جلب سخط أهالي إسطنبول.. هذا ما فعله إمام أوغلو خلال 100 يوم

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

"Her şey çok güzel olacak"، وتعني بالعربية "كل شيء سيكون جميلا"، شعار رفعه أكرم إمام أوغلو خلال حملته الانتخابية، فهل تحقق هذا الشعار على أرض الواقع بعد مرور أكثر من 100 يوم على انتخابه رئيسا لبلدية إسطنبول.

مع تصاعد الأزمات الخدمية والحيوية للمدينة الأكبر والأهم في تركيا، تبدلت الأحوال في إسطنبول، وأثار إمام أوغلو غضبا واسعا في الشارع بعد سلسلة قرارات مثيرة للسخط منها رفع أجور المواصلات والخبز والماء، إضافة إلى أجور مقاهي ومطاعم بلدية إسطنبول، وتقليل عدد حافلات "المتروبوس"، وقراره المتعلق بتغيير شعار تلفزيون البلدية وإزالة المآذن والمسجد منه.

وسائل إعلام محلية علقت على هذه القرارات، وتفاقم الأزمات، بخيبة أمل شديدة لعدد من الناخبين الذين صوتوا لرئيس البلدية الحالي، مع ظهور استطلاعات للرأي تؤكد تراجع شعبيته على نطاق واسع.

مبكرا جدا دخل أكرم إمام أوغلو في صدامات متكررة مع الموظفين الذين قام بفصلهم بشكل تعسفي، ثم مع بعض الصحف التي وجه إليها انتقادات لاذعة، ثم مع المواطنين الذين ضجوا من سوء الخدمات، والتجاذبات المستمرة.

طوابير "المتروبوس" 

في نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، أصدر رئيس بلدية إسطنبول المعارض "أكرم إمام أوغلو" قرارا يقضي بتقليل عدد رحلات حافلات الـ "متروبوس"، وهو من خطوط المواصلات الرئيسية في المدينة التي يقطنها ما يزيد عن 20 مليون مواطن.

وسبب قرار رئيس البلدية المعارض حالة من الغضب على خلفية انتشار صور تُظهر احتشاد مئات الأتراك أمام أحد مواقف حافلات النقل الداخلي في إسطنبول، وقد أرجع إمام أوغلو قراره بتقليل عدد الحافلات إلى توفير نفقات البلدية. 

وفي 5 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، قالت صحيفة "هبرلار" التركية: إن "خطوط نقل المتروبوس تمتد على طول 52 كيلو مترا، وتضم 44 محطة، 37 منها تقع في الشطر الأوروبي، بالإضافة إلى 7 في الشطر الآسيوي.

وذكرت الصحيفة التركية أن نظام نقل المتروبوس يضم 545 حافلة، تعمل على مدار 24 ساعة، وتوفر حافلات المتروبوس خدمات النقل لنحو 950 ألف شخص بشكل يومي، فيما يبلغ متوسط أرباحها اليومية نحو 450 ألف دولار.

وقالت وسائل إعلام تركية، إن صورا التُقطت في منطقة "ألتوني زاده" في الجانب الآسيوي بمدينة إسطنبول، وتُظهر اصطفاف أعداد هائلة من المواطنين لوقت طويل أمام موقف الحافلات بانتظار دورهم لركوب الحافلة.

وأثارت صور "الطوابير" ضجة واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عبر خلالها مغردون أتراك عن استيائهم من إمام أوغلو، مشيرين إلى أن مواقف حافلات إسطنبول باتت أشبه بمواقف النقل الداخلي في الصين.

وتطور الأمر عندما قام مواطنون بإغلاق الطريق أمام حركة الباصات في محطة "جوزال يورت" في القسم الأوروبي من إسطنبول، احتجاجا على الازدحام الشديد، وبحسب موقع "نيو ترك بوست" أن الحافلات كانت تأتي إلى المحطات وهي ممتلئة بشكل كامل، ولا تستطيع حمل أي راكب آخر. 

زيادة الأسعار

المعاناة التي طالت سكان المدينة فيما يتعلق بتنقلاتهم اليومية، طالتهم في السلع الأساسية التي كانت توفرها البلديات، حيث رفع إمام أوغلو أسعار الخبز والماء وأجور سيارات الأجرة وحافلات الميني باص، والحافلات المدرسية، بما معدله من 13% إلى 25%، وهذه عناصر مهمة في حياة كل أسرة في إسطنبول.

وقالت صحيفة "ستار" التركية: إنه "رغم وعوده قبيل الانتخابات أن الخبز والماء سيكونان بشكل مجاني، إلا أن إمام أوغلو رفع أسعار الخبز بما معدله 40%، وأقدمت شركة Halk Ekmek التابعة لبلدية إسطنبول الكبرى، على تنفيذ قراراته برفع الأسعار".

وتقول الصحيفة في "جرد الحساب 100 يوم" لرئيس بلدية اسطنبول: "كانت وعوده بتقديم الحليب المجاني و400 ليرة شهريا كمحنة لـ 75 ألف طالب فقاعة هوائية، قام بتقديم الحليب المجاني مرة واحدة فقط وفي عدد محدود من أحياء إسطنبول، كما كانت إجابة البلدية حول طلبات التقدم للمنح الدراسية أن البلديات لا تستطيع تقديم مثل هذه المنح للطلاب".

ونقلا عن صحيفة "يني شفق" التركية، أثار إمام أوغلو ردود فعل غاضبة لدى أهالي إسطنبول بعد أن أعلنت بلديته عن زيادة أجور مواقف السيارات التابعة لها "İSPARK" بنسبة 70%.

ولم ينتظر إمام أوغلو قبل أن يرسل تعميما إلى مراكز بيع "مياه حميدية"، المملوكة بالشراكة مع بلدية إسطنبول، أعلن فيه عن زيادة أسعار المياه بنسب مختلفة تزيد عن 20%.

وأشارت الصحيفة إلى أن الزيادة بدأت بالانعكاس مبكرا على الأسعار، حيث ارتفع سعر "دَمَجانة" مياه شركة حميدية ذات الـ 19 لترا إلى 11 ليرة، بعد أن كانت بـ 9 ليرات.

أما النصيب الأكبر من الزيادة فنالته الزجاجة الأصغر ذات النصف لتر، إذ ارتفع سعرها بنسبة 50% ليصل إلى ليرة ونصف بعد أن كانت ليرة واحدة فقط.

فصل تعسفي

قالت صحيفة "ستار" التركية: إنه "رغم وعوده التي قطعها قبيل الانتخابات وقوله (لن نقطع رزق أحد) إلا أنه طرد آلاف الموظفين من العاملين في بلدية إسطنبول ومن شركات تابعة للبلدية، إضافة إلى فسخه عقود أكثر من 2500 موظف كانوا يعملون مع مؤسسة ISMEK التابعة للبلدية.

وأكدت وسائل إعلام محلية، أن: "إمام أوغلو أصدر قرارا بفصل ألف و244 موظفا في بلدية إسطنبول، متناسيا وعوده الانتخابية بعدم المساس بمصدر رزق أبناء شعبه".

وفي 16 سبتمبر/ أيلول الماضي، اعتصم عشرات الموظفين الأتراك أمام مبنى رئاسة حزب الشعب الجمهوري في إسطنبول احتجاجا على فصلهم من وظائفهم بشكل تعسفي بناء على قرار من رئيس بلديتهم المعارض.

كما قال ناشطون أتراك إن: "معظم الموظفين المفصولين ينتمون إلى حزب العدالة والتنمية، مشيرين إلى أنه السبب الرئيس وراء إقصاء إمام أوغلو لهم".

ورفع المعتصمون الأتراك لافتات عدة حملت عبارات مختلفة منها: (كليتشدار أوغلو.. هل تحتفظ بكلمة الشرف خاصتك إلى حين انتهاء الانتخابات فقط) و(إمام أوغلو.. ألم تقدم وعدا بأن لن يخسر أحد وظيفته)، و(فلتُكسر اليد التي تطال عملي، مصدر رزقي).

وأشار العديد من المعتصمين إلى أنهم تلقوا نبأ فصلهم بشكل تعسفي عبر رسالة نصية أرسلتها لهم البلدية دون سابق إنذار.

صورة من اعتصام موظفي البلدية الذين تم فصلهم تعسفيا

أصدر إمام أوغلو قرارا يقيد به السائقين العاملين في محطة الحافلات العامة التابعة للبلدية بحلق لحاهم، ويستثني الذين لديهم أمراض جلدية ويقتضي تقديم تقرير طبي بذلك مما أثار غضب بعض السائقين وقدموا شكوى ضد هذا القرار.

وفي وقت سابق  قام رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو بتغيير شعار قناة بلدية إسطنبول الذي يحتوي على مآذن واستبداله بشعارات ملونة، وصفت بأنها غير معبرة عن هوية المدينة التاريخية.

شعار البلدية القديم، والجديد.

لافتات صينية

في يوليو/تموز الماضي، انتقد عمدة مدينة إسطنبول الوجود الكثيف للسياح العرب واللاجئين السوريين في بعض المناطق التركية.

وقال إمام أوغلو في حوار مع قناة "هبر" التركية: إنه يدخل بعض الأحياء في إسطنبول، ولا يستطيع قراءة لافتات المتاجر لأنها مكتوبة باللغة العربية.

لكن كل عبارات هوية المدينة، وثقافة إسطنبول، اختفت فجأة من قاموس رئيس البلدية، عندما أعلن في 1 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، بأنه سيتم تعليق لافتات باللغة الصينية في كل محطة الحافلات، والقطارات، والمترو في مدينة إسطنبول.

وبالفعل بدأت البلدية الكبرى في حملة خلال منتصف الليل، على أثرها قامت بوضع لافتات اللغة الصينية، بجانب اللغة التركية على سائر محطات (المتروبوس، والمترو)، وأثارت تلك اللافتات غضب المواطنين. 

وبدأ جدل وعلامات استفهام كبيرة من سياسيين، وناشطين، خاصة وأن السياح الصينيين ليسوا في المراتب الأولى من حيث عدد الزيارات إلى تركيا مقارنة بالسياح العرب والإيرانيين.

وسبق خطوة وضع اللافتات باللغة الصينية، حملة نفذتها وزارة الداخلية التركية استهدفت اللافتات التي تتضمن عبارات باللغة العربية تتجاوز 75% من محتوى اللافتة الواحدة.

وعلق مغردون: "اللافتات باللغة الصينية في إسطنبول خطوة مجنونة. أولا وضح قرار إزالة اللافتات باللغة العربية التي تغير المدينة.. ثم ضع اللافتات باللغة الصينية في جميع أنحاء المدينة في منتصف الليل.. أين اللافتات بالإنجليزية، والعربية، والكردية؟".

من ناحية أخرى، عبر نشطاء أويغور من غضبهم إزاء الخطوة الأخيرة، وقام بعضهم بوضع علم تركستان الشرقية على اللافتات المكتوبة باللغة الصينية.

وتتعرض أقلية الأويجور في إقليم شينجيانغ الصيني لألوان من القمع، كالمنع من ممارسة الشعائر الدينية، والاعتقالات القسرية داخل معسكرات التأهيل، وصولا إلى العقم القسري.

يذكر أن تقرير وزارة الخارجية الأمريكية حول الحريات الدينية في العالم الذي صدر في مارس/آذار الماضي، أكد أن الحكومة الصينية كثفت العام الماضي حملتها ضد أقلية الأويجور المسلمة في إقليم شينجيانج.

وتقود الدولة التركية بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، حملة دولية لوقف القمع الذي تتعرض له الأقلية المسلمة في الصين. 

لافتات صينية، بعدما قام غاضبون بوضع علم تركستان الشرقية عليها

الغائب عن إسطنبول

في 3 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، تسبب رئيس بلدية إسطنبول إمام أوغلو مرة أخرى، في سخط لدى المواطنين الأتراك، وذلك إثر ظهوره في العاصمة الفرنسية باريس بعد أيام قليلة من تعرض بلديته لزلزال مخيف بدرجة 6 على مقياس ريختر في 26 سبتمبر/ أيلول الماضي تسبب في ذعر شديد للسكان.

محمد موش نائب رئيس حزب العدالة والتنمية طالب إمام أوغلو بالاعتذار لسكان إسطنبول، لتخلفه عن الاجتماع التنسيقي الخاص بالزلازل والادعاءات التي قالت إنه لم تتم دعوته إليه.

وقالت صحيفة ستار التركية: "أظهرت المعلومات لاحقا أن والي إسطنبول دعا إمام أوغلو شخصيا لحضور الاجتماع الطارئ، لكن إمام أوغلو قال إنه لن يحضر الاجتماع بسبب (جدول أعماله المزدحم)".

وأشارت إلى أن: "رئيس بلدية إسطنبول الذي فر من اجتماع الزلزال، هرع إلى مؤتمر حزب الشعب الجمهوري حول سوريا في إسطنبول، وألقى كلمة الافتتاح في المؤتمر الذي يدعي أن عملية تركيا العسكرية شرقي الفرات بهدف تطهيرها من تنظيم PKK الإرهابي غير ضرورية".

واعتبرت الصحيفة أن: "الفضيحة الكبرى خلال المؤتمر هي حضور زعيم المعارضة التركية كمال كيليتشدار أوغلو إلى جوار الأكاديمي الأمريكي إيمي أوستن هولمز، الذي سبق وأن عرض صورا التُقطت له مع عناصر من تنظيم PKK الإرهابي".

وفي وقت سابق تسبب إمام أوغلو بغضب الشارع التركي، على خلفية تغيبه عن إسطنبول فور تسلمه منصب رئاسة البلدية، ووقوع فيضانات تسببت بأضرار مادية جسيمة لمئات المحال التجارية، في منتصف أغسطس/ آب الماضي. 

ووجه مواطنون أتراك انتقادات لاذعة له حينها بسبب وجوده في إجازة في مدينة "بودروم" خارج إسطنبول رغم كل التحذيرات من أمطار غزيرة.

يذكر أن رئيس البلدية ادعى حينها أن التحذير من هطول الأمطار لم يصله إلا قبل دقائق من بدء العاصفة، إلا أن المديرية العامة للأرصاد الجوية ردت عليه في بيان لفتت فيه إلى أنها حذرت على مدى 3 أيام سابقة من هطول غزير للأمطار في إسطنبول، وليس مجرد أمطار عادية كما ادعى. 

وذكرت صحيفة يني شفق أن: "إمام أوغلو، يداوم على حضور الحفلات الموسيقية في بودروم وغيرها، وكأنه رئيس بلدية المدينة حيث يحضر جميع حفلات الموسيقى (زولفو ليفانلي) التي تنعقد مرة شهريا والرابعة كانت في بودروم".

صورة إمام أوغلو في فرنسا عقب الزلزال، والتي أغضبت المواطنين

خيبة أمل 

في 23 سبتمبر/ أيلول الماضي، أعلنت شركة أبحاث الحالة العامة والاستشارات في تركيا، نتائج استطلاع رأي أجرته عن مدى رضا سكان إسطنبول عن رئيس بلديتهم، وخلصت نتائج استطلاع إلى أن 51.8%، من الناخبين غير راضين عن إمام أوغلو.

وصرح عبد اللطيف كوش موظف بإحدى شركات الأمن الخاصة بإسطنبول لـ"الاستقلال": أن "كثيرا من سكان المدينة يشعرون بخيبة أمل بالغة إزاء رئيس البلدية أكرم إمام أوغلو، لم نتوقع أن يكون أداء رئيس البلدية الجديد بهذا الشكل الكارثي، ففي غضون أيام قليلة أصبحت إسطنبول مليئة بالأزمات، بداية من المواصلات، وارتفاع أسعارها، وسوء خدماتها، إضافة إلى ارتفاع أسعار الخبز، والحليب، كل ذلك مس حياتنا بشكل سلبي". 

وقال عبد اللطيف: "انشغال إمام أوغلو بالصراع مع حزب العدالة والتنمية، جعله ينحرف عن مهمته الأساسية في تقديم خدمات أفضل للمواطنين، وحل مشاكل إسطنبول بشكل كامل، فالذين صوتوا له في الانتخابات، كانوا ينتظرون منه ذلك، مع وعوده بأن كل شيء سيكون جميلا، والعكس هو الذي حدث، فكل شيء قد صار سيئا".