زرع الشقاق.. لماذا تعرقل الإمارات المصالحة السعودية مع قطر؟

شدوى الصلاح | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

سرب الإعلام الغربي أنباء عن بوادر انفراج الأزمة الخليجية، مركزا معلوماته على أن الدوحة هي من تسعى للمصالحة وتستجدي دول المقاطعة بتقديم التنازلات، مشيرا إلى أن وزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبدالرحمن، زار الرياض أكتوبر/تشرين أول الماضي، وقدم عرضا بقطع العلاقات مع الإخوان المسلمين، كتنازل للمصالحة مع دول الحصار.

هذه التسريبات تتنافى مع تصريحات الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر، التي أعلنها بعد خمسة أشهر من افتعال الأزمة الخليجية التي بدأت منذ يونيو/ حزيران 2017 بمقاطعة كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر لقطر، قائلا: "نحن لا نخشى مقاطعة هذه الدول لنا فنحن بألف خير من دونها". 

والواقع أيضا يقول إن الدوحة أصبحت قوة إقليمية ووضعت حدا للهيمنة السعودية، وأصرت على ‏البقاء خارج دائرة النفوذ السعودي وصمدت أمام الحصار، وخلقت لنفسها حلفاء جدد، وهو ‏بعكس ما توقعته دول المقاطعة التي تنبأت بالانهيار السريع لقطر.

ويرى مراقبون أنه لا يوجد لدى الدوحة أي دوافع ‏تضطرها للبحث عن تقديم تنازلات للمصالحة، بل ما حققته يجعلها متمسكة بموقفها دون الخضوع لشروط وإملاءات، فضلا عن أن الثابت عنها دعمها لقضايا الحق والعدل وعلى رأسها القضية الفلسطينية ‏وهي في إطار دعم القانون الدولي وحماية حقوق الإنسان وليس لأجل جماعة سياسية.‏

زيارة سرية

ليس هناك ما يدفع قطر لإجراء مشاورات "سرية"، خاصة أنها من دعت للحوار لحل المشكلات، وتؤكد دوما على ذلك منذ بداية الأزمة، لكنها تشترط أن يكون مبنيا على أربعة أسس هي "الاحترام المتبادل، المصالح المشتركة، عدم الإملاء في السياسة الخارجية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية".

وبحسب أمير قطر، فإن "الحصار عزز صمود القطريين الذين تخطوا آثاره السلبية"، مشيرا إلى أن قطر تمكنت من احتواء معظم آثار الحصار السلبية بفضل نهجها الهادئ والحازم في إدارة الأزمة وكشف كافة الحقائق المتعلقة بها للعالم أجمع وتمسكها باستقلالية قرارها السياسي.

تسريبات الإعلام الغربي جاءت من خلال صحيفة "وول ستريت جورنال"، والتي وصفت زيارة وزير خارجية قطر بـ"الجهد الأكثر جدية" لإنهاء الحصار المستمر منذ أكثر من عامين بين حلفاء الولايات المتحدة.

الصحيفة استندت في تقريرها على تصريح لمصدر لم تسمه لكنه تحدث بلسان قطر، قائلا: إن الوزير القطري قدم عرضا "مفاجئا" للسعودية لإنهاء الحصار أثناء وجوده في الرياض، وهو أن "الدوحة مستعدة لقطع علاقتها بجماعة الإخوان المسلمين"، معتبرا أن الخطوة "فرصة واعدة حتى الآن لإنهاء النزاع".

وأشار المصدر إلى أن التزامات قطر تجاه الإخوان "كانت دائما في إطار دعم القانون الدولي، وحماية حقوق الإنسان، وليس لأجل حزب أو جماعة بعينها"، مضيفا: أنه "أسيء فهم دعمنا من قبل أولئك الساعين لعزل قطر، لكن الحقائق توضح موقفنا".

نهج الهجوم

تقرير الصحيفة الأمريكية الذي يظهر قطر في موقف الضعف، لم يكن الأول لها، فقد عمدت في أكثر من تقرير حتى قبل بداية الأزمة الخليجية وبعدها، إلى مهاجمة قطر ودق الأسافين بينها وبين السعودية، والتركيز على التأثيرات السلبية التي خلفها الحصار الخليجي.

فقبل الأزمة بسنوات قليلة، وتحديدا في 2013، نقلت وول ستريت جورنال على لسان الأمير السعودي بندر بن سلطان آل سعود تصريحا يقول فيه: إن "دولة قطر ليست سوى 300 شخص.. وقناة تلفزيونية، وهذا لا يشكل بلدا". 

وهو التصريح الذي أثار حينها ردود فعل قطرية غاضبة دفعت وزير الخارجية القطري آنذاك خالد العطية للرد عبر حسابه بـ"تويتر" بالقول: إن "مواطنا قطريا يعادل شعبا، وشعب قطر عن أمة بأكملها، هذا ما نلقنه لأبنائنا مع كامل الاحترام والتقدير للآخر".

ولم يصدر حينها نفي رسمي من قبل السعودية، إلا أنها بثت بعد يومين من نشر الخبر، تصريحا منسوبا لمصدر سعودي مسؤول لم تكشف اسمه ولا هويته، قال فيه: إن الأمير السعودي لم يدل بأي تصريحات صحفية ولم يلتق بأي صحفي من هذه الصحيفة أو غيرها، وبالتالي فلا صحة لما نسب له.

إلا أن صحفيي وول ستريت جورنال أكدوا لمركز مراقبة الشرق الأوسط (MEMO) الذي يتخذ من لندن مقرا له، صحة المعلومات الواردة في تقريرهم، وصحة التصريحات التي أوردوها على لسان الأمير بندر بن سلطان.

أما بعد الأزمة الخليجية، فكانت تقارير الصحيفة الأمريكية أكثر تركيزا على التأثيرات السلبية التي لحقت بقطر جراء الحصار المفروض عليها من دول الخليج، وأخرى تتهمها بتمويل الإرهاب، وشن قناة الجزيرة حربا إعلامية على السعودية.

تكذيب قطري

وبدوره، كذب شاهين السليطي، ضابط المخابرات السابق الذي كشف المخطط الفاشل للانقلاب على قطر من قبل قادة السعودية والإمارات والبحرين، ما جاء على لسان الصحيفة الأمريكية بشأن زيارة سرية لوزير خارجية قطر إلى السعودية.

وأكد في تغريدة له على صفحته بتويتر، أن قطر لن تتفاوض سرا وفي الغرف المظلمة مع أي كان.

وقال "السليطي": "سبق لوزير الخارجية المصري أن طلب زيارة قطر سرا وقد رفضت إذا لم تعلن رسميا وبحضور وسائل الإعلام".

ونشر حساب "جنرال الحصار" تغريدة أكد فيها أن وزير خارجية قطر لم يزر السعودية سرا ولا علنا، موضحا أن عادل الجبير -وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، حاول مقابلة نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع القطري خالد العطية آنذاك، في أمريكا أكتوبر/تشرين أول الماضي سرا، إلا أن العطية رفض المقابلة السرية وطلب أن تكون علنية وإلا فلا. 

وعقب "السليطي" قائلا: "ما ذكره هنا أخي الجنرال صحيح 100%".

 

مخطط إماراتي

ما قاله "السليطي" أكده أيضا صاحب حساب "بدون ظل" المعروف بتسريبه أنباء مؤكدة عن السلطة الحاكمة في الإمارات، ‏والذي يعرف نفسه بأنه ضابط في جهاز الأمن الإماراتي ويتابعه ما يزيد عن الربع مليون مغرد، ‏قال: إن الأنباء التي تحدثت عن زيارة وزير خارجية قطر للسعودية عارية عن الصحة.‏

وأضاف: أن هذه الأنباء مسربة من قبل الإمارات للصحيفة الأمريكية، وسببها موقف الشيخ محمد ‏بن زايد –ولي عهد أبو ظبي، الرافض للمصالحة الجزئية بين السعودية وقطر وهذه من أسباب ‏زيارة الأمير محمد بن سلمان لأبوظبي كمحاولة إقناع ابن زايد. 

وقد أشار مراقبون إلى أن "ديون نيسنباوم" و"وارن ستروبيل" الصحفيان اللذان كتبا تقرير وول ستريت جورنال، يعملان لدى صحيفة ذا ناشيونال الإماراتية منذ مدة طويلة.

وسبق أن قال القائم على حساب "بدون ظل": إن ابن سلمان طلب من أمير قطر سحب كافة القضايا المرفوعة في المحاكم الدولية ضد الإمارات، مقابل الاستمرار في ملف المصالحة، إلا أن قطر رفضت ذلك الطلب، مما أثار جنون ابن زايد ودفعه لإعطاء الضوء الأخضر إلى مستشاره حمد المزروعي للتطاول على الرموز القطرية. 

وفي تصريحات أثبتت أن القرار السعودي مصادر من قبل محمد بن زايد، قال المزروعي في تغريدة على حسابه بتويتر: "حبايبي القطريين المقاطعة باقية وتتمدد للأسف".

زيارة غامضة

تلك التغريدة أثبتت أن ابن زايد يعمل على إجهاض أي مساعي للوسطاء لحلحلة الأزمة الخليجية بين الرياض وقطر، خاصة أنها جاءت بعد يوم من زيارة مفاجئة أجراها ولي العهد السعودي، إلى أبوظبي، في 27 نوفمبر/تشرين ثاني الماضي، والتقى خلالها ابن زايد، وحظي باستقبال وصف بالأسطوري والمبالغ فيه، خاصة أنها ليست الزيارة الأولى للأمير السعودي.

فقد أظهرت الصور والمقاطع التي تداولها الناشطون عبر تويتر لقطات من استقبال ابن سلمان بتشريفة رسمية وفرقة خيالة عسكرية فضلا عن مرافقة طائرات حربية إماراتية لطائرة ولي العهد السعودي الخاصة أثناء دخوله الأجواء الإماراتية.

وأضاء برج خليفة بعلم السعودية احتفالا بقدوم ابن سلمان في مشهد اعتبره مراقبون تمهيدا لضرب أي مساعي للمصالحة الخليجية الجزئية بين السعودية وقطر.

وبدروه، رأى المعارض السعودي الدكتور سعد الفقيه –رئيس حركة الإصلاح بالسعودية، أن زيارة ابن سلمان لابن زايد واحتفاء الأخير به، رسالة من الطرفين لقطر بأن علاقاتهما ‏لن تتأثر.

وقال في مقطع فيديو على حسابه بتويتر: إن أمريكا هي التي تحاول تحريك ‏المصالحة لمواجهة إيران، مشيرا إلى أن المصالحة صعبة وأن القطريين يحاولون الصلح مع ‏السعودية بعيدا عن الإمارات ظنا منهم أن أبوظبي هي العدو دون أن يعلموا أن ابن سلمان أكثر ‏عداوة وخبثا، بحسب تعبيره.‏

 

وأد المصالحة

وكان الكاتب البريطاني ديفيد هيرست قد رصد في مقال له نشره موقع "ذي ميدل إيست آي" الأسباب التي تدفع محمد بن زايد إلى إفشال أي محاولة للمصالحة الخليجية، موضحا أنه يحتاج إلى استمرار الصراع بين السعودية وقطر حتى يظل متمتعا بالنفوذ، لأنه من دون ولي العهد السعودي سيصبح قوة ضعيفة.

الكاتب البريطاني أشار إلى أن ابن زايد سبق أن أقنع ابن سلمان بوقف الحوار وإفشال محاولة التصالح التي مهد لها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بين الرياض والدوحة، في سبتمبر/أيلول 2017، مضيفا أن ثمة مصادر تقول إنه ربما يلجأ إلى تكرار الشيء ذاته هذه المرة.

وأكد أن ابن زايد مازال يمسك بزمام ابن سلمان  ويقوده، وأنه على الرغم من أن ولي عهد أبو ظبي هو العقل المدبر الذي يقف خلف سياسات ولي العهد السعودي، فإن السعودية هي التي تتحمل العبء الأكبر، فقبل كل تدخل نظمته الإمارات ومولته، كان اللاعبون الإقليميون يسعون للحصول على مباركة السعودية.

وجزم بأن التقارب بين السعودية وقطر لن يكون في مصلحة أبوظبي، لأنه سيسلبها عدوا يتهم برعاية الإرهاب هم في أمس الحاجة إليه، كما أن ابن زايد يحتاج للصراع لكي يصبح له نفوذ، لافتا إلى أن أبوظبي تحتاج للتخفي في ظل الرياض إلى أن يحين الوقت الذي تصبح فيه الحاكم الفعلي للعالم العربي السني.

وأشار إلى أن تقارب السعودية وقطر سيبقي السياسة الخارجية للدوحة على حالها، وأنها بذلك ستظل قوة مناوئة لخطط ابن زايد في المنطقة من ليبيا إلى اليمن.

وكانت مجلة "تاكتيال ريبورت" الأمريكية قد ذكرت في فبراير/شباط الماضي، أن ابن زايد رفض التجاوب مع وساطة أمير الكويت لحل الأزمة الخليجية، كاشفة عن محاولة جديدة من قبل وزير الدفاع الكويتي الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح لحلحلة الأزمة.

وهو ما دفع الوزير الكويتي للتصريح حينها بأنه لا يوجد أي أفق يوحي بحل الأزمة أو بإمكانية احتواء الخلاف القائم بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة وبين قطر من جهة أخرى.

فزاعة الإخوان

أما فيما يتعلق بما ورد في تقرير "وول ستريت جورنال" بشأن عرض قطر قطع علاقتها مع الإخوان المسلمين، فهو مناف للموقف القطري المعلن بهذا الشأن، إذ تنفي قطر تقديم أي دعم للجماعة، وتؤكد أنها أيدت مصر ورئيسها الراحل محمد مرسي، باعتباره أول زعيم مدني منتخب هناك.

ذلك التصريح جاء على لسان وزير الخارجية القطري الذي ادعت الصحيفة الأمريكية أنه قدم العرض للسعودية، خلال "منتدى الأمن العالمي" في أكتوبر/تشرين أول الماضي بالدوحة -وهو نفس الشهر الذي أكدت الصحيفة الأمريكية أنه قدم العرض خلاله.

الوزير القطري قال: "لا يوجد دعم لا لجبهة النصرة ولا للإخوان المسلمين ولا لأي من هذه المنظمات، مللنا ونحن نشرح للجميع حقيقة الأمر".

وأضاف: "الإخوان المسلمين هي قصة تم اختلاقها بعد الربيع العربي لأن بعض الدول كانت تخاف أن يصلها الربيع العربي في يوم من الأيام"، مشيرا إلى أن قطر أثبتت أنها لم تدعم الجماعة بالسجلات والتوثيق.

وأفاد بأن بلاده أيدت مصر قبل انتخاب مرسي رئيسا للبلاد، وكان الدعم القطري يمر عبر المجلس العسكري آنذاك، لافتا إلى أن بلاده استمرت بدعم مرسي كونه رئيسا منتخبا من قبل الشعب المصري "وبالتالي فإن الدوحة التزمت بدعم مصر كدولة".

وبالرغم من أن كاتبي تقرير وول ستريت جورنال رأوا أن العرض القطري "فرصة واعدة لإنهاء النزاع"، إلا أنهما تجاهلا أن المزاعم الخليجية بشأن دعم قطر للإخوان المسلمين هي واحدة من عدة أسباب أخرى دفعت دول الخليج لفرض الحصار على قطر.

إصرار قطري

وهو ما تبين من قائمة المطالب المطولة التي قدمتها دول الحصار لحل الأزمة الخليجية، والتي تشمل 13 مطلبا سلمتها الكويت لقطر في بدايات الأزمة، وتهدف إلى محاولة دول الحصار فرض الوصاية على الدوحة، والتدخل في شؤونها السيادية بسيل من المزاعم والادعاءات.

وكان أبرز مطالب دول الحصار إغلاق وسائل إعلامية قطرية منها قناة الجزيرة، ما يعد إصرارا واضحا على قمع حرية الرأي والتعبير، بالإضافة إلى إغلاق القاعدة العسكرية التركية، وإعلان خفض التمثيل الدبلوماسي مع إيران وإغلاق الملحقيات، وغيرها من المطالب الأخرى.

الكاتب والإعلامي القطري صالح غريب، رأى أن التقارير التي تتحدث عن تقديم قطر تنازلات لحل الأزمة الخليجية غير صحيحة، مؤكدا أن قطر ما زالت مصرة على مطالبها الثلاثة المتمثلة في رفع الحصار والحوار ودفع التعويضات.

وجزم في حديثه مع "الاستقلال" أن الإمارات هي من تقف وراء تلك التسريبات لقطع المساعي الكويتية للمصالحة، لافتا إلى أن محاولات حلحلة الأزمة قائمة بسبب الوسيط الكويتي ولكن الأهم هو أن توافق قطر على أبوظبي.

وأشار "غريب" إلى أن زيارة ابن سلمان إلى أبو ظبي محاولة لإقناع أبو ظبي بالسير في المصالحة مع قطر مع العلم أن الدوحة ترفض أبو ظبي، بعكس موقفها من السعودية التي تتقبل مصالحتها.

وأضاف: "ليس صحيحا أن قطر وافقت التخلي عن الإخوان أو إغلاق الجزيرة"، مستطردا: "الترويج لذلك هو شغل الذباب الإلكتروني في قصر اليمامة بالرياض وقصر البطين في أبوظبي توهم في توهم لأنهم فشلوا في تركيع  قطر لصالحه".