زيارة عبدالمهدي لبكين.. هل يرهن العراق نفطه للصين مقابل مشاريع؟
.jpg)
تُوجت زيارة وفد عراقي كبير قوامه 56 مسؤولا يقوده رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي إلى الصين، بتوقيع 8 اتفاقات ومذكرات تفاهم بين البلدين، إلا أن أطرافا سياسية عراقية وصفت الخطوة بأنها "خطيرة" تنذر برهن نفط البلد لسنوات طويلة.
لكن عبدالمهدي الذي جعل شعار زيارته إلى الصين هو "الربط بين الشرق الأقصى والشرق الأدنى"، يتطلع إلى أن تكون الصين شريكا للعراق في عملية إصلاح البنى التحتية، لأنه يراها مسألة أساسية، لتقديم الخدمات للعراقيين.
اتفاقيات بالمليارات
الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الموقعة بين البلدين، كانت في المجالات المالية والتجارية والأمنية والإعمار والاتصالات والثقافة والتعليم والخارجية.
وفي مقدمة الاتفاقات ومذكرات التفاهم الموقعة، اتفاق تنفيذ آليات الاتفاقية الإطارية بين وزارة المالية والوكالة الصينية لضمان الائتمان (ساينه شور)، واتفاق التعاون الاقتصادي والفني.
وقعت أيضا مذكرة تفاهم بين وزارة المالية العراقية ووزارة التجارة الصينية بشأن التعاون لإعادة الإعمار بعد الحرب في العراق، ومذكرة تفاهم بين وزارة الاتصالات والمكتب الصيني للملاحة الجوية في الأقمار الصناعية.
إضافة إلى مذكرات تفاهم أمني بين وزارة الداخلية العراقية والأمن العام في الصين، وأخرى بين وزارتي الخارجية العراقية والصينية بشأن الأراضي المخصصة للبعثتين الدبلوماسيتين، وثالثة بين وزارة التعليم العالي ومكتب الإعلام في مجلس الدولة لإنشاء المكتبة الصينية في جامعة بغداد، فضلا عن مذكرة تفاهم البرنامج التنفيذي للتعاون الثقافي.
تلك الاتفاقيات يرى العراق أن غطاءها سيكون النفط، لأنه بالأساس يصدر إلى الصين، وبالتالي فهنالك ضمانات جيدة بين الطرفين، ومن مصلحة الصين أن تتعامل مع العراق.
وتعول الأوساط الحكومية والاقتصادية كثيرا على الشراكة بين البلدين على المديين المتوسط والبعيد، نظرا لحجم الأموال التي يتوقع أن تنفق في هذا الاتجاه، حيث كشف عبد الحسين الهنين مستشار رئيس الوزراء العراقي، أن "حجم الأعمال بين العراق والصين سيتجاوز الـ500 مليار دولار خلال الـ10 سنوات المقبلة".
وأوردت تقارير صحيفة، نقلا عن مصدر مقرب من الحكومة العراقية ذلك، أن "الاتفاق الإطاري للإنفاق عبر الصندوق الائتماني المالي من بين أهم الاتفاقيات التي أبرمت مع الجانب الصيني، والاتفاق طويل الأمد بين البلدين سيشجع الشركات الصينية المعروفة على المزيد من الاستثمارات في العراق.
ورأى المصدر، أن "الصين استنادا للاتفاقيات الأخيرة ستكون من أكبر البلدان المستوردة للنفط العراقي، وهي اليوم تستورد بحدود 800 ألف برميل من النفط يوميا من العراق وأتوقع ارتفاعها إلى المليون في السنة المقبلة".
"رهن للنفط"
لكن رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، حذر من الدخول "بعمق" مع الصين، وقال إن مسألة النفط مقابل الإعمار دخلنا في نقاش تفصيلي مع بكين، هم كانوا يريدون وضع صندوق، وأنا تحمست له في وقتها، لكن عندما دخلنا في التفاصيل "ظهر الجني".
وتساءل العبادي: هل يراد رهن نفطنا، هل يريدون السيطرة على شيء ما؟ يجب أن نكون حذرين في هذه الجانب. والصين الآن قوة اقتصادية كبرى في العالم وتريد أن تمتد، وداخلة في محاور صراع، يجب ألا يكون العراق جزءا منه.
وشدد على أن الحصول من الصين على شيء يساعد البلد سيكون ممتازا، لكنه نوه إلى أن عبدالمهدي ذهب للتعاقد مع شركات صينية ليست حكومية في بداية زيارته، وبعد 3 أيام رتبت الزيارة الرسمية، وواضح أن الزيارة كانت غير مدروسة، والاتفاقيات لم تكن إستراتيجية، سوى واحدة حكومتنا أبرمتها سابقا، وباقي الاتفاقيات كانت جزئية.
وألمح إلى أن زيارة عبد المهدي كانت مستعجلة، لشيء يتعلق في حكومته والوضع في العراق قد يحصل، متمنيا أن تدرس الحكومة الحالية ما وصلت إليه الحكومة السابقة من اتفاقيات مع الصين عن طريق تمويل النفط وصلنا إلى مراحل أخيرة في وقتها.
هذه التحذيرات والتخوفات، يراها عبد الحسين الهنين مستشار رئيس الحكومة العراقية، بأنها غير مبررة بالقول: "لا وجود للمخاوف، فنحن أساسا نبيع النفط للصين يوميا بحوالي 60 مليون دولار، والأموال متأخرة من الأصل عند الصين".
ولفت الهنين إلى أن "التخوفات موجودة لدى أغلب العراقيين، وموجودة لدى أغلب المعترضين، فكل اتفاقية نعقدها سواء مع السعودية أو أمريكا أو ألمانيا، يعترضون لأسباب نجهلها. نتفق مع من حتى يتفقون معنا؟".
وردّ مستشار الحكومة على "المتعجلين" برؤية نتائج الاتفاقيات مع الصين بالقول: "من يتوقع أن تأتي حاويات المعدات لإنشاء سكك الحديد والمدن الصناعية قبل عودة رئيس الوزراء من الصين، لا يفهم شكل الدولة لذلك يصرح ما يشاء، فهناك آليات وبها تمويل وتصاميم وبرامج.. إلخ".
وأكد الهنين، أن "أغلب نواب البرلمان العراقي هم مع الاتفاقيات، وحتى المعارضين منهم متفقون معنا، ويوجهون لنا الأسئلة حول الموضوع وكلها مبررة"، مستغربا من يعترضون على "عقد اتفاقيات مع الصين تتعلق بالمجاري والاتصالات والسكك الحديدية والطرق والمدارس والمستشفيات".
المعسكر الشرقي
زيارة الحكومة العراقية إلى الصين، والتي تكفلت بكين بكامل مصاريفها، تقرأ على أنها محاولة من عبدالمهدي لكسر جدار الهيمنة الأمريكية على بنية الدولة العراقية ومؤسساتها.
الخطوة هذه، إلى جانب خطوات أخرى، تستبطن نَفَس الانعتاق من القيود الأمريكية والمضيّ نحو المعسكر الشرقي، وسط حديث عن أن واشنطن "غير مرتاحة لهذه الحكومة"، وقد يكون من الأسباب الدافعة للإطاحة عبدالمهدي، وفقا لتقارير إعلامية.
يبدو أن الأمور تواصل السير بما لا تشتهيه الولايات المتحدة، خصوصا وأن بغداد تحاول جدّيا التخلص من القيود الأمريكية التي استحكمت بالبلاد طوال العقد الماضي.
وتضع مصادر سياسية عدة خطوات عبد المهدي، منذ المضيّ قدما في التعاقد مع شركة "سيمنس" الألمانية لتطوير القطاع الكهربائي على حساب شركة "جنرال إلكتريك" الأمريكية، ثم التأجيل "غير المبرّر" (من الجانبين) للقاء ترامب - عبد المهدي.
هدف الزيارة إلى الصين، وفق عبدالمهدي، كان "تكوين علاقات إطارية للشراكة الإستراتيجية، لينهض العراق ويعيد بناء بنيته التحتية واقتصاده ومجتمعه، ويحقق تقدما ملموسا في التخلص من عوامل البطالة والفقر والأمية والتخلف".
من شنغهاي، قال رئيس الحكومة العراقية: "إننا ننتمي إلى آسيا... ونريد أن نكون جزءا من نهوضها، والصين في مقدمة الدول التي تقود نهضة الشرق"، مضيفا أن بلاده تسعى للتعاون والشراكة مع جمهورية الصين الشعبية، وبناء علاقات عميقة وممتدة ومستدامة.
وعلى عكس ما قال العبادي بأن الزيارة مستعجلة وغير مدروسة، أكدت مصادر حكومية، أن "رئيس الوزراء خطّط لهذه الزيارة منذ وقت مبكر، وتبنّى تأسيس صندوق الائتمان المشترك من الواردات النفطية، مقابل الإعمار من قِبَل الجانب الصيني".
كما أعلن عبد المهدي، خلال لقائه بالرئيس الصيني شي جينبينغ، انضمام بلاده إلى مشروع الصين الضخم للبنية التحتية، والمعروف بمبادرة "حزام وطريق" المشتملة على مشاريع عالمية ضخمة من موانئ وسكك حديد ومجمّعات صناعية تمتدّ في أنحاء آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا، وسيتمّ استثمار تريليونات الدولارات في إطارها.
طوق نجاة
ما أقدم عليه عبد المهدي لم يكن جديدا، فقد سبقه بها سلفة العبادي الذي زار الصين عام 2015، لكن شيئا لم ينفذ على أرض الواقع، والذي يعزوه رئيس الوزراء العراقي السابق إلى تواجد "تنظيم الدولة" في البلد والحرب القائمة ضده بذلك الوقت.
أما بخصوص الاتفاقيات الجديدة التي أبرمها عبدالمهدي، فإن الخبير الاقتصادي العراقي، خطاب عمران الضامن، يرى أن دخول الشركات الصينية للأسواق العراقية تُعتبر طوق نجاة للاقتصاد العراقي، من خلال إحلال الواردات الإيرانية منخفضة الجودة، بواردات صينية أكثر كفاءة مع إمكانية توطين الاستثمارات الصينية في العراق، وجذب الخبرات الصينية للسوق العراقية وخلق فرص عمل واعدة.
فيما اعتبرت الخبيرة الاقتصادية العراقية، سلام سميسم، الاقتصاد العراقي "مختنقا بسبب الصراعات السياسية المتمثلة بالصراع بين إيران والولايات المتحدة"، مشيرة إلى أن زيارة رئيس الوزراء العراقي تأتي في إطار "محاولات إنقاذ الاقتصاد".
وأشارت سميسم إلى أن "الصراع السياسي في العراق امتد إلى إدارة المرافق والأموال الحكومية، من خلال الطعن بالتقارير المحاسبية، وحاليا تتولى كبرى الشركات العالمية مهمة إدارة عمليات التدقيق المحاسبية في العراق، لأن هناك أيادي إيرانية خفية تحرك نقابة المحاسبين".
وفي يناير/ كانون الثاني 2016، أيضا لجأ العراق إلى الصين، حيث أعلنت لجنة النفط والطاقة البرلمانية العراقية، أن بغداد تدرس مقترحا لبيع النفط إلى الصين بنظام الرهن لمدة سنتين أو أكثر.
لكن مقترح رهن النفط العراقي قبل 3 أعوام، كان لأسباب التخلص من شبح الأزمة المالية التي عانى منها البلد بسبب نزول أسعار النفط عالميا ما دون الـ25 دولارا للبرميل الواحد.
المصادر
- عبدالمهدي يغادر الى الصين على رأس وفد كبير
- مستشار عبد المهدي: زيارة الصين لم تكلف العراق فلساً واحداً
- زيارة “عبدالمهدي” للصين .. هل يمكنها إنقاذ الاقتصاد العراقي من الهيمنة الإيرانية ؟
- العراق يوقع 8 اتفاقيات ومذكرات تفاهم مع الصين
- الحكومة «تحجّ» إلى الصين: تنويع الخيارات لا يُرضي واشنطن
- العراق يعتزم رهن نفطه للصين لمواجهة الأزمة المالية