بالريموت كنترول.. يمكنك تدمير العالم عبر طائرة مسيّرة

محمد سراج الدين | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم أن خبر إسقاط طائرة مسيرة في العراق أو السعودية أو في أي مكان آخر، لم يعد خبرا حصريا في وسائل الإعلام العالمية، وإنما أصبح معتادا وجوده يوميا، إلا أن تزايد الحديث عن أخبار الطائرات المسيرة سواء التي تستخدم في السلم أو الحرب، دفع بالتساؤلات عن هذا الوحش الجديد، الصغير في حجمه، الكبير في إمكانياته، الخطير في تدميره.

تشير الدراسات العسكرية والتقنية إلى أن الطائرات المسيرة، تعد أحد أنواع أسلحة الجيل الرابع، وتحولت من مجرد أداة حرب تدار من الغرف المكيفة، إلى أحد سباقات التسليح التكنولوجية بين أقطاب التصنيع العسكري العالمية، كما أنها فتحت الباب أمام دول أخري لم تكن على خريطة التسليح العالمية، ليكون لها إسهام في تطوير هذه النوعية من أسلحة العقود القادمة.

الذكاء الاصطناعي

وحسب الدراسات المتعلقة بهذه النوعية من الطائرات، فقد دخلت المغرب على ردار مطوري الطائرات المسيرة، حيث ابتكر باحثون مغاربة تقنية الذكاء الاصطناعي تضاف إلى نظام تشغيل هذه الطائرات، لتمكينها من أداء مهامها المبرمجة تلقائيا دون الحاجة إلى توجيه بجهاز تحكم من الأرض.

وأطلق الباحثون على هذا المشروع اسم "سكاي نت" (Sky Net)، وتم تطويره في مختبر الأنظمة الإلكترونية والحاسوب والصورة، في المدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية بمدينة "وجدة" شمال شرقي المغرب.

ولعل اللافت في هذه الخطوة التكنولوجية المغربية أن المشروع لم يكن بتمويل حكومي، وإنما كان بتمويل من إحدى الشركات الخاصة التي أسسها خريجون من المدرسة نفسها، تقوم باستيراد الطائرات المسيرة من الخارج، ويقوم فريق الباحثين على إعادة تركيبها وإضافة التقنية الجديدة لنظام التشغيل.

ويتيح التطوير الجديد لهذه الطائرات الإقلاع وإنجاز مهامها المبرمجة والهبوط دون الحاجة إلى جهاز تحكم أو وجود شخص لتوجيهها من على الأرض، وبدأت بالفعل استخدامها في جمهورية سيشل لمواجهة قوارب الصيد غير المشروعة.

سباق تسلح

شهدت الأشهر الماضية سباقا قويا في التسليح بين الدول المصنعة لهذه الطائرات، بعد أن أثبتت فاعليتها في منطقة الشرق الأوسط بشكل كبير، سواء في حرب الطائرات المسيرة الحوثية ضد السعودية، أو في حرب الطائرات المتبادل بين حكومة الوفاق الليبية واللواء المنشق خليفة حفتر.

كما تعد هذه الطائرات كابوسا تعيش فيه إسرائيل، بعد أن تمكنت حركة حماس من تطويرها واستخدامها فى محاولة إحداث توازن دفاعي وهجومي بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.

تشير العديد من الدراسات العسكرية إلى أن هذه النوعية الحديثة من الطائرات، أصبحت مطلوبة بشدة للاستخدامات العسكرية، نتيجة غياب نسب المخاطرة فيها، بالإضافة لرخص سعرها، إذا ما كانت في مقارنة مع غيرها من الأسلحة والوسائل العسكرية.

ورغم المميزات السابقة، فإن تحول هذه الطائرات لوسيلة انتحارية مفخخة، جعلها خطرا يهدد الجميع بمن فيهم الذين يتسابقون على تصنيعها وتطويرها، خاصة وأنه لم يظهر حتى الآن نوعية رادارات يمكن أن تكتشفها، مثل الطائرات الحربية العادية.

حسب الدراسات نفسها، فإن وسائل الدفاع الجوي التي يمكن أن تتصدى لهذه الطائرات عديدة ومتيسرة، لكن المشكلة أن تكلفة صاروخ واحد ربما يزيد عن ثمن عشرات الطائرات بمئات الأضعاف، وهو ما جعلها معضلة تورق كثير من الدول، إذا ما وضعنا في الاعتبار أن تكلفة صاروخ مثل باتريوت ربما يزيد عن نصف مليون دولار، بينما لا تزيد سعر الطائرة عن 600 دولار.

ووفق دراسة صادرة منتصف يوليو/ تموز الماضي، لشركة "تيل جروب" المعنية بتحليل بيانات الفضاء الجوي، فإن سوق الطائرات المُسيرة غير العسكرية التي تهيمن عليها شركات تصنيع في الصين ستتضاعف عالميا إلى 3 أمثال حجمها الحالي خلال العقد المقبل لتصل إلى 14.3 مليار دولار، وذلك رغم تحذيرات مسؤولين أمريكيين من مخاطرها على الأمن القومي.

وتؤكد الدراسة، أن السوق التي تُقدر قيمتها هذا العام بما يصل إلى 4.9 مليار دولار ستستفيد من الفتح التدريجي للمجال الجوي الأمريكي من قبل إدارة الطيران الاتحادية والاستخدام المتزايد للطائرات المسيرة من جانب القطاعات التجارية.

وفيما يتعلق بالمجال العسكري، ذهبت العديد من الدراسات المختصة إلى أنه بحلول 2030 فإن مبيعات الطائرات بدون طيار التي تستخدم في الأغراض العسكرية سوف تتجاوز 100 مليار دولار.

الصياد الروسية

يرى المختصون أن اختبار وزارة الدفاع الروسية لطائرة عسكرية ثقيلة بدون طيار قام بتطويرها حديثا، وحملت اسم أوخوتنيك (الصياد)، سوف يدفع الولايات المتحدة لاتخاذ إجراءات مضادة، خاصة وأن الطائرة الروسية تمتلك قدرات متقدمة على الاستطلاع والتخفي.

تعد "الصياد" وافدا جديدا لعالم الطيران تقدمه شركة سوخوي التي تنافس مجموعات الـ F الأمريكية، والتي باتت طائراتها القتالية محل طلب عالمي حتى من بين حلفاء واشنطن مثل النظام المصري.

وتكمن الخطورة في الطائرة الروسية الجديدة، إلى أنها تستطيع أن تحمل حمولة تزن 20 طنا، كما أن مداها سوف يصل لخمسة آلاف كيلو متر، وهو ما يجعلها تتفوق على غريمتها الأمريكية المعروفة باسم: "آر كيو-170 سنتينال" التي تنتجها شركة لوكيهيد مارتن.

ورغم أن أكثر من 40 دولة تقوم بتصنيع هذه النوعية من الطائرات، إلا أن الصين أعلنت أنها سوف تصل بإنتاجها مع نهاية العام الجاري إلى 339 ألف طائرة بزيادة مقدارها 60 ألف طائرة مقارنة بالعام الماضي.

وتستخدم الصين هذه النوعية من الطائرات في مجالات تجارية وبحثية وعسكرية وبيئية وأمنية، وجميعها خدمات تقدمها أكثر من 400 شركة، بحجم معاملات وصل40 مليار يوان صيني  نهاية 2018.

وتقوم الصين بتصنيع 25 نوعا من هذه الطائرات، كان آخرها الطائرة "CH-7" التي تستطيع التحليق إلى ارتفاع 13000 متر، وسرعة 571 ميلا في الساعة، ويمكنها بواسطة مخزون صاروخي وقنابل بعيدة المدى التعامل مع الأهداف الأرضية والبحرية.

وفي المقابل، وحسب تقرير لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، فإن حجم صادرات الطائرات المسيرة التي تنتجها إسرائيل يبلغ 10% من الصادرات الأمنية، ما جعلها تعد أكبر مصدّر لهذه الطائرات وفقا لبحث أجرته شركة "بروست أند ساليفان" للاستشارات، والتي أكدت أن إسرائيل صدّرت خلال الثماني سنوات الأخيرة طائرات مسيرة لدول العالم بمبلغ إجمالي وصل إلى 4.6 مليارات دولار.

وعلى عكس الصين، فإن الاستخدام الأساسي للطائرات الإسرائيلية متعلق بالجانب العسكري، بالإضافة لقسم صغير يستخدم لأغراض أمنية متعلقة بوزارات أمن داخلي ولأغراض الحراسة داخل المدن.

وحسب الدراسة، فإن إسرائيل تقوم بتصنيع نوعين من الطائرات الكبيرة بدون طيار، الأول من طراز "إيتان" الذي يبلغ طول جناحيه 26 مترا والنوع الثاني هو من طراز "هرمس 450" القادر على حمل ذخيرة ويستخدمه الجيش الإسرائيلي في عمليات الاغتيال.

العرب وإيران

حسب مراقبين، فإن هذه النوعية من الأسلحة الحديثة، لا تمثل صداعا بين الدول العربية وإسرائيل، كما كان يحدث في الماضي، وإنما أصبحت تمثل صداعا بين العرب وتحديدا دول الخليج وإيران.

دراسات لمنتدي التسليح العربي رصدت أن الدول العربية دخلت هذا المضمار متأخرة، وكانت البداية من الإمارات التي بدأت خطوات محدودة عام 2008، لإنتاج طائرة بدون طيار من نوعية "يبهون يونايتد 40".

بينما كانت الجزائر هي الأولى بين الدول العربية لإنتاج هذه النوعية لأغراض عسكرية، حيث أنتجت عام 2013 الطائرة "أمل1- 400"، في حين قلدت السعودية الطائرة الألمانية "لونا".

وفي عام 2016 أعلنت مصر إنتاج أول طائرة من هذا النوع، لتقوم بعدة أدوار مختلفة، منها الاستطلاع، وتحديد الأهداف، وتصحيح نيران المدفعية.

وفيما يتعلق بإيران، أشار المنتدى أنها دخلت عالم الطائرات بدون طيار مع مطلع الألفية الحالية لأغراض استطلاعية، ثم طورتها عام 2013، لتقوم بأغراض عسكرية، ظهرت بوضوح في الحرب الخليجية الإيرانية في اليمن.

جماعة الحوثي تهاجم السعودية بعشرات الطائرات اليومية، وبعضها يقوم بمهمته، والبعض الآخر يتم إسقاطه، ومعظمها من نوعية "فطرس"، التي يبلغ طولها 7 أمتار، ومدى طيرانها 2000 كلم.

وأعلنت الجمهورية الإسلامية منذ أيام انضمام 3 طائرات مسيرة جديدة ذات طابع هجومي إلى مجموعة طائرات أخرى من الطراز نفسه بحوزة الجيش الإيراني.

حسب معلومات سربتها أجهزة الاستخبارات الأمريكية، فإن إيران من خلال هذه الطائرات باتت تسيطر على منطقة الخليج العربي والقرن الإفريقي والبحر الأحمر ومضيقي هرمز وعدن، من خلال اعتمادها على الميلشيات التابعة لها في اليمن وسوريا ولبنان ومضيق هرمز والعراق.

في هذا الإطار صرح مسؤولون أمريكان لوكالة رويترز، إلى أنه بجانب مهام الاستطلاع التي تقوم بها الطائرات الإيرانية، فإنه يمكن لها أن تسقط ذخيرة أو تنفذ "طلعة انتحارية حيث يتم تزويدها بالمتفجرات وتوجيهها إلى هدف ما".

وهو ما تم رصده في العراق قرب القواعد الأمريكية التي تعرضت لهجوم عن طريق قذائف مورتر وصواريخ في الأسابيع القليلة الماضية، ما دفع واشنطن لإرسال تحذيرات بشكل غير مباشر لإيران، بأن واشنطن سوف تعتبر أي هجوم ينفذه وكلاء طهران من المليشيات الموجودة بالعراق على قوات أمريكية، هجوما من إيران نفسها.

القتل بالتسلية

في تحليل معمّق نشره بصحيفة واشنطن بوست، يشير المدير السابق لمكافحة الإرهاب بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية بيرنارد هادسون، إلى أن التوسع في استخدام هذه الطائرات بات يشكل إرهابا حقيقيا وخطرا كبيرا، ويمكن أن يدمر العالم من خلال أداة تحكم يتم استخدامها في الألعاب الإلكترونية المسلية.

وحسب هادسون، فإن الإرهاب الذي يقصده ليس معني به جماعات بعينها، وإنما يمكن أن يصدر عن دول، مثل المحاولة الأمريكية الفاشلة لاغتيال الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو من خلال طائرة بدون طيار كانت تحمل متفجرات.

وهو نفس ما تقوم به جماعات الحوثي ضد السعودية، ويمكن أن يدفع مجموعات أخرى ذات خبرة تكنولوجية وأفرادا ساخطين على استخدام هذا النوع من الطائرات لارتكاب العنف السياسي.

نفس الرأي الذي نقلته وكالة فرانس برس عن أحد مسؤولي المخابرات الفرنسيين السابقين بأن هذه الطائرات أصبحت تمثّل تهديدا خاطفا بامتياز، وهو ما جعل الشركات المصنعة لها للعمل على إيجاد حل يمكن من خلاله مواجهة الموت القادم من هذا الطائر الصغير الفتاك.