مناوشات مسلحة.. هل تتحول مظاهرات العراق لاقتتال "شيعي- شيعي"؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أظهرت الاحتجاجات الشعبية في العراق، ولا سيما في وسط وجنوب البلاد، حالة من الاحتقان المتبادل بين الأحزاب والمليشيات الشيعية، بدت واضحة في حرق مقرات وقتل عناصر مليشياوية، أعقبتها تهديدات بالثأر، ما يهدد بتحوّل الاحتجاجات إلى اقتتال "شيعي- شيعي".

تحذيرات أطلقتها شخصيات سياسية عراقية، من استمرار حالة التصعيد التي قد تودي بالبلد إلى المجهول، وفيما تتهم جهات سياسية إسرائيل وأمريكا بالوقوف وراء محاولة إشعال اقتتال بين الشيعة، تقلل أخرى من خطورة ذلك وتعزوها إلى "غضبة شعبية".

مع تجدد المظاهرات في يوم 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، شهدت محافظات واسط وميسان وذي قار والبصرة وبابل، أحداثا دامية قتل فيها 31 شخصا، وأصيب 2312 من المتظاهرين والقوات الأمنية، وأغلب الإصابات بطلق ناري وغازات مسيلة للدموع وطلق مطاطي.

وقتل نصف هؤلاء بالرصاص الحي في جنوب البلاد، حيث حاول متظاهرون اقتحام أحد مقار "عصائب أهل الحق"، أحد أبرز فصائل "قوات الحشد الشعبي"، وفق ما أكدته مصادر أمنية وطبية.

قتلى المظاهرات

وحسب "مفوضية حقوق الإنسان" في العراق: فإن قتلى المظاهرات الـ 31 توزعوا بين المحافظات بالشكل التالي: بغداد 8 قتلى، ميسان 9، ذي قار 9، والبصرة 3، والمثنى قتيل واحد، وآخر توفي لاحقا متأثرا بجراحه.

وتم حرق وإلحاق الأضرار بـ 50 مبنى حكوميا ومقرات حزبية، إضافة إلى حرق 7 منازل لنواب بالبرلمان ومسؤولين بالدولة، في محافظات: الديوانية وميسان وواسط وذي قار والبصرة وبابل.

ومن أبرز مقرات الأحزاب والمليشيات الشيعية التي أحرقت في تلك الليلة، هي مليشيات بدر، عصائب أهل الحق، تيار الحكمة، حزب الدعوة، كتائب سيد الشهداء، مقر تيار الإصلاح، تحالف النصر، سرايا الخرساني، حزب الفضيلة،  حزب الطليعة، حركة البشائر، المجلس الأعلى الإسلامي، حركة النجباء، حركة عطاء".

ورافقت تلك الحرائق، هجمات على مقرات مليشيات "عصائب أهل الحق"، بزعامة المقرب من إيران قيس الخزعلي، قتل خلالها أحد العناصر في محافظة ذي قار ويدعى لطيف سالم، ومدير مكتبه في محافظة ميسان وسام العلياوي، وشقيقه عصام.

الشقيقان العلياوي قتلا بعد إصابتهما في الهجوم على مقر "العصائب" وأثناء نقلهما إلى المستشفى، هاجمت جموع المحتشدين من المتظاهرين سيارة الإسعاف التي تقلهما وقتلتهما خنقا بوضع القنابل المسيلة للدموع داخل غرفة السيارة وغلقها قبل تحطيمها بعد ذلك.

وفي الوقت ذاته، أوردت قناة "العهد" الفضائية التابعة للعصائب خبرا قالت فيه: إن "ملثمين يهاجمون بقنابل يدوية مقر حركة عصائب أهل الحق في محافظة ميسان، ويصيبون 15 فردا بينهم 5 حالتهم خطرة".

وفي المقابل، أعلنت قوات الدفاع المدني العراقية العثور في مقر مليشيات "بدر" بمحافظة الديوانية على 12 جثة، تبين لاحقا أن جميعها تعود إلى متظاهرين مدنيين.

توعد بالثأر

إثر الضربة التي تلقتها "عصائب أهل الحق" تعهد زعيمها قيس الخزعلي خلال مراسيم تشييع مدير مكتبه وشقيقه بأخذ ثأر القيادي وسام العلياوي "مربع"، أي بعدد من قتلوا 4 مرات.

لكن الخزعلي، لم يكشف الجهة التي قتلت الشقيقان العلياوي، إلا أنه اكتفى بتحميل "دم الشهيد وسام العلياوي برقبة أمريكا وإسرائيل"، وأضاف: "لن نسمح بذهاب بلدنا إلى الهاوية".

ووجهت أصابع الاتهام للتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، بأنه كان يقف وراء الهجمات التي تعرضت لها مقرات الأحزاب والمليشيات الشيعية، وقتل عدد من عناصر "عصائب أهل الحق".

وأشارت تقارير إلى: أن قتل عناصر "العصائب" جاء ردا على إطلاقهم النار وقتل المتظاهرين قرب مقر المليشيات في محافظة ميسان، مستدلين بمقطع فيديو بثه ناشطون يظهر مسلحي الخزعلي يطلقون النار على المحتجين.

الاتهامات التي وجهت للصدريين بالوقوف وراء قتل عناصر من مليشيات "العصائب" تأتي بتوجيه من مقتدى الصدر نفسه، الذي وجه معاونه الذي يدير مليشيات "سرايا السلام" بحماية المتظاهرين من أي اعتداء، حسبما تفيد التقارير.

وقبل يوم من اندلاع المظاهرات، انتشرت "سرايا السلام" في بغداد وعدد من محافظات الوسط والجنوب، وتوعد عدد من عناصرها في مقطع مصور بثه ناشطون، بسحق أي جهة تعتدي على المتظاهرين سواء كانت مليشيات "الخراساني" أو حكومة عادل عبدالمهدي، بتوجيه من الصدر.

وواجهت مليشيات "سرايا الخراساني" اتهامات بقنص المتظاهرين في مظاهرات 1 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، الأمر الذي نفته الأخيرة واتهمت وسائل إعلام بمحاولة تشويه صورة الحشد الشعبي التي تنتمي إليه.

وهدد متحدث آخر في المقطع ذاته: بمحو الحكومة من الوجود إذا تعرض المتظاهرون إلى أي اعتداء، داعيا المحتجين إلى الخروج للتظاهر، وأنهم سيكونون بحمايتهم.

وعاد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الأحد، وفي تغريدة على تويتر: حذر الحكومة العراقية من محاولة زج الحشد الشعبي في الصدام مع الشعب.

وقال الصدر مخاطبا الحشد: "لا تناصروا الفاسد ولا تقمعوا الشعب، ولا تمكّنوا غير المنضبطين منكم من رقاب الشعب ودمائه، سلاح الحشد لا زال موجها لداعش (تنظيم الدولة) ولن يكون ضد الشعب".

تحذير الصدر جاء بعد تصريحات نائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس خلال حضوره مراسم عزاء، وسام العلياوي، قال فيها: إن "الحشد الشعبي سيتدخل في الوقت المناسب تحت امرة القائد العام للقوات المسلحة، نراقب الأحداث بشكل تفصيلي ونفرق بين المطالب الحقيقية للمتظاهرين ونأمل من الحكومة تلبيتها".

غطاء للتصفية

تلك الأحداث، دفعت سياسيين وإعلاميين إلى التحذير من صِدام "شيعي- شيعي" بالعراق، لا تقف عند المليشيات فحسب، وإنما ذهب البعض إلى أبعد من ذلك بالقول: "أشلاء السياسيين الذين يديرون السلطة ستسحل في شوارع بغداد".

السياسي العراقي عزت الشابندر قال في تغريدة على تويتر: "بات الآن أوضح من الشمس أن استقرار العراق في دائرة الاستهداف الدولي الإقليمي. الاقتتال الشيعي الشيعي هدف إسرائيلي بامتياز. أدعوا كل الشرفاء أن يعوا بأن حجم المؤامرة أبعد من مطالبهم الحقّة".

أما الكاتب صالح الحمداني، فقد خاطب رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي قائلا: "العمارة (مركز محافظة ميسان) تحترق يا القائد العام للقوات المسلحة، سيدنا الاقتصادي التكنوقراطي، أغنى محافظات العراق دخلت بحرب أهلية بين العشائر والمليشيات".

 

وأبعد من ذلك، حذر الإعلامي أحمد ملا طلال السياسيين الماسكين بالسلطة والنفوذ في العراق، بأنه: إذا استمر عنادكم الغبي هذا، فلن يطول الزمن حتى نرى أشلاءكم وهي تُسحل في شوارع بغداد. اللهم إنّي بلغت، اللهم فاشهد".

الباحث في الشأن العراقي عدنان الناصري، قال لـ "الاستقلال": "المدقق في حركة الاحتجاجات التي انطلقت أول تشرين الأول/ أكتوبر أن هناك وجهان لها: الأول، العفوي: وهو ما يمكن تلمسه في مادتها الشبابية وسلميتها وغلبة الجانب العاطفي عليها وشرعية مطالبها بعد طول معاناة".

أما الثاني، بحسب الناصري: "الوجه المنظم وهو الجانب الخفي الذي لا يرى ولكن هو المحرك الحقيقي لها. ويضم جهات عدة بعضها مشارك فعليا وبعضها يحاول توظيفها لصالحه ولكن يجمعهم هدف تقويض النظام السياسي الحالي".

وأشار إلى: أن "الجانب الثاني هو الذي يعمد إلى إحداث الشلل في الحياة العامة، ويمارس أفعالا تحفز الطرف الرسمي على المزيد من العنف بالتعامل معها. ضمن هذا الجانب وذاك هناك نقمة شعبية وصلت حدودا كبيرة وباتت تظهر في محاولة التخلص من الأحزاب الموجودة والتي استفحل أداؤها".

وأعرب الناصري عن اعتقاده: بأن "المظاهرات باتت غطاء لعملية تصفية داخلية وهي بمجملها شيعية – شيعية"، متسائلا: "هل تصل الأمور إلى حد الانفلات؟" وأجاب: "احتمال وارد، ولكنه سيرافق انهيار النظام بالكامل، ولذلك نفهم هذه القسوة المفرطة في التعاطي مع الأحداث، لأن تركها سيفضي إلى إنهاء وجودها هناك".

وتوقع الباحث: "إن انتهت حركة الاحتجاجات وبقاء الحكومة.. ستكون هناك عمليات انتقامية لاحقة لأن عمليات القتل التي وقعت ستورّث حالة انتقام مستمرة".

واستأنف العراقيون مظاهراتهم في 25 أكتوبر/ تشرين الأول، للمطالبة بإسقاط الحكومة، وذلك بعد توقف دام أسبوعا لاحتجاجات انطلقت في مطلع الشهر ذاته، لإتمام مناسبة "أربعينية الحسين" التي يتوجه فيها العراقيون الشيعة إلى كربلاء سيرا على الأقدام.

وأوقعت المظاهرات في مرحلتها الأولى نحو 150 قتيلا وأكثر من 6 آلاف جريح، اتهمت فيها قوات الأمن ومليشيات مقرّبة من إيران باستخدام العنف المفرط والقنص المباشر بالرصاص الحي ضد المتظاهرين.