يخدم مليوني فلسطيني.. لماذا يمنع عباس إقامة مستشفى أمريكي بغزة؟

أحمد علي حسن | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

سلك شائك متعدد العقد يلتف حول 365 كيلومترا من أرض فلسطينية محاصرة إسرائيليا برا وبحرا وجوا منذ منتصف عام 2006، مضيّقا الخناق على نحو مليوني إنسان يعيشون في قطاع غزة، الذين ستصبح منطقتهم على مشارف عام "غير صالحة للعيش".

من بين المليونين، عشرات آلاف المرضى الذين وجدوا متنفسا أخيرا، بعد أن رفضت إسرائيل منحهم تصاريح وتحويلات طبية للعلاج في مستشفياتها، فضلا عن معبر تتحكم فيه مصر يرفض سفرهم لتلقي العلاج في الخارج.

طاقة الفرج بالنسبة لهؤلاء تكمن في مستشفى ميداني من المزمع أن يقام على أراضي القطاع بإشراف جمعية أمريكية غير حكومية، لكنه بات يصطدم بجدل سياسي وحزبي يعمّق الانقسام المتواصل منذ صيف 2007.

رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن)، أظهر موقفا معارضا للمشروع، إذ أعلن خلال اجتماع اللجنة التنفيذية الذي أقيم في رام الله مؤخرا، عن رفض القيادة الفلسطينية لإقامة المستشفى.

يقام المستشفى في غزة بإشراف جمعية أمريكية غير حكومية

معارضة ألبستها السلطة ثوب "المخاوف" التي بثتها للمواطنين في غزة، زاعمة أنه بمثابة "قاعدة أمريكية عسكرية" تقام على آخر نقطة من شمال القطاع، قبل معبر بيت حانون (إيرز) الذي تتحكم به وتديره إسرائيل.

حول أسباب هذه المخاوف وطرق التعامل معها، تحدثت صحيفة "الاستقلال" مع الناطق باسم وزارة الداخلية في غزة، إياد البزم، لكنه لم يرد على التساؤلات في هذا الشأن.

جدل سياسي

"أبو مازن" ومن حوله قيادات السلطة، اعتبروا أن المشروع الأمريكي على أرض غزة يمثل "أحد إفرازات ورشة البحرين الاقتصادية (عقدت منتصف 2019)، وأحد مشاريع صفقة القرن الهادفة لإنهاء القضية الفلسطينية".

رفض عباس سبقته هجمة شرسة من حركة "فتح" التي يقودها، ومن الحكومة التي يرأسها محمد اشتيه، معتبرين أن "حركة حماس شريكة أساسية في إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية على أرض القطاع".

"حماس" التي تسيّر أمور غزة، في ظل تخلي حكومة اشتية عن التزاماتها، رفضت "الادعاءات"، مؤكدة أنه "مشروع إنساني بحت سيخفف من معاناة المواطنين التي تتسبب بها إسرائيل والسلطة"، وفق حديث لوزير الصحة الأسبق، باسم نعيم.

الجدلية حول إقامة المستشفى تأخذ بعدا سياسيا تدعمه الإجراءات التي أعلن عنها الرئيس الفلسطيني بحق غزة، في أبريل/ نيسان 2017، وشملت تخفيض رواتب موظفي السلطة الفلسطينية بالقطاع بنسبة 30 بالمئة، وإحالة الآلاف منهم للتقاعد المبكر.

كما هدد عباس، في 19 مارس/ آذار 2018، باتخاذ "مجموعة من الإجراءات المالية والقانونية العقابية" (لم يعلن عن طبيعتها) ضد غزة "بهدف إجبار حركة حماس على إنهاء الانقسام الفلسطيني".

وتبع تهديد أبو مازن تأخر صرف رواتب الموظفين الذين يتبعون للسلطة في القطاع عن الشهر ذاته، لنحو شهر، قبل أن يتم صرف 50 بالمئة منها فقط، بداية مايو/ أيار 2018.

ماذا سيقدم؟

مؤسسة "صداقات" الأمريكية غير الحكومية، المُشرفة على إنشاء المستشفى، ذكرت عبر موقعها الإلكتروني أنها بدأت العمل في "مركز صحي" -كما تسميه- من شأنه أن يوفر العلاج الطبي والمساعدات الإنسانية لسكان غزة.

"المركز" سيوفر خدمات في عدد من التخصصات، منها: "طب الأسرة، والأطفال والعيون، وخدمات الأمومة، والأسنان، والعلاج البدني، والتداوي بركوب الخيل، وعلاج اضطراب ما بعد الصدمة، ومعالجة السرطان".

ومن المقرر أن يقدم المركز الصحي خدماته للمواطنين على مدار 4 أيام في الأسبوع (من الإثنين إلى الخميس)، وفق ما ورد في موقع الجمعية.

في غزة 9 آلاف حالة مرضية بالسرطان تحتاج إلى علاج
الأمين العام للمجلس التشريعي الفلسطيني، نافذ المدهون، تحدث لـ"الاستقلال" عن الخدمات المزمعة، قائلا: "المحاصرون في غزة يعانون الكثير من الأمراض المزمنة، وخاصة مرض السرطان".

وأوضح أن "القائمون على المستشفى مهتمون في هذه القضايا، وسيقدمون عبره خدمات مميزة للمواطنين، وهو ما سيخفف عن كاهل وزارة الصحة في غزة بشكل كبير".

وأضاف المدهون: "هذا المستشفى له بعد إنساني، وينطلق من حاجة قطاع غزة إلى كافة الخدمات الطبية، ولا علاقة له بالخلاف السياسي بين حركتي فتح وحماس".

ويقام المستشفى في موقع مجاور من معبر "بيت حانون" أقصى شمال قطاع غزة، على بعد 300 متر فقط من المعبر، وهو مستشفى ميداني مُتنقل، قوامه من الخيام.

وخلال الأسابيع والأشهر الماضية، جرى إدخال أجزاء من معدات المستشفى وتجهيزاته عبر معبر كرم أبو سالم التجاري جنوب القطاع، كما وصل قطاع غزة، وفود فنية تتبع للجمعية التي تُدير المستشفى؛ للإشراف على إنشائه وتجهيزه.

جرى إدخال أجزاء من معدات المستشفى وتجهيزاته عبر معبر كرم أبو سالم
ويوجد في غزة حوالي 9 آلاف مريض بالسرطان، 7 بالمئة منهم من الأطفال المعرضين للموت بأية لحظة، في حين أن متوسط العجز في أدوية أمراض الدم والسرطان بلغ 58 بالمئةعام 2018.

بموجب تفاهمات

وفي إطار رده على سؤال حول ما إذا كان مشروع المستشفى ضمن التفاهمات بين حماس وإسرائيل؟، أكد الأمين العام للمجلس التشريعي الفلسطيني، أن ذلك حصل برعاية مصرية.

وأضاف لـ"الاستقلال": "حركة حماس لا تعمل وحدها في قطاع غزة، بل من خلال التشاور مع جميع الفصائل الفلسطينية وقياداتها"، وهو الأمر أخضعت له مشاورات إقامة المستشفى الأمريكي.

وتابع: "نعم هذه الخدمات الإنسانية جزء من التفاهمات التي تمت عبر الوسيط المصري الذي نقل الرسالة إلى الاحتلال الإسرائيلي"، في إشارة إلى الظروف الإنسانية التي يعيشها القطاع.

وتقود مصر والأمم المتحدة وقطر، مشاورات منذ عدة أشهر، للتوصل إلى تهدئة بين الفصائل وإسرائيل، تستند على تخفيف الحصار المفروض على القطاع، مقابل وقف الاحتجاجات التي ينظمها الفلسطينيون على الحدود الشرقية لغزة.

المستشفى جزء من التفاهمات التي تمت عبر الوسيط المصري
وأكد المدهون أن هناك تدخل من بعض المؤسسات الدولية، كالأمم المتحدة، في إطار التخفيف من معاناة أبناء الفلسطينيين، مُرحبا بأي مؤسسة إنسانية في القطاع "طالما أنها تعمل بعيدا عن الإشكاليات الأمنية والاستخباراتية".

وشدد على أن المواطن في غزة بحاجة إلى خدمات طبية متميزة، سواء كانت من مستشفى أمريكي أو قطري أو مصري أو أردني، مضيفا: "أعتقد أننا بحاجة كبيرة إليها".

إجراء "عقابي"

عن موقف عباس المعارض، قال المدهون: إن "أبو مازن معني بزيادة الحصار على غزة، وبعدم تخفيف معاناتها"، مؤكدا أن ذلك يأتي من منطلق سياسته الرامية إلى "إفشال حكم حماس في غزة، وإن كان ذلك على حساب حقوق المواطن".

وتابع: "حكومة رام الله وعباس أوقفوا إرسال العلاج لمرضى السرطان، الأمر الذي زاد معاناتهم، كما أنهم توقفوا عن تغطية تكاليف العلاج في مستشفيات الـ48 (الداخل الفلسطيني المحتل)، وبالتالي فهو غير معني بأن تكون هناك مستشفى".

تفتقر مستشفيات غزة للمعدات الطبية بسبب الحصار الإسرائيلي
وبحسب اعتقاد المدهون، فإن عباس "سيسعى بقوة نحو إفشال إقامة المستشفى"، لكن مع ذلك "إذا كان هناك إصرار من الفصائل الفلسطينية على إقامته فإن ذلك سيفشل مخطط أبو مازن".

وطالب القيادة الفلسطينية بإظهار موقف واضح بعيدا عن جعل قضية المستشفى ضمن أجندتها، و"يجب أن تشغل نفسها في وقف التنسيق الأمني (مع إسرائيل)".

كما دعا السلطة إلى التوقف عن التدخلات وفرض العقوبات على قطاع غزة، مطالبا إياها بإعادة مخصصات الأسرى وأهالي الشهداء المقطوعة رواتبهم، والاهتمام بشؤون غزة ومواطنيها.

وزاد في مطالبة السلطة بضرورة الاهتمام بإجراء الانتخابات (التشريعية والرئاسية) في أسرع وقت ممكن، "حتى نتجاوز حالة الانقسام السياسي التي أثرت على البعد الإنساني في القطاع".

سياسة المناكفات

وعرّج الأمين العام للمجلس التشريعي على "تهديدات" رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتية، بتشغيل "مستشفى الصداقة التركي"، الذي بدأت أنقرة في بنائه عام 2011، وانتهى العمل به عام 2017.

وكان اشتيه، قد أعلن في سبتمبر/أيلول 2019 خلال جلسة في رام الله، اعتزام حكومته على تشغيل المستشفى التركي في غزة، ردا على "المستشفى الأمريكي"، وذلك في إطار المناكفات التي تنتهجها السلطة ضد حركة حماس.

وقال: "سيكون ردنا على المستشفى -الذي أداره الجيش الأمريكي في سوريا ونُقل إلى غزة- تشغيل المستشفى الممول من تركيا. نحن في المراحل الأخيرة للاتفاق مع الأصدقاء في تركيا، لتغطية المصاريف التشغيلية للمستشفى الذي هو جاهز للعمل فورا". 

السلطة التي أعاقت تشغيل المستشفى التركي في غزة قالت إنها تعمل الآن على ذلك
وفي هذا الإطار، أعرب المدهون عن اعتقاده بأن "تهديدات اشتيه تثبت -بما لا يدع مجالا للشك- أن إعاقة افتتاح المستشفى التركي منذ أكثر من 7 سنوات، كانت بسبب العقوبات التي تفرضها رام الله على غزة".

والعام الماضي، وقعت وزارة الصحة الفلسطينية مع نظيرتها التركية، بروتوكول تفاهم لافتتاح المستشفى، والتشارك في تشغيله لمدة 3 أعوام، لكن ذلك لم يحدث بسبب إجراءات عباس ضد القطاع.