صديق حفتر ومبعوث الإمارات.. الدور المشبوه لغسان سلامة في ليبيا

زياد المزغني | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

إحاطة المبعوث الأممي لدى ليبيا غسان سلامة، في مجلس الأمن الدولي، يوم 30 يناير/كانون الثاني 2020، أثارت جدلا سياسيا واسعا في ليبيا، حيث انتقدتها بشدة حكومة الوفاق.

"التجمع الوطني الليبي لثوار السابع عشر من فبراير"، اعتبر ما جاء في إحاطة سلامة "تدخلات مرفوضة من قبل المبعوث الأممي في شؤون ليبيا الداخلية"، مُطالبا حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا، بـ"عدم الرضوخ لأي وصاية".

وقال "تجمع 17 فبراير" في تسجيل مصور "فيما يخص اللقاء الاقتصادي المزمع عقده (في القاهرة) برعاية بعثة الأمم المتحدة: فإننا نتابع التطورات التي تمر بها قضيتنا العادلة، التي تهدف إلى إبعاد العسكرة واستقرار البلاد، وتحقيق العدالة الاجتماعية".

واستنكر التجمع ما اعتبره "عجز الجهات الليبية الرسمية عن اتخاذ قرار بعدم التعامل مع سلامة، ورفض تدخلاته في شؤوننا الداخلية والخارجية"، مؤكدا على "ضرورة قطع الاتصال بالبعثة الأممية، حتى يتم تغييرها".

انحياز مفضوح

سلامة قال في إحاطته أمام مجلس الأمن: إن "عناصر متطرفة تسعى لاكتساب شرعية من خلال الانضمام لقوات حكومة الوفاق"، وهو ما اعتبرته الأخيرة اتهاما لها بتجنيد عناصر إرهابية.

وأضاف المبعوث الأممي: "وفي الوقت ذاته، تم نقل مقاتلين أجانب بالآلاف مؤيدين حكومة الوفاق الوطني جوا إلى طرابلس ونشرهم في مواقع متقدمة إلى جانب القوات الليبية، وخلال هذه الفترة، قامت قوات حكومة الوفاق الوطني، بدعم من إحدى الجهات الخارجية المساندة، بنصب منظومات دفاع جوي متقدمة في جميع أنحاء المنطقة الغربية".

مضيفا: "وبعبارة صريحة، نظام هاوك المضاد للطائرات. أخيرا وفي يوم الثلاثاء بالتحديد، لوحظ وجود أصول بحرية أجنبية - بما في ذلك سفن حربية - قبالة سواحل طرابلس، بالإضافة إلى عدد من سفن الشحن".

ليست هذه هي المرة الأولى التي توجه فيها انتقادات إلى غسان سلامة، المتهم بالانحياز للواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، والمتورط في خدمة أجندة أطراف إقليمية معادية لثورة الشعب الليبي وطموحه في إقامة نظام مدني ديمقراطي، في ظل تاريخ مليء بصداقات متينة مع حكام الإمارات المتورطة في القتال هناك.

في أغسطس/آب 2019، أبدى فائز السراج، رئيس حكومة الوفاق في طرابلس، احتجاجه على إحاطة سلامة أمام مجلس الأمن، والتي دعا فيها الأخير "السلطات في طرابلس إلى التوقف عن استخدام مطار معيتيقة المدني لأغراض عسكرية"، ما يعتبر تبريرا للهجمات المتتالية لقوات حفتر على المطار المدني.

تحدث سلامة عن "مزاعم غير مؤكدة بوقوع تجاوزات ضد حقوق الإنسان في غريان، شمال غربي البلاد"، عقب سيطرة قوات حكومة الوفاق على المدينة التي كان حفتر يسيطر عليها.

في يوليو/تموز 2019، انتقدت وزارتا الداخلية والمواصلات بحكومة الوفاق، ما ورد من "مغالطات" في إحاطة المبعوث الأممي، أمام مجلس الأمن، حول الوضع في ليبيا.

وقالت وزارة الداخلية بحكومة الوفاق، في بيان: إن "إحاطة غسان سلامة، الأخيرة جاء فيها بعض المغالطات والالتباسات ومعلومات غير صحيحة حول بعض الحوادث".

وأضافت أن من بين هذه المغالطات إشارة سلامة، إلى حادثة توقيف مدير إدارة الرقابة على الأغذية بهيئة الرقابة الإدارية محمد عمر المشاي، والتي تمت "بشكل قانوني".

مؤتمر القاهرة

اعتبر تجمع 17 فبراير أن "آخر ما يسعى إليه مبعوث الأمم المتحدة وضع مسار اقتصادي وخارطة طريق تتضمن توحيد المصرف المركزي واقتراح إصلاحات اقتصادية منها التوزيع العادل للثروة، وذلك في حوار اقتصادي سيعقد في القاهرة خلال الأيام القادمة".

وتساءل التجمع "كيف ستكون مخرجات هذا الحوار الذي سيُعقد في عاصمة دولة غير محايدة (القاهرة)، وساندت بكل قوة الخارج عن الشرعية خليفة حفتر، ومازالت تسانده في كل المحافل الإقليمية والدولية وتدعمه بكل أنواع الدعم".

ما أثارت التجمع هو ما يجمع عليه عدد من الأطراف الليبية التي تدعو أن يكون  هذا الحوار وأمثاله في دولة محايدة، وليس في إحدى الدول الداعمة لحفتر (في إشارة لمصر)، حيث أعلنت الهيئة الطرابلسية رفضها إقامة أي حوار اقتصادي أو سياسي أو عسكري أو اجتماعي على الأراضي المصرية، "لأننا في حالة حرب مع مصر".

وأكدت الهيئة في مذكرة وجهتها إلى غسان سلامة أنه لا يمكن وفقا للقانون الدولي من حيث المبدأ "إجراء أي مفاوضات على أراضي دولة ساهمت وبشكل مباشر في الحرب على المدن الليبية، وتسببت في قتل المئات وتشريد عشرات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال".

وأشار بيان الهيئة في السياق نفسه إلى أن "الحوار يجب أن يكون داخل ليبيا أو في إحدى الدول المحايدة والمناصرة لحقوق الإنسان مثل السويد والدول الإسكندنافية الأخرى".

في المقابل أعلن رئيس مجلس النواب الموازي في طبرق (شرقا) الصادق الكحيلي مشاركته في الحوار الاقتصادي المزمع عقده تحت رعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، في العاصمة المصرية القاهرة.

صديق حفتر

بعد يوم واحد من إحاطته بمجلس الأمن حول  ليبيا الذي أثار موجة من غضب وردود الفعل من الجهات الليبية الرسمية والشعبية، وصل سلامة، إلى مدينة بنغازي للقاء حفتر.

مدير إدارة التوجيه المعنوي في جيش حفتر، العميد خالد المحجوب، قال: إن "قائد الجيش، المشير خليفة حفتر، شدد خلال لقائه المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، على ضرورة تفكيك الميليشيات الإرهابية من أجل التوصل إلى حل للأزمة الليبية".

أضاف المحجوب: "اللقاء بين المشير حفتر وغسان سلامة، أول من أمس، دار حول مخرجات مؤتمر برلين، كما تطرق اللقاء إلى خروقات الهدنة من الميليشيات الإرهابية التابعة لتركيا"، حد زعمه.

وتابع: "تم التطرق أيضا إلى مؤتمر جنيف بخصوص ليبيا، وستحضر القوات المسلحة الليبية مؤتمر جنيف، لكن مستوى الحضور وشخصياتهم لم يحدده المشير حفتر، حتى الآن، كما لم يقرر حفتر، حتى الآن، ما إذا كان سيحضر بنفسه أو لا".

وتابع: "للأسف غسان سلامة لم يذكر اسم تركيا عندما تحدث خلال إحاطته في مجلس الأمن الدولي، منذ يومين، رغم أنها لا تتورع عن إرسال المسلحين إلى الأراضي الليبية، وتعترف بذلك علنا في تصريحات رئيسها رجب طيب أردوغان، نحن لن نغيب عن المحافل الدولية، ونسير في الخطين العسكري والسياسي بما يحقق رغبة الليبيين"، حد قوله. 

مندوب الإمارات

علاقة الإمارات مع رئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا غسان سلامة وطيدة ووثيقة وقديمة، فسلامة هو العميد المؤسس لكلية باريس للشؤون الدولية، وأستاذ العلاقات الدولية في معهد أبحاث "ساينس- بو"، وهو معهد أبحاث برعاية الإمارات.

وفي اجتماع أكاديمية الإمارات الدبلوماسية لوضع "رؤية إستراتيجية لعام 2020" تمت دعوة سلامة عدة مرات من قبل عبدالله بن زايد لعقد اجتماعات دبلوماسية مهمة، إما كعضو في المجلس الاستشاري، أو كأحد المتحدثين الرئيسيين.

وفي أغسطس/آب 2013، أجرى وزير الثقافة اللبناني السابق غسان سلامة زيارة إلى دبي لترؤس اجتماع "الصندوق العربي للثقافة والفنون" الذي أسسه بنفسه، معترفا أن "3 مصارف في دبي تساعدنا"، عندما سئل عن تمويل الصندوق، دون الكشف عن هذه البنوك.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2016، أعلن معرض الشارقة الدولي للكتاب عن اختيار "سلامة"، ليكون "الشخصية الثقافية" لدورته الـ35 "تقديرا لالتزامه الفكري والمعرفي بهموم المنطقة وللقيم الأخلاقية والثقافية التي يحملها مشروعه الفكري والسياسي"، وتم تكريمه من حاكم الشارقة.

وفي أبريل/نيسان 2017، شارك "سلامة" في "الملتقى 11 للسفراء ورؤساء البعثات التمثيلية للدولة في الخارج" والذي عُقد في أبوظبي، بمشاركة "عدد من الوزراء وكبار المسؤولين الذين بحثوا سلسلة من التطورات والأحداث الدولية والإقليمية ورصد تأثيراتها المختلفة بالإضافة إلى عدد من القضايا والفرص والتحديات التي تتعلق بسياسات الدولة وتوجهاتها المختلفة في شتى القطاعات"، بحسب صحيفة "الاتحاد" المحلية.

وفي مايو/أيار 2017، استلم "سلامة" جائزة مهرجان أبوظبي، وذلك في حفل خاص أقيم لأول مرة في العاصمة الفرنسية باريس "تكريما لدوره الكبير في تعزيز حوار الثقافات والتبادل الحضاري"، حسب ما وصفته الصحف الإماراتية.

علاقة سلامة بالإمارات أعادت إلى الأذهان مساعي أبوظبي المستمرة للعب دور في ليبيا من خلال توطيد علاقتها مع كل من يتولى هذا المنصب في ليبيا.

في العام 2018، ظهرت تسريبات للبريد الإلكتروني لوزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد، تعود لشهر نوفمبر/تشرين الثاني 2015 وتكشف عن عمق العلاقات الودية بين الوزير الإماراتي ومبعوث الأمم المتحدة السابق في ليبيا برناردينو ليون.

قام "ليون" بترتيبات لدولة الإمارات مع مجلس الأمن بشأن "إدارة القوات المسلحة الليبية"، بعد أن قبل وظيفة براتب شهري 35 ألف جنيه إسترليني من الإمارات.

من هو؟

ولد غسان سلامة في لبنان عام 1951، وأصبح أستاذا للعلوم السياسية في جامعة السوربون بفرنسا، تولى وزارة الثقافة في ظل حكومة رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري من عام 2000 إلى 2003.

له العديد من المؤلفات بالفرنسية والعربية، وخلال توليه وزارة الثقافة، كُلّف بتنظيم القمة العربية التي تبنت مبادرة بيروت للسلام في مارس/آذار 2002، وكُلّف بتنظيم القمة الفرنكوفونية في لبنان، وخلال تكليفه بالقِمتين كان متحدثا رسميا ورئيسا للهيئة التنظيمية.

كان سلامة ضمن وفد الأمم المتحدة المبعوث إلى العراق بعد الاحتلال الأمريكي 2003، وكاد أن يلقى مصرعه في واقعة تفجير مبنى الأمم المتحدة في بغداد، وعمل مستشارا للأخضر الإبراهيمي خلال مهمته بالعراق وسوريا.

لم يتم اختياره مبعوثا أمميا لسوريا بسبب وجود شرط ألا يكون المبعوث الأممي من دولة مجاورة، لكن تم تفعيل عقده كمستشار في الأمم المتحدة.

رشح نفسه لمنصب الأمانة العامة لليونسكو في 2017، لكنه انسحب بسبب عدم ترشيح لبنان له، ووجود مرشحين منافسين من قطر ومصر، وفي يونيو/ حزيران 2017 تم ترشيحه كمبعوث خاص للأمم المتحدة في ليبيا.