كيف أحكم السيسي قبضته على صناعة السينما والإعلام في مصر؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تجلت رؤية رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي في السيطرة على صناعة الإعلام، والسينما، في تصريح بارز خلال إحدى حلقات النقاش حول تأثير الإعلام في صناعة الرأي العام عام ٢٠١٦، قال فيه: "انتم بتضروا مصر جامد جدا من غير ما تقصدوا".

فكرة الإضرار بمصر، كحجة لإحكام السيطرة على قواعد تشكيل الرأي العام، ليس خطابـا جديدا على النظام المصري، بل ظهر بشكل متكرر في مفردات السيسي، وتحديدا في حديثه الذي قال فيه: "يا بخت (جمال) عبد الناصر بإعلامه".

وأشار إلى: أن "عبد الناصر كان محظوظا لأنه كان بيتكلم والإعلام معاه"، حيث كان الإعلام في ذلك الزمن خالصا للنظام، من حيث السيطرة المطلقة الشاملة وتأميم السينما، والمسرح.

ويحاول السيسي استعادة تلك الفترة، حيث قال في نفس التصريح السابق: "أنا مستعد أجيب لكم الجرايد بتاعت أي يوم، والقنوات بتاعت أي يوم، أنا بتابع، وبقرأ الكلام المكتوب عشان أشوف، إنتو شايفين مصر إزاي وبتقدموها إزاي". 

والدولة حاليا تعود إلى ذلك العهد من خلال "الاحتكار" وإطلاق يد شركة المخابرات، لوضع يدها على السينما من جديد، ما أضر برواد الصناعة، الذين سقطوا من عين النظام، بل ويشتكي بعضهم البطالة، وعدم العمل والتقدير بعد سنوات طويلة من الخدمة.

مملكة سينرجي 

في سنوات معدودة فرضت شركة "سينرجي" للإنتاج الفني المملوكة لجهاز المخابرات المصرية، سيطرتها التامة على سوق الدراما المصرية في موسم رمضان الماضي، وأحدثت ضربة موجعة لشركات الإنتاج المنافسة، ولسوق العمل الدرامي. وتتجه الشركة المخابراتية لاحتكار الإنتاج السينمائي في عموم الدولة خلال الفترة المقبلة، وفرض سطوتها على الفن السابع، بحسب فنانين ونقاد.

وتتجدد محاولة احتكار الشركة التي يترأسها المنتج "تامر مرسي"، هذه المرة من خلال ظهور الصور الأولى من كواليس الفيلم المصري المنتظر "كيره والجن 1919"، الذي يجمع في بطولته أنجح نجمين على المستوى السينمائي المصري حاليا، وهما كريم عبد العزيز وأحمد عز.  

بالإضافة إلى الجمع بين المخرج مروان حامد، وكاتب صاحب شهرة ونجاح بين جيل الشباب هو أحمد مراد (كاتب فيلم الفيل الأزرق بجزئيه الأول والثاني). 

العنصر المميز في هذه المعادلة يتمثل في سيناريو كتبه أحمد مراد عن روايته ذات المبيعات المرتفعة 1919، والتي تدور أحداثها عن حكايات حقيقية لأبطال المقاومة المصرية ضد الاحتلال البريطاني في الفترة الزمنية المحيطة بثورة 1919، حيث تتأرجح الرواية بين التاريخ والتشويق والدراما، بحيث يبدو تصدر هذا الفيلم للإيرادات أمرا سهلا ومتوقعا، كما ألمح المؤلف المصري كريم فهمي.

وقد أعلنت الشركة عن مجموعة جديدة أخرى من الأفلام بميزانيات ضخمة تضم نجوما كبار من بينها فيلم "العنكبوت" لأحمد السقا ومنى زكي، وفيلم "العارف" للنجمين أحمد عز وأحمد فهمي.

وخلال العام الجاري، ظهرات سيطرة شركة سينرجي على السوق السينمائي في مصر عبر إنتاج مجموعة من الأفلام استقطبت نجوم الصف الأول، من بينها أفلام "الفيل الأزرق 2" و"ولاد رزق 2" و"كازابلانكا"، والتي نجحت في تحقيق إيرادات كبيرة بلغت في المتوسط 100 مليون جنيه لكل فيلم.

أحمد عز، وكريم عبد العزيز، في كواليس فيلم عن 1919

انسحاب الشركات

في أغسطس/آب الماضي، شهد الموسم السينمائي في مصر موجة اضطرابات، نتيجة انسحاب عدد من شركات الإنتاج الرئيسية، من حلبة المنافسة، لاختلال المعادلة الرقمية في حسابات المكسب والخسارة، خاصة بعد رفض نجوم الشباك معايير الأجور الجديدة التي تحظر حصولهم على الأرقام الفلكية التي كانت في السابق، حيث جرى تقنين هذه المسألة ووضع حد أقصى لقيمة ما يتقاضاه الفنانون من خلال دور البطولة. 

وحسب ما جرى رصده من ردود الأفعال، أبدى الكثير من العاملين في مجال السينما استياء من حالة الاستحواذ والهيمنة والتحكم في مقدرات الإنتاج والتوزيع من جانب الشركات العملاقة التي دخلت حديثا إلى محيط الاستثمار الفني بشتى مستوياته خوفا من تأثير ذلك على مصالحهم والتضييق عليهم، حيث يضطرون إلى تقليص النشاط أو إعلان الإفلاس.

وعبرت المخرجة هالة خليل عن إحباطها من "احتكار السينما المصرية"، وتساءلت عن سر تجاهلها وعدم إنتاج فيلم جديد من إخراجها رغم أن كل أفلامها حققت سابقا جوائز محلية وعالمية. 

كما امتلأت حسابات نجوم الدراما برسائل الشكوى من توقف صناعة الدراما في مصر العام الماضي، وتلقيهم تهديدات من جهات "سيادية" بمنعهم من العمل، فقد بدأ العاملون في مجال السينما أيضا في الشكوى من البطالة لتظهر بوادر تأثير احتكار سينرجي على السوق السينمائي.

وكتب المخرج يسري نصر الله عبر "فيسبوك" منشورا قال فيه: إنه سيعتزل الإخراج ويبحث عن فرصة عمل "كطباخ بعدما هيمنت الشللية على الوسط الفني في مصر"، مؤكدا: أنه يملك خبرة 30 سنة سينما و50 سنة طبخ!".

وردت الممثلة شيرين رضا على منشور نصر الله بقولها: "عار علينا كلنا لما الأستاذ يسري نصر الله يكتب بوست زي ده!! عار على كل من احتكر المهنة ووصلنا لهذه المهزلة والمستوى!".

إعادة هيكلة 

في 3 أبريل/نيسان 2019، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية تقريرا لها بعنوان "قبضة السيسي الحديدية تصل إلى التلفزيون"، وذكرت فيه : أن مسلسلات رمضان ذات الخصوصية الهائلة في مصر والشرق الأوسط تواجه قيودا خانقة.

وأورد التقرير: أن المخرجين والممثلين يخضعون لإملاءات نصية تلفزيونية معينة وتخفض أجورهم، بينما تولت شركة إنتاج مرتبطة بالجيش مسؤولية عدد من أكبر المسلسلات، في إشارة إلى شركة سينرجي.

وأضاف تقرير الصحيفة الأمريكية: أن المخرجين جرى إبلاغهم بضرورة أن تتبع مسلسلاتهم الأفكار التي جرى إقرارها مثل الإشادة بالجيش والشرطة، أو تشويه سمعة جماعة الإخوان المسلمين، ومن لا يلتزم بالقواعد لن يظهر على الهواء.

وكشفت نيويورك تايمز: أن "الحملة ضد المسلسلات التلفزيونية هي الجانب الثقافي للنسخة الاستبدادية بعيدة المدى والمتسلطة التي ترسخت في مصر خلال عهد السيسي، حيث وصلت إلى مستويات جديدة حتى بالنسبة لبلد يحكمه رجال أقوياء يحظون بدعم الجيش منذ عقود".

وفي 8 أبريل/ نيسان 2019 أعلنت "الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية" الاستحواذ على مجموعة "دي ميديا" الإعلامية المالكة لقنوات "دي إم سي" وتعيين تامر مرسي رئيسا لمجلس الإدارة. والشركة المتحدة هي المالكة لمجموعة "إعلام المصريين"، مالكة قنوات "أون" و"الحياة" وصاحبة الحصة الحاكمة في قنوات "سي بي سي".

وقتها أعلن مرسي: أنه بدأ العمل على إعادة هيكلة القنوات الفضائية في المجموعة من أجل النهوض بالرسالة الإعلامية ورسم مستقبل أفضل للإعلام، وبدء الخطوات التنفيذية لهيكلة القنوات الفضائية التابعة لشركات "إعلام المصريين" و"دي ميديا".

وأثار غياب شركات الإنتاج المعروفة مثل "العدل جروب" و"بي لينك" عن خريطة الدراما الرمضانية للعام الثاني على التوالي مزيدا من التساؤلات حول مصير صناعة الدراما في مصر في الفترة المقبلة، خاصة بعد توقف إنتاج 4 أعمال كبيرة على الأقل هذا العام الرمضاني من بينها أعمال لفنانين كبار مثل يسرا وعادل إمام اللذان غابا عن الشاشة لأول مرة منذ سنوات.

حشد السيسي 

في 6 أكتوبر/ تشرين الثاني الماضي، أشاد رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، بفيلم "الممر" الذي عرض قبل أيام من الذكرى الـ46 لحرب أكتوبر 1973، كدراما عسكرية عن الجيش المصري خلال حرب الاستنزاف. في وقت يتسابق نجوم السينما والدراما المصريون وكبار المنتجين في تقديم أعمال مماثلة.

وكرم السيسي أبطال فيلم "الممر"، خلال ندوة تثقيفية للقوات المسلحة، فيما يستعد أبطال الفيلم للجزء الثاني منه، حيث يعمل المخرج شريف عرفة على إعداد السيناريو، ومن المحتمل بدء تصويره في 2020.

ومن المنتظر أيضا أن يقدم الممثل محمد إمام، العام المقبل، فيلما عن قائد "المجموعة 39 قتال صاعقة" بحرب أكتوبر، "إبراهيم الرفاعي"، حسبما نشر إمام عبر حسابه بإنستغرام.

وتدفع نقابة المهن التمثيلية، نحو إنتاج عدد من الأعمال الوطنية حول الجيش، ووضعت وزارة الثقافة خطة لإنتاج أفلام تسجيلية عن بطولات الجيش المصري.

الصورة الدعائية لفيلم الممر، الذي تسعى سينرجي لإنتاج الجزء الثاني منه

تقول الناقدة الفنية مروة محمود: إن "صناعة السينما في مصر، هي الأضخم في منطقة الشرق الأوسط، ولا تقتصر على كبار الفنانين، والمخرجين، فهناك جيش هائل من العاملين خلف الكواليس، (أكل عيشهم) الأساسي هي السينما، وينتظرون المواسم السينمائية مثل رمضان، والصيف، والأعياد، بفارغ الصبر، حتى يجدوا قوت يومهم، واحتكار تلك الصناعة سوف (يخرب) بيوت هؤلاء"، على حد وصفها. 

وأردفت الناقدة المصرية في حديث لـ"الاستقلال": "مرت السينما المصرية بحالة مماثلة في فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي، عندما أممت الدولة صناعة السينما وشركات الإنتاج الفني الخاصة، مما أدى إلى تدهور الصناعة شكلا ومضمونا، وكانت السينما المصرية رائدة قبل التأميم، وتسبق دولا أخرى على رأسها الهند". 

وقالت مروة محمود: إن "تسييس الفن بشكل عام أمر خطير، وعمليات إعادة الهيكلة المستمرة، وفقا للنظام السياسي، مضرة، وقاتلة للإبداع والمصداقية، بالإضافة أن تقييد الصناعة سيضر بالأجيال الصاعدة على كافة المستويات، وسيحطم القوة الناعمة الباقية لمصر".