"يوتيوبرز السيسي".. كيف وظفتهم المخابرات لتلميع صورة النظام؟

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

"متسمعوش كلام حد غيري" 4 كلمات صدح به السيسي منفعلا يوم 24 فبراير/ تشرين الثاني 2016، خلال خطابه في مؤتمر "رؤية مصر 2030"، محاولا مواجهة تصاعد الخطاب الإعلامي ضده. 

بعدها وفي أبريل/نيسان 2016 أشار السيسي إلى دور اللجان الإلكترونية للمرة الأولى خلال لقائه بالمثقفين، حينما قال: "أنا ممكن بكتيبتين أسيطر على مواقع التواصل".

توجُّس السيسي كان نابعا من إدراكه أن بوتقة الإعلام ساهمت في إسقاط مبارك، واندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وإطاحة الجيش بالرئيس مرسي عبر انقلاب عسكري تم التمهيد له شعبيا، وقدّم السيسي نفسه إعلاميا في صورة المُخلّص والقائد المنقذ.

بعد إخفاق الآلة الإعلامية للنظام في ملفات متعددة، أبرزها ملف الفنان والمقاول محمد علي، أدرك السيسي ضرورة تغيير الإستراتيجية الإعلامية بشكل كامل، وتجاوز الاعتماد على القنوات الرسمية فقط، إلى خلق جيل من رواد السوشيال ميديا، يجابهون موجة الغضب ضد النظام، ويستقطبون الشباب، من خلال صفحات على مواقع التواصل، أو قنوات على موقع "يوتيوب".

تباعا بدأت مجموعات من اليوتيوبرز التابعة للسيسي، في الظهور للقيام بتلك المهمة، مع الحرص على تصدير وجوه جديدة في الإعلام الموازي، ليواجه سيل الانتقادات الموجهة إلى حكمه.

زعيم بلاك بلوك

من بين هذه الوجوه، اليوتيوبرز المثير للجدل شريف الصيرفي، الذي يعرف نفسه كإعلامي وسياسي، وله قناة شهيرة على "يوتيوب"، بالإضافة إلى صفحة واسعة الانتشار على فيسبوك، والتي يستخدمها لدعم نظام السيسي، ومهاجمة المعارضة.

كانت بداية ظهور الصيرفي في فبراير/ شباط 2013، كمؤسس لما يعرف بمجموعات "البلاك بلوك"، ورغم أن تلك المجموعات، هم شباب ملثمون يرتدون ثيابا سوداء، يضعون أقنعة عند نزولهم للشارع لإخفاء هوياتهم، لكن اسم شريف الصيرفي هو الذي برز بينهم. 

كان الصيرفي، وأعضاء الحركة، في ذلك الوقت أكثر عنفا من بقية المتظاهرين حيث قذفوا العديد من المقرات العامة بالحجارة وشاركوا في الهجوم على مقر الموقع الإلكتروني التابع لجماعة الإخوان المسلمين "إخوان أون لاين"، كما أغلقوا العديد من الطرق والجسور.

وامتد نشاط البلاك بلوك إلى قصر الاتحادية الرئاسي حيث حاولوا إشعال النار فيه عبر إلقاء الزجاجات الحارقة بداخله، وأوقفت وقتها أجهزة الأمن عددا من أعضاء المجموعة، وضبطت بحوزتهم أسلحة متنوعة و"مخطط يستهدف شركات البترول والمواقع الحيوية" حسب تحقيقات النيابة العامة، التي صنفت تنظيم "البلاك بلوك" بأنه "إرهابي"، وأمرت بضبط و إحضار كل منتم له.

ورغم أن الصيرفي أسس حملة لدعم الجيش المصري، لكنه كان دائم الهجوم على الفريق سامي عنان، قائد أركان القوات المسلحة في ذلك الوقت.

في 8 فبراير/ شباط 2013، قبض على الصيرفي بتهمة المشاركة والتحريض على تحطيم النصب التذكاري الذي أقامته أجهزة الأمن في ميدان التحرير. 

المثير للانتباه أنه رغم جرائم الصيرفي المتعددة، وضلوعه في اعتداءات بالغة، وتأسيسه لجماعة إرهابية، تم الإفراج عنه في سبتمبر/ أيلول 2014، بعدما أحالته إدارة سجون وادي النطرون إلى قسم قصر النيل، ومنها إلى قسم أول المحلة التابع له، حيث أفرج عنه.

بعد ذلك وعلى نحو مفاجيء عمل "الصيرفي" في مجلة أخبار النجوم التابعة لمؤسسة أخبار اليوم القومية، التابعة للدولة، رغم صغر سنه، وعدم وجود خبرة إعلامية لديه، فضلا عن سوابقه الإجرامية.

من النقاط الفاصلة في مسيرة الصيرفي، هو علاقته برئيس هيئة الترفيه السعودية تركي آل الشيخ، الذي كان مالكا لنادي "بيراميدز" في الدوري المصري، واستعان "آل الشيخ"، بالصيرفي، حينما أراد تأسيس رابطة للمشجعين بالنادي، مقابل أجر كبير.

وقام آل الشيخ بتعيين شريف الصيرفي، متحدثا إعلاميا لـ "اتحاد مشجعي نادي بيراميدز"، وطلب منه أن يشرف على تشكيل رابطة مشجعي النادي، من خلال الاستعانة بشباب البلاك بلوك، وبالفعل تم تكوين رابطة مشجعين لنادي آل الشيخ، رغم أن الصيرفي كان عضوا في رابطة أولتراس أهلاوي بمدينة المحلة.

اسكريبت مخابراتي

حسب مراقبين، فإن العلاقة المتسلسلة بين هؤلاء الشباب، والجنرالات المدعومين من دول الخليج، كانت واضحة للعيان حيث جرى استخدامهم في جماعة بلاك بلوك وغيرها ليتم الانقلاب بهم على الديمقراطية، وتنفيذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز 2013.

قناة الصرفي على "يوتيوب"، التي وصل عدد متابعيها إلى قرابة 250 ألفا، وصفحته على "فيس بوك"، المتجاوزة 411 ألف متابع، تم تسخيرها لخدمة توجهات نظام السيسي وتحقيق التوازن مع الإعلام الرسمي للدولة، الذي فشل في مخاطبة فئة الشباب، لتحاول تلك القنوات غير الرسمية استقطابهم. 

فبينما كانت برامج "التوك شو" تخوض حربها ضد الفنان والمقاول محمد علي، الذي فضح فساد السيسي وأسرته، كان الصيرفي، على نفس الموجة المدافعة عن الجنرال.

وعندما تصاعدت حملة النظام في مهاجمة تركيا والرئيس أردوغان بعد توقيع مذكرتي تفاهم وتعاون عسكري بين البلدين، دخل مؤسس البلاك بلوك، على نفس الخط، وتفرد بعمل سلسلة حلقات خاصة باسم "تحت الأرض" للحديث عن تلك القضية.

كل الدلائل والمؤشرات تؤكد أن الصيرفي هو أحد أضلاع مجموعة "يوتيوبرز" تم تشكيلها بإشراف مخابراتي لسد عجز الإعلام الرسمي، الذي ظهر إخفاقه في الفترات الأخيرة، لا سيما في أزمة محمد علي، التي سببت حرجا بالغا لنظام السيسي.

"الكائن الموللي"

"الكائن الموللي - وزيرة السعادة" هو الاسم الذي اختارته أمل عبدالله لصفحتها على فيسبوك والتي تتجاوز 100 ألف متابع، بينما قناتها على يوتيوب، تقارب 1000 متابع فقط، رغم تدشينها في 23 يوليو/ تموز 2012. 

الكائن الموللي - وزيرة السعادة تعرف نفسها قائلة: "أنا أمل عبد الله.. مواطنة مصرية مواليد 1978.. هويتي وعشقي وشغفي بكل ما هو مصري.. أقدس جيشي، وأحترم دولتي، ورموزها .. نقطة". 

تعد أمل أحد أذرع كتيبة اليوتيوبرز المخابراتية الداعمة لنظام السيسي، حيث رفعت في 25 سبتمبر/ آب 2019، عبر صفحتها الرسمية، صورة للواء عباس كامل، مدير جهاز المخابرات العامة، وعلقت عليها بكلمة "أبانا".

اعتمدت أمل سياسة الدفاع المستمر عن الإجراءات العسكرية، الخاصة بالتوغل في القطاعات المدنية، تحت ذريعة أنها تدافع عن "جيش مصر"، ولطالما بررت من فكرة إقدام الجيش على صناعة "المكرونة والسلع الغذائية، وكعك العيد"، كأساس للأمن القومي، بالإضافة إلى هجومها المستمر على تركيا والرئيس أردوغان.

ورغم أن "الكائن الموللي" ناشطة على السوشيال ميديا، وغير إعلامية، لكن برامج التوك شو اهتمت بها وأفردت لها مساحات مثلما حدث في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حينما تناول الإعلامي رامي صبري حلقتها عن "جيش المكرونة" بالشرح والتحليل.

وفي 29 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تناول الإعلامي أحمد موسى، بمزيد من التحفيز والإعجاب، مقطع لـ "أمل عبدالله" خلال برنامجه على قناة "صدى البلد"، كانت قد وجهت خلاله انتقادات، وسخرية من التعاطف الشعبي مع قضية مسلمي الإيجور، الذين يتعرضون للتنكيل من قبل النظام الشيوعي في الصين.

قناة "لمبة"

قناة "لمبة" دشنها الإعلامي لؤي الخطيب، الذي يعرف نفسه قائلا: "صحفي تليفزيوني، لديه خبرات كونها من العمل لصالح العديد من القنوات منها TeN وcbc والنهار.. يخوض الآن تجربته في تقديم البرامج مع برنامج (لمبة)". وكل تلك القنوات تابعة لأجهزة المخابرات. 

وفي 25 سبتمبر/ آب 2019، قال لؤي الخطيب، فى لقاء خاص ببرنامج "صباح الورد" المذاع على فضائية "ten": "أتجه لتقديم برنامج (لمبة) على مواقع التواصل، لافتا إلى أن البرنامج يهدف للرد على الشائعات".

وأضاف: "البرنامج يقدم المعلومة ببعض التفاصيل لكى يضمن توصيلها للمواطنين، هناك كذب فاضح وفادح يمارسه الطرف الآخر على مصر".

ولؤي الخطيب تحديدا، على غير بقية زملائه من "اليوتيوبرز" التابعين للسلطة، تفرد له مساحات أوسع وأشمل، في الصحف القومية مثل "الأهرام - أخبار اليوم - الجمهورية"، بالإضافة إلى القنوات الأخرى، ليتم تناول محتوى حلقاته، وإبرازه بشكل كامل.

لم يختلف مسار الخطيب من حيث تناول الأفكار والزوايا التحليلية عن "شريف الصيرفي وأمل عبدالله"، حيث اعتمد على مهاجمة أردوغان، وعداوة تركيا، ثم النيل من الفنان محمد علي، مع التمجيد في جنرالات الجيش.

وفعل لؤي الخطيب، تماما كما فعلت أمل عبدالله، ففي حلقة بتاريخ 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، تحت عنوان "إيه دور قائد خط الجمبري جوه الجيش المصري؟"، تحدث فيها عن أهمية امتلاك الجيش لتلك الآليات، ودافع عن ضرورة أن يتوغل الجيش اقتصاديا، في تطابق مفضوح بينه وبين أقرانه من يوتيوبرز المخابرات.