بين التنظيم الطليعي و"3 يوليو".. كيف يستنسخ ياسر رزق الفشل؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

ثنائية "ناصر/ هيكل" دائما ما تداعب خيالات رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، الذي حاول مرارا وتكرارا، استنساخ تجربة عبد الناصر بالسيطرة على الإعلام، وهو ما عبر عنه بالقول: "يا بخت عبد الناصر بإعلامه". 

إعلام ناصر كان أحاديا، قائما على شخص واحد، وهو الكاتب الصحفي الراحل محمد حسنين هيكل، الذي كان عرابا للنظام، وصوت التجربة الناصرية في الحكم.

يسعى الكاتب الصحفي ياسر رزق، رئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم (حكومة)، أن يكون بالنسبة للسيسي مثلما كان هيكل بالنسبة لعبدالناصر، شبرا بشبر وذراع بذراع، متبعا نفس الأسلوب، سائرا في ذات الطريق، ملتمسا لنفس النهج والمفردات، مع ميل الكفة لصالح هيكل الذي كان يلقب بـ "الأستاذ". 

الظروف التي جاء فيها هيكل ساعدته في أن يصل إلى ما وصل إليه من مكانة عظيمة وقيمة كبرى فكان الوحيد الذي يمتلك المعلومة، في وقت لم تكن فيه ثورة اتصالات ولا شبكة إنترنت ولا مواقع تواصل اجتماعي ولا هواتف محمولة، ولم تكن هناك أيضا ثورة 25 يناير رفعت شعار "عيش حرية عدالة اجتماعية"، فهل ينجح رزق في استنساخ تجربة هيكل مع اختلاف الظروف والإمكانات؟.

جاء أول ظهور حقيقي لرزق على الساحة السياسية، بعد الانقلاب العسكري، وتحديدا التسريبات التي أذيعت له في ديسمبر/ كانون الأول 2013، وهو يحاور السيسي، الذي كشف له العديد من الأسرار، الخاصة بمواقفه السياسية، وحياته الشخصية.

تنظيم الأطفال

في 8 فبراير/ شباط 2020، كتب ياسر رزق الصحفي المقرب من السيسي، مقالة تحت عنوان "حركة 3 يوليو"، فند فيها رؤيته لمستقبل حكم السيسي، ووضع أجندة منهجية، كقالب أيدولوجي للأجيال القادمة، وهو ما عبر عنه في مطلع المقالة قائلا: "الآن يساورني قلق جديد لا أستطيع أن أخفيه إزاء جيل 2030". 

وذكر أن الطفل الذي شهد ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، وعيه قد "تشكل وتقولب في خضم تقلبات الأحداث وتجاذبات الأفكار وتناقضات المواقف، بين ثورة 25 يناير ومآلها، وحكم الإخوان ومآله، وثورة 30 يونيو وتوابعها، وعهد البطل الشعبي (السيسي) ومعاركه على الأرض وفي الفضاء الإلكتروني". 

أما ما يؤرق رزق ذلك النشء الصغير، الذي سيشكل الحياة السياسية مستقبلا، قائلا: "الطفل الذي يدخل هذه السنة عامه الثامن، سيصبح في الثامنة عشرة من عمره عام 2030، أي سيكون من حقه اختيار رئيس الجمهورية الجديد من بين مرشحين عديدين، بعد انتهاء ولاية السيسي، إذا شاء الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة في 2024".

واقترح رئيس مجلس إدارة مؤسسة "أخبار اليوم"، إنشاء ما أطلق عليه "منظومة كاملة"، تستوعب الجيل القادم، وقاعدة المنظومة، وضع لها مسمى "طلائع 3 يوليو"، أما المكونات فتبدأ من أطفال المدارس، وحتى طبقات العمال والفلاحين مستقبلا.

وتغافل رزق، الذي يضع إستراتيجية الاختيار السياسي، للأجيال القادمة في انتخابات 2030، ما تمر به الأجيال الحالية، التي تحرم من حق العمل السياسي، واختيار الرئيس، أو حتى نواب البرلمان، في ظل سياسة تجفيف منابع العمل السياسي مع نظام يكره السياسة والتنظيم، والأحزب، وحرية الرأي والتعبير، ولا يؤمن إلا بوجود رأي واحد فقط وهذا ما ظهر في الاستحقاقات المتعاقبة بدءا من انتخابات مجلس النواب والانتخابات الرئاسية الأولى والثانية.

فزاعة الإخوان

"غربان الظلام وحداديه" هذه الأوصاف استخدمها ياسر رزق في مقالته ضد جماعة الإخوان المسلمين، الذين يقبعون في السجون، بعشرات الآلاف، منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013، وبشر النظام على مدار الأعوام التالية، بانتهاء وجودهم من الحياة السياسية، والقضاء على أفكارهم جملة وتفصيلا.

ولكن الصحفي المقرب من رأس النظام، لا يؤمن بتلك المقولة، إذ يقول: "لا ضير من القلق الزائد، إذا كان البديل هو الرضوخ إلى دعاوى الساخرين من إمكان عودة الإخوان أو الركون إلى أسانيدهم التي لا يقوم عليها دليل واحد بأن الجماعة ماتت ودفنت وقبرت". 

وعاد ليؤكد "حتى الآن لم يُجتث أعضاء الجماعة اجتثاثا من دولاب العمل الحكومي وبعض مفاصله، وحتى الآن مازلنا نكتشف طبقات تخفي طبقات كامنة كنا نظنها تلاشت وتبخرت من الصفوف الرابعة والخامسة من كوادر الجماعة، كلما ظهرت دعوة واهية للخروج أو علت أصوات تحرض على النزول".

وفى 26 ديسمبر/كانون الأول 2013، أعلنت الحكومة المصرية رسميا إدراج جماعة الإخوان كتنظيم إرهابي، وجميع أنشطتها باتت محظورة، مؤكدة أنه سيتم إخطار الدول العربية المنضمة لاتفاقية مكافحة الإرهاب لعام 1998، لتصنيف الجماعة إرهابية.

كما أعلنت الحكومة فى قرارها، أنه سيتم توقيع العقوبات المقررة فى قانون العقوبات رقم 88، على كل من يشترك في نشاط الجماعة أو التنظيم أو يروج لها بالقول أو الكتابة أو بأى طريقة أخرى وكل من يمول أنشطتها.

واتساقا مع طرح ياسر رزق، الذي يرى أن الجماعة ما زالت قائمة في مصر، ويمكن أن تعود مرة أخرى، نشرت باربرا زولنر المحاضرة حول سياسات الشرق الأوسط في قسم السياسات في كلية بيركبيك بلندن، في 18 مارس/ آذار 2019، تقريرها في مركز كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط بعنوان "كيف استطاعت جماعة الإخوان المسلمون المصرية الصمود والاستمرار؟".

زولنر قالت ضمن سياق التقرير: "لقد أظهرت الجماعة اتساقا في دعواتها إلى المقاومة غير العنفية، ورغم أنه يبدو أن الشبان على حواف التنظيم تداعبهم فكرة انتهاج التكتيكات العنيفة، إلا أن مواقفهم ضد السيسي لم تجعلهم أقرب أيديولوجيا إلى التطرف السلفي- الجهادي".

وفي 11 فبراير/ شباط 2019، كتب الدكتور عمرو دراج، وزير التخطيط والتعاون الدولي الأسبق خلال عهد مرسي، مقالا لصحيفة الجارديان البريطانية، قال فيه: "لا يمكن إلحاق الهزيمة بالجماعة حتى لو جرى إعدام قادتها، حين نضع في الاعتبار المؤشرات عن حقيقة الاستمرارية التنظيمية، وحتى التجدد التنظيمي، فإن المصير السياسي لمصر سيبقى حصيلة الصدام بين النظام وبين الإسلاميين".

إخفاق متكرر

الأطروحات السابقة، ليست الأولى لياسر رزق، ففي خضم مواجهة السيسي لحراك 20 سبتمبر/ أيلول 2019، الذي كان مقلقا لنظامه، كانت الآلة الإعلامية تعمل بضراوة لتخفيف وطأة الهجوم على السيسي، وفي 11 سبتمبر/ أيلول الماضي، كتب رزق مقالة تحت عنوان "عودة.. إلى حديث الإصلاح السياسي".

رزق حاول في مقالته أن يضع "روشتة" لإخراج السيسي من مأزقه، قائلا: "لا بد من تعبيد الطريق أمام الأحزاب التي يبلغ عددها 104، ليتكتل المتشابه منها في الرؤى والاتجاهات ولعلهم يندمجون، وأحسب من الضروري تحفيز عملية الائتلاف والاندماج تحت مظلة رعاية وطنية غير منحازة إلا للمصلحة العامة وأظنها مؤسسة رئاسة الجمهورية، بل الرئيس السيسي نفسه". 

وختم رزق حديثه بالقول: "أتوقع نشوء مستوى سياسي لا مكارثي، يحصر العداء في زاوية الإخوان وحلفائهم، ولا يفتش عن خصوم غير موجودين في صفوف كتلة الثلاثين من يونيو".

وابتعد الكاتب الصحفي، عن حقيقة أن الغياب الواضح للأحزاب السياسية المصرية، والتي يصل تعدادها إلى 104، من كون النظام السياسي أراد لها أن تكون غير قادرة على مجاراة العملية السياسية.

وبرزت تلك الحقيقة في خريطة انتخابات البرلمان عام 2015، عندما خاض 44 حزبا من قرابة المئة العملية الانتخابية، ولم يحصد المقاعد البرلمانية سوى 20 حزبا، أبرزهم المصريين الأحرار بـ 65 مقعدا، ومستقبل وطن (50 مقعدا)، بالإضافة إلى حزب الوفد (45 مقعدا)، وحزب حماة الوطن (17 مقعدا)، وتساوى حزبا المؤتمر والنور في الحصول على 12 مقعدا، في حين لم يحصل 24 حزبا خاضوا الانتخابات على أي مقعد مثل أحزاب (الغد – الكرامة – مصر العروبة – العربي للعدل والمساواة).

الانتخابات أشرف عليها جهاز المخابرات، بقيادة عباس كامل، ومحمود السيسي، النجل الأكبر لرئيس النظام، وهو مالم يذكره ياسر رزق في مقالته، وأفكاره عن إصلاح الحياة السياسية في مصر.

حكم العسكر

عندما أطلق ياسر رزق العنان لأفكاره، وأطروحاته، لإصلاح الأحزاب، وتكوين أجيال شابة، تدين بالولاء للمنظومة الحاكمة، أو السيسي شخصيا، لم يذكر أن الجيش أصبح اللاعب الرئيسي في الحياة السياسية المصرية، بعد 3 يوليو/ تموز 2013.

تناسى رزق توغل الجيش في جميع مناحي الحياة، وسعيه إلى تحول المجتمع برمته نحو عقلية عسكرية، بدأت من طلاب المدارس، مرورا بالموظفين والإعلاميين الذين وجّهوا خطابهم نحو زيادة الحس العسكري، حتى أصبح موازيا للشعور الوطني.

وعند حديث رزق، عن النشء الصغير، وتنظيم 3 يوليو، يجب العودة إلى ما حدث في 22 سبتمبر/ أيلول 2013، بعد أسابيع من الانقلاب، عندما ألقى العميد في الجيش مصطفى حسان، خطبة لطالبات مدرسة "عبد العزيز جاويش" للتعليم الأساسي (ابتدائي)، عن بطولات الجيش واستقرار الأوضاع في البلاد، ثم سلم حديثه لأحد ضباط الجيش من القوات الخاصة، الذي استكمل الحديث مستلهما دور قائده.

وتحدث الضابط عما أسماه "الشرعية المسلحة"، كمصطلح لم تفهمه الطالبات الناشئات، ولكنه عبر عن استفحال خطير للمؤسسة العسكرية في تفاصيل الحياة المصرية، في مشاهد غير مفهومة، لقوات الجيش التي قررت أن تغادر ثكناتها، وتنساب في الميادين وقلاع التعليم المختلفة.

أما ما يتعلق بالتمثيل الشعبي في مجلس النواب، ففي 10 يناير/كانون الثاني 2016، عقد البرلمان جلسته الأولى، واحتل العسكريون المتقاعدون كتلة ملحوظة من المقاعد البرلمانية قدرت بنحو 71 مقعدا، من العسكريين، والأمنيين السابقين.

وفي تقرير أعده مركز كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط في 24 يونيو/ حزيران 2014، تحت عنوان "الجيش يزاحم المؤسسات الاقتصادية المدنية في مصر"، ذكر أنه "يوجد عدد كبير من الضباط السابقين في مستويات وأنحاء هيكل الحكم المحلي كافة، لتوفير الأمان الوظيفي لهم بعد التقاعد، ويساعد وجودهم على بسط نفوذ السلطة الرئاسية لتشمل كل أركان البلاد".

وأشار المصدر ذاته، إلى "أن 50% إلى 80% من المحافظين لهم خلفية عسكرية منذ التسعينيات، في حين جاء 20 % آخرين من الشرطة أو أجهزة الأمن الداخلي".

وأكد المركز أن التركيز عادة على عدد المحافظين الذين يتم استقدامهم من القوات المسلحة، يُخفي بشكل صارخ الحجم الحقيقي لتوغل المؤسسة العسكرية في الحكم.

ويشغل الضباط المتقاعدون، حسب المصدر ذاته، نسبة أكبر من المناصب الثانوية، مثل نائب المحافظ، ومدير مكتب المحافظ، والأمين العام، والأمين العام المساعد للمجلس المحلي في المحافظة، ويتكرر هذا بشكل واسع النطاق على كل المستويات الإدارية الدنيا من المراكز والمدن وأحياء المدن والقرى.

وأورد أن "عدد الضباط السابقين الذين يشغلون مناصب إدارية في الحكم المحلي بشكل عام يصل إلى عدة آلاف"، وهي الأرقام والإحصاءات التي لم يوردها ياسر رزق في تصوراته الإصلاحية، أو يجيب عن تساؤل هل سيسمح الجيش للمدنيين بالحصول على حصة العسكريين داخل مفاصل الدولة؟ أو سيكون للنشء الصغير قدرة على تحقيق أحلامه إذا كان بعيدا عن الكليات والمعاهد الأمنية والعسكرية؟.