أمر باعتقال امرأة "حامل".. متى ينتهي مسلسل اضطهاد السعوديات؟

عبدالرحمن سليم | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

غضب واسع يجتاح مواقع التواصل الاجتماعي بعد صدور أمر بالقبض على سيدة سعودية (حامل) في محافظة القريات شمالي المملكة، على خلفية مقطع فيديو ظهرت فيه منتقدة صور الفساد المنتشر في أروقة عدد من المؤسسات الحكومية.

ورغم استغاثتها بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إلا أن ذلك لم يمنع محافظ القريات من إصدار أمر بالقبض عليها، لتخرج بعد ذلك بصوت يملؤه الرعب لتكرر استغاثتها، موضحة أنها تعول 16 طفلا، ولا تستطيع الذهاب إلى مراجعاتها الدورية في المستشفى بسبب الخوف من اعتقالها.

احتجاج نسائي

قبل أيام انتشر مقطع فيديو لمجموعة من النساء اللاتي وقفن أمام المركز الحضاري في محافظة القريات شمالي السعودية، احتجاجا على سوء معاملتهن، وطالبن بالسماح لهن بمقابلة أميرة سعودية كانت تزور المركز وقتها.

بطلة الاحتجاج التي ظهرت في الفيديو، نادت محافظ القريات ليأتي بنفسه ويرى جموع النساء اللاتي أتين بطلبات لحل مشاكلهن، لكنهن قوبلن برفض استقبال أوراقهن من قبل موظفين في المحافظة، ما اضطرهن للذهاب إلى المركز الحضاري لمقابلة الأميرة.

واستغاثت السيدة بولي العهد، مؤكدة انتظار 10 سنوات في سبيل الحصول على حقها، مؤكدة وجود "طبقة دنيا (المواطنون)، وطبقة وسطى (الموظفون المطبلون الذين يحولون دون وصول المواطنين إلى الطبقة الفاسدة العليا" في إشارة إلى المسؤولين في وزارة الصحة، الذين يرفضون استقبال طلبات المواطنات المحتجات.

وقالت السيدة: إن "الجمعيات الخيرية تأخذ الزين، ونحن لنا الشين" في إشارة إلى وفرة المعونات التي تحصل عليها جهات غير ربحية تصرفها لمستحقين، في ظل عدم الاستجابة لطلبات المواطن، والتي تعد أبسط حقوقه، مبررة بذلك قدومها ورفيقاتها لمقابلة الأميرة، طمعا في تحقيق طلباتهن.

لكن محاولاتهن باءت بالفشل بسبب إغلاق الموظفين أبواب المركز الحضاري، ولم يتم فتحه إلا بعد إنهاء الأميرة السعودية زيارتها، ومغادرتها للمكان، لكنها قامت بمقابلة النساء لاحقا بعد علمها بما حصل وقت وجودها، وفقا للسيدة بطلة الاحتجاج.

بمجرد انتشار مقطع فيديو السيدة التي انتقدت الفساد في مؤسسات حكومية، قام محافظ القريات بإصدار أمر بالقبض عليها، ما اضطرها للاختفاء عن الأنظار، وإرسالها مقطعا صوتيا تستنجد فيه بولي العهد السعودي.

وقالت السيدة: إنه "تم استدعاؤها إلى النيابة العامة، رغم كونها تعول 16 طفلا، والآن تحمل طفلا آخر، ولا تستطيع مراجعة حملها في المستشفى خوفا من القبض عليها"، حسب تعبيرها.

وطالبت السيدة بمقابلة ولي العهد، لإطلاعه على جميع الشكاوى التي تقدمت بها خلال 10 سنوات، عانت فيها من الظلم على يد المسؤولين في وزارة الصحة.

تراجع أم إجبار؟

لم يمر يومان على انشغال رواد مواقع التواصل بقضية سيدة القريات، حتى ظهر مقطع مصور لها في بيتها، نشرته حسابات كثيرة محسوبة على مؤسسات إعلامية في نفس المحافظة وخارجها.

وظهرت السيدة مستنكرة "استغلال قضيتها من قبل منتفعين" حسب تعبيرها، مؤكدة أنه لم يتم القبض عليها، وأنها استقبلت استدعاء خاطئا من مسؤول شرطة الفيصلية بمحافظة القريات.

وقالت السيدة: إن "مشكلتها تم حلها وهي الآن بين أطفالها"، الأمر الذي أثار شكوك بعض رواد مواقع التواصل الذين ذكروا سوابق عدة للنظام السعودي، يجبر فيها مواطنين على التراجع عن شكواهم بعد خروجها للعلن وانتشارها على مواقع التواصل، إضافة إلى الحالة المزرية التي يحياها بعض المعتقلات في السعودية على خلفيات اتهامات مسيسة.

سيدة القصيم

ردود فعل عنيفة أبدتها الحكومة السعودية تجاه معترضين على انتشار فساد هنا وهناك، بغض النظر عما حدث مع سيدة القريات، لكن الأمر طال منتقدين للفساد المترتب على ممارسات هيئة الترفيه التي يرأسها تركي آل الشيخ مستشار ولي العهد.

في 13 ديسمبر/ كانون الأول 2019، اعتقلت السلطات سيدة تجاوزت الخمسين من عمرها، في منطقة القصيم وسط المملكة، وذلك بعد نشرها مقطع فيديو يظهر صورا من الفساد المستشري في فعاليات هيئة الترفيه، معلقة فيه بصوتها وبعثت فيه برسائل لمستشار ولي العهد.

بيان رسمي لوزارة الداخلية نشرته وكالة الأنباء السعودية، قالت فيه: إن "المتهمة موقوفة حاليا، وتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لتطبيق نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية بحقها".

جاء اعتقال السيدة في نفس اليوم الذي خرجت فيه تصريحات نشرتها حسابات رسمية، لرئيس هيئة مكافحة الفساد السعودية، مازن الكهموس، أكد فيها "عدم تضرر أحد قام بالتبليغ عن وجود فساد أو سوف يبلغ"، مشيرا إلى عمل الهيئة في مكافحة هذا الداء، حسب تعبيره.

توقيف السيدتين تزامن تقريبا مع حملة أطلقتها رئاسة أمن الدولة، للإبلاغ الفوري عن "الأماكن المشبوهة، التي قد يكون فيها إرهابيون أو مطلوبون أمنيا أو خلايا إرهابية وأشخاص مشبوهون، أو الذين لوحظ عليهم بعض الأفكار المتطرفة أو المعارضة للدولة".

وحسب ما أوردت وكالة الأنباء السعودية "واس"، أنه ضمن هذه الحملة تم إطلاق حملة "تعريفية في مرحلتها الأولى"، بمشاركة رئاسة أمن الدولة بفعاليات موسمي الرياض والدرعية.

"مجموعة السايبر"

في تقرير نشره موقع "سعودي ليكس"، أكد فيه القائم على حساب "معتقلي الرأي" في تويتر، أن السلطات السعودية تواصل احتجاز واعتقال عدد كبير من الناشطات والمدافعات عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة في المملكة، رغم الانفتاح الذي تعيش فيه المملكة والحديث عن الحريات هناك.

ونقل التقرير عن منظمات حقوقية، وجود فرقة مخصصة للتعذيب، اسمها "مجموعة السايبر"، تعمل في بنايات مجهزة للتعذيب بأدوات تعذيب متنوعة ومتعددة، وأن تلك الفرقة قامت بتعذيب ناشطات حقوق الإنسان تعذيبا وحشيا.

ووفق التقرير، فإن منظمات حقوق الإنسان تؤكد أن "أي تعذيب وحشي لناشطات سعوديات لن يكون له حدود في حملة السلطات الوحشية على المنتقدين ونشطاء حقوق الإنسان ويجب أن تواجه أي حكومة تعذب النساء بسبب مطالبتهن بحقوقهن الأساسية انتقادات دولية شديدة".

في مقال له، قال الصحفي البريطاني مهدي حسن: "من المرجح أن تكون المرأة السعودية قد تحصلت في الوقت الراهن على الحق في قيادة السيارة. لكن النساء السعوديات اللاتي قاتلن واحتججن وقمن بشنّ الحملات من أجل هذا الحق، وقع تجريدهن من جميع حقوقهن، واحتجازهنّ خلف القضبان، بمعزل عن العالم الخارجي، ليصبحن ضحايا التعذيب وسوء المعاملة"، مشيرا إلى تفاصيل نقلتها علياء الهذلول في مقال لها في صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.

في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 نشرت منظمة العفو الدولية تقريرا على خلفية تولي السعودية رئاسة مجموعة العشرين، قالت فيه: إن "المملكة لها سجل مروع في مجال حقوق الإنسان، وقامت السلطات هناك بشكل منهجي بتنفيذ اعتقالات تعسفية بحق الناشطين المسالمين والصحفيين والأكاديميين والمدافعات عن حقوق الإنسان، فضلا عن عمليات إعدام جاءت بمحاكمات جائرة، والتعذيب الروتيني وغير ذلك من ضروب سوء المعاملة في السجون".

وقالت المنظمة: إن "المدافعات الرائدات في مجال حقوق الإنسان في البلاد لا زلن قيد المحاكمة بسبب نشاطهن السلمي في مجال العمل على تعزيز حقوق المرأة في البلاد، كما تواصل السلطات احتجاز عشرات الأشخاص دون توجيه تهم إليهم بسبب تعبيرهم السلمي".

وأكدت المنظمة أنه حان الوقت لتقوم السعودية لتبدأ في مطابقة أقوالها بأفعال واقعية، إذ لا يمكن أن تدعي التزامها بالإصلاحات أمام العالم، في ظل استمرارها في معاملة المواطنين بكل قسوة.

الإصلاح والقمع

في مقال نشرته بموقع "ميدل إيست آي"، توقعت المعارضة السعودية مضاوي الرشيد، أن تجلب السنة الجديدة 2020 للمملكة العربية السعودية آفاقا قاتمة.

وقالت الرشيد: "إذا كان النجاح يقاس بالإنجازات، فلقد غاصت المملكة بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان، في مزيد من المشاكل على العديد من الجبهات خلال العام المنصرم"، مضيفة أنه "على المستوى المحلي تناوب على البلاد متناقضين اثنين: الإصلاح والقمع".

وخلال حديثها عن التطورات الأخيرة في المملكة، قالت الرشيد: إنه "رغم النشوة التي صاحبت إعلان محمد بن سلمان لخطط الانفتاح الاجتماعي والاقتصادي، والتي حررت المجال العام السعودي من بعض القيود التي كانت مفروضة على الفتيان والفتيات، إلا أن الموجات المتعاقبة من الاعتقالات التعسفية ماتزال قضية شائكة، حيث شهدت البلاد اعتقال المزيد من المفكرين ورجال الأعمال، والذين ما لبث معظمهم ينتظرون المثول أمام القضاء".

وحملت الرشيد، ابن سلمان المسؤولية عن الهجرة القسرية للمئات الذين "انتشروا في الأرض بحثا عن ملاذ آمن، وذلك بعد أن تحولت المملكة بسبب مقاربته التي لا تتساهل مع أدنى أشكال النقد ورغبته الجامحة للهيمنة على مقاليد الأمور والتدخل في كل شاردة وواردة إلى سجن كبير لكل من لديه رؤى أو آراء مغايرة".