتمر الرابع في يناير/كانون الثاني 2020، لاختيار أمين جديد للحزب تحت شعار "مؤتمر كسب الرهانات".

العلاقة مع الإسلاميين

في أول تصريح له عقب انتخابه، قال المحامي الذي انتقل من تجربة يسارية قصيرة إلى حُضن "الجرار": إن حزبه ليست له خطوط حمراء في تحالفاته مع أي حزب سياسي في البلاد، وأكد على أن لا مشكلة لديه في التحالف مع حزب "العدالة والتنمية"، قائد الائتلاف الحكومي، ذي المرجعية الإسلامية.

لم تكن تلك المرة الأولى التي صرح فيها وهبي بأنه مستعد للتحالف مع الإسلاميين، إذ سبق وأعلن عن ذلك خلال ترشحه، الأمر لم يكن مستغربا، حيث حافظ السياسي على علاقات جيدة مع حزب "المصباح" وتحديدا مع أمينه العام ورئيس الحكومة السابق عبدالإله بن كيران.

يوصف حزب الأصالة والمعاصرة (ليبرالي)، الذي تأسس عام 2008، بأنه "مقرب من السلطة"، كما يشار باستمرار إلى أنه جاء لمجابهة الإسلاميين، وهو ما ظهر عبر مسار طويل من التصريحات والتحركات.

حل الحزب في المرتبة الثانية في الانتخابات التشريعية عام 2016، بعد "العدالة والتنمية"، إذ حصل على 102 مقعد من إجمالي مقاعد مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) البالغة 395 مقعدا.

الصعود المفاجئ لآخر حزب وفد على الساحة السياسية المغربية جعله محط اهتمام، وكذلك ارتباط تأسيسه بمستشار الملك فؤاد عالي الهمة، ورجل الدولة المثير للجدل إلياس العماري، الذي شغل منصب الأمين العام داخله.

فهل يغير "حزب القصر" كما كان يطلق عليه منذ تأسيسه، توجهه بوجود عبداللطيف وهبي على رأسه؟. السؤال أجاب عنه رجل المحاماة قائلا: "إنها مرحلة التجديد والقطع مع مرحلة التأسيس، العلاقة مع المخزن لا تلزمها خطة، بل هي مرتبطة بقرار حاسم".

يعتبر وهبي أن تجارب أحزاب الدولة في كافة ربوع المنطقة، أثبتت فشلها، وبالتالي يجب القطع مع هذا لكي يتجنب "الجرار" الفشل بدوره، على حد تعبيره.

الضفة الأخرى

وهبي، محام مسجل بلائحة المحكمة الدولية، وحاصل على شهادة الإجازة عام 1989، ثم على دبلوم الدراسات العليا سنة 2002، وهو في طور مناقشة الدكتوراه.

يسعى وهبي إلى جعل حزبه يحتل المرتبة الأولى خلال استحقاقات سنة 2021. قبل أن يزيد "لكن إذا لم يكن ذلك متاحا، فسيصفق للفائزين"، ويعبر ترحيب وهبي بالتحالفات الممكنة على أنه سينقل الحزب الذي اصطف في المعارضة منذ 2016 إلى الضفة الأخرى.

ويرى الصحفي المتخصص في الشأن السياسي، عبدالحق بلشكر في مقال رأي أن مجيء وهبي يشكل تحولا، أولا، "لأنه الوحيد الذي قدم نقدا ذاتيا جريئا لمسلك حزبه، ونادى بتغيير المسار، حيث دعا إلى القطع مع حزب الدولة وحزب التعليمات، وإلى التخلي عن أيديولوجيا العداء للإسلاميين، التي قام عليها الحزب منذ تأسيسه في 2008".

ثانيا، لأن وهبي حسب بلشكر "شخصية ذات حضور سياسي، بخلاف سابقيه. فمهما كان الاختلاف معه، فإنه يعبر عن مواقف سياسية بشأن التطورات التي يعرفها المغرب، من قبيل دعوته إلى تحقيق انفراج سياسي، وإلى الإفراج عن معتقلي الريف، ومناداته باحترام الديمقراطية وحقوق الإنسان، وبالتالي، من شأن خطابه السياسي أن يبث دينامية سياسية داخل الحزب وخارجه، وأن يشكل مرجعية لمساءلته".

ثالثا، "لأن وهبي شخصية تميزت بنسج علاقات جيدة مع مختلف الفاعلين السياسيين، سواء من اليسار أو من الإسلاميين، أو مع السلطات، وهذا من شأنه أن يساعده في مهمته الجديدة" وفق المقال. 

لكن، هل هذا كاف لبناء حزب جديد بمواصفات ديمقراطية.. حزب عادي كسائر الأحزاب التي تتنافس بشكل ديمقراطي دون دعم أو حماية؟.

نقد مستمر

رغم أنه أصبح أمينا عاما للحزب، يواصل السياسي نقد السياسة كخطاب وكممارسة، كفكر وتنظيم ونخب، بل يقدم مساءلة للسياسي باعتباره فاعلا في علاقته بما ينتجه من مضمون ومعنى، ويعتبر في كتابه الجديد "في نقد السياسة" أن السياسي الحقيقي هو الذي يدلي برأيه في كل القضايا المطروحة عليه.

يقف وهبي في الباب الأول من كتابه على مضمون عدة خطب ملكية بغاية تفكيك مضامينها والوقوف على رسائلها، ثم يعرج على مساءلة النخب السياسية من برلمان وحكومة، قبل أن يقف بجرأته النقدية المعروفة على العديد من سلوكيات الفاعل السياسي وخطاباته التي تزيغ في كثير من الأحيان عن الرزانة والسمو الفكري والأخلاقي.

ولا يترك الكاتب مواضيع حارقة وحساسة بعيدة عن التناول في هذا الكتاب، إذ يشتبك بلا تردد في بناء مواقف عمومية لإشكالية اللغة في التعليم العمومي، أو لقضية "المقاطعة"، أو لمسألة " تقاعد البرلمانيين "وغيرها من القضايا.

لا يجيد وهبي الكتابة فقط، بل الخطابة أيضا، وهو ما شهد له به أحد قياديي الحزب البارزين ،عبدالرحيم بوعيدة، عندما هنأه بفوزه في انتخابات الأمين العام للحزب، قائلا: "أتقدم بخالص التهاني للأستاذ الفاضل والصديق العزيز المحترم عبداللطيف وهبي بمناسبة انتخابه أمينا عاما لحزب الأصالة والمعاصرة".

وتابع القيادي: "لا شك أن وجود أمين عام من طينة السيد وهبي على رأس حزب الأصالة والمعاصرة ستضفي طابعا خاصا على المشهد السياسي في المغرب وستساهم في خلخلة حالة الركود (...) في ظل وجود زعماء صامتين موالين، لايتقنون لغة الخطابة ولا كاريزما الزعامة خصوصا بعد إبعاد الأستاذ عبدالإله بن كيران من الساحة السياسية".