"ثأرا لمنشآتها".. هل ساهمت السعودية بهجمات إسرائيل على العراق؟

يوسف العلي | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يبدو أن الهجمات الإسرائيلية على العراق، لا تزال تحمل الكثير من المفاجآت التي بدأت مؤخرًا تتكشف بعض فصولها، فبعد تبني رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رسميًا القصف على الحشد الشعبي، أشارت المعلومات إلى أن السعودية لعبت دورًا أساسيا في تلك العمليات.

وقبل الخوض في التفاصيل، فإن التساؤلات الأبرز حول الغارات الإسرائيلية؛ عن نوع الطائرات المستخدمة ومن أين انطلقت؟ وما هي الأجواء التي سلكتها؟ ومن هي الدول التي لها مصلحة في استهداف المليشيات العراقية الموالية لإيران؟

"الشبح وراءها"

الغارات الخمس على مواقع عسكرية لمليشيات منضوية في الحشد الشعبي، تشير معلومات إلى أنها نُفذت بواسطة طائرات (أف 35) قدمت من إسرائيل، وأخرى مسيّرة، نفذت الهجمات الأخيرة من أماكن قريبة من دون التعرض لها.

أما بخصوص طائرات الشبح الأمريكية (أف 35)، فقد قال رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية (أمان) سابقًا، ورئيس المعهد لدراسات الأمن القومي، عاموس يدلين، إنه: "من المنطقي استخدام طائرات شبح" مثل (أف 35)، لأنّ الأمريكيين لا يحبون أن تهاجم إسرائيل العراق، إذ أن ذلك يخلق لها مشاكل مع الحكومة العراقية".

وعن الطريق الذي سلكته "أف 35" في طريقها إلى العراق، لم يستعبد محلّل الشؤون الاستخباراتيّة في صحيفة "معاريف"، يوسي ميلمان، أن تكون هذه الطائرات حلّقت فوق السعوديّة.

وأوضح ميلمان، خلال مقاله الأسبوعي  بصحيفة "معاريف" العبرية، أن:" طيّاري سلاح الجو الإسرائيلي نجحوا في التحليق فوق السعوديّة لتنفيذ مهمّة قصف المفاعل النووي العراقي قبل 38 عامًا، فليس هناك ما يمنع فعل ذلك الآن، لأنه حسب التقارير الكثيرة في وسائل إعلام أجنبيّة هناك علاقات وطيدة جدًا بين الأجهزة الأمنية والاستخباراتيّة الإسرائيليّة والأسرة الحاكمة في السعوديّة".

تحالف تكتيكي

لكن سيناريو (أف 35) لا ينطبق على الهجمات الأخيرة التي وقعت في القائم غربي محافظة الأنبار العراقية قرب الحدود السورية، وأسفرت عن مقتل 5 من مليشيات "كتائب حزب الله" في العراق بينهم القيادي أبو علي الدبي.

فبحسب بيان أصدرته "قيادة عمليات الجزيرة" التابعة لقوات "الحشد الشعبي" في 25 آب/ أغسطس المنصرم، فإن طائرتين مسيرتين نفذت قصفًا على مخازن للعتاد في قضاء القائم (550 كيلومترا غرب بغداد)، أسفر عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف المقاتلين.

وأضاف، أن الطائرتين "مجهولتان" واستهدفتا نقطة ثابتة للحشد على بعد 15 كيلومترًا من الحدود العراقية السورية. وأدت الضربة أيضًا إلى احتراق عربتين. ونشر الحشد عبر حسابه على تطبيق "تلجرام" صورا تظهر عربات محترقة وقد تعرضت لأضرار كبيرة.

وفي هذا الصدد، قال المحلل السياسي الروسي إيغور سوبوتين، في مقال نشرته صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية، إن:" العراق يرى أن الأكراد السوريين والسعودية يساعدون إسرائيل في عملياتها ضد القوات الشيعية على أراضيه".

وبحسب رأيه، فإن فرضية التحالف التكتيكي بين القيادة السعودية والأكراد تبدو معقولة بسبب جهود الوساطة التي بذلها الجانب السعودي خلال العام الماضي في المناطق الشمالية الشرقية من سوريا. وأما بخصوص إسرائيل، فليس كل شيء واضحًا للعيان، على الرغم من أن الصحافة الموالية لإيران تنشر بانتظام معلومات عن اتصالات بين الدولة اليهودية وقوات سوريا الديمقراطية.

وأضاف:" في مجتمع الخبراء، يلفتون الانتباه إلى حقيقة أن الاستخبارات العراقية تعاني الانقسام والضعف والتسييس على مدار سنوات المواجهة مع تنظيم الدولة".

مخطط سعودي

وفي السياق ذاته، نقلت الصحيفة عن خبير المجلس الروسي للشؤون الخارجية، أنطون مارداسوف، قوله:" إن خبر إطلاق الطائرات المسيرة من الأراضي السورية مفهوم. فهو "يلمّح بوضوح، إن لم يكن إلى تورط الولايات المتحدة، فإلى معرفتها بالأمر على الأقل: فالأمريكيون يسيطرون على جميع مدارج الطائرات فيما وراء الفرات، التي يمكن أن تقلع منها الطائرات بلا طيار، بل وعلى المجال الجوي العراقي".

ولفت مارداسوف الانتباه إلى حقيقة أن الهجمات، التي على الأرجح تنفذ بمساعدة طائرات متمركزة في القواعد الأمريكية في العراق، تزيد من شعبية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عشية الانتخابات البرلمانية.

وعلى الوتيرة ذاتها، نقل موقع "مديل إيست آي" البريطاني عن مصدر استخباراتي عراقي قوله: "إن الطائرات المسيرة التي شنت الضربات على المواقع العراقية انطلقت من قواعد تابعة لقوات سوريا الديمقراطية الكردية والتي تتلقى دعمًا ماليًا من السعودية".

وأضاف المصدر -الذي لم يكشف الموقع عن هويته- أن خطة ضرب المليشيات العراقية المقربة من إيران وضعت عندما زار وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان منطقة شمال شرق سوريا التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية في حزيران/يونيو الماضي.

وأوضح، أنه: "تم استخدام شمال شرق سوريا لشن الهجمات على الحشد الشعبي، لأن الطائرات الإسرائيلية المسيرة ليس لديها المدى لضرب أهداف في العراق من إسرائيل"، مضيفًا:" إن عناصر إسرائيلية "يقومون بتشغيل الطائرات المسيرة من القواعد تسيطر عليها قوات سوريا الديموقراطية".

وذكر المسؤول العراقي للموقع أن بغداد: "كانت متشككة في البداية حيال مسؤولية إسرائيل عن الضربات لاعتقاد بأن الطائرات المسيرة التابعة لها لن تكون قادرة على الوصول إلى العراق".

تغطية أمريكية

وإلى نفس النقطة تشير تصريحات زعيم مليشيات "النجباء" العراقية أكرم الكعبي، الذي قال في مقابلة تلفزيونية:" إن وثائق مؤكدة لدى الحكومة العراقية، تفيد بأن ما حصل لمقار الحشد الشعبي، هو قصف نفذته طائرات مسيّرة.

ونفى الكعبي السيناريو الذي يتحدث عن أن طائرات (أف 35) أقلعت من إسرائيل هي التي نفذت هذه الهجمات، بالقول:" حتى من يقول إن طائرات (أف 35) أتت من إسرائيل وقصفت العراق، هذا غير صحيح، الطائرات التي قصفت هي مسيّرة، ولابدّ لها أن تنطلق من أماكن قريبة".

وبخصوص الطائرة المسيّرة التي أعلنت قيادة عمليات الحشد الشعبي إسقاطها في مناطق حزام بغداد، قال الكعبي:" إن الطائرة التي أسقطت كانت طائرة استطلاع أمريكية، وسلمت إلى السلطات العراقية، وأن سماء العراق مزدحمة بمثل هذه الطائرات".

وأكد الكعبي الذي يتزعم مليشيا موالية لإيران وتقاتل في سوريا أيضًا، أن:" أمريكا وإسرائيل متفقتان على الهجمات ضد الحشد الشعبي، وليس الموضوع هو تخادم بينهما فقط".

السعودية تثأر

ورفع عضو في لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان العراقي النائب كريم عليوي، من سقف التوقعات، فقد أشار إلى وجود شكوك كبيرة، بأن الطائرات الإسرائيلية التي قصفت مقرات الحشد الشعبي في العراق انطلقت من السعودية.

وقال عليوي الذي ينتمي إلى منظمة بدر بقيادة هادي العامري، في تصريحات صحفية، إن: "السعودية اليوم لا تريد الخير إلى العراق، وخصوصًا إلى القوات الأمنية العراقية والحشد الشعبي، فهي تريد أن تقيض عمل الحشد الشعبي".

وأضاف:" هناك شكوك بأن الطائرات الإسرائيلية التي قصفت الحشد الشعبي في العراق، انطلقت من الأراضي السعودية، فالكيان الصهيوني والرياض في خط واحد وعداء واحد للشعب العراقي".

وانسجامًا مع تلك الاتهامات، ذهب توقعات المحلل السياسي العراقي فواز العمري إلى أن:" السعودية قد تكون بالفعل هي من سهلت الغارات الإسرائيلية ضد مليشيات الحشد الشعبي، لتثأر للقصف الذي طال منشآتها النفطية، بطائرات مسيرة انطلقت من العراق".

وأوضح المحلل السياسي في حديث لـ"الاستقلال"، أن الهجمات التي طالت مخازن السلاح للحشد الشعبي، كلها تابعة لفصائل موالية لإيران وعلى رأسهم كتائب حزب الله، المتهمة الأولى بتنفيذ هجمات ضد منشآت نفطية سعودية في مايو/أيار الماضي.

ولفت العمري إلى أن "مصالح إسرائيل والسعودية وأمريكا، كلها تلتقي عند تقص أذرع إيران في المنطقة، ولهذا فمن غير المستبعد أن تكون الأولى نفذت بدعم وتخطيط من الطرفين الآخرين، لأن العراق وإيران لا يمتلكان حدود مع إسرائيل للرد على تلك الهجمات، وأيضًا تل أبيب لا تخفي هجماتها على إيران في سوريا".

من جهته، قال المحلل السياسي عدنان التكريتي لـ"الاستقلال" إنه "حتى الآن لم يذكر شيء ملموس على اشتراك السعودية المباشر في هذه الهجمات .هذا لا ينكر أن الهجمات تلقى رضا خليجي، ولا سيما مع تصاعد الخلاف مع إيران" .

ورأى، أن "المشكلة في الملف العراقي تشابكه، وتعقيده، وكون العراق قد تحول إلى ساحة تصفية الحسابات والخلافات بين الأطراف المتصارعة، فهو يعني بقاءه عرضة للكثير منها".

وأردف التكريتي، قائلا: "لذلك لا يبدو غريبا دخول هذه الدولة أو تلك تأثيرا، ودعما، وتنفيذا، فليس أسهل من استخدام هذه الأرض التي فقدت السيادة منذ زمن".

وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، قد كشفت أن مسؤولين أمريكيين خلصوا إلى أن الهجوم بطائرات مسيرة على صناعة النفط السعودية في شهر أيار/ مايو الماضي، كان مصدره العراق وليس اليمن، مما دفع مسؤولين عراقيين لمطالبة واشنطن بمزيد من المعلومات التي تدعم هذا الزعم.

وذكرت، أن:" مسؤولين أمريكيين مطَّلِعين على معلومات المخابرات بشأن الهجمات التي تمت بطائرات مسيرة في مايو/ أيار قالوا إن مصدرها جنوب العراق"، موضحة أنّ :" ذلك يشير على الأرجح إلى فصائل بالمنطقة مدعومة من إيران".

وقبل ذلك، كشف النائب العراقي السابق، مشعان الجبوري، أن : "واشنطن أخبرت سرًا رئيس الحكومة العراقية، عادل عبد المهدي، أنها حددت نقطة انطلاق بعض الطائرات المسيرة من العراق، والتي قصفت منشآت نفطية في السعودية".

لكن رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي رد على تصريحات الجبوري قائلًا: "إنّ الأمريكيين تحدثوا عن انطلاق الطائرة التي استهدفت الأراضي السعودية من العراق، لكن كل أجهزتنا الاستخبارية وكل قواتنا لم ترصد ولم يثبت لها هذا الشيء".