"بي كا كا" يجبر الأطفال على القتال.. هكذا استنزف ميزانية تركيا

تعتصم عدد من الأسر التركية في ولاية "ديار بكر" جنوب شرقي البلاد مُنذ أيام، للمطالبة باستعادة فتيانها الذين اختطفوا من قبل عناصر منظمة حزب العمال الكردستاني التي تُصنفها أنقرة إرهابية.
وبدأ الاعتصام من قِبل أمهات المختطفين، ليتوسع لاحقاً إلى مشاركة الآباء أيضاً، حيث يحتجُّون أمام مقر "حزب الشعوب الديمقراطي" المعارض، مُحملين الأخير مسؤولية اختطاف أبنائهم ونقلهم إلى معسكرات "بي كا كا" في جبال قنديل شمالي العراق ومناطق أخرى.
وكتب يشار سونجو مقالاً نشرته صحيفة ييني شفق يقول فيه: إنَّ "هناك جوانب أخرى لدعم وحل هذه المسألة تقع على رجال الأعمال والمنظمات التجارية الدولية التركية".
وبدأ الكاتب مقاله بسرد قصة النبي إبراهيم عليه السلام حين أراد النمرود إلقاءه في النار لأنَّه رفض الانصياع لأوامره، فأشعل نارًا لم تعرِف الدنيا مثلاً لا قبلاً ولا بعدًا، وبينما كانت الناس تراقب ما الذي كان سيحدث، رأوا نملة تتجه إلى النار المُضْرمة وفي فمها قطرة ماء فسألوا النملة "ماذا تحاولين أن تفعلي؟"/ لتردَّ النملة "أحاول أن أُطفئ النار".
فضحك القوم منها وسألوها "نار كهذه كيف يمكنك أن تطفئها بقطرة من المياه"، لتردَّ عليهم النملة البسيطة "بالفعل قد لا أنجح في إطفاء النيران، لكن الهدف هو أن أحدِّد موقفي وفي أي اتجاه أكون".
صرخة الأمهات
وهنا شدَّد الكاتب على أنَّ دعم الأسر التي تعتصم في مدينة ديار بكر، لا يعني بحال من الأحوال دعم حزب سياسي ما، لأنَّ الإرهاب لا يُميِّز بين الأحزاب السياسية سيما وأنَّ هذه الحادثة غير اعتيادية بالنسبة للأحزاب.
وأضاف: أنَّ "الوقوف مع الأمهات وتأييدهن في الاعتصام الذي يُنفذنه هي مهمة وطنية تقع على كل عاتق مواطن في هذا البلد".
وجدَّد الكاتب دعوته إلى دعم اعتصام الأمهات في كل موقع مؤثر، وأن تكون وقفات الأمهات في كل ركن ومكان، ضد الإرهاب والإرهابيين، مقترحاً أن تعمل المنظمات غير الحكومية داخل كل مدينة على تنظيم الاعتصامات وتمويلها.
ودعا إلى تحويل هذه الاحتجاجات، إلى قضية دولية، "فبدلاً من أن تعتصم الأمهات وعددهن 18 أمام مقر حزب الشعوب الديمقراطي في ديار بكر فقط، لتسمع بهذه القضية 18 ألف امرأة حتى في أمريكا بل ومن مدن مختلفة".
وقبل هذا كله، بحسب الكاتب، يجب أن يكون هناك نوع من الترابط ووحدة رأي في هذه المسألة، حيث يُعدُّ الدعم المستمر الذي لا غنى عنه ضروريًا للأمهات اللائي يرغبن في الحصول على أطفالهن من المنظمة الإرهابية دون أي تمييز، مثل أي حزب سياسي، ولهذا فإنَّ الدفاع عن الوطن يبدأ من هنا.
ورحَّب الكاتب بالتكاتف والتعاضد المتصاعد مع الأمهات قائلًا: "إنَّه لمن دواعي سرورنا زيادة دعم أمهات ديار بكر اللواتي أردن أن ينزل أطفالهن من الجبل وهو الاعتصام المستمر أمام مقر حزب الشعوب الديمقراطي HDP في ديار بكر؛ غير أنَّ الدعم لا يمكن أن يكون بالكلام فقط، ولكن يتطلب ذلك حلول حقيقية وجذرية ومقترحات قابلة للتحقيق".
دعم الاحتجاجات
ومن تلك الحلول ما فعلته منظمة أكسون ASKON وهي واحدة من المنظمات التجارية العالمية، حيث أعلن رئيسها "أورهان أيدين" أنَّه بجانب تلك النسوة، وأنَّه يدعم أي حل علمي وحقيقي يوقف هذه الجرائم مُثنيًا على جرأة النسوة التي قالت "لا للإرهاب".
وأعلن عن حملة رفعت شعار "ادعم قلب أم" وأوضح أنَّه سيقدِّم منحة وعملًا للفتية الذين يريدون العودة من الجبال ومفارقة التنظيمات الإرهابية والاستقرار في المنزل وممارسة حياة طبيعية.
وتابع الكاتب: "ننتظر من المنظمات غير الحكومية الأخرى، سواء كانت اقتصادية أو سياسية، أن تدعم وتساند مثل هذه الحراك وأن تحذو حذوها وهي التي قدَّمت مقترحات ملموسة مختلفة وأصبحت تدافع عن الأم والوطن".
وشدَّد الكاتب على أنَّ هذه المنظمات التجارية والتي تمتلك رؤوس أموال ولديها علاقات واسعة من الواجب عليها أن تدعم مثل هذه الاعتصامات بل وتسهم في إخراج تصور لحل ما لهذه المعضلة التي تعصف بالمجتمع التركي، مشددًا أنَّه وفي هذه العملية، ينبغي أن تُركِّز الدولة على الحلول الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بصرف النظر عن الحل المسلح.
خسائر كبيرة
وذكر الكاتب أنَّ حزب العمال الكردستاني "PKK" كبّد البلاد خسائر كبيرة، كما تسبَّب بأضرار بشرية كبيرة، إضافة إلى إحداث جرح غائر في البلاد، مقدرًا أنَّ حجم هذه الأضرار قد يصل لـ500 مليار دولار.
ووفقاً لما يقول الخبراء فإنَّ تركيا أنفقت 2.5 % من دخلها القومي تكلفة للأضرار التي تسبَّب بها العمال الكردستاني في عشر سنوات وبالتحديد مُنذ العام 1987 وحتى العام 1998، لترتفع هذه النسبة إلى 5-6 % لاحقاً.
وبيَّن أنَّه في عام 1999، كان عبد الله أوجلان، زعيم PKK؛ ومع انهيار المنظمة بُعَيد اعتقاله حتى عام 2009، كان هناك انخفاض حاد في نفقات الدفاع والأمن في الميزانية؛ لكنَّ الضغط على النفقات عاد من جديد وبالتحديد بعد 2009 وصولًا للعام 2018 حيث شهدت النفقات قفزة على الأمن والعمليات العسكرية.
وعندما يتمُّ مراجعة المصروفات العامة فقط، يتبين أنَّ حزب العمال الكردستاني قد تسبَّب بخفض الدخل القومي بنسبة 1 ونصف % خلال 20 سنة، وذلك جرَّاء توقُّف استثمارات تربية الحيوانات والزراعة والسياحة بسبب الإرهاب؛ وكذلك، ارتفاع نسب العاطلين عن العمل والتي يُعَدُّ الإرهاب السبب الرئيس فيها.
وشدَّد الكاتب على أنَّه لولا الإرهاب في تركيا لارتفع ترتيب البلاد في مستوى الدخل القومي ثلاث درجات على مستوى عالمي.
وختم مقاله بالقول: "ضحايا الإرهاب ليسوا فقط الأطفال الذين تمَّ اختطافهم أو تركهم دون أي خيار، وليس حتى أمهاتهم أو آبائهم، بل هناك الملايين من العمال وموظفي الخدمة المدنية والمتقاعدين والتجار والمزارعين ورجال الأعمال والطلاب والمربين الذين يقعون ضحايا للإرهاب الاقتصادي الناجم عن حزب العمال الكردستاني".