"يني شفق": هكذا استفادت تركيا من الطلاب كقوة ناعمة

12

طباعة

مشاركة

نشرت صحيفة "يني شفق" التركية، مقالا للكاتب زكريا كورشون، تحدث فيه عن مصطلح "القوة الناعمة" الذي تمارسه الدول كنوع من الأدوات الهادئة، الذي تعمل من خلاله على تحقيق الكثير من الأهداف القوية تماما كما تفعل الجيوش والقوى العسكرية الخشنة.

وقال الكاتب: إن هذا النوع من القوى تأثيره لا يختلف أبدا عن تأثير قوى عمادها النار والبارود إن لم تكن أشد وطأة، معرجا على أن تركيا بالفعل تميل لاستخدام هذا النوع من القوة، لكنها بحاجة إلى إعادة ضبط وتوجيه لتحقيق تلك الأهداف المنوط بها.

منح دراسية

وبحسب زكريا كورشون، فإن "العديد من أدوات القوة الناعمة استخدمت في التاريخ، ما يعني أن لدينا وفرة في أساليب ووسائل تلك القوة الناعمة؛ ولعل الاختلاف في العصر الحديث عن القديم هو إدخال أدوات الاتصال والتعليم غير الرسمي".

وأوضح: أن "من أبرز الأمثلة على القوة الناعمة انتشار الإسلام بفضل أخلاق التجار وذكائهم دون اللجوء لأي مصدر من مصادر القوة الساطعة حتى لو كانت رأس المال في العصور الماضية، وكذلك الحملات التبشيرية التنصيرية مقابل انتشار الإسلام الفذ في فترة سابقة من فترات التاريخ الإسلامي".

وتابع الكاتب: بالحديث عن القوة الناعمة، فإن تركيا لم تهمل ذلك النوع من القوى المهمة، و من أبرز الأمثلة على تلك، هي المنح التركية لمؤسسة "رئاسة أتراك المهجر والمجتمعات ذوي القربى". ووفقا للإحصائيات، فإن عدد الأشخاص الذين يدرسون خارج بلادهم اليوم يقترب من ثمانية ملايين، وفي عام 2030 سوف يتجاوز هذا العدد الـ 20 مليون.

وأردف: "على الرغم من الرأي الذي يقول ما الذي يعنيه هذا، فقد يشير الأمر إلى جيل دولي جديد سيولد في المستقبل المنظور، وبطبيعة الحال، كل دولة من البلدان المتقدمة والنامية، وحتى بعض الدول الضعيفة، ترغب في الحصول على حصتها من هذه الكعكة".

ولفت الكاتب إلى أن "هذا الجيل الجديد، الذي استوعب عقلية الدول التي تعلموا فيها إلى حد كبير، يدرك أيضا القيم العالمية، وسيغير علاقاتهم مع البلد الذي تلقوا فيه تعليما طبيعيا مثل قيم الولاء مع إعادة هيكلة مستقبل بلدانهم".

ونقل عن بيانات "رئاسة أتراك المهجر" أنه في تركيا نحو 148 ألف طالب أجنبي، ومن هؤلاء نحو 25 ألف طالب أجنبي تحت رعاية المنح التركية. ورأى أنه وعلى الرغم من هذه الأرقام الكبيرة، التي قد تزيد عن أعداد بعض جيوش الدول، قد لا يفهم البعض ماهية هذه الإحصائيات".

وأشار الكاتب إلى أنه جرى تسهيل تسجيل الطلبة الذين يأتون إلى بلدنا كطلاب منحة دراسية، أو على نفقتهم الخاصة، باستثناء بعض الأقسام، مما زاد هذا الوضع من اهتمام جامعاتنا، حتى أن الكثير من الجامعات اكتسبت أهمية، نظرا لعدد الطلبة الأجانب الذين يدرسون داخل أروقتها، فعمدت على العناية بهم ووفرت لهم بعض الإمكانيات من أجل الترفيه عنهم.

وتابع: لا يمكن للأكاديميين تحقيق نفس هذا المستوى من الفهم والنضج، فعلى الرغم من أن هؤلاء الأكاديميين تمكنوا من رعاية أولئك الشبان كمسافرين وأحسنوا ضيافتهم، وخصصوا لهم ما يلزم من رعاية ووقت وجهد تعليمي وتربوي، لكنهم لم يقدموا نفس النجاح بالفعل لنمو هذه التجربة والمساهمة في زيادة أعداد الطلبة الأجانب، ونرى هذا الموقف جليا من خلال شكاوى الطلبة والأكاديميين الأجانب.

والأكثر من ذلك، بحسب الكاتب، أن ذلك يبدو واضحا في أطروحات طلبة الدراسات العليا الأجانب. وأوضح: "حتى في أكثر الجامعات شهرة، تظهر نقاط ضعف اللغة والمعرفة لدى الطلبة الأجانب في أطروحاتهم، وأن مستشاريهم ولجنة المناقشة لا يؤدون واجباتهم على ما ينبغي"، ولذلك فإن القوة الناعمة هذه تبقى بلا أثر كبير نظرا لذلك كله.

واقترح الكاتب هنا، أن تكون العملية تكاملية في جميع مراحل دراسة الطالب من قبل اختياره وحتى تخرجه، بحيث تنسق المنح التركية مع الجامعة لتوزيع الطلبة وفق ما يناسب احتياج كل جامعة، ومن ثم العمل على اختيار الأطروحة كعنوان بالتنسيق بين الجامعة وإدارة المنحة والطالب.

مهمة الجامعات

وبيّن أنه قد أجرى بعض اللقاءات مع الطلبة وخاصة الأفارقة منهم، إذ أبدوا رغبة واضحة في الحصول على دعم تركيا ما أمكن لمتابعة أبحاثهم في الجامعات التركية التي تخرجوا منها. ووصف الكاتب هذا الطلب بأنه في مكانه، وأن الطلبة محقون فيه؛ إلا أنه ليس بطلب هين، لأن الظروف الاقتصادية للبلدان المعنية ومشاكل البطالة لا توفر فرصا كافية للطلبة الذين ندربهم.

وأردف: هنا يمكن القول: تقع على الجامعات التركية مهمة أخرى وإضافية، وهي تحديد احتياجات الطلبة الحقيقيين، والوقوف خلف هذه الاحتياجات ودعمها ما أمكن.

وذكر الكاتب أنه وفي السنوات الأخيرة، كانت جامعاتنا حريصة على تطوير العلاقات مع الجامعات الأجنبية في برامج أخرى غير برنامج تبادل المنح العالمي "إيراسموس" غير أن التبادلات لا تتم، ولا تظهر ذات الحماسة التي تتوقعها الجامعات الأجنبية مع نظيراتها التركية، وبالتالي كانت تذهب كل هذه الاتفاقيات سدى وبدون فائدة، ويتم إهمال جميع هذه الاتفاقيات.

واستطرد قائلا: ليكن الموضوع أكثر دقة، على الرغم من تأرجح العلاقات بين تركيا والسودان، لكنها تعد الحلف الأكثر أهمية في إفريقيا، وهناك الجامعات لديها أيضا مكانة عالية، وبالتالي تثق الدولة فيما يثق به طلبتها، والسفير التركي بالسودان عرفان نزير أوغلو يعمل بجد لتحسين هذه العلاقات.

ووفقا للكاتب، فإن الكثير من الجامعات التركية وقعت مع الجامعات السودانية جملة من الاتفاقيات، والتعاون المشترك. وبيّن أن عدد هذه الاتفاقيات وصل إلى 13 اتفاقية، وعلى الرغم من ذلك لم تف أي جامعة بالتزاماتها ما عدا جامعة "كانكيري كاراتكين" وهي جامعة تقع وسط البلاد بالقرب من العاصمة أنقرة. ومع ذلك، كما هو الحال في العديد من مجالات التعاون الأخرى، هناك مئات الطلبة السودانيين في بلدنا على استعداد لتنفيذ هذا التعاون.

وختم الكاتب مقاله بالتشديد على أن "القوة الناعمة ليست مجرد كلاما ينثر هنا وهناك، بل هو في الوقت نفسه جهد وعمل وتخطيط، وفي حين تضع جميع دول العالم خططا في هذا الاتجاه من أجل تحقيق أهداف عام 2030 و 2050؛ نحن أيضا من الضروري أن لا نفوّت هذه القوة، بل وتحويلها إلى فرصة كبيرة ضمن مسيرة تحقيق تركيا لأهدافها.

يشار إلى أن مفهوم القوة الناعمة بدأ بالانتشار بعد عام 2000، لكنه عرف علميا في سنوات التسعينيات، وهذا المصطلح يعبر عن رغبات الدول، ولكن عن طريق هيئات أو جماعات أو أفراد، كما أن لديه عددا من الأدوات والأهداف على مر التاريخ، فرغم حداثة نشأته، لكنه في الواقع هو تماما كالقوة الخشنة، لديه القدرة على هدم دول وبناء أخرى، وإنشاء إمبراطوريات على حساب أخرى باتت من الماضي، وهذا يعني أنها قديمة تماما بقدر القوة الخشنة كما تقدم.

والقوة الناعمة (بالإنجليزية: Soft power) هو مفهوم صاغه جوزيف ناي من جامعة هارفارد لوصف القدرة على الجذب والضم دون الإكراه أو استخدام القوة كوسيلة للإقناع.

وفي الآونة الأخيرة، تم استخدام المصطلح للتأثير في الرأي الاجتماعي والعام وتغييره من خلال قنوات أقل شفافية نسبيا والضغط من خلال المنظمات السياسية وغير السياسية.