المنحة التركية.. كيف عكست قوة أنقرة الناعمة في المنطقة؟

آدم يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

نجحت تركيا في تعزيز حضورها الإقليمي والدولي، وفتح قنوات تواصل مع الباحثين من خلال برنامج "المنح الحكومية" التي أصبح البعض يصنفها ضمن "القوة الناعمة" التي تستهدف نشر الثقافة التركية في العالم.

فمن خلال المنحة التركية، يعود الطلاب الذين أكملوا دراستهم في تركيا إلى بلدانهم، محملين بلغة تلك البلد وحصيلة معرفية عن تاريخ بلاد الأناضول وثقافتها، ولا يخلو الأمر من نشر بعض التقاليد التركية.

وأعلنت الرئاسة العامة لشؤون الأتراك في الخارج YTP عن فتح باب التسجيل واستقبال الطلبات للمنح التركية للعام 2020، ابتداء من 10 يناير/كانون الثاني الجاري، وحتى 20 فبراير/شباط المقبل، وذلك لجميع المستويات الأكاديمية، "البكالوريوس"، "الماجستير"، "الدكتوراة"، وأبحاث "ما بعد الدكتوراة".

وصل عدد المسجلين في الموسم الماضي 2019، 145 ألفا و700 طالب، من 167 دولة، مقارنة بـ 138 ألف طالب من 146 دولة في عام 2018، وهو عدد قياسي مقارنة بالأعوام التي قبلها، ومقارنة بكل برامج المنح حول العالم.

قوة ناعمة

ومثل ذلك، مع غيره من البرامج التركية كبرامج التعاون الدولي التركي "تيكا"، أداة من أدوات القوة الناعمة، التي سعت تركيا إلى تسجيلها في مضمار الاستقطابات التي تسعى من خلالها عدد من الدول الكبرى التأثير على الدول المستهدفة من خلال المشاريع التنموية والبرامج التعليمية والثقافية.

في مقال للكاتب التركي زكريا قورشون في صحيفة يني شفق التركية، يقول: "العديد من أدوات القوة الناعمة استخدمت في التاريخ، ما يعني أن لدينا وفرة في أساليب ووسائل تلك القوة؛ ولعل الاختلاف في العصر الحديث عن القديم هو إدخال أدوات الاتصال والتعليم غير الرسمي".

يضيف الكاتب أن تركيا لم تهمل ذلك النوع من القوى المهمة، ومن أبرز الأمثلة على ذلك المنح التركية التابعة لمؤسسة "رئاسة شؤون أتراك المهجر والمجتمعات ذوي القربى". 

وهذه المؤسسة تتبع للحكومة التركية، ويعد البرنامج من أضخم وأشهر برامج المنح في العالم، حيث يسجل فيه آلاف الطلاب والباحثين من معظم الدول، نظرا للتخصصات المتعددة والامتيازات التي يوفرها والمساحة الجغرافية الواسعة التي يغطيها.

وأردف الكاتب قائلا: "على الرغم من الرأي الذي يقول ما الذي يعنيه هذا؟ فقد يشير الأمر إلى جيل دولي جديد سيولد في المستقبل المنظور، وبطبيعة الحال، كل دولة من البلدان المتقدمة والنامية، وحتى بعض الدول الضعيفة، ترغب في الحصول على حصتها من هذه الكعكة".

ولفت إلى أن "هذا الجيل الجديد، الذي استوعب عقلية الدول التي تعلموا فيها إلى حد كبير، يدرك أيضا القيم العالمية، وسيغير علاقاتهم مع البلد الذي تلقوا فيه تعليما طبيعيا مثل قيم الولاء مع إعادة هيكلة مستقبل بلدانهم".

يقول محمد الحمزي، وهو طالب يمني حصل على المنحة التركية وأتم دراسة البكالوريوس: "وفرت لي المنحة فرصا جديدة في حياتي، ليس فقط على المستوى التعليمي، بل على عدة مستويات أبرزها تعلم لغة وثقافة جديدة".

ما بعد المنحة

ويضيف الحمزي لـ"الاستقلال": "بعد انتهاء البكالوريوس حصلت على عقد عمل في إحدى برامج الأمم المتحدة الإغاثية التابعة للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين في أنقرة، وهو برنامج مؤقت يعمل بالتنسيق مع جهات تركية".

كما عمل هذا الشاب في ملف اللاجئين السوريين، بحكم قدرته على التحدث باللغتين العربية والتركية، وفهمه لطبيعة العمل الإغاثي الإنساني "من خلال دورات كنت قد تلقيتها في اليمن، ودورات أخرى تلقيتها في المفوضية قبل الشروع في العمل في البرنامج الإغاثي".

ويعتقد أن المنحة التركية وفرت له خيارات أخرى على صعيد الحياة المهنية والمعيشية، في وقت يعيش اليمن أسوأ أزماته السياسية والاقتصادية وتنعدم فيه فرص العمل، وفق ما يقول.

فبعد تخرج الطلاب وإنهائهم الدراسة، تعقد عدد من الشركات التركية دورات تأهيل وتدريب، وذلك لتوظيف الطلاب الخريجين المتقنين للغة التركية، في مكاتبها الموجودة في بلدانهم، وخصوصا في عدد من الدول الإفريقية.

وكانت شركة الخطوط الجوية التركية قد وظفت عددا من الطلاب الخريجين، في مكاتب تابعة للشركة في بلدانهم، كما أن الجامعات الخاصة في تركيا توظف عددا كبيرا من الطلاب الأجانب الذين أتقنوا اللغة التركية في أقسام استقبال الطلاب  الأجانب الراغبين بالتسجيل والدراسة.

بالإضافة إلى ذلك، تعين الحكومة التركية عددا من الطلاب الخريجين في القنصليات التركية والبعثات الدبلوماسية والملحقيات التعليمية التركية في بلدانهم.

ويمنح برنامج التعاون والتنسيق التركي (تيكا) فرصا لتوظيف الطلاب الخريجين في مكاتبه المنتشرة في عدد من دول العالم، والأشد إتقانا للغة التركية هم الأكثر حظا في الحصول على فرصة للوظيفة. 

تفاصيل المنحة

سنويا، تقبل تركيا خمسة آلاف طالب من إجمالي عدد المقدمين، ويتم اختيارهم موزعين على جميع دول العالم. وبحسب رئيس الشؤون التركية عبدالله آران، فإن الحكومة تهدف إلى زيادة عدد الطلاب المستفيدين إلى 20 ألف طالب، بحلول عام 2023.

لا يعني ذلك بالطبع أن خمسة آلاف طالب يستفيدون سنويا من برنامج المنح، بل يضاف خمسة آلاف طالب سنويا إلى مجموع عدد الطلاب الذين تم قبولهم في السنوات الماضية، وما زالت دراستهم قائمة، أي أن عدد الطلاب المستفيدين سنويا يتجاوز 25 ألف طالب.

بدأ برنامج المنح عام 1992، ضمن برنامج "مشروع الطلبة الكبير"، وتحول اسمه إلى برنامج "المنح التركية"، الذي ترعاه الحكومة التركية.

يتم التقديم للمنح عبر موقع إلكتروني، بعدة لغات عالمية، من بينها اللغة العربية، وبعد التسجيل ورفع الوثائق، يتم تقييم الملف من قبل أكاديميين ومتخصصين ناطقين بعدة لغات لدى YTP.

إذا استوفى المتقدم الشروط والمعايير المطلوبة، وبات مستحقا للمنحة، يتم التواصل معه لإجراء مقابلة عن طريق القنصلية التركية في بلد المتقدم، أو مباشرة عبر سكايب في البلدان التي لا توجد فيها قنصليات تركية.

وإذا كانت مقابلة النتيجة إيجابية، فإن برنامج المنح التركية يرسل إخطارا عبر البريد إلى المتقدم بقبوله، في المنحة، يتضمن تفاصيل عن المنحة (التخصص، والجامعة، ومدينة الدراسة، ومدة البرنامج، والامتيازات التي سيحصل عليها).