الدعوة لمنح إسرائيليين الجنسية.. لهذا تثير قلق التونسيين

زياد المزغني | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

ارتفعت في تونس مؤخرا أصوات مطالبة بإقالة وزير السياحة روني الطرابلسي (يهودي الديانة)، إثر تصريحات اعتبرها البعض محاولة لـ"التطبيع" مع إسرائيل.

الطرابلسي طالب في حوار يوم 30 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مع وكالة الأنباء الألمانية بمنح الجنسية التونسية لليهود المقيمين بإسرائيل، قائلا: "هؤلاء ولدوا بتونس ولهم الحق في العودة إلى بلدهم ومنحهم جوازات سفر تونسية".

تصريح الوزير، يأتي في سياق التعبير عن مخاوفه من أن تؤثر تصريحات الرئيس قيس سعيد خلال حملته الانتخابية، على القطاع السياحي العام المقبل.

الرئيس قال: "إنه يرفض دخول اليهود القادمين من إسرائيل بجوازات السفر الإسرائيلية إلى معبد الغريبة". وأجاب عن السؤال حول ملف التطبيع مع إسرائيل بأنه "خيانة عظمى وتونس في حالة حرب مع إسرائيل".

كنيس الغريبة

ويحج قرابة 7 آلاف يهودي في شهر مايو /أيار من كل عام، بعد 33 يوما من عيد الفصح حسب التقويم العبري، إلى كنيس الغريبة بجزيرة جربة جنوب تونس.

ويعتبر كنيس الغريبة أقدم معبد يهودي في العالم لايزال مفتوحا، إذ يعود تشييده إلى العهد الروماني. ويعتقد أنه يحتوي على حجر من هيكل سليمان. كما أنه يحتفظ بين أروقته بأقدم نسخة للتوراة في العالم. 

في تصريحه المثير للجدل، أكد وزير السياحة روني الطرابلسي أن الحجاج اليهود القادمين من الأراضي الفلسطينية المحتلّة لمعبد الغريبة، لا يدخلون بجوازات سفر إسرائيلية وإنما يتم منحهم تراخيص دخول عند الجمارك أو يدخلون بجواز سفر آخر (غير الإسرائيلي). وهذا الأمر مستمر منذ حكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة.

وأضاف الطرابلسي أن 90 % من الحجيج اليهود القادمين من إسرائيل هم من أصول تونسية ممن غادروا البلاد أثناء الحروب العربية الاسرائيلية.

وشدد الطرابلسي على حق اليهود التونسيين المقيمين في إسرائيل في دخول تونس قائلا: "هؤلاء ولدوا بتونس ولهم الحق في العودة إلى بلدهم بأن تمنحهم الدولة جوازات سفر تونسية مثلما يحج المسلمون العرب في إسرائيل إلى السعودية".

وتابع الطرابلسي: "السياسة لا دخل لها في الديانة، يتعلق الأمر بالحج وممارسة شعائر دينية ويجب أن نفتح الأبواب لكل اليهود. الرئيس قال إنه ليس لديه أي مشكل مع اليهود. لا أعتقد أن هذا المشكل سيطرح في الأعياد الدينية في معبد الغريبة. قطاع السياحة سيواجه اختبارا صعبا العام المقبل، في ذكرى الاحتفالات السنوية في معبد الغريبة بمدينة جربة".

"خيانة عظمى"

خلال الحملة الانتخابية للدور الثاني للانتخابات الرئاسية، أثناء سؤاله عن موقفه من التطبيع مع إسرائيل، قال سعيد: "التطبيع خيانة عظمى، ويجب أن يحاكم من يطبع مع كيان شرد ونكل شعبا كاملا. كلمة تطبيع هي كلمة خاطئة أصلا، نحن في حالة حرب مع كيان غاصب".

وفي سؤال حول السماح بزيارة معابد يهودية في تونس، رفض سعيد دخول من يحمل جواز سفر إسرائيلي، وقال: "نحن نتعامل مع يهود ونقبلهم لا الإسرائيليين".

ويجمع طيف واسع من التونسيين على رفض التطبيع مع تل أبيب تحت أي مسمى، حتى رافقت الشعارات التي رفعت خلال الثورة للمطالبة بالحرية والديمقراطية والكرامة، شعارات مساندة لقضية الشعب الفلسطيني.

ولا يزال عدد كبير من الأحزاب والمنظمات التونسية تدعو لسن قانون يجرم التطبيع، بالإضافة إلى ما نص عليه الدستور الجديد الذي تم سنه في العام 2014، حيث يقول في توطئته: "وانتصارا للمظلومين في كل مكان، ولحق الشعوب في تقرير مصيرها، ولحركات التحرر العادلة وفي مقدمتها حركة التحرر الفلسطيني".

البرلمانية السابقة وعضو رابطة "برلمانيون من أجل القدس" ليلى الوسلاتي، ترى أنّ "التطبيع لم يتحوّل إلى حالة عاديّة في تونس حيث شوهد ردّة فعل الشارع التونسي والبرلمانيين بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نقل سفارة بلاده إلى القدس، حيث عقد البرلمان جلسة عامّة أقر خلالها تأسيس "لجنة فلسطين" في البرلمان".

وأضافت الوسلاتي لـ"الاستقلال": "توجد مبادرات تشريعية تمّ تقديمها خلال المدّة النيابية السابقة، من أجل تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، كما تمّ التوقيع على عريضة للمطالبة بالتسريع في تمريرها، وكنت من بين الموقعين عليها، وهذا يؤكّد أنّ القضيّة الفلسطينية على رأس أولويات الشعب التونسي، إلاّ أنّ البرلمان يعيش هذه الفترة تحت ضغط الآجال الدستورية لاستكمال التصويت على ميزانية البلاد وتشكيل الحكومة وتكوين اللجان البرلمانية".

ودعت النائبة السابقة إلى سرعة تفعيل "لجنة فلسطين" المنشأة حديثا في البرلمان، والانطلاق في مناقشة قانون يجرّم التطبيع، ورجّحت أن يتم ذلك قبل انعقاد مؤتمر رابطة "برلمانيون من أجل القدس" في شهر فبراير /شباط 2020 بماليزيا.

شبهات تطبيع

وسبق وأن رفضت المعارضة في البرلمان السابق منح الثقة لروني الطرابلسي بسبب ما اعتبروه شبهات تطبيع مع إسرائيل وقيامه بزيارات سابقة للأراضي المحتلة وتنسيق وشراكات مع شركات سياحية إسرائيلية.

وكتب النائب والقيادي في حركة الشعب (قومي عروبي) خالد الكريشي تدوينة على فيسبوك قائلا: "لم نكن مخطئين حين وصفناها بأنها حكومة الفشل والتطبيع والإقصاء، على السيد رئيس حكومة تصريف الأعمال يوسف الشاهد إقالة وزير السياحة روني الطرابلسي فورا".

الكريشي برر مطالبته "بدعوات الوزير العلنية في اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني منح جوازات سفر والجنسية لليهود التونسيين الذين هاجروا طوعا واستقروا بالكيان الصهيوني منذ عقود وتحصلوا على الجنسية الإسرائيلية هناك ولم يعد يربطهم بتونس غير معاداتها ومعاداة خيارات شعبه".

وأضاف الكريشي: "أحمل المسؤولية كاملة لأحزاب الائتلاف الحاكم من حركتي النهضة وتحيا تونس التي قبلت به وزيرا للسياحة - رغم تشكيك العديد من النواب آنذاك في إمكانية حمله لجنسية الكيان الصهيوني - والأحزاب التي منحت الثقة لحكومة الفشل والتطبيع والإقصاء".

من جهته، قال النائب عن قائمة "أمل وعمل" المستقلة ياسين العياري في تدوينة على صفحته الرسمية متوجها لوزير السياحة: "كل الصهاينة هم جنود احتياط ومنعهم من دخول تونس، هو أضعف الإيمان، نذكرك أن الكيان الذي تتحدث  عنه، يعتبر في القانون الدولي في حالة حرب مع بلادنا: اخترق مجالنا الجوي، ألقى قنابله علينا، قتل تونسيين، أدانه مجلس الأمن على ذلك وبما أنه لم توقع هدنة أو وقف إطلاق نار أو سلام فحالة الحرب مستمرة، ما تدعو إليه اسمه خيانة عظمى". 

حالة حرب 

في شرحه لمكونات "جيش الدفاع"، يعرف موقع الحكومة الإسرائيلية الخدمة الإلزامية بأنها "تجنيد جميع الرجال والنساء المؤهلين البالغة أعمارهم 18 وتستمر خدمة الرجال 3 أعوام وخدمة النساء 21 شهرا، وقد تُمنح التأجيلات للطالب الكفء في مؤسسات التعليم العالي. أما القادمون الجدد فيمكن تأجيل خدمتهم أو اختصار مدتها وفقا لمعطيات مختلفة كعمرهم وحالتهم الشخصية لدى وصولهم البلاد".

ويتحول جميع "الإسرائيليين" الذين قاموا بالخدمة الإلزامية إلى جنود احتياط في الجيش، فحسب موقع الحكومة "لدى انتهاء الخدمة الإلزامية يلحق كل جندي في وحدة احتياط. يخدم الرجال حتى سن الحادية والخمسين ما أقصاه 39 يوما في السنة وهي فترة قابلة للتمديد في أوقات الطوارئ".

تاريخيا ارتكبت إسرائيل عددا من الجرائم باستهداف تونسيين أو الاعتداء على التراب الوطني التونسي، كان آخرها عملية اغتيال المهندس التونسي محمد (كان عضوا بكتائب القسام) الزواري يوم 14 ديسمبر 2016 بمدينة صفاقس جنوب تونس.

واعترفت الموساد بتنفيذ العملية، التي اعتبرتها استهدافا لأحد قادة حماس وجناحها المسلح (كتائب القسام)، حيث كان الزواري يقوم بتطوير سلاح الطائرات من غير طيار.

ومطلع أكتوبر/تشرين الأول 1985، شنت 8 طائرات إسرائيلية غارات على مقر القيادة العامة لمنظمة التحرير الفلسطينية، والتي اتخذت من تونس مقرا لها بعد مغادرتها لبنان عام 1982، حيث كانت قيادة المنظمة تستعد للاجتماع.

وأدت الغارة الإسرائيلية إلى تدمير مقر منظمة التحرير الفلسطينية بالكامل ومكتب الرئيس الراحل ياسر عرفات والمقر الخاص بحراسته وعدد من منازل المدنيين المحيطة بهذه المقرات، كما أدت إلى استشهاد 50 فلسطينيا و18 تونسيا وجرح حوالي 100 آخرين.

كما نفذت تل أبيب عملية اغتيال القيادي الفلسطيني أبو جهاد خليل الوزير في 16 أبريل/نيسان 1988، حين هاجمت فرقة اغتيال إسرائيلية منزله في ضاحية سيدي بوسعيد شمالي العاصمة التونسية، وأطلقت عليه النار فاستقرت 70 رصاصة في جسده، وأشرف على العملية بشكل مباشر رئيس وزراء إسرائيل الأسبق إيهود باراك.