انتهت ولايته منذ 2009.. من يخلف الرئيس الفلسطيني محمود عباس؟

أحمد علي حسن | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مسمار جديد دُق في النعش السياسي للرئيس الفلسطيني محمود عباس، بعد أن بدأ المجلس التشريعي أخيرًا سحب البساط من تحت قدمي الرجل الذي يتشبّث في كرسي السلطة رغم انتهاء ولايته منذ عام 2009.

الرئيس الذي يقود السلطة الفلسطينية منذ يناير/كانون الثاني 2005 وحتى اليوم، أفرزته انتخابات رئاسية بعد رحيل سلفه ياسر عرفات في 2004، لكن فترة حكم "أبو مازن" عجّت بطابور من المشاكل السياسية التي لم يستطع حلها.

أشهر من الخمول خيّمت على الوضع الرئاسي الفلسطيني في ظل وجود عباس، لكن الحديث نشط مجددًا على إنهاء ولايته عقِب قرار لم يبدُ مفاجئًا، أصدره النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي أحمر بحر، في 11 سبتمبر/أيلول الجاري.

"المحكمة الدستورية أقرت انتهاء ولاية الرئيس، واستمرار عمل المجلس التشريعي حتى الانتخابات القادمة"، هذا نص القرار الذي تحدث فيه "بحر"، والذي أعقبته مطالبة "بسد الفراغ الدستوري وملء الشاغر لرئاسة السلطة".

القرارات غير المفاجئة، أُرفقت بدعوة لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية وأخرى للمجلس الوطني، واعتمدت على مواد القانون الفلسطيني الأساسي لعام 2003، وتعديلاته التي أُقرت في 2005.

أحمد بحر النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي

البيئة القانونية

رغم أن المجلس التشريعي أقر تطبيق قرار المحكمة الدستورية الصادر بتاريخ 24 يونيو/حزيران 2019، فإن للحالة الفلسطينية الراهنة رأي آخر، شرحه المحلل السياسي الفلسطيني محمد حامد العيلة.

العيلة، وفي حديث لـِ "الاستقلال" قاس الأمر وفقًا للبند الخامس من المادة 24 في قانون المحكمة الدستورية رقم 3 لسنة 2006، والذي يمنحها حق البت في الطعن بفقدان رئيس السلطة الأهلية القانونية، واعتبار قرارها نافذًا من تاريخ إقرار المجلس التشريعي بأغلبية ثلثي عدد أعضاءه.

واستدرك: "لكن البيئة القانونية والسياسية الفلسطينية في هذا التوقيت غير مناسبة لهذا القرار، كما أن مصدر الشرعية لا يقتصر على صندوق الاقتراع في ظل تعمّق الانقسام (بين حركتي حماس وفتح) سياسيًا وإداريًا في الضفة الغربية وقطاع غزة".

المحلل السياسي استبعد تطبيق قرار المحكمة الدستورية، معللًا ذلك بـِ"عدم وجود سلطة فعلية لها على الضفة الغربية"، نتيجة الانقسام الداخلي المتواصل منذ سيطرة حركة "حماس" على غزة في 2007.

الرئيس عباس يسيطر على عدّة مواقع سيادية في فلسطين

القرار، من وجهة نظر "العيلة"، سيبقى رمزيًا وسيُوظف داخليًا في المناكفات السياسية، على غرار قرار أبو مازن حل المجلس التشريعي هذا العام، لكن قرار الدستورية سيُؤثر سلبًا على مكانة الرئيس خارجيًا، وسيحرجه في المحافل الدولية، خاصة أنه جاء قبل أيام من جلسات الجمعية العمومية للأمم المتحدة.

وأعلن الرئيس الفلسطيني، في ديسمبر/كانون الأول، قرار المحكمة الدستورية القاضي بحلّ المجلس التشريعي، ودعا لانتخابات تشريعية فقط خلال 6 أشهر، وهو ما لاقى ردود فعل مندِّدة من قبل فصائل فلسطينية على رأسها "حماس".

هل انتهى سياسيًا؟

المحلل السياسي أكد أن الحياة السياسية لـ"أبو مازن" لم تنتهِ، لكن خطاباته أصبحت أشبه بتلك التي ترددها قوى المعارضة، "وهو ما أدى إلى تراجع في أعداد الزعماء الذين يلتقون به".

وذكّر  "العيلة" بأن "عباس يسيطر على عدّة مواقع سيادية في فلسطين، مثل رئاسته للسلطة واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، إضافة إلى كونه رئيسًا لحركة فتح التي تُهيمن على السلطة".

وأضاف، في سياق سلبيات فترة حكمه: "منذ توليه، حدث انقسام وطني، كما أنه أقصى تيارًا عريضًا من (حركة) فتح. وعلى صعيد منظمة التحرير جرت انتخابات للمجلس الوطني، دون رغبة أحزاب داخلها وخارجها، ما تسبب في انقسامات فيه".

وعطفًا على ما سبق، أكد "العيلة" أن غيابه (عباس) المفاجئ عن المشهد دون أن يترك خارطة طريق (حول من يخلفه)، سيترتب عليه تعقيد للحالة الفلسطينية، وفوضى داخل الجهات الثلاث التي يرأسها، وهو ما سيُؤثّر على القضية عمومًا".

الرئيس الفلسطيني دخل المستشفى عدة مرات مؤخرًا بسبب وضعه الصحي

تصريح النائب الأول للمجلس التشريعي، رافقته مطالبة للبرلمانات العربية والإسلامية والدولية والاتحادات البرلمانية، ومنظمات المجتمع الدولي، بعدم التعامل مع رئيس منتهية ولايته، واتخاذ المقتضى القانوني بحقه.

وتضمّن التصريح أيضًا، إشارة إلى أن المجلس التشريعي سيُرسل رسائل بهذا الخصوص لكل المعنيين محليًا وإقليميًا ودولياً، "تحقيقًا للعدالة وإرساءً لمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان".

مطلع العام الجاري، بعثت 80 مؤسسة مجتمع مدني بغزة، رسالة إلى "مجموعة الـ 77+"1 التابعة للأمم المتحدة بانتهاء ولاية عباس وعدم شرعيته"، داعيةً إلى التعامل معه "كمغتصب للسلطة ومنقلب على الدستور".

دون صلاحيات

رغم أن عضو المجلس الثوري لحركة فتح، والعضو السابق بالمجلس التشريعي، عبد الله عبد الله، قال إن تصريحات بحر "لا تستحق الرد"، فإنه أشار إلى أن الأخير "انتهت نيابة صلاحياته كنائب أول للمجلس التشريعي".

ورأى عبد الله في تصريحه لموقع "دنيا الوطن" المحلي أن "هذه القرارات لا قيمة لها (..). وهو (أي بحر) اغتصب الموقع بدون وجه حق"، معتبرًا أن هذا الكلام في الوقت الحالي يصب في خانة الاحتلال الإسرائيلي.

وزاد النائب عن "فتح" في هجومه على قرار بحر، قائلًا: "هذه التصريحات تمثل تخريبًا للصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني وقيادته في وجه المؤامرات التي تُحاك لإنهاء القضية"، على حد قوله.

وسار نائب رئيس حركة "فتح"، محمود العالول، على خطا عبد الله، قائلا: "تصريحات القيادي في حماس (بحر) تعني الدعوة للذهاب باتجاه صراعات داخلية ثانوية، وبالتالي الاصطفاف إلى جانب السياسة الأمريكية والإسرائيلية".

العالول أضاف في تصريح لإذاعة "صوت فلسطين" الرسمية، أنه "من المفترض بكل فلسطيني إعطاء الأولوية للتصدي للسياسة الأمريكية والإسرائيلية، والوقوف إلى جانب الحق الفلسطيني، والالتفاف حول الموقف الذي يمثله الرئيس".

جملة هذه التصريحات، لاقت ردًا من قيادات حركة "حماس" ونوابها في المجلس التشريعي، التي تطالب عباس منذ عام 2009، بالرحيل عن السلطة، بعد انتهاء ولايته.

الرد على تصريحات الحركة التي يرأسها "أبو مازن"، أخذته "الاستقلال" من الأمين العام للمجلس التشريعي الفلسطيني، نافذ المدهون، الذي أكد أن عباس "انتهت ولايته منذ 8 يناير/كانون الثاني 2009".

نافذ المدهون الأمين العام للمجلس التشريعي الفلسطيني

وأوضح أنه كان من المفترض آنذاك أن يترك عباس منصب الرئيس، وأن يحل المجلس التشريعي مكانه لإدارة شؤون البلاد مدة  60 يومًا، على أن يدعو رئيسه لانتخابات رئاسية، وذلك وفقًا لأحكام القانون.

وقال المدهون: "عام 2009، اتخذنا -في المجلس التشريعي- مجموعة قرارات بعدم شرعية عباس، لكنه استمر في التمسك بالمنصب"، مستدركًا: "لم تكن هناك إمكانية أو آلية لتطبيق القرار في الضفة الغربية (التي تسيطر عليها السلطة)".

عجز تطبيق القرار، أرجعه المدهون إلى وجود الاحتلال الإسرائيلي الذي وصفه بأنه "صاحب الهيمنة الحقيقية في الضفة"، مشيرًا إلى أن السلطة في رام الله تمارس الضغوط على الفلسطينيين الذين لم يستطيعوا تنفيذ القرار".

معوقات التطبيق

من وجهة نظر الأمين العام للمجلس التشريعي، فإن "تطبيق القرار يصطدم بأربعة معوقات، الأول متعلق بالاحتلال، والثاني بهيمنة السلطة على إرادة الشعب، أما الثالث فيتمثل بضبابية موقف الفصائل، والرابع هو غياب القوة في تنفيذه طوعًا".

وفي الوقت الذي قال فيه إنه "لا توجد قوة تستطيع إنفاذ القرار"، كشف عن آلية لتطبيقه على المستوى الدولي من خلال التنويه بأن الدستور الفلسطيني والقانون الأساسي، لم يعُد يعترف بعباس رئيسًا للسلطة، وهذا جزء من عملية التنفيذ.

وأشار المدهون إلى أن "أجزاء أخرى (من تطبيق القرار) تتحملها الفصائل، إذ لا بد أن تجتمع منظمة التحرير والفصائل الإسلامية من أجل التأكيد على تنفيذه، والبدء بتشكيل مؤسسة أو عقد مؤتمر وطني من أجل تحديد آليات ذلك".

واعتبر أن محاولة "أبو مازن" إيهام العالم أنه يمثل الفلسطينيين، يحتاج حملة توعية عالمية، من أجل توضيح حقيقة منصب الرئاسة وشغوره، وبالتالي إعادة النظر في النظام الفلسطيني ومؤسساته، وفقًا للشرعية والقانون الدولي. 

واستبق المدهون رد فعل عباس المتوقع على تلك الخطوة، قائلًا إنه "سيرفض، وسيُصر على التمسك بمنصبه (..)، وما يقوم به مخالف للقانون، ويمثل اغتصابًا للسلطة. من انتهت ولايته دستوريًا الأصل أن يكون انتهى سياسيًا".

من يخلفه؟

في حالة شغور منصب الرئيس بموجب قرار المحكمة الدستورية، فإنه يستوجب إجراء انتخابات لسد الفراغ الرئاسي، وهذا الأمر يرفع أسماءً لشخصيات سيكون لها الحظ في أخذ مكان الرئيس.

لكن الوضع الفلسطيني له خصوصيته بعيدًا عن حسابات الانتخابات وما ستفرزه من نتائج في حال أُجريت، والأمر هنا متعلق بتدخل "إسرائيل"، ناهيك عن عامل الضغوط والخارجية، والانقسام المتواصل.

أما فيما يتعلق بمن يخلف عباس، فالكاتب الفلسطيني، وسام عفيفة، وضع الأمر في زاوية هي الأبرز تعقيدًا، لأن غياب الرئيس -لسبب أو لآخر- سيخلق أزمة في طريقة اختيار من يخلفه، خاصة إذا رحل بشكل مفاجئ.

وأرجع عفيفة السبب في هذا التعقيد إلى غياب النظام السياسي بشكل واضح، خاصة بعد سلسلة القرارات التي اتخذها الرئيس عباس مؤخرًا، وتآكل الشرعيات التي لا تسمح بوجود نائب له، مع غياب الآليات المتعلقة بذلك نتيجة الانقسام.

المحلل السياسي، قال إن بورصة الأسماء متعددة وكثيرة، فمن الناحية الأمنية يمكن الحديث عن اللواء ماجد فرج، رئيس جهاز المخابرات العامة (أكبر الأجهزة الأمنية في فلسطين)، كرئيس يخلف عباس.اللواء ماجد فرج، رئيس جهاز المخابرات العامة

أما من الناحية السياسية، فأشار عفيفة إلى أسماء مثل "صائب عريقات (أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير)، وجبريل الرجوب (أمين سر اللجنة المركزية لحركة "فتح")، ومحمد اشتيه (رئيس الوزراء الفلسطيني) الذي ظهر اسمه مؤخرًا".

وربما يخضع الأمر إلى حسابات لجهات خارجية، وهنا أبرز عفيفة اسم محمد دحلان، المقيم في الإمارات حاليًا، والمقرب من ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، والذي فصله عباس من حركة "فتح" عام 2011.

وفي الوقت الذي استبعد فيه وجود ترجيحات لأسماء محددة، أشار إلى تعدد المؤسسات التي يتولاها الرئيس، وفي حال غيابه عن المشهد فإنه لن يكون من السهل على شخص واحد الجمع بينها، وفي هذه الحالة ربما يتم توزيع المواقع على أشخاص.

مرشح "حماس"

وعلى صعيد "حماس" التي تشكل ثقلًا سياسيًا على الساحة الفلسطينية، فإنها لم تعلن عن توجهها لخوص أية انتخابات رئاسية في حال جرت مستقبلًا، لكن هذا غير مستعبد، برأي عفيفة.

وأشار إلى إصرار عباس على طرح إنهاء الانقسام على قاعد الذهاب مباشرة إلى انتخابات تشريعية فقط، في حين أن "حماس" تتمسك بضرورة ربطها بالانتخابات الرئاسية، مع القبول بتأجيل تلك المتعلقة بالمجلس الوطني.حركة "حماس" لم تعلن عن توجهها لخوص أية انتخابات رئاسية

ورأى المحلل السياسي أن هذا الإصرار يعكس رغبة حماس في المشاركة بالانتخابات، سواء بمرشح من الحركة تعلنه بشكل واضح وصريح، أو -على الأقل- من خلال دعم مرشح يدخل المنافسة، وهذا غير مستبعد.

واستدرك عفيفة: " لكن لا يمكن التحكم بالمشهد الفلسطيني من خلال المعطيات الداخلية، خاصة أن الخارجية منها تؤثر في المشهد، فضلًا عن البعدين الإقليمي والدولي".

ولخص المشهد بالقول: "إن النظام السياسي مأزوم وفي حالة من التشرذم، وأي غياب للرئيس سيعقد المشهد، خصوصاً أنه قطع الطريق أمام أية محاولات لتوليه، وهذا سيخلق مزيدًا من الصراعات الداخلية والتدخلات الخارجية".