كخيار لمواجهة صفقة القرن.. ماذا يعني حل السلطة الفلسطينية؟

خالد كريزم | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تملك السلطة الفلسطينية خيارات محدودة لمواجهة "صفقة القرن" الأمريكية، من بينها الانسحاب من اتفاق أوسلو 1993، الذي يعني حل السلطة، وبالتالي وقف التنسيق الأمني وسحب الاعتراف بإسرائيل، وهي الخطوة التي لطالما لوحت القيادة في رام الله باتخاذها.

في 28 يناير/كانون الثاني 2020، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في مؤتمر صحفي بواشنطن "صفقة القرن" المزعومة، بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو.

تتضمن الخطة التي رفضتها السلطة الفلسطينية وكافة فصائل المقاومة، إقامة دولة فلسطينية "متصلة" في صورة أرخبيل تربطه جسور وأنفاق، وجعل مدينة القدس عاصمة غير مقسمة لإسرائيل.

حل السلطة

المحلل السياسي الفلسطيني د. ناصر الصوير، يرى أن مواجهة صفقة القرن تتمحور في بعض الخطوات: أولها إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل أوسلو، بمعنى أن تعود فلسطين كلها إلى أرض محتلة من قبل إسرائيل.

وهذا الأمر وفق ما يقول الصوير لـ"الاستقلال": لا يتحقق إلا بـ"حل السلطة الفلسطينية الوهمية في الضفة الغربية، التي لا تحكم على الأرض ولا في الجو ولا تسيطر على المعابر، حتى أن رئيسها اعترف أنه لا يستطيع التحرك إلا تحت بساطير (جمع بسطار وهو الحذاء العسكري) الاحتلال".

وثانيا، فإن مواجهة الصفقة تتطلب "تخلي حماس عن حكم غزة نهائيا وعودة القطاع إلى ما كان قبل الانتفاضة الأولى، أي أنه يتحول لأرض محتلة من قبل إسرائيل، وعلى المحتل هنا أن يلتزم وفق مواثيق جنيف، بتدبير شؤون الأرض المحتلة من حيث توفير متطلبات الحياة"، كما يقول.

ويعتقد الصوير أن ذلك الأمر سيترك فراغا هائلا سيدفع إسرائيل إلى "التوسل لإيجاد حل أفضل من صفقة القرن ألف مرة، لأن ترك أكثر من 4 ملايين فلسطيني دون أفق يعني دمارا شاملا لدولة الكيان".

ويؤكد أن حل السلطة بات أمرا ضروريا، "فهي لا تملك سوى السيطرة الأمنية على شعبها، كما أن غزة ممتلئة بالذخيرة والصواريخ والأسلحة وذلك سيجبر إسرائيل حتما على الجلوس مباشرة معنا لإعطائنا ما نريد من حقوق"، وفق تقديره.

المقاومة المسلحة

المحلل السياسي حسن عبدو، يختلف مع الصوير بشأن اللجوء إلى خيار حل السلطة، لكنه يتفق معه بشأن "السلاح"، حيث يرى أن تقوية الفصائل الفلسطينية المقاومة والسماح لها بالعمل هو الحل الأمثل.

ويقول عبدو لـ"الاستقلال": إن "حل السلطة على يد إسرائيل أفضل من حلها بأيدينا. وبالمجمل فإن حلها سيترك فراغا سياسيا واجتماعيا". ولذلك، يعتقد أنه يجب مساندة الفصائل وعلى رأسها حركة فتح، من أجل ملء الفراغ فلسطينيا، لسد الأبواب في وجه إسرائيل "ومن يتعاون معها محليا".

وتابع "نحن بانتظار ترجمة حديث الرئيس محمود عباس إلى أفعال وتغير وظيفة السلطة الفلسطينية بحيث تخدم المشروع الوطني الفلسطيني، لا أن تخدم أمن الاحتلال ومستوطنيه".

وكان عباس قال من رام الله بعد الإعلان عن الصفقة مباشرة: إن "القدس ليست للبيع، وكل حقوقنا ليست للمساومة. وصفقة المؤامرة لن تمر، وسيذهبها شعبنا إلى مزابل التاريخ كما ذهبت كل مشاريع التصفية والتآمر على قضيتنا العادلة".

وأضاف أن الإستراتيجية الفلسطينية ترتكز على استمرار الكفاح "لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي. نقول للعالم إننا لسنا شعبا إرهابيا، ولم نكن يوما كذلك"، مؤكدا التزام دولة فلسطين بمحاربة الإرهاب، "لكن على العالم أن يفهم أن شعبنا يستحق الحياة".

ويشير هذا الجزء من تصريحات عباس إلى استمراره رفض المقاومة المسلحة كخيار لمواجهة "صفقة القرن"، ولذلك فالحل الأنسب الذي تحدث عنه حسن عبدو يبقى مستبعدا.

إمكانية النجاح

في 26 يناير/كانون الثاني 2020، أعلن الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، أن القيادة ستدرس الخيارات كافة بما فيها مصير السلطة الوطنية، وأن "صفقة القرن" لن تطبق دون موافقة الشعب الفلسطيني.

لكن المحلل السياسي الصوير يرى أن "إمكانية حل السلطة في رام الله وترك حماس الحكم في غزة، كلاهما أمر غير ممكن أبدا تحت ذرائع واهية وضعيفة وأسباب غير موضوعية".

أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية، عبد الستار قاسم تحدث عن تلك الأسباب بكثير من التفصيل في مقال سابق له.

قال قاسم: "المسألة لم تعد تقتصر على اتفاق أوسلو وما تبعه من اتفاقيات تعمدت تجزئة الشعب الفلسطيني، وحصر قضيته بسكان الضفة الغربية وقطاع غزة، وإنما امتدت إلى تدابير وإجراءات من شأنها توريط أولئك السكان حتى لا يقوون على الاستمرار بالمطالبة بحقوقهم الوطنية الثابتة".

فكان لا بد من ربط حياة الناس في الضفة وغزة بخيوط تحولهم إلى مجرد أدوات بيد إسرائيل والدول الغربية لكي يبتعدوا عن التفكير بالإفلات من قبضة أوسلو وما ترتب عليه، ويترددوا مرارا وتكرارا قبل أن يقرروا الخروج من مأزق السلطة الفلسطينية وما ترتب عليها من مسؤوليات أمنية تجاه "تل أبيب"، حسب قاسم.

ومن أبرز تدابير وسياسات التوريط حسب المقال:

  • الوظائف العمومية: أرادت الدول الغربية وإسرائيل حشر الشعب الفلسطيني في زاوية لقمة الخبز من خلال الرواتب، فشجعت انتفاخ الوظائف الحكومية، ورصدت الأموال من أجل المساهمة بصورة فعالة في صرف الرواتب. لم ترفض السلطة الفلسطينية مثل هذا التشجيع لأنها كانت معنية برفع التأييد الشعبي لها من خلال توظيف عشرات الآلاف. وعلى كل من يفكر بحل السلطة الفلسطينية أن يفكر بمصير رواتب هؤلاء.
  • المؤسسات العامة: هناك مؤسسات عامة في الضفة وغزة كثيرة وفي مختلف المجالات مثل المدارس والمستشفيات وترخيص السيارات وتسجيل الأراضي والمحاكم وأجهزة الأمن المدني مثل الشرطة والدفاع المدني، وهي تعمل على تنظيم حياة الناس العامة ولو بالحد الأدنى، وتسيير أعمالهم اليومية والمدنية. تشكل هذه المؤسسات عبئا كبيرا، ولا بد من وجود من يعمل على إدارتها واستمرارها في العمل.
  • ثقافة الكسل والاستهلاك: يقول قاسم: "من المؤسف أن الشعب في الضفة الغربية خاصة قد قبل بثقافة الكسل والاستهلاك من خلال سياسات عامة جرى اعتمادها عبر السنوات السابقة. لقد تم ضرب الكثير من الأعمال الإنتاجية، وتحول الناس إلى معتمدين على رواتب من الخارج ومؤسسات دعم، ومنظمات غير حكومية". فأغلب الموظفين الحكوميين لا يعملون، أي لا يقدمون خدمات حقيقية للناس خاصة الذين يعملون في الأجهزة الأمنية عدا الشرطة، وأغلب قطاعات الإنتاج.

ويرى قاسم أن الهدف من كل ذلك هو "إغراق الناس بنعم الحياة لكي يبتعد تفكيرهم في النهاية عن مواجهة إسرائيل واستعادة الحقوق الوطنية الثابتة. ولا مفر أمام من يبحث عن الخروج من مأزق السلطة الفلسطينية بحلها إلا أن يفكر في هذه الورطة التي تواجهها الضفة الغربية".

وعن أسباب عدم توجه السلطة وحماس لترك الحكم، يقول الصوير لـ"الاستقلال": إنها تنبع من "عوامل ذاتية تخصهما، فهناك منتفعون كبار في السلطة يجدون أن حلها فيه انتفاء لمصالحهم وضياع لها، لذلك يضعون المصلحة الشخصية فوق المصلحة الوطنية العليا".

أما حماس "فهي فعلا أخطأت بشكل فادح وإستراتيجي عندما تحولت إلى الحكم في غزة، فهي لا تتمتع الآن بنفس الشعبية التي كانت سابقا، وما يمنعها من التخلي عن الحكم هو معرفتها أن السلطة التي تملكها تشكل لها الملاذ الأخير"، وفق ما يقول.

الحل بإنهاء الانقسام؟

التحديات الماثلة أمام الفلسطينيين ليست صفقة القرن وحدها، بل يرى الصوير أنه يضاف لها "هرولة الدول العربية للتطبيع مع إسرائيل، ووجود أطراف فلسطينية متخاذلة ومتواطئة تريد بيع القضية برمتها، وضعف الموقف الفلسطيني بسبب الانقسام".

وبعد إعلان ترامب ونتنياهو عن الصفقة، اتفق الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية على طي صفحة الانقسام الداخلي المستمر منذ 2007.

وعلق هنية على قرار رئيس السلطة الفلسطينية، المتعلق بإرسال وفد من الضفة الغربية إلى قطاع غزة، لبدء حوار لمواجهة التحديات القادمة بالقول: "رسالتنا إلى أبي مازن، أنه يجب العمل في خندق واحد، ونتفق على إستراتيجية تقوم على إنهاء حالة الانقسام".

وباتت الوحدة الوطنية أمرا ضروريا للتصدي لـ"صفقة القرن"، وفق ما يرى الباحث في شؤون الشرق الأوسط فراس أبو هلال.

ويقول أبو هلال في مقال له: إن "قلب الطاولة تماما على الصفقة، والتراجع عن مسار أوسلو الكارثي، والعمل التدريجي على حل السلطة التي باتت عبئا على النضال الفلسطيني وكنزا إستراتيجيا للاحتلال، لا يمكن أن يحدث إلا إذا توافقت حركتا فتح وحماس على إنهاء مهزلة السلطة في الضفة وغزة على حد سواء".

ويدعو الكاتب إلى "العودة بالصراع لمعادلته الأصلية: شعب تحت الاحتلال يقاوم المحتل، وهي المعادلة التي اختلت منذ توقيع أوسلو، وحرفت الصراع ليصبح خلافا شكليا بين كيانين جارين!".

وتنص اتفاقات أوسلو الثانية الموقعة في أيلول/ سبتمبر 1995، على فترة انتقالية من 5 سنوات يتم خلالها التفاوض على قضايا القدس واللاجئين والمستوطنات والترتيبات الأمنية والحدود والعلاقات والتعاون مع جيران آخرين.

وبموجب هذه الاتفاقات، قسمت الضفة الغربية إلى 3 مناطق: "أ" خاضعة للسيطرة المدنية والأمنية الفلسطينية، و"ب" وتخضع لسيطرة مدنية فلسطينية وأمنية إسرائيلية، و"ج" تخضع لسيطرة مدنية وأمنية إسرائيلية.

وبعد انتهاء الفترة الانتقالية دون التوصل لحل جميع القضايا آنفة الذكر، تم تجديدها بشكل تلقائي من قبل الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، هذا قبل أن تنهار بشكل نهائي في 2014 بسبب استمرار التهويد والاستيطان.

البديل عن السلطة

يقول عبد الستار قاسم: "ليس من الحكمة حل السلطة وترك فراغ إداري يؤدي إلى فوضى في الشارع الفلسطيني، ويقود إلى انهيار اقتصادي ومالي".

ويتابع في مقاله "قد تكون نتائج الفراغ الإداري وخيمة جدا على حياة الناس، ومن المحتمل أن يدفعهم إلى الاستنجاد بالاحتلال مما يضفي شرعية على احتلال بثوب جديد ومقبول عالميا لأنه يستند إلى طلب جماهيري".

وعليه فهو يرى أن البديل هو إنشاء هيئة وطنية من مهنيين وطنيين مستقلين لا علاقة لهم بدول أو تنظيمات فلسطينية تقوم على إدارة شؤون الناس اليومية والمدنية، وبإمكان الفصائل الفلسطينية بالتعاون مع أكاديميين ومثقفين ومفكرين فلسطينيين العمل على تشكيل هذه الهيئة.

يقتصر عمل هذه الهيئة على إدارة شؤون الناس اليومية والمدنية ولا تتدخل في القضايا السياسية والأمنية والعسكرية، لكنها تبقى مسؤولة عن الأمن المدني.

بتشكيل هذه الهيئة، يتخلص الشعب الفلسطيني من أمرين: اتفاق أوسلو وصراعات الفصائل على السلطة. وبذلك تتوحد الضفة الغربية وغزة تحت قيادة إدارية وليست سياسية.

لكن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، عزام الأحمد، يختلف مع تلك الرؤية، حيث يعتبر السلطة الفلسطينية من أهم مكتسبات أوسلو، مبينا في تصريح له بتاريخ 28 يناير/كانون الثاني 2020، أن خيار حلها غير وارد بالمطلق، "لكن لو انهارت فنحن غير آسفين عليها".