استغلت فقرها واضطرابها.. إسرائيل تجر مالي إلى ملعب التطبيع

أحمد ولد سيدي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

شكل استئناف العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل ودول أفريقية مثل رواندا، والجابون، وتشاد، ضوءا أخضر لجمهورية مالي، التي تحركت منذ عام 2017، في اتجاه إعادة علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل.

وجاء تراجع التحفظ العربي والأفريقي الرسمي، (السعودية والإمارات) على ملف التطبيع؛ ليمثل فرصة العمر لتل أبيب في العودة بقوة إلى حضن القارة السمراء.

طريق العودة للتطبيع

تعمل دولة الاحتلال الإسرائيلي باستماتة على التطبيع المستمر مع الدول الإسلامية، حيث وجدت طريقها إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع دول أفريقية عديدة منذ العام 1948، أبرزها (إثيوبيا، كينيا، رواندا، إفريقيا الوسطى، وتشاد)، ثم جنوب السودان عن طريق الحركة الانفصالية.

ويترجم سيناريو التطبيع المتواصل، اهتمام إسرائيل الكبير بالقارة الأفريقية نتيجة دورها الإستراتيجي والسياسي، والاقتصادي، وإمكانية التوسع الإسرائيلي فيها بسهولة نتيجة الاختراق، وضعف المواقف الرافضة للتطبيع، وميل الأنظمة الحاكمة أو إذعانها لضغط الاحتلال والدول الداعمة له في أفريقيا والدول العربية.

لم تكن جمهورية مالي بمنأى عن التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي الذي تقوده نفس الأهداف والمصالح التي أقام على أساسها علاقات دبلوماسية مع دول أفريقية عديدة، وأسس لضم دولة جديدة قطعت علاقاتها به بعيد حرب أكتوبر سنة 1973، التي شكلت فرصة لإصدار قرار من منظمة الوحدة الأفريقية بالتضامن مع مصر، وبلغ حينها عدد الدول الأفريقية الرافضة للتطبيع مع المحتل الإسرائيلي 42 دولة، جميعها أعضاء في منظمة الوحدة الأفريقية.

سرعان ما عاد سيناريو التطبيع من جديد مع دول (أوغندا، توغو، تشاد)، لينتقل سعي إسرائيل هذه المرة إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع جمهورية مالي، وسط اهتمام كبير من وسائل الإعلام الدولية بالقرار الذي يشكل استمرارا لعودة التطبيع مع إسرائيل في القارة الأفريقية.

التطبيع على حساب الأمن والاستقرار

شكّل اللقاء الذي جمع الرئيس المالي "إبراهيم بوبكر كيتا"، ورئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، في ليبيريا سنة 2017، والاتفاق على زيارة قريبة للوزير الأول (رئيس الوزراء) المالي لـ "تل أبيب"، أبرز خطوات سيناريو التطبيع المتسارع بين البلدين.

وبحسب مراقبين، فإن البوابة الرئيسية لدخول إسرائيل إلى مالي تنحصر بشكل معلن في دعم الأمن والتنمية في البلاد، التي أنهكتها الحروب والصراعات الطائفية.  

ويرى محمد ولد شينا، الصحفي الموريتاني، أن سيناريو التطبيع مع إسرائيل يعد أصعب قرار بالنسبة للرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، الذي يواجه تحديات مختلفة قبل أن يكمل عامه الأول في ولايته الرئاسية الثانية، فمن ضعف الموارد، وانعدام التنمية، في وسط وشمال البلاد، إلى شوكة الإرهاب التي أسقطت البلاد سنة 2012 بيد القاعدة وبعض التنظيمات الإسلامية المتشددة.

ويعتبر ولد شينا، في حديث لـ"الاستقلال"، أن تغلغل إسرائيل المتواصل في القارة الإفريقية، مكنها من امتلاك عدة أوراق للضغط على النظام المالي من أجل الاستجابة للتطبيع، مشيرا إلى أن من بين تلك الأوراق الدعم الأمريكي والغربي لإسرائيل، وحاجة مالي للمساعدات الأمنية والمالية؛ لمواجهة تحدي الإرهاب الذي يهددها بشكل كبير.

بدوره، يرى محفوظ ولد السالك الإعلامي المهتم بالشأن الأفريقي أن حرص إسرائيل على استعادة العلاقات مع مالي له دوافع عدة، أولها السعي إلى أن تحظى سياسة احتلالها لفلسطين بدعم من طرف دولة إسلامية، وثانيها زيادة عدد أصدقائها بالقارة الأفريقية.

وأضاف ولد السالك في حديث لـ"الاستقلال": إن "إسرائيل لا تعول على استفادة بالمعطى المادي أو الاقتصادي، لكنها تريد "استفادة دبلوماسية، تربح من خلاها علاقات جديدة مع دولة إسلامية؛ لأن أقصى ما تبحث عنه هو حصد المزيد من الاعتراف والتأييد خصوصا في غرب القارة الأفريقية".

مشددا على أن إسرائيل تحاول العودة بقوة مجددا إلى القارة الأفريقية؛ وذلك من خلال مساعيها إلى استعادة علاقاتها بالدول التي قطعت معها العلاقات الدبلوماسية منذ عام 1972، وكانت البداية مع جمهورية تشاد التي زار رئيسها إسرائيل مؤخرا، كما زار رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو نجامينا، واستعاد البلدان علاقاتهما المقطوعة.

مسوغات التطبيع

تدفع دولة الاحتلال الإسرائيلي لإقناع الرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا، بضرورة تسريع وتيرة التطبيع سعيا لمساهمتها في ما تشهده البلاد من انفلات أمني، وحرب أهلية، إثر سيطرة تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، منذ العام 2012، على أقاليم في الشمال المالي، وما نتج عن ذلك من تدخل للقوات الفرنسية، والأممية، في أواخر العام نفسه، لطرد القاعدة، والحركات الانفصالية.

ورأت إسرائيل في ما تعيشه مالي أرضية خصبة للمتوقع، وإكمال سيناريو التطبيع سعيا للانتقال إلى إحدى الدول الأفريقية الأخرى، والتغلغل قدر المستطاع في القارة السمراء التي تعيش شبه ربيع إسرائيلي.

وارتفعت في السنوات الأخيرة وتيرة الحرب الأهلية بين بعض الإثنيات في جمهورية مالي (الفولان، الطوارق)، ما يجعل إسرائيل تطمح لاستغلال ما يعانيه البلد من أزمات سياسية، وأمنية، واقتصادية من أجل الحصول على موطئ قدم، ومنفذ لاستعادة علاقاتها الدبلوماسية.

ويضيف الصحفي أمحمد ولد شينا أن زيارة الوزير الأول المالي "سومايلو بوباي مايغا" المنتظرة لإسرائيل هي امتداد لمسار عودة العلاقات بين البلدين، وقد يمتد طمع إسرائيل لإقامة علاقات دبلوماسية مع كافة بلدان دول الساحل الخمس (موريتانيا، مالي، النيجر، تشاد، بوركينا فاسو)، التي بدأ التطبيع يتسرب إليها".

معوقات داخلية وتحول خارجي

تشير معطيات عدة إلى أن الاتصالات المتقدمة التي تمت بين إسرائيل وجمهورية مالي؛ من أجل الترتيب لزيارة رئيس الوزراء المالي إلى تل آبيب، وتسريع وتيرة التطبيع بين البلدين، تواجه رفضا كبيرا من الشعب المالي ومعظم القوى السياسية والدينية، حيث يشكّل المسلمون نسبة 90%، في مالي.

ورغم وجود معوقات داخلية أمام سيناريو التطبيع في الجمهورية المسلمة، إلا أن عودة العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل وتشاد، يشي بقرب عودة العلاقات بين إسرائيل ودولتي النيجر ومالي؛ نظرا للتقارب الحاصل بين هذه الدول في الشأن السياسي، والأمني وخصوصا ملف الصراعات الداخلية بين الإثنيات وقدرة إسرائيل على استغلال هذا المنفذ للدخول إلى هذه الدول الأفريقية، رغم ما سيترتب على ذلك من أزمات إضافية على كافة المستويات.

ويجزم الإعلامي الموريتاني محفوظ ولد السالك أن عودة العلاقات الإسرائيلية المالية ستكون باهظة التكلفة، حيث ستكثف الجماعات المسلحة هجماتها في البلاد، وهو ما لوحظ مؤخرا مع استهداف جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" في مالي للقوات التشادية، وتأكيدها أن ذلك ردا على زيارة نتنياهو لجمهورية تشاد، وعودة العلاقات بين البلدين، وقد يطال تكثيف هذه الهجمات معظم بلدان الساحل.

وأشار ولد السالك إلى أن جمهورية مالي ستكون أكبر خاسر من عودة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، حيث لن يجد القرار تأييدا كبيرا له في البلاد؛ إذ لا شك سينتفض ضده الماليون، خصوصا الإسلاميون منهم، والذين لا يتمتعون بعلاقات جيدة مع نظام الرئيس بوبكر كيتا، وأن عودة العلاقات بين البلدين ستفاقم من عدم الاستقرار، إذ ستكثف الجماعات المسلحة هجماتها في البلاد، وقد تستفيد مالي عسكريا وتنمويا قليلا، لكن على حساب استقرارها المتزعزع منذ سنة 2012.

"الكثير من الرفض والتنديد"

ورغم عدم جدوى إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل بالنسبة لجمهورية مالي، إلا أن القناة العاشرة الإسرائيلية كشفت في تقرير لها نشرته في مايو/ آيار الماضي أن التطبيع المعلن للعلاقات مع تشاد؛ من شأنه أن يفتح الباب أمام دول أخرى للانضمام إلى هذا المسار على غرار مالي والنيجر.

ونقل عن مسؤولين إسرائيليين تأكيدهم أن لدى إسرائيل مصلحة كبيرة في تجديد العلاقات مع تشاد؛ حيث سيسمح لهم ذلك بالتطبيع مع دولتين من الدول الإسلامية في القارة الأفريقية هما النيجر ومالي، وستُقدم الدولتان فورا على تطبيع علاقاتهما مع إسرائيل.

ويترقب الشارع المالي ما سيسفر عنه التقارب الحالي لنظام الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا مع إسرائيل، وهو الانتظار الذي سينتج عنه الكثير من الرفض والتنديد بهذه العلاقات في حالة الإعلان الرسمي عنها في قابل الأيام؛ نظرا لما يرى فيها الشعب من التفريط في قضية المسلمين الأولى وهي القضية الفلسطينية، التي تعتبر التطبيع مع إسرائيل توقيعا مفترضا على التنازل عنها.