المسجد الأقصى على مائدة الانتخابات الإسرائيلية

عبدالله معروف | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

قبل عِدَّة أسابيع تصدَّر وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي المُتطرف جلعاد أردان الأخبار عندما أعلن لأول مرة في لقاء إذاعي وبمنتهى الوضوح حاجة حكومته لتغيير الوضع القائم status quo في المسجد الأقصى المبارك لصالح جماعات المعبد المتطرفة، وتغيير المعادلة القائمة هناك بحماية القانون الدولي، التي تقضي ببقاء الأردن مسؤولاً حصرياً عن شؤون المسجد الأقصى المبارك باعتباره آخر جهة إسلامية كانت مسؤولة عن المسجد قبل احتلاله من قِبل دولة الاحتلال عام 1967.

وبالمناسبة، هذه المعادلة تمَّ التأكيد عليها في معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية بشكل صريح. وإبَّان انطلاق هبَّة السكاكين في القدس نهاية عام 2015 التي اضطرت جون كيري، وزير الخارجية الأمريكية آنذاك، ليَهرع للمنطقة ويُنفذ ما عرف بتفاهمات كيري، أعلن يومها بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية التزامه ببقاء الوضع القائم في المسجد الأقصى.

لمن لا يعرف ماذا يعني الوضع القائم، فهو مادة في القانون الدولي تُشير إلى ضرورة ضمان القوة المحتلة بقاء كل شيء على ما هو عليه، وهو ما ينْطبق على المسجد الأقصى المبارك الذي كان بِيَد الأردن قبل أن تحتله دولة الاحتلال الإسرائيلي عام 1967م، وبذلك فإنَّه قانوني يبقى تحت السيادة الأردنية كما كان قبل الاحتلال.

وقد يظنُّ البعض أن لا أهمية لهذه النقطة باعتبار أنَّ دولة الاحتلال لا تُعير القانون الدولي اهتماماً، وهذا غير صحيح، لأنَّ قانون الوضع القائم ينشأ من فكرة عدم اعتراف دول العالم لدولة الاحتلال باحتلالها لشرقي القدس (إضافةً للضفة الغربية وقطاع غزة)، وبالتالي فإنَّ دولة الاحتلال تجد نفسها مضطرةً أمام المجتمع الدولي للبقاء ضمن حدود هذا القانون والسعي لتغييره بطُرق أخرى –قد يكون منها إقناع العرب بتغييره– دون أن تظهر بهذه الفَجاجة أمام العالم، مع الأخذ بعين الاعتبار الحساسية الشديدة لمنطقة المسجد الأقصى المبارك.

عندما خرج الوزير جلعاد أردان ليقامر بالمسجد الأقصى في مزاده الانتخابي اضطرت حكومته لإصدار بيان توضيحي رداً على الغضب الأردني الرسمي من التصريح، وكان البيان الإسرائيلي قد ادَّعى أنَّ أردان كان يتكلم برأيه الشخصي وأنَّ ما ذكره لا يتجاوز كونه "مقترحاً يضعه على الطاولة"! وأعاد البيان تأكيد حكومة نتنياهو التزامها بالحفاظ على الوضع القائم في الأقصى.

لكنَّ أردان عاد قبل أيام، وتحديداً يوم 3/9/2019 ليُعلن على إحدى القنوات التلفزيونية الإسرائيلية (قناة كيبا) أنَّ على حكومة الاحتلال تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى المبارك لصالح اليهود، وأنَّه يجب فتح المجال لليهود بالصلاة بحُرية داخل المسجد الأقصى، وتفاخر هذا الوزير بما سمَّاه "التغيير الكبير في قواعد الدخول" للمستوطنين والتسهيلات التي منحت لهم مُنذ تَولِّيه منصبه عام 2015. وأعاد التأكيد على ضرورة أن تشترط الأحزاب الإسرائيلية المتطرفة السماح بصلاة اليهود داخل المسجد الأقصى قبل الموافقة على الانضمام إلى حكومة نتنياهو المقبلة فيما لو فاز في الانتخابات.

قد يبدو كلام جلعاد أردان منفرداً في مستوى التطرف باعتباره يعتبر واحداً من أقرب وزراء حزب الليكود إلى جماعات المعبد المُتطرفة وأكثرهم شعبيةً لدى هذه الجماعات، ولكنَّ الحقيقة أنَّ هذا الخطاب التصعيدي ليس متوقفاً على جلعاد أردان وحده!

فزعيم حزب "زيهوت" (الهوية) المُتطرف موشيه فيغلين اتَّفق مع بنيامين نتنياهو نهاية شهر أغسطس الماضي على حَلِّ حزبه وإدخاله بالكامل في كتلة حزب الليكود في الانتخابات القادمة، وكان ذلك مقابل اشتراطات محددة نشرت في الإعلام، وكان واحد من هذه الشروط (وتحديداً النقطة رقم 4.6) ينصُّ على ضرورة "تحسين الخدمات والمعلومات وتقصير فترة انتظار اليهود أمام جبل المعبد"، وهو ما يعني بالضرورة تسهيل الاقتحامات الصهيونية المتطرفة للمسجد الأقصى المبارك، هذا مع إعطاء موشيه فيغلين وزارةً سياديةً مهمة –لم يتم تحديدها بعد- في الحكومة القادمة لو تمكن نتنياهو من تشكيلها.

الواضح أنَّ بنيامين نتنياهو يبني معسكره على مجموعات أقصى اليمين التي تتصدرها اليوم جماعات المعبد المُتطرفة التي يُحركها عدد من الحاخامات المُتطرفين وعلى رأسهم "يهودا غليك".

والواقع أنَّ هذه الجماعات وإن كان عدد أتباعها العاملين قليلاً نسبياً إلا أنَّها تمكَّنت من تنظيم نفسها في ما يسمى (اتحاد منظمات المعبد)، مما أتاح لها إمكانية التأثير في السياسة الإسرائيلية بشكل كبير، فشخص واحد مؤثر مثل جلعاد أردان وزير الأمن الداخلي المسؤول عن جميع أجهزة الشرطة والأمن الداخلي يمكنه تغيير عقيدة هذه المؤسسات وتعديل مسارها بحيث تصبح سلاحاً في يد هذه الجماعات المتطرفة، وذلك قد يكون أفضل لهم من عدد كبير من الأتباع غير المؤثرين.

لذلك كله يحقُّ لي أن أتساءل: في حال فوز بنيامين نتنياهو برئاسة الحكومة الإسرائيلية القادمة وتمكَّن من تشكيلها بدعم من هذه الجماعات المُتطرفة، فهل نكون على أعتاب مرحلةٍ جديدةٍ يكون فيها المسجد الأقصى المبارك هو المستهدف علناً وبوضوح ودون الحاجة حتى للخداع أو المواربة أو إخفاء النوايا الحقيقية؟

وفي هذه الحالة كيف سيكون رد فعل العالم العربي الرسمي الذي بتنا نسمع من بعض ذبابه الإلكتروني من يُهاجم المسجد الأقصى المبارك ويحاول بكل صفاقةٍ تسهيل مهمة الاحتلال في السيطرة عليه عبر محاولة إسقاطه من الوعي الجمعي العربي والإسلامي قبل الأجندة السياسية؟

وهل يكفي إلقاء الضوء على هذه النقطة الخطيرة ليتحرَّك الشارع العربي والفلسطيني والمقدسي بالذات في وجه هذه الجماعات المُتطرفة؟ أم ننتظر ونبقى في دائرة تبادُل الاتهامات، ومطالبة كل طرفٍ الطرفَ الآخرَ بالتحرَّك، حتى تصبحَ المسألةُ قيد التنفيذ كي نبدأ التخطيط للتحرك؟!