بعد منحها الثقة.. لماذا يستمر اللبنانيون بالتظاهر رفضا لحكومة دياب؟
.jpg)
بعد يوم مثقل بالأحداث، نالت حكومة رئيس الوزراء اللبناني المكلف حسان دياب، ثقة مجلس النواب بـ 63 صوتا، من أصل 84 نائبا حضروا الجلسة، مقابل رفض 20 نائب منح الثقة للحكومة، في حين امتنع النائب ميشال ضاهر عن التصويت، بينما قاطع الجلسة 40 نائبا.
رغم الثقة التي حصلت عليها الحكومة، إلا أنها ستظل منقوصة، ولا تتمتع بالأغلبية البرلمانية، من جهة، أو الدعم الشعبي من جهة أخرى، وهي الحالة التي وصفتها صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، بأنها "ثقة ممزوجة بالقنابل المسيلة بالدموع والاحتجاجات الشعبية".
وتشير المظاهرات التي صاحبت، جلسة البرلمان التي عقدت على مرحلتين، يوم الثلاثاء 11 فبراير/ شباط الجاري، إلى أن الأزمة ليست في حكومة دياب، أو غيرها، وإنما في غياب الثقة لدي اللبنانيين في أية حكومة تقوم على أنقاض التي كانت قبلها، خاصة وأن الحكومة مشكوك في قدرتها منذ البداية.
وهذا الشك جاء بعد تبني دياب الموازنة العامة التي سبق وأعدتها حكومة سابقه سعد الحريري قبل أشهر، ما يعني في النهاية أن لبنان لم يبرح مكانه، رغم كل المحاولات.
"لا ثقة"
وفقا لإحصائيات نشرتها وكالة "أسوشيتد برس"، فإن حصيلة المصابين في الاشتباكات التي جرت بين المتظاهرين وقوات الأمن اللبنانية بمحيط مجلس النواب في بيروت قبل وأثناء عقد جلسة الثقة، تجاوزت 200 مصاب، نتيجة إطلاق الغاز المسيل للدموع لتفريق الآلاف من المحتجين.
حسب "أسوشيتد برس"، هتف المتظاهرون قائلين: "لا ثقة"، كما ألقى بعضهم، الحجارة على قوات الأمن وحاولوا عرقلة طريق النواب، مما أدى إلى تأخير بدء الاجتماع، كما أشعلت مجموعة من "مثيري الشغب" النار في وقت لاحق على بنك في وسط المدينة، وأصيب أكثر من 200 شخص، من بينهم أحد النواب، وتم نقل بعضهم إلى المستشفى لتلقي العلاج.
وتشير التقارير الصحفية التي اهتمت بالجلسة، أن خلافا دستوريا غلف أجواء الجلسة نتيجة عدم اكتمال النصاب القانوني، وهو ما جعل رئيس حزب "الكتائب"، النائب سامي الجميل، يصف الإجراءات التي ستجري في الجلسة، بغير الدستورية، وحسب قوله: "افتتاح جلسة الثقة من غير نصاب ضرب للديمقراطية وتحد للشباب المنتفض".
وفي مقابل موقف حزب الكتائب، كلف الحزب الاشتراكي، الذي يتزعمه وليد جنبلاط، نوابه بالحضور، في وقت لاحق من بدء الجلسة، لتأمين اكتمال النصاب القانوني.
وكتب جنبلاط على حسابه بـ"تويتر" قائلا: "لقد تأمن النصاب وفق الأصول الدستورية واللقاء الديمقراطي موقفه واضح، ويسير وفق قناعاته بعيدا عن مزايدات ثنائية ولن يكون في أي حلف ثلاثي أو غير، إلا إذا تأمن برنامج سياسي واقتصادي واضح المعالم والتوجهات".
ونتيجة لموقف الحزب الاشتراكي أعلن رئيس مجلس النواب، نبيه بري، حضور 67 نائبا، من أصل 128، الجلسة مما يؤمن النصاب القانوني لها.
انفلات كبير
وفقا لما توافقت عليه معظم الأحزاب اللبنانية وخاصة المقربة من إيران، فإن حكومة دياب تم تشكيلها من وزراء تكنوقراط، غير محسوبين على تيار سياسي دون الآخر، إلا أن الجماهير الغاضبة، اعتبرت الحكومة استمرارا لنفس الحكومات السابقة، وهو ما يعني أن الحراك الشعبي الذي يشهده لبنان منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2019، لم يبرح مكانه.
وحسب آراء قدمها لبنانيون متظاهرون لوسائل الإعلام المختلفة، فإن حكومة دياب هي حكومة محاصصة سياسية، كما أنها لم تقدم حلا واضحا للأزمة الاقتصادية، التي يعيشها اللبنانيون، وتزداد قسواة كل يوم.
وارتباطا بتصاعد الاحتجاجات الشعبية، طرح موقع "لبنان 24"، تساؤلات عن خطورة انفلات الحراك الشعبي، ووفقا لتقرير نشره الموقع، فإن الاحتجاجات التي صاحبت جلسة منح الثقة، تجاوزت الخطوط الحمراء، وأصبحت حجة الفوضى جاهزة، نتيجة وجود طرفين متواجهين في الشارع لكل منهما منطقه وجمهوره.
ويشير الموقع اللبناني، إلى أن منح الثقة لحكومة دياب ليس معناه انتهاء الحراك الثوري، ولكنه يمكن أن يهدأ لفترة، وسوف يعاود الظهور مرة أخرى طالما استمرت الثنائية الموجودة في الشارع اللبناني.
النواب الرافضون منح الثقة لحكومة دياب، لم يذهبوا في رأيهم بعيدا عن الجماهير، ما جعل الثقة التي حصلت عليها الحكومة مهزوزة وهزلية.
وفقا للنائب محمد الحجار، فإن رفضه منح الثقة لحكومة دياب يرجع في الأساس إلى أن بيانها الوزاري لا يتناول حلولا للمشاكل الكبيرة، بالإضافة إلى أن عدم الوضوح في التعاطي مع الأزمة ينذر بالانهيار الوشيك.
ولخص الحجار أسباب غياب الثقة عن الحكومة، لأنها من وجهة نظره "حكومة بالوكالة" وليس بالأصالة، وأضاف قائلا في بيان رسمي: "لا يختلف اثنان أننا أمام حالة استثنائية تتطلب إجراءات استثنائية".
وأوضح أن "الناس التي شاهدناها اليوم والتي يقف قسم منها أمام المجلس لا تصدقنا، وبالتالي حكومة مواجهة التحديات وبيانها الوزاري فيه الكثير من الضبابية وفيه عناوين فضفاضة من دون توضيح، كيف ومتى وما الآلية، وغطاء الاختصاص لن ينطلي على أحد".
ولم يذهب الحزب السوري القومي الاجتماعي، بعيدا عن الرأي السابق، حيث أعلن قراره بحجب الثقة عن الحكومة، كخطوة تالية بعد حديثه تأكيده عدم المشاركة في جلسة البرلمان، وانتقاداته التي وجهها لآلية تشكيل الحكومة والإمعان في منهج المحاصصة الطائفية.
واعترض الحزب (سياسي قومي يعمل في لبنان و سوريا بشكل رسمي مُسجل)، على خلو البيان الوزاري من خطة إنقاذ، بالإضافة لعدم وجود أي إشارة إلى العلاقة مع النظام السوري.
التحديات قادمة
الصحف اللبنانية تناولت جلسة أزمة الثقة التي عانت منها حكومة دياب، وأكدت أن الجولة لم تنته بالحصول على ثقة البرلمان، من عدمه، خاصة وأن التحديات القادمة التي تقف أمام الحكومة، تجعل جلسة الثقة مجرد جولة من عدة جولات أخرى، ولا يعني الفوز بها، انتهاء الغضب الشعبي أو فشل الاحتجاج الجماهيري.
وحسب جريدة "الأخبار" اللبنانية، فإن قرار منح الثقة لحكومة دياب، هو اختبار شكلي، بينما الاختبارات الحقيقية تنتظر الحكومة بعد الانتقال لمرحلة العمل، وبالتالي فإن الثقة الفعلية التي لا يُمكن أن تنالها الحكومة، هو مدى قدرتها على تجاوز المشاكل السياسية والاقتصادية التي يعاني منها لبنان منذ التسعينيات.
ووفق الجريدة، فإن الثقة الحقيقية لحكومة دياب، هو مدى قدرتها على مقاطعة النموذج الاقتصادي الحالي القائم على خدمة الدائنين ورهن الاقتصاد لأصحاب المصارف وكبار المودعين، والاستمرار في إطلاق يد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة للتحكم بالسياسات الاقتصادية والمالية، بذريعة استقلالية القرار النقدي.
وبالتالي فإن كل ما عدا ذلك لا يعدو كونه تسريعا للانهيار، ومن دون القطع مع السابق، يُمكن القول: بأن "لا ثقة بهذه الحكومة ولا من يثقون بها".
أما جريدة "اللواء"، فقد وصفت الثقة التي أمنها دياب، بأنها منقوصة وأن الفضل فيها للنواب المعارضين المدفوعين بشهية التصويب على الحكومة الجديدة، ولو تحت عنوان "عدم التعطيل".
سياسيون ومحللون لبنانيون نظروا للأزمة التي تعيشها حكومة دياب، بوجهة نظر مغايرة، مؤكدين أن المشكلة ليست في حصول دياب على الثقة من عدمها، وإنما في شرعية الجهات الرسمية التي تمنح الثقة وخاصة مجلس النواب.
ووفقا للكاتب السياسي ماهر الخطيب فإن الأزمة في شرعية المجلس النيابي، وفرص الدعوة إلى الانتخابات النيابية المبكرة كخيار من عدمه، خاصة وأنه بات من الواضح أن قوى الأكثرية النيابية التي سمت دياب في الاستشارات الملزمة هي التي منحته الثقة، بينما حجبتها عنه القوى الأخرى.
موقف أمريكا
وفقا لتوقعات الكاتب اللبناني المقيم في أمريكا "بيير غانم"، فإن حكومة دياب لن تستمر طويلا، وهو ما برره دياب بعدم القبول الأمريكي للحكومة المدعومة من حزب الله والنظام الإيراني.
ويرى غانم في مقال نشره في "العربية نت" أن دوائر صناعة القرار الأمريكية اختلفت في طريقة التعاطي مع حكومة دياب بعد حصولها على الثقة البرلمانية، حيث تعتقد واشنطن أنها تزيد من نفوذ حزب الله في لبنان، وهو ما يحتم مواجهة حكومة اللون الواحد بإجراءات قانونية ومالية واضحة.
ويعتقد فريق أمريكي أنه يجب أن يكون لواشنطن تأثير على لبنان وعناصر السلطة فيه، كأن يتم وضع البلد ضمن قائمة الدول الحاضنة للإرهاب لما لذلك القرار من تداعيات جدية، مثل وقف المساعدات للمؤسسات الأمنية اللبنانية، وهو الرأي الذي يتبناه الرئيس الأمريكي ومستشاروه في البيت الأبيض.
أما الفريق الثاني وفقا لغانم، فتمثله وزارة الخارجية، التي ترى أهمية انتظار ما ستفعله حكومة دياب، ويبدو أن هذا التيار المتروّي الذي يقوده الوزير مايك بومبيو أصبح في موقع القيادة و"مسؤول عن الملف" .
ويقول غانم: إنه "خلال السنوات العشر الماضية، اعتمدت الإدارات الأمريكية معادلة تقوم على التعاون مع الجيش اللبناني، واعتبار القطاع المصرفي حيويا للبنان، وأن القطاعين، الأمني والمصرفي، يوفران مجالات للتعاون ويضمنان الاستقرار في لبنان، وهي المعادلة التي أصيبت بهزة شديدة خلال الأشهر الماضية".
وتابع: "ما يقوله موظفو الإدارة وأعضاء الكونغرس ومساعدوهم يتضمن تحذيرات للبنانيين من أنه لا يمكن الاكتفاء بالعلاقة مع الجيش اللبناني لضمان المساعدات، ويؤكد عاملون في الكونغرس الأميركي أن أعضاء لجان الخارجية في مجلسي النواب والشيوخ، ينظرون بقلق شديد إلى توسع نفوذ حزب الله والأحزاب المتحالفة معه".
المصادر
- لبنان.. حكومة دياب تنال ثقة مجلس النواب بـ 63 صوتا
- الثقة بالمسيل للدموع والاحتجاجات في بيروت
- اشتباكات لبنان تترك 200 جريح
- تزامناً مع جلسة الثقة ومواجهات وسط بيروت... الدولار يرتفع اليوم
- جلسة الثقة في لبنان تبدأ دون نصاب.. وجنبلاط يأمنه لها
- توافق أميركي ــ سعودي: انهيار لبنان أفضل
- الحجار: لا ثقة للحكومة وبيانها
- الفوضى... وماذا لو فلت الشارع؟!
- لبنان.. واشنطن تتوقع فشل حكومة دياب ولائحة العقوبات جاهزة
- بري: لبنان بحاجة لصندوق النقد لصياغة خطة إنقاذ
- الحريري «أفضل» مع السعودية: مشكلتي مع التيار لا مع حزب الله
- القومي: لا حلول في البـيان الوزاري فلا ثقة
- طوق أمني وجدران عازلة تفصل النواب عن المنتفضين لمنح حكومة دياب «ثقة هزيلة»
- معركة جلسة الثقة أبعد من حكومة حسان دياب
- مجلس الوزراء اللبناني الجديد يوافق على خطط السياسة الاقتصادية
- اشتباك المتظاهرين مع قوات الأمن في لبنان قبيل تصويت مجلس الوزراء على الثقة
- هل يكون الحل في إجراء انتخابات نيابية مبكرة في لبنان؟
- لماذا يريد المتظاهرون من الحكومة اللبنانية الجديدة تمرير قانون انتخابي جديد؟