تقرير الحالة العربية - فبراير 2019: المحور الفكري

12

طباعة

مشاركة

شهدت المنطقة العربية عددا من الفعاليات خلال شهر فبراير، لعل أهمها لقاء شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان في مدينة دبي، واستمرار فعاليات "معرض القاهرة الدولي للكتاب"، وإدراج اللغة الصينية ضمن مناهج التعليم السعودية، ثم افتتاح "معرض مسقط الدولي للكتاب". وفيما يلي نتناول أهم هذه الأحداث.

أ. الإمام الأكبر والبابا وتداعيات السياسة

وسط "التضييق" الشديد الذي يواجهه الأزهر وشيخه في مصر، أتى الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، حاكم إمارة الشارقة، للقاهرة في الثاني من فبراير مقدما التحية والشكر لفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، خلال زيارته لمركز الشيخ زايد بجامعة الأزهر، والمخصص لتعليم العربية لغير الناطقين بها، وهو المركز الذي تأسس على خلفية رفض الإمام الأكبر "الطيب" هدية مالية من سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، فتحولت بعد نقاش قصير إلى تمويل لهذا المركز.

لم يكن هدف القاسمي زيارة المركز، بل هدف لمرافقته إلى دولة الإمارات، وهي الرفقة التي ربما أتت إثر زهد الإمام الأكبر في التقدم بطلب للموافقة على سفره بموجب القانون الذي سن – فيما يبدو – لمنعه من السفر إلا بإذن من رئيس الجمهورية[1]. كانت الرفقة بين الإمام الأكبر والقاسمي إلى حيث اللقاء المرتقب مع البابا فرانسيس الأول بابا الفاتيكان، وهو اللقاء الذي أتى في إطار دعوة دولة الإمارات اعتبار العام 2019 عاما للتسامح، التقى فيه زعيما أكبر ديانتين سماويتين، وهو اللقاء الذي كان يستهدف إرسال رسالة للعالم عنوانها "الأخوة الإنسانية"[2]، وهي رسالة لا يتوانى الطرفان، الإمام الأكبر والبابا، عن إرسالها لعالم بات يشهد اجتراء غير مسبوق على قيمة الإنسانية وما تنطوي عليه من بساطة ورفض للكراهية وإنكار آدمية بني آدم، حتى ولو ارتبط بحضورهم درجة من درجات الحصول على شرعية لن تتمكن من محو الوجه القبيح لدور قيادات سياسية بعينها في الكارثة الإنسانية باليمن أو الكارثة التي سلقتها عبر إزهاق أرواح الأبرياء في دول الربيع العربي.

كادت الرسالة أن تصل برونقها وبهائها للعالم أجمع بعامة، وللعالم العربي بخاصة، لولا أن الرغبة في استنزاف الحدث دعائيا إلى أبعد حد أدى لتجريده من هذا البهاء، ربما كانت أكثر صور ابتذال الحدث توقيع كل من الإمام الأكبر والبابا فرنسيس على «كرة الأولمبياد الخاصة التذكارية»[3]، إلا أن أكثر صور ابتزاز الحدث ما صدر عن وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش من تصريح مفاده "شتان بين من يستضيف البابا وشيخ الأزهر ومن يستضيف مفتى الإرهاب" (في إشارة لاستضافة دولة قطر للدكتور يوسف القرضاوي)[4].

كان موجز الرسالة ما صاغه البابا فرانسيس بتأكيده على أن "الإيمان بالله يجمع ولا يفرق، وأنه يقربنا حتى في الاختلاف ويبعدنا عن العداء والجفاء"[5]، وكانت روح الرسالة ما طالب به الإمام الأكبر "قادة العالَم وصُنَّاع السياسات، ومَن بأيديهم مصائر الشعوب وموازين القُوى العسكريَّة والاقتصادية – تطالبهم بالتدخل الفوري لوقف نزيف الدِّماء، وإزهاق الأرواح البريئة، ووضع نهايةٍ فورية لما تشهده من صراعات وفِتَن وحروب عبثيَّة أوشكت أن تعود بنا إلى تراجع حضاري بائس ينذر باندلاع حرب عالمية ثالثة"[6]. بقيت الرسالة، وبقي معها تساؤل: هل حققت الإمارات قيمة دعائية مضافة بعد "ابتذال الدعاية"؟ وهو ما يثير تساؤلا آخر: هل كان ابتذال الأديان في الإمارات مقصودا؟

ب. تدريس الصينية بالسعودية

إثر زيارة قام بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى العاصمة الصينية بكين[7]، أعلنت وزارة الخارجية بالمملكة اعتزامها إدراج اللغة الصينية إلى مناهجها كمقرر دراسى في جميع المراحل التعليمية المختلفة، معتبرة هكذا خطوة تأتي في إطار تعزيز التنوع الثقافي[8]. وبينما تسلق ابن سلمان أحد أبراج "سور الصين العظيم"[9]، ويمم بصره تجاه شراكة استراتيجية شاملة مع "التنين الصيني"[10]، دعته مجموعات من المسلمين الأويجور للضغط على الصين بشأن قضية معسكرات الاعتقال التي تضم أكثر من مليون مسلم من إقليم تركستان الشرقية، لكنه تجاهل دعوى "تعزيز التنوع الثقافي" التي استوعبت بها بلاده اللغة الصينية، ودافع عن الإجراءات القمعية التي تتخذها السلطات الصينية ضدهم، مصرحا أن "الصين لها الحق في تنفيذ أعمال مكافحة الإرهاب والتطهير من أجل أمنها القومي".

زاد ولي العهد السعودي أن أشاد في تصريحات نقلها التلفزيون الرسمي باستخدام الصين خطوات "إعادة التثقيف للسكان المسلمين" في البلاد من خلال معسكرات "مكافحة الإرهاب"، وهو ما يعني موافقة السعودية، كبرى الدول الإسلامية، على الاضطهاد الممارس ضد الأقلية المسلمة في الصين[11].

وبقدر ما إن الاستجابات السعودية أتت من طبيعة ثقافية، حيث تراوحت ما بين قبول "تدريس اللغة الصينية" في المدارس السعودية، و"غسيل الدماغ" في معسكرات الاعتقال الصينية، فإن حوافز ولي العهد السعودي كانت ثقافية أيضا. المراقبون الذين حاولوا تفسير السلوك السعودي أكدوا أن توجهه أتى استجابة للاختلاف الثقافي بين المملكة وحليفها الأبرز: الولايات المتحدة. فولي العهد حديث السن لم يستوعب بعد انهيار رؤيته للحضارة الغربية المادية التي رجحت كفة الأخلاق، ورفضت قبول جريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي المقيم على أراضيها (بأمريكا) تحت داعي القيم[12]، وهي الحيرة الثقافية التي دفعته للبحث عن "شريك" مستبد يمكن معه مشاطرة "ثقافة الاستبداد" وموروث التنكيل بالمخالفين، وهو ما لم يجده متجسدا بأكثر من تلك الدولة التي تستوعب في معسكرات الاعتقال أعدادا تبلغ حد المليون آدمي، وتباشر بحقهم سلوكا ثقافيا محضا، وإن لبس مسوح "التعذيب"، وهو السلوك المعروف بغسيل العقول. الطريف في قبول ولي العهد السعودي غسل أدمغة مسلمي "الأويجور" أنه استخدم وصفا ينتمي لثقافته، ليس ثقافة الاستبداد بالطبع ولكن ثقافته الإسلامية، حيث أطلق على عملية التعذيب المنهجية في معسكرات الاعتقال اسم "التطهير".

ج. "إسرائيل" وسرقة الحقوق التراثية المصرية

كان من أهم الفاعليات التي شهدها العالم العربي تلك الندوة التي شهدتها القاعة الرئيسية (قاعة ثروت عكاشة) ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ50 (اليوبيل الذهبي)، وهي الندوة التي حملت عنوان "حماية الملكية الفكرية".

وفي الندوة، افتتحت د. ميرفت التلاوي وزيرة التأمينات والشئون الاجتماعية السابقة الهجوم على دولة الاحتلال الصهيوني، مشيرة إلى أن التراث الثقافي المصري والعربي يتعرض كل يوم لعمليات سطو إسرائيلية، إذ تدعي الأخيرة نسب جزء من تراثنا السيناوي ومشغولاتنا اليدوية وغيرها إلى تراثها. كما روى الدكتور أحمد علي مرسي، أستاذ الأدب الشعبي والفلكلور بجامعة القاهرة، إحدى صور انتهاكات إسرائيل لحقوق الملكية الفكرية العربية، بالإشارة لإحدى زياراته للخارج، حيث أخبر عن عثوره على كتاب بالعبرية في الفلكلور، وعند قراءته أصابه ذعر شديد، إذ يدعي الكتاب أن كل مظاهر الثقافة والحضارة عند العرب لها أصول عبرية، كما يدعي أن هناك بعض الآيات في القرآن تشير إلى وجود أرض إسرائيل، مستندًا في ذلك على كتب في تفسير التراث"، ولفت مرسي إلى أن هذا الكتاب دفعه لتأليف كتاب يسمي "فلكلور الإسرائيليات" فند فيه المزاعم الإسرائيلية، وحرص على تنبيه قرائه إلى أن تراثنا هو ثقافتنا العربية وليس له أي علاقة بإسرائيل، وأشار إلى أن هذا الكتاب طبع برعاية رئاسة الجمهورية عام 1976 وعلى نفقة رئاسة الجمهورية[13].

وبرغم ما حفلت به الندوة من محاور بالغة الأهمية فيما يتعلق بمفهوم حماية الملكية الفكرية وتطبيقاته، ومفهوم الإنتاج الرقمي وأهميته التي بلغت مرتبة أن تصبح مصدر الدخل القومي الثاني في بريطانيا بحد تعبير مدير مكتبة جامعة القاهرة رئيس قسم الوثائق والمعلومات د. شريف شاهين، وبرغم التحفظ حيال بعض الشخصيات المشاركة في الندوة، إلا أن اللافت في هذه المساحة من مساحات التعبير أن ضغوط السياسة وإرادة القهر التي تربط القاهرة بالإمارات والسعودية في مشروع تطبيع متسارع لم تنجح في كسر الإيمان الشعبي والنخبوي بمصدر الخطورة الإستراتيجية على العقل المصري، والمتمثلة في الكيان الغاصب، والذي لم يتوقف اغتصابه عند حدود الأرض والموارد، وإنما تعداها باتجاه سرقة المنتجات الثقافية لشعوب المنطقة.

تضمنت الندوة دعوة لمعالجة اغتراب مفهوم "الملكية الفكرية" وما يرتبط به من حقوق، ونادت بتقريبه من الناس، وفتح آفاقه أمامهم، وهي آفاق رحبة قد تحمل لمصر والمصريين خيرا كثيرا، سواء بالمفهوم الاقتصادي لكلمة الخير، لما يرتبط بحقوق الملكية الفكرية من عوائد اقتصادية أشرنا لأحد أبرز أمثلتها عاليه، أو لما توفره من صون لحقوق الذات، سواء أكانت تراثية أو منتجات تحمل قيمة اقتصادية عصرية مضافة مثل براءات الاختراع أو منتجات الأدب والفن.


[1] وكالاتن قرار غير مسبوق يمنع سفر شيخ الأزهر بمهام رسمية دون إذن السيسي، صحيفة "القدس العربي" اللندنية، 16 يناير 2019. http://bit.ly/2IPSOq2
[2] هيثم سلامة، لأول مرة.. البابا فرانسيس وشيخ الأزهر يقيمان فى بيت واحد بالإمارات.. صور، صحيفة "اليوم السابع" المصرية، 4 فبراير 2019. http://bit.ly/2HdhfLp
[3] إسراء كارم، صور| البابا فرنسيس وشيخ الأزهر يوقعان على كرة الأولمبياد الخاصة التذكارية، صحيفة "الأخبار" المصرية، 5 فبراير 2019. http://bit.ly/2IPtbFM
[4] هيثم سلامة، قرقاش: شتان بين من يستضيف البابا وشيخ الأزهر ومن يستضيف مفتى الإرهاب، صحيفة "اليوم السابع" المصرية، 3 فبراير 2019. http://bit.ly/2H36nAP
[5] المحرر، البابا فرانسيس: زيارة الإمارات صفحة جديدة للتأكيد على الأخوة الإنسانية، صحيفة "الاتحاد" الإماراتية، 31 يناير 2019. http://bit.ly/2GWOfbx
[6] لؤى على، ننشر نص كلمـة شــيخ الأزهــــر اللقاء فى العالمى للأُخــــوة الإِنْسَــــانية بأبو ظبى، صحيفة "اليوم السابع" المصرية، 4 فبراير 2019. http://bit.ly/2Hdw5l8
[7] محمد جمال - وكالات، ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان يصل الصين فى زيارة رسمية، صحيفة "اليوم السابع" المصرية، 21 فبراير 2019. http://bit.ly/2IOLD1e
[8] هيثم سلامة، وزارة الخارجية السعودية تعلن إدراج اللغة الصينية إلى المناهج بالمملكة، صحيفة "اليوم السابع" المصرية، 22 فبراير 2019. http://bit.ly/2EAjbL0
[9] المحرر، بالفيديو... ماذا طلب محمد بن سلمان فوق سور الصين العظيم، وكالة "سبوتنيك" الإخبارية، 26 فبراير 2019. http://bit.ly/2HfvBuH
[10] وكالات، ولى العهد السعودى من الصين: المملكة تولى أهمية للشراكة الشاملة مع بكين، صحيفة "اليوم السابع" المصرية، 22 فبراير 2019. http://bit.ly/2T9Q37w
[11] أليف عبد  الله أوغلو، غضب سعودي لدعم محمد بن سلمان "إبادة الأويغور"!، موقع "الخليج أونلاين"، 23 فبراير 2019. http://bit.ly/2TeeuAT
[12] المحررن وول ستريت: لماذا قدم ابن سلمان بكين على مسلمي الإيغور؟، موقع "عربي 21"، 27 فبراير 2018. http://bit.ly/2EwRB1h
[13] محمد عاطف، مثقفون: إسرائيل تسطو على تراثنا.. وحقوق الناشرين أساس اقتصاد المعرفة، موقع "مصراوي"، 2 فبراير 2019. http://bit.ly/2tQCNpa