مستغلا "الدعم السريع".. هكذا يخطط حميدتي لابتلاع الجيش السوداني

أحمد يحيى | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

قبل أشهر ثار السودانيون ضد حكم عمر البشير الذي استمر نحو 30 عاما، مطالبين بإقامة ديمقراطية تتجاوز ديكتاتورية الحديد والنار المسيطرة على البلاد لسنوات طويلة.

وفي خضم الانتفاضة العارمة، ظهرت قوات الدعم السريع التي تكونت من بقايا الجنجويد التي استخدم أفرادها الخيول في هجماتهم على القرى وسكان الإقليم، وسيطرت على كل مفصل من مفاصل العاصمة الخرطوم، وغدا قائدها الجنرال محمد حمدان دقلو "حميدتي" الزعيم الفعلي للدولة، والرجل الأقوى داخل المجلس العسكري.

ومع الإعلانات المتكررة عن محاولات انقلابية، واعتقال قادة من الجيش، وإحالة عدد كبير من الضباط إلى التقاعد، كان آخرها ما تم يوم 24 يوليو/ تموز المنقضي، عندما تم الكشف عن المحاولة الانقلابية الرابعة منذ عزل البشير، وعلى أثرها، تم القبض على رئيس الأركان المشتركة، الفريق أول ركن هاشم عبد المطلب أحمد.

يظهر الحديث عن إعادة هيكلة القوات المسلحة، والأجهزة الأمنية في السودان، لصالح قوات الدعم السريع بقيادة "حميدتي"، الذي يسعى إلى تجاوز مراحل عديدة نحو اعتلاء سلم السلطة، بحسب تقارير محلية وأممية، وبدعم إقليمي واسع من قوى الجوار في أبوظبي والرياض والقاهرة. 

سطوة الجنجويد

عام 2003 تم تشكيل ميليشيا الجنجويد، لكبح جماح التمرد في منطقة دارفور،  لكن جزءا من الجيش السوداني شعر بالسخط وعدم الارتياح لتلك القوات التي جاءت بخلفيات غير عسكرية، ولم تتدرج في سلك الجندية، وإنما عبر مسالك عصابات الصحراء.

في 20 يونيو/ حزيران 2019، نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، تقريرا بعنوان "زعيم الميليشيا المسلحة حميدتي يقترب من السلطة"، قالت فيه: إن "حميدتي كان تاجر جِمال بتعليم ابتدائي، عندما حمل السلاح قبل أن يصل من حقول الموت البعيدة في دارفور إلى الإدارة العليا في الخرطوم".

وبحسب التقرير، فإن "الجيش وإن كان مسلحا بشكل جيد، إلا أن مقاتلي حميدتي صهرتهم الحروب. وبعد دمج البشير قوات الدعم السريع في الجيش عام 2013 تفاوض حميدتي على نشر عناصرها في اليمن للقتال إلى جانب التحالف الذي تقوده السعودية هناك".

وأضاف أن حميدتي "استطاع من خلال هذا الحصول على صداقات مع شخصيات مؤثرة مثل محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، وعلى موارد مالية ما أسهم في تلميع صورته حيث رأى الكثيرون جوانب إيجابية في صعوده إلى السلطة".

وأكدت الصحيفة البريطانية "حتى عام 2015 كانت قوات الدعم السريع تقوم بعمليات مكافحة التمرد في دارفور، وهي مسؤولة بحسب منظمة هيومان رايتس ووتش عن مهاجمة القرى، وحرق ونهب البيوت وضرب وقتل واغتصاب سكانها". 

ونقلت الصحيفة عن السياسي السوداني رضوان داوود: "منذ استقلالنا عام 1956 لم يصل إلى سلم السلطة من دارفور أي شخص مثلما فعل حميدتي، وهو من الخارج يقوم بتحطيم النظام وطالما بقي هذا فلا مستقبل، ويمثل حميدتي تهديدا على القيادة السياسية التقليدية والعسكرية". 

تفكيك الجيش

في 28 مايو/ آيار 2019، نشر موقع الجزيرة نت تقريرا تحدث عن "تداول أنباء عن خطة لإعادة هيكلة الجيش السوداني، ويفسرها بعض المراقبين بأنها محاولة لتفكيك القوات المسلحة السودانية لصالح قوات الدعم السريع التي استوعبت في الآونة الأخيرة مجندين كثيرين من أقاليم مختلفة، في مقدمتها إقليم شرق السودان".

وأكد التقرير "تواتر أنباء عن تمويل خليجي لتدريب طيارين بغرض تشكيل قوة جوية تتبع لتلك القوات". ونقل عن مصدر أمن خاص، قوله: "فكرة تفكيك القوات المسلحة هي مغامرة خليجية، هدفها تكوين قوة عسكرية مستدامة الولاء لمحور السعودية والإمارات تحت قيادة حميدتي، وأضاف أن الدولة المصرية ترفض ذلك، بحكم خبرتها ومعرفتها بشؤون السودان".

وبحسب التقرير نوّه المصدر الأمني إلى "أن الجيش ولاؤه للوطن، وأن المليشيات من أي جهة كانت ولاؤها لقائدها". ويضيف: "القوات المسلحة السودانية هي نتاج تدريب وتسليح لأكثر من 70 عاما، بلغت خلالها درجات عالية من الكفاءة، بينما الدعم السريع يحتاج على الأقل لثلاثين عاما كي يصبح في مستواها الحالي".

كما أورد الموقع "أن المجلس العسكري الانتقالي شرع في ضم هيئة العمليات التابعة لجهاز الأمن السوداني إلى قوات الدعم السريع، على أن يتم نقل أفراد هيئة العمليات في الخرطوم بعد ضمهم إلى قوات الدعم السريع، إلى ولايات أخرى، خصوصا مناطق النزاع".

محاولة انقلابية 

في 24 يوليو/ تموز المنقضي كشفت القيادة العامة للجيش السوداني عن "إحباطها محاولة انقلاب تزعمها الفريق أول ركن هاشم عبد المطلب أحمد رئيس الأركان المشتركة وعدد من ضباط الجيش والمخابرات، وقيادات من الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني".

وأوضح الفريق أول ركن محمد عثمان الحسين رئيس الأركان المشتركة المكلف في بيان له أن "الأجهزة الأمنية تمكنت من الكشف عن تفاصيل مخطط الانقلاب والمشاركين فيه، وعلى رأسهم رئيس الأركان، وضباط من رتب رفيعة في القوات المسلحة وجهاز الأمن والمخابرات الوطني".

وأورد بيان المجلس أن "هدف المحاولة الانقلابية الفاشلة هو إجهاض ثورة الشعب المجيدة وعودة نظام المؤتمر الوطني البائد للحكم، وقطع الطريق أمام الحل السياسي المرتقب الذي يرمي إلى تأسيس الدولة المدنية التي يحلم بها الشعب السوداني".

وذكرت تقارير أن المحاولة الانقلابية كانت تريد الاستفادة من أجواء السخط الشعبي على قوات الدعم السريع بعد فض اعتصام للثوار بالقوة في 3 يونيو/ حزيران 2019، أمام القيادة العامة للجيش في الخرطوم، بيد أن حميدتي هو من يحصل على فوائد سياسية من ظاهرة الكراهية التي أحاطت بالإسلاميين الذين دعموا نظام البشير، وهو الآن يخطط لتصفيتهم من المؤسسات المهمة في الدولة، ما يربك حسابات الإسلاميين، وفق مراقبين.

وقبل إعلان إحباط محاولة انقلابية بقيادة رئيس هيئة الأركان، التزم غالبية الإسلاميين الذي دعموا نظام البشير، الصمت حيال مجريات الأوضاع السياسية، وأظهر بعضهم مناصرته لتوجهات المجلس العسكري الانتقالي في عملية التفاوض مع قوى الحرية والتغيير، بيد أن التطورات الأخيرة كانت مفاجئة بالنسبة لهؤلاء وأصابتهم بحالة صدمة.

زيادة القوات 

في 11 يونيو/ حزيران الماضي، قالت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية: "إن قوات الدعم تقوم بزيادة عمليات التجنيد في شرق السودان مما يعني زيادة في التوتر داخل البلاد".

ويقول أليكس دي وال، الخبير في السودان تعليقا على الحدث: "هذا مخيف، ولا يعرف الخبراء والمسؤولون الكيفية التي سيتم فيها إخراج السودان من الحافة، وفي مركز الجهود كيفية التعامل مع حميدتي الذي يوصف بأمير الحرب، ومع ذلك فهو عضو في المجلس العسكري الانتقالي الذي يقول إنه سيقود البلاد".

ويضيف دي وال: "أخشى أن يكون حميدتي قد حرق جسوره، فالعنف الذي مارسته قواته لم ير مثله في الخرطوم، ولا أرى أي إشارة عن محاولات السيطرة عليه، حتى لو أزيح عن السلطة فلن يختفي من المشهد". 

وفي 15 يونيو/ حزيران 2019، نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرا بينت فيه أن "حميدتي"، هو من يقف وراء القمع الشديد للمعارضة في العاصمة الخرطوم، حيث قاد حملته العسكرية الأولى في شمال دارفور وجنوب السودان.  

وأكدت الصحيفة أن "من يقف وراء هذا القمع هو الجنرال محمد حمدان دقلو، الذي يتولى قيادة قوات الدعم السريع، وسبق لهذا الجنرال أن اعتمد هذا الأسلوب خلال تدخل قوات الدعم السريع في كل من إقليمي دارفور وكردفان. ولم يظهر حميدتي منذ بداية الثورة، لدرجة أن البعض اعتبره الحامي، لكنه في الحقيقة لا ينوي أن يكون جزار الثورة، وإنما الملك القادم للسودان".

وأشارت إلى أن "الجنرال حميدتي يدير نحو 30 ألف جندي من قوات الدعم السريع المسلحين جيدا كأنهم على أهبة الاستعداد لخوض حرب".

نذر حرب أهلية

وفي 3 يوليو/ تموز المنقضي دعا زعيم حزب الأمة السوداني الصادق المهدي، إلى دمج قوات الدعم السريع بالجيش السوداني بشكل كامل. وبرر دعوته هذه، بهدف تجنب التوترات بين قوات الدعم السريع المهيمنة على الأمن في العاصمة الخرطوم والجيش بأي ثمن.

المهدي حذّر من المخاطرة بالمزيد من الاضطرابات في حال لم يتم الدمج بين قوات "حميدتي" والجيش السوداني. وقال: "إما أن يحسمها الناس قتالا وهو ما سيكون في غاية السوء للسودان أو أن يقبلوا بعملية مصالحة".

وأضاف المهدي، رئيس أحد أكبر أحزاب المعارضة في السودان: "على كل قوانا السياسية أن تركز على ضرورة تحاشي هذه الحرب الأهلية وكل أشكال الصراع التي يحتمل أن تحدث".

وبحسب مركز التحرير لدراسات الشرق الأوسط في واشنطن، فإن "قائد قوات الدعم السريع مثل كثيرين آخرين في المؤسسة الأمنية السودانية، نشيط في حماية مصالحه، لذا تتزايد التكهنات بأنه يستخدم الفراغ بعد عزل البشير للتقدم إلى أعلى مستويات السلطة".

ويلفت المركز في مسألة ولاء حميدتي إلى أن "أول إعلان عن إطاحة الجيش بالبشير كان من قبل وسائل الإعلام الرسمية لقوات الدعم السريع التي يقدر عددها بـ30 ألف عنصر.

وجاء في هذا البيان أن "القوات المسلحة وقوات الدعم السريع استولت على السلطة"، وفي ذلك إشارة هامة أن "حميدتي لا يكتفي بكلمة (القوات المسلحة) بل يضيف (قوات الدعم السريع) بجانبها، ما يعكس وجود قوتين منفصلتين هما الجيش، والدعم السريع" ما يفيد بأنهما ليسا كيانا واحدا.