الفنان المصري محمد علي.. من "البر التاني" إلى "الهروب الكبير"

12

طباعة

مشاركة

فاجأ الفنان ورجل الأعمال المصري محمد علي (45 عاماً)، الجميع وعلى رأسهم رؤوس الفساد في الدولة، حيث أثار جدلاً واسعاً في مصر وخارجها على مدار الأيام الماضية، بعدما نشر مقطع فيديو يتحدث فيه عن "ظُلم" تعرَّض له على يد جنرالات نافذة في الجيش المصري.

وأحدث علي صاحب شركة "أملاك" وهي من أهم عشر شركات مقاولات بمصر، ضجة هائلة على مواقع التواصل الاجتماعي، جعلت هاشتاج #محمد_علي الأعلى تداولاً على تويتر، ورغم حذف إدارة "فيسبوك" الفيديو من على موقعها، إلا أنَّ الأمر لم يُجد نفعا، بعد أن حقق ملايين المشاهدات على الإنترنت، وأعيد رفعه على مئات المواقع الإلكترونية.

واتَّهم علي، رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي وكبار قادة الجيش بالفساد وإهدار مليارات الجنيهات، وقال: إنَّ القوات المسلحة تنفق مبالغ طائلة على منشآت لا تعود بأي نفع على المواطن المصري العادي، ومنها على سبيل المثال بناء فنادق وبيوت للسيسي وأسرته في عمليات تفتقر للشفافية والرقابة.

وتابع: أنَّه عمل، على مدى 15 عاما،ً كمقاول إنشاءات في مشروعات يمولها الجيش، لكنَّه اضطر لترك البلاد والإقامة في إسبانيا لأنَّ الجيش لم يُسدِّد له مستحقات مالية بأكثر من عشرة ملايين دولار.

ولا يُعرف على وجه التحديد تفاصيل ميزانية الجيش المصري، التي لا تخضع للنقاش داخل البرلمان. وتقول السلطات إنَّ تلك الميزانية مسألة تتعلق بالأمن القومي.

واتَّهامات محمد علي، دفعت أحد المحامين للتقدُّم ببلاغ للنائب العام المصري ضده، متهماً إياه بمهاجمة القوات المسلحة، ونشْر معلومات كاذبة بغرض إثارة الرأي العام والإساءة لمؤسسات الدولة. وحتى الآن لم يُصدِر الجيش أي تعليق على ما ورد على لسان علي من ادعاءات.

فيلم وقضية

لم يقتصر تأثير فيديو "محمد علي" على الدويّ الجماهيري الذي أحدثه فيما يتعلق بملف الفساد والاستبداد، بل كان سبباً في عمل دعاية مجانية واسعة لفيلم "البر التاني"، وهو الفيلم الوحيد الذي أنتجه "علي" بميزانية ضخمة بلغت 27 مليون جنيه وقام ببطولته، لكنَّه لم ينل حظاً من النجاح رغم أهمية القضية التي تناولها، وهي قضية "الهجرة غير النظامية".

في 21 سبتمبر/أيلول 2016 (قبل عرض فيلم "البر التاني" بشهرين فقط) غرِق مركب صيد كان يُقل نحو 450 مهاجراً "غير نظامي"، من السودان وسوريا والصومال وإرتيريا ومصر، على بعد 12 كيلومترًا قبالة سواحل مدينة رشيد، في أقصى شمال مصر.

وأعلنت وزارة الصحة والسكان، عن وفاة 202 شخصاً، ليفتح الحادث ملف "الهجرة غير النظامية"، ولكن دون أن يحرك ساكناً، حتى عُرض فيلم "البر التاني" في نوفمبر/تشرين الثاني 2016.

الفيلم يحكي قصة مجموعة من الشباب المنتمين ﻹحدى القرى المصرية الفقيرة، يحاولون الهجرة إلى إيطاليا بشكل غير نظامي، وبدون حمْل أي وثائق رسمية، فيعمدون إلى السفر على متن سفينة صيد متهالكة، وعلى أضواء الساحل الإيطالي تشتعل آمالهم في حياة أفضل لهم ولذويهم، في الوقت الذي تتحطم فيه السفينة، وتُلقي بهم لأمواج البحر الغادرة لتتلاعب بهم، حتى تلفظ الغالبية العُظمى منهم على الشاطئ جثثاً هامدة. 

الفيلم بطولة محمد علي، محمد مهران، عمرو القاضي، عبدالعزيز مخيون، عفاف شعيب، حنان سليمان، ومن تأليف زينب عزيز، وإخراج علي إدريس. 

من ناحيتها أعلنت شبكة "نتفيلكس" العالمية عن نِيتها عرض فيلم "البر التانى" في الأسبوع الثاني من سبتمبر/ أيلول الجاري، مترجماً إلى عدة لغات.

وشاءت الأقدار أن يعيش محمد علي قصة فيلمه ويُكررها بحذافيرها، ففي دوره في الفيلم قامر بكل ما يملك، هو وكثيرون غيره، ليصارع الأمواج في مركب متهالكة، مغامرا ًنحو المجهول، وهو بالضبط ما فعله عندما قامر بكفاحه وشبابه ونجاحه، وركب سفينة المستبد الصَّدِئة، وظل يُصارع أمواج فساده العالية مُمنياً نفسه بالإفلات والوصول إلى بر الأمان، ليجد نفسه، بالضبط كبطل فيلمه، على أحد شواطئ أوروبا وقد فقد كل شيء، يعيش خائفاً من المجهول.

وظل علي 4 سنوات ممثلاً مغموراً، قبل أن يُشارك في فيلم "القشاش" كوجه جديد، ومسلسل "صفحات شبابية"، ومسلسل "السيدة الأولى"، وفي الجزء الثاني من مسلسل شارع عبد العزيز، وفي بطولة مسلسل "طايع"، وصولاً إلى فيلم " البر التاني".

"إخواني" أم ثورجي؟

بعد ذيوع الفيديو الذي كشف فساد الجيش، توقَّع رواد مواقع التواصل الاجتماعي بشكل تلقائي، وبعد ساعات من الصمت والذهول الرسمي، أن يُتهم الفنان محمد علي بأنَّه من "الإخوان المسلمين"، وهي "التهمة" الجاهزة دائماً التي تطلقها السلطات على أي معارض لها أو كاشف لفسادها.

لكنَّ محمد علي بدَّد الشكوك بشأن كونه إخوانياً أو ثورجياً، في الفيديو الذي نشره، عندما أكَّد أنَّه كان ترساً في آلة الجيش الاقتصادية لسنوات طويلة، موجهاً حديثه إلى خصومه من جنرالات الفساد، قائلاً: "خلي بالك، مش هتعرف تغلطني، لأن أنا كبرت جواك، وقعدت 15 سنة بشتغل معاكم"، مضيفا: "في ناس كتير عارفين إن أنا حصل لي الصعود عن طريق القوات المسلحة".

ورغم ذلك، اتَّهمت مواقع ووسائل إعلامية مصرية محمد علي بأنَّه من "الخلايا النائمة"، التي كانت تستخدمهم جماعة الإخوان فى نشر أفكارها دون الإعلان عن انتمائهم، وفق تعبيرها.

"الهروب الكبير"

يستعد الفنان محمد علي لتصوير فيلم عالمي بعنوان "الفرعون المصري" إنتاج مشترك "مصري إسباني"، وتدور أحداثه في قالب أكشن ومن المقرر تصوير معظم مشاهده في إسبانيا، بالإضافة إلى تنفيذ الجرافيك عبر كبرى الشركات العالمية المتخصصة في هذا المجال في أوروبا.

وقبل فراره بثلاثة أشهر أشاع الفنان محمد علي، عزمه إنتاج الفيلم واكتفى بوضع تصميم لملصق دعائي له وقد كُتب عليه: "إنتاج مصري إسباني مشترك"، بصفحته على فيسبوك.

وعلى ذمة هذا الإعلان المحدود، سافر محمد علي إلى إسبانيا ليستقرَّ في مدينة برشلونة، وتنقطع أخبار مشروع الفيلم تماماً، ويحلَّ محلها مجموعة من الأخبار بأنَّ رجل الأعمال محمد علي متعثر مادياً وأنَّ بعض البنوك المصرية تعتزم ملاحقته قضائياً، إلى أن يُصرح لشبكة النيل للأخبار التابعة للدولة، قائلاً: "لن أتنازل عن حلمي ولن أترك حقي، وسأكشف أسباب خروجي من مصر".

ليشرع بعدها في تفجير ألغامه، وينشر أسباب خروجه على حسابه في "فيس بوك"، ويوجِّه اتَّهامات لأسماء كبرى في الجيش المصري واصفاً إياهم بـ"أهل الظلم والاستعباد"، وأنَّهم من "حطموا أحلامي وجعلوني أتغرَّب وأترك بلدي، خوفاً من بطشهم على نفسي وأولادي"، مهدداً بإماطة الِّلثام عن مزيد من فضائح الفساد في مستويات السلطة العليا والجيش المصري بالرغم من علمه أنَّه لن يستردَّ أمواله.

لم يكن محمد علي يُحب أن يصل إلى هذه المرحلة- حسب قوله- فهو يرى أنَّ الأقدار هي التي ساقته لذلك، بعد أن حصل له الصعود عن طريق القوات المسلحة، مجتازاً جميع مراحل الفحص الأمني الطويلة الدقيقة المعمقة والمعقدة.

لكنَّه دون أن يقصد، حطَّم آمال الكثيرين ممن ظنوا أنَّ الطريق إلى النجاة والنجاح والأمان يمر عبْر العيش في كنف المستبد والخدمة في قصره،

كما حيَّر محمد علي المصريين، فلم يعودوا يعرفون كيف يعيشون في وطنهم، إذا كان المتعاون مطرود، والمعارض مقتول أو مسجون، والصابر مُهدد أو مطحون.