لماذا هاجمت فورين بوليسي "ديمقراطية الأسواني"؟

قسم الترجمة - الاستقلال | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا عن الكاتب الروائي المصري علاء الأسواني، ذكرت فيه أن الكاتب يسبح عائدا إلى السياسة في لحظة ثورية؛ ولكنه لم يحدد ما الذي يناضل من أجله؟

وقالت المجلة الأمريكية: إن شخصا جديدا أشعل نار الاحتجاجات ضد رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، والتي اجتاحت مصر منذ 20 سبتمبر/أيلول الماضي.

وتابعت: أن "ناشطي ثورة يناير المصرية 2011، تحفظوا بشكل كبير على التفاعل مع الممثل المصري محمد علي، والذي أشعلت فيديوهاته المعارضة فتيل هذه الموجة الثورية الجديدة، ولكن كانت هناك بعض الاستثناءات".

وبدأ المصريون بالتظاهر مجددا بعد أن نشر محمد علي المقيم في منفاه بإسبانيا، مقاطع فيديو تثبت فساد السيسي وضباط من الجيش المصري، وبنائهم للقصور والفيلل "من أموال الشعب المصري".

وتناولت المجلة موقف الأسواني قائلة: "الكاتب الروائي العالمي المشهور، والناشط السياسي الذي وقف في ميدان التحرير في 25 يناير 2011 ليقدم دعمه للانتفاضة التي أطاحت بالديكتاتور المعمر حسني مبارك، استخدم منصته على مواقع التواصل الاجتماعي فورا، ليعلن أن الاحتجاج ضد السيسي لحظة تاريخية".

تناقضات الأسواني

وذكرت أن الأسواني كتب من منطلق خبرته السياسية مقالا لصحيفة دويتشه فيله الألمانية، موضحا كيف يتجنب الثوار الحاليون الأخطاء التي ارتكبت في الانتفاضة السابقة، مذكرا متابعيه بضرورة تجاهل الرافضين، ومشجعا الحركة الجديدة على الالتزام بنضالها إلى أن تتحقق أهدافها بالكامل، ويتم انتخاب قيادة واضحة وحاسمة، وأن ترفض كليا التسوية مع النظام القديم.

وقالت المجلة: إن قرار الأسواني بارتداء العباءة الثورية مجددا شرّع للاحتجاجات الحالية، كونها امتدادا لمطالب ميدان التحرير الشعبية بالديمقراطية والليبرالية.

 وفي الوقت ذاته سلط هذا القرار، الضوء على تناقضات الأسواني السياسية والتي هي نفسها تعكس تناقضات أعمق في السياسة الثورية المصرية منذ عام 2011. 

هذه المواقف المتناقضة لم يتم حلها بواسطة المشاركة السياسية الأخيرة للأسواني بل إن صح القول، فقد تزايدت.

واختارت المجلة الأسواني كمثال وممثل لفئة من الليبراليين العلمانيين المصريين، الذين، على الرغم من عقود الكفاح من أجل الديمقراطية والليبرالية في مصر، بتضحيات شخصية هائلة، إلا أنها تخلت عن تلك الالتزامات بشكل مذهل في الفترة التي سبقت أحداث 3 يوليو/تموز 2013، عندما أطاح الانقلاب بالرئيس المنتخب ديمقراطيا، محمد مرسي.

وأبدى معظمهم دعمهم المتحمس للانقلاب العسكري الذي أجهض التجربة الديمقراطية القصيرة في مصر، بل ذهب الكثيرون إلى أبعد من ذلك بالسكوت عن مجزرة أغسطس/آب 2013 التي راح ضحيتها نحو 1000 متظاهر سلمي في ميدان رابعة العدوية في القاهرة. 

وأكدت المجلة الأمريكية على أن الأسواني، لم يكن مستثنى بأي حال من الأحوال من هذا التناقض المتغير، وأنه قبل أحداث 2011، كانت مواقفه صريحة تجاه مشاركة الإخوان المسلمين في العملية الديمقراطية.

موقفه من الإخوان

وذكرت أن مقالاته السابقة للثورة في صحف معارضة مثل "الدستور" و"الشروق"، تثبت اعترافه بشيطنة نظام مبارك للإخوان المسلمين كحيلة لإحكام قبضته الحديدية على البلاد. وحتى لو لم يكن متوافقا أيديولوجيا مع "الإخوان"، فقد أكد على ضرورة الوحدة الوطنية. 

وفي كتابه عن حالة مصر: "ما الذي تسبب في الثورة؟"، كتب: "على الرغم من اختلافاتنا السياسية والأيديولوجية، فقد اجتمعنا لأداء واجبنا الوطني"، ثم انتقل إلى تحذير قارئه بأن نظام مبارك "بالغ عن عمد في تضخيم دور ونفوذ جماعة الإخوان المسلمين لاستخدامها كفزاعة ضد أي شخص يدعو للديمقراطية".

وذكرت المجلة: أن الأسواني دخل ميدان التحرير في يناير 2011 بأخلاقيات التحرر هذه، ولكن مع تقدم الثورة، تضاءلت هذه المشاعر، وأصبحت مواقف الأسواني تزداد خصومة تجاه جماعة الإخوان المسلمين، وأنه فقد الثقة "ظاهريا" في العملية الديمقراطية.

وقدم الروائي المصري بحماس دعمه لإزاحة مرسي بالقوة عن طريق الانقلاب العسكري، معتبرا صعود السيسي صفقة فاوستية (كلمة معناها صفقة بيع النفس للشيطان) للحفاظ على طموحات ثورة 2011.

وقالت: إنه وفقا لذلك، لا يمكن فصل انتقادات الأسواني الشجاعة والملفتة للانتباه للسيسي خلال الأيام القليلة الماضية، عن هوسه حول التهديد المفترض للإخوان المسلمين على المجتمع المصري، والذي دفعه إلى دعم انقلاب يوليو/تموز 2013 وصعود السيسي نفسه لسدة الحكم.

وتعرضت المجلة لموقف الأسواني من موت الرئيس مرسي، قائلة: "إن رد فعله الغامض منذ بضعة أشهر هو أمر بالغ الأهمية، حيث أنه اعترف بمسؤولية نظام السيسي عن الإهمال الطبي الواضح لمرسي أثناء فترة سجنه، إلا أنه أكمل عموده بعدها بالرسوم الكاريكاتورية المهينة لجماعة الإخوان المسلمين باعتبارها جماعة إرهابية خائنة ليلمح ضمنا أنها تتقاسم المسؤولية عن وفاة الرئيس السابق".

واستنكرت المجلة هذه "الخطوة المسرحية البغيضة، حيث شكك الأسواني في أن مرسي رئيس منتخب ديمقراطيا، معتمدا على التهمة -المشكوك فيها- المتمثلة في أن جميع الانتخابات التي فاز بها الإخوان كانت تتم فيها رشوة الناخبين الفقراء إما بالمال أو المواد الغذائية الأساسية مثل الزيت والسكر.  تهمة، دون أن يقدم عليها أي دليل على الإطلاق".

وتابعت: أنه "وفقا لمقالاته السابقة، فقد أنهى خطابه بشعار (الديمقراطية هي الحل)، رد ذكي على شعار الإخوان المسلمين (الإسلام هو الحل)".

وأضافت: أنه "إذا كانت الديمقراطية حقا هي الحل كما يقول الأسواني، فربما ينبغي عليه أن يكون على استعداد لإعادة النظر في دعمه لإحباط العملية الديمقراطية عن طيب خاطر في يوليو/تموز 2013".

وأردفت المجلة: "ربما تكون إزالة رئيس غير محبوب من خلال القنوات الديمقراطية المناسبة أكثر انسجاما مع الرأي الذي يطرحه الأسواني في مقالته الأخيرة".

ركوب الموجة

ويقدم الأسواني شرحا إضافيا حول سبب وجوده في الجولة الأخيرة من الاحتجاجات بشكل خاص، بالنظر إلى أن سياسات السيسي فشلت في توفير حتى الأمن الاقتصادي الأساسي للمصريين، حيث يشير الروائي إلى دعم ما يسميه "المواطن المستقر" باعتباره أكبر ضحية لحكم السيسي.

المواطن المستقر، الذي دعم السيسي في عام 2013 ليس باسم الطموحات الثورية ولكن لمجرد الحفاظ على الاستقرار المادي، قد أدرك أخيرا أن زعيمه الحالي قد خدعه. 

وفقا لذلك، حفز هذا المواطن المستقر إلى حد كبير الجولة الأخيرة من "التمرد"، ولكن ليس باسم الأهداف السامية المتمثلة في الحرية أو الديمقراطية؛ ولكن رفضا للفقر المدقع الذي سببه حكم السيسي.

وفي ذات السياق ذكرت المجلة أن هذا بالطبع مشجع للأسواني على الاعتراف، أن هذا الموقف لا يرقى إلى حقيقة أنه هو نفسه دعم السيسي في عام 2013، ليس فقط على أساس الاستقرار الاقتصادي ولكن للحفاظ على أهداف الثورة التي تم إطلاقها في عام 2011.

كما أنه لا يشير في مقاله إلى أي إعادة نظر في تقديم دعمه المستمر لحرب استنزاف شاملة ضد الإخوان المسلمين.  وبناءا عليه يبدو-على حد قول المجلة- أن الأسواني لم يعد التفكير سوى في "ديمقراطيته العمياء".

وقالت المجلة: إنه "على الرغم من كون رؤية الأسواني الحالية منفتحة بشكل متزايد على حالة الفوضى التي أحدثها السيسي في المجتمع المصري، إلا أنه مع ذلك، لا يزال دور الأسواني كشخصية معارضة ملوثا -بشكل لا يطاق- من جنون العظمة الذي ادعاه حول دور الإخوان في تخريب الطموحات الثورية، الموقف الذي يبرر بالضرورة الإجراءات العقابية الأكثر بشاعة في الرد عليهم".

من خلال القيام بذلك، فإن موقف الأسواني المتناقض بين دعم المطالب الثورية من جهة والبقاء على استعداد لاستخدام أكثر التدابير وحشية ضد جماعة الإخوان من ناحية أخرى، يدعم تحديدا الرواية المتكررة عن "الإسلام السياسي" المبالغ فيها والتي يروجها السيسي نفسه لرفض ومواجهة الاحتجاجات.

وأضافت المجلة: أنه "لكي تستعيد الكتلة الليبرالية في مصر ثقلها في خدمة هذه الحالة الثورية، سيحتاج الليبراليون مثل الأسواني إلى الدفاع بصعوبة عن مشروعهم السياسي وأهدافه وقيمه النهائية، ولكنهم سيضطرون لإعادة النظر بشكل أساسي في أسس هذا المشروع وإعادة ضبطه حسب الضرورة".

وأكدت: أنه "في الحالة المصرية، هناك حاجة لإعادة التفكير في الأسس العسكرية العلمانية التي تأسست عليها الليبرالية في مصر في نهاية المطاف بالقرن التاسع عشر، والتي أنتجت خصومة للدين بشكل ممنهج لدرجة أنه حتى الجيل الأول من الليبراليين المصريين كانوا على استعداد للتحالف مع دولة استبدادية قوية بشكل واضح سعيا وراء سعيهم لتأسيس رعايا ليبراليين".

وتختم المجلة: "يجب على الأسواني وأمثاله أن يدركوا أنه في مواجهة الشعوبية الاستبدادية المتجددة التي تحدث في مصر، فالوضع الراهن لم يعد صالحا للدفاع عن نموذجهم في الليبرالية من الهجوم الشامل الذي يشن ضدها. ولكي يتم إنقاذ الليبرالية وتمكينها، سيحتاج الليبراليون إلى ممارسة قدر كبير من التأمل".