جون أفريك: هل يستمر إفلات البشير من الجنائية الدولية رغم عزله؟

12

طباعة

مشاركة

نشرت مجلة "جون أفريك" الفرنسية تقريرا، تساءلت فيه عن إفلات الرئيس السوداني السابق عمر البشير من العدالة رغم أنه متهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وإبادة جماعية، مشيرة إلى أنه حتى الآن لا يعرف ما إذا كان قادة السودان الجدد سيسلمون البشير إلى هذه المحكمة أم لا.

قبل شهر تحديدا، أجبر الجيش السوداني الرئيس عمر البشير الذي حكم البلاد بقبضة حديدية على مدار ثلاثين عاما، على التنحي إثر احتجاجات انطلقت في 19 ديسمبر/كانون الثاني 2018، ومنذ ذلك الحين، لا تزال هناك شكوك حول مصير البشير، المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية من خلال مذكرتي توقيف.

مستقبل غامض

ونقلت المجلة عن مدير برنامج العدالة الدولية في منظمة "هيومن رايتس ووتش" ريتشارد ديكر، القول: إن "البشير وآخرين من أمثاله ظلوا يختبئون خلف حجة أنه لا يمكن محاكمة زعماء الدول حتى على أخطر الجرائم، وعلى أي حال فقد سحب الشعب السوداني هذه الحجة".

وأوضحت "جون أفريك" أنه، منذ أشهر عدة، كان المحتجون السودانيون يطالبون بحكم الرئيس السابق، الذي أصدرت ضده المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال "بارتكاب جرائم حرب" و"جرائم ضد الإنسانية"، ثم " الإبادة الجماعية" في دارفور، مشيرة إلى أنه بحسب التحقيقات المنشورة على موقع المحكمة الجنائية الدولية، من بين التهم الموجهة إليه جرائم مثل "القتل" و"الإبادة" و"التعذيب" و"الاغتصاب".

ولفتت المجلة إلى أنه بعد احتجازه في مكان غير معلوم، ذُكر أن عمر البشير نُقل إلى سجن كوبر في 17 أبريل/ نيسان الماضي، وفقا لأحد أقاربه، مبينة أنه فيما تعرض آلاف السجناء السياسيين للتعذيب في الماضي، فإن المستقبل القضائي للبشير مثل مستقبل السودان، يظل غامضا.

وأشار تقرير المجلة إلى أنه مرّت عشر سنوات والمحكمة الجنائية الدولية تنتظر للقبض على عمر البشير، وهو أول رئيس في السلطة يصدر بحقه أمر توقيف من قبل المحكمة الدولية، وأن إقالته على يد الجيش، في 11 أبريل/نيسان الماضي، أحيا الأمل في وضع حد للحرج الدبلوماسي المتمثل في اعتقال رئيس دولة حالي، لكن في اليوم التالي لسقوطه، أكد المجلس العسكري، أن عمر البشير لن يتم "تسليمه إلى الخارج" قبل أن يقول إن هذا القرار "سيتخذ من حكومة شعبية منتخبة وليس من المجلس العسكري".

وفي حديث للمجلة قال أستاذ القانون الدولي في جامعة أمستردام، كيفن جون هيلر: إنه "إذا رفض الجيش تسليم البشير إلى المحكمة، فذلك لأن الجرائم الواسعة النطاق التي ارتكبت في دارفور لم يرتكبها الرئيس السابق فحسب، بل ارتكبها أيضا جنود ومليشيات".

وأكدت "جون أفريك" أنه لذلك يرتبط مستقبل الرئيس المخلوع ارتباطا وثيقا بمستقبل البلاد ويعتمد على الطريقة التي ستتم بها عملية الانتقال السياسي، إذ يؤكد أستاذ القانون الجنائي بالجامعة ذاتها سيرجي فاسيلييف، في حديث للمجلة أنه: "ربما تكون الحكومة المدنية أكثر ميلا للموافقة على نقل عمر البشير إلى لاهاي"، ومع ذلك، رفض المجلس العسكري حتى الآن نقل السلطة للمدنيين وتوقفت المحادثات حول تشكيل مجلس موحد.

دول تقاعست

وقالت المجلة، إن المحكمة الجنائية تأسست في عام 2002 للمساعدة في إنهاء إفلات مرتكبي أخطر الجرائم من العقاب، ولا تملك المحكمة الجنائية الدولية "قوات شرطة أو أدوات ردع خاصة بها"، "لذلك فهي تعتمد على التعاون مع البلدان في جميع أنحاء العالم لدعم عملها".

وأوضحت، أنه على الرغم من صدور العديد من أوامر الاعتقال الدولية، فقد تمكن الرئيس السوداني السابق من السفر بانتظام خلال فترة رئاسته، بما في ذلك إلى بعض الدول الموقعة على نظام روما الأساسي (المعاهدة التأسيسية للمحكمة الجنائية الدولية)، دون أي قلق ومن بين بين البلدان التي تمكن من زيارتها دون توقيفه جنوب إفريقيا وتشاد وكينيا وجيبوتي وجمهورية الكونجو الديمقراطية ونيجيريا ومصر والأردن.

 ومن وجهة نظر سيرجي فاسيلييف، فإن هذا ليس "إخفاقا للمحكمة الجنائية الدولية"، بل نقصا في التعاون من السودان والدول الأطراف الذين، حتى لو كانت لديهم الفرصة، لم ترغب قط باعتقال عمر البشير. ففي 6 مايو/أيار الجاري، وجدت المحكمة الجنائية الدولية أيضا، أن الأردن قد انتهك التزاماته بعدم اعتقال الرئيس السوداني السابق في عام 2017، بينما قررت عدم إحالة القضية إلى مجلس الأمن الدولي.

وأكدت المجلة، أنه رغم استمرار عدم اليقين بشأن مستقبل عمر البشير والوضع في السودان لا يزال متقلبا، فيما يعتقد سيرجي فاسيلييف أن مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية يجب أن يجري تحقيقا جديدا إذا كانت لديه فرصة لمتابعة هذه القضية، وأن اتهامات المحكمة الجنائية الدولية ضد البشير تعود إلى عام 2009، ولن أصدق على جودة التحقيقات أو الأدلة التي تدعمها، يجب أن يكون التحقيق قويا بما يكفي فالمحكمة الجنائية الدولية لا تستطيع تحمل فشل آخر فيما يمكن أن تكون قضيتها المقبلة الأكثر متابعة".

وذكرت "جون أفريك"، أنه بدلا من ذلك، يمكن للسودان محاكمة البشير في محكمة وطنية، رغم أنه من غير المرجح أن يرضي هذا الخيار رغبة المتظاهرين، فيما يخشى كيفن جون هيلر، أن "يبقى عمر البشير دون عقاب".

حراك مستمر

وبعد شهر واحد من الإطاحة بعمر البشير، لا يبدي قادة الجيش أي مؤشر لنقل السلطة إلى إدارة مدنية، في حين أن المفاوضات مع ممثلي حركة الاحتجاجات الشعبية متعثرة، بحسب المجلة.

وما زال المتظاهرون السودانيون يحشدون أمام مقر الجيش في الخرطوم لإجبار جنرالات المجلس العسكري الانتقالي على نقل السلطة إلى المدنيين، على الرغم من درجات الحرارة التي تتجاوز 40 درجة وصيام شهر رمضان. ويسعى الجميع إلى إجبار جنرالات المجلس العسكري الانتقالي على الانسحاب، كما فعل الرئيس السابق عمر البشير منذ شهر بالضبط، بعد ما يقرب من 30 عاما في السلطة.

وأعلنت "قوى إعلان الحرية والتغيير" التي تقود الاحتجاجات في السودان تلقيها دعوة من الجيش يؤكد فيه أن المجلس العسكري اقترح استئناف محادثات نقل الحكم إلى سلطة مدنية بعدما وصلت إلى طريق مسدود.

والمفاوضات بين الجيش وقادة ائتلاف "الحرية والتغيير"، الذي يقود الاحتجاجات، تعطلها خلافات وتجعلها تراوح مكانها، إذ يختلف الطرفان حول تركيبة الهيئة التي يفترض أن تحل محل المجلس العسكري، فبينما تريد قوى الحرية والتغيير أن تكون غالبية أعضائها من المدنيين، يسعى الجيش لأن تكون الغالبية من العسكريين.

وقدّم ائتلاف "الحرية والتغيير" الشهر الماضي، إلى الجنرالات اقتراحاته لسلطة مدنية، وردّ المجلس العسكري بأنه يتفق مع غالبية المقترحات، لكن لديه "تحفظات عديدة"، واتهم المجلس، التحالف بأنه لم يدرج في مقترحاته أن الشريعة الإسلامية يجب أن تبقى مصدر التشريع، وردّ الائتلاف متهما المجلس بـ"مصادرة الثورة وتعطيلها".