تفكيك المربع.. كيف تدير طهران الحرب النفسية مع واشنطن؟

محمد سراج الدين | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم يكن إعلان القضاء الإيراني قرب تنفيذ حكم الإعدام في حق الإيرانيين المدانين بالتجسس لصالح واشنطن ودول غربية أخرى، إلا خطوة ضمن خطوات بدأتها طهران في إطار حربها النفسية على أمريكا والخليج وأوروبا، لتنتقل من حرب خطف الناقلات إلى شبكات التجسس.

وبحسب بيان غلام حسين إسماعيلي، المتحدث باسم السلطة القضائية في إيران، فإن "حكم الإعدام سينفذ قريبا بحق الذين خانوا الوطن"، مشيرا إلى أنه وفقا للوثائق والأدلة المقدمة، فإن "المحكمة أدانت هؤلاء بتهمة التجسس إلى مستوى الإفساد في الأرض، حيث إنه قد طلب من المحكمة إصدار حكم الإعدام بحقهم، كما صدرت أحكاما بالسجن لمدد طويلة على عدد من هؤلاء المتهمين بالتجسس لصالح أجهزة التجسس الأمريكية".

وفي مقابل ما أعلنته وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية، أن الأجهزة الأمنية المعنية فككت شبكة تجسس تضم 17 إيرانيا بعضهم يعمل لصالح المخابرات الأمريكية، وآخرين يعملون لصالح دول غربية أخرى، إلا أن الرد الرسمي الأمريكي جاء بالنفي التام لوجود مثل هذه الشبكة أو صدور مثل هذه الأحكام، كما أعلن الرئيس الأمريكي بشكل واضح.

ووفق التقارير والتحليلات السياسية وردود الأفعال الرسمية والقريبة من الرسمية، فإن التحركات الإيرانية خلال الأسابيع الماضية تثير الشكوك، خاصة وأن الأيام الأخيرة شهدت تصعيدا إيرانيا من نوع مختلف، ومع دول لم تكن في صدام مع طهران، مثل بريطانيا التي كانت الطرف الثاني في أزمة الناقلات والسفن التي تم التحفظ عليها.

ورغم الخطاب الإيراني الرسمي "العاقل"، إلا أن التصرفات على أرض الواقع، تطرح تساؤلات عن الهدف من وراء هذا التصعيد، وهل يمكن أن يكون هناك ما يدور في السر بين واشنطن وطهران، أم أن الأخيرة قرأت ردود الأفعال الأمريكية والغربية التي تشير لعدم نيتهم في شن حرب بالخليج، فبدأت تستعرض قوتها في رسالة للسعودية والإمارات، بأن الذي يعتمد علي أبناء العم سام لابد أن يكون يخسر في النهاية.

تفكيك المربع

وفق التحليلات السياسية، فإن القضية ليست في ضبط شبكة تجسس، باعتبارها أمورا معتادة في طهران، ولكن القضية في دلالات توقيت إعلانها، ثم إعلان أحكامها، وخصوصا فيها يتعلق بقرب تنفيذ الإعدام، وكأن إيران تستفز جهة ما من أجل التقاط طرف خيط لا يزال حتى الآن غامضا ومريبا.

ويرى المختصون، أن ما صرح به وزير الخارجية الأمريكي، بأن بلاده لن تدخل في حرب مع إيران، وأنه على بريطانيا أن تحمي سفنها بنفسها، ربما تشير للطرف الآخر الذي تريد طهران أن يلتقط طرف الخيط، فأمريكا لم توجه هذه الرسالة لبريطانيا فقط، وإنما هي رسالة غير مباشرة لدول الخليج التي مارست ضغوطا من أجل جرّ واشنطن للصدام مع إيران، وربما تكون الرسالة لإسرائيل كذلك.

ويستدل أنصار هذا الطرح بأن تصريحات الوزير الأمريكي، كانت بعد الإعلان عن شبكة التجسس، والعقوبات التي قررها القضاء الإيراني ضد المتورطين فيها، ما يعني أن أمريكا تريد غلق كل الأبواب للصدام مع طهران، وهو ما يحمل العديد من الإجابات عن التساؤل السابق عن هدف طهران من هذا التصعيد.

ويري بعض المختصين، أن التصعيد الإيراني يهدف لتغيير الوضع القائم ضدها وتفكيك نظام العقوبات الأمريكي القاسي ضدها، وربما تطوّر طهران من تصعيدها تجاه إسرائيل إذا ما زادت عليها الضغوط الأمريكية، لإجبار واشنطن على تغيير إستراتيجيتها تجاه طهران.

وساطات وتساؤلات

وبحسب تحليلات صحفية موسعة، فإن العديد من الوساطات الدولية بدأت تظهر على سطح الخليج لنزع فتيل التوتر، فزيارة رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي لطهران، والزيارة المرتقبة لوزير الخارجية العماني يوسف بن علوي، والاتصالات التي أجراها الرئيس الفرنسي ديفيد ماكرون مع المسؤولين الإيرانيين، تصب في الاتجاه الذي تريده إيران، التي تعلم جيدا أنه لن يبادر أحد بإطلاق الرصاصة الأولى في الخليج.

وتشير تحليلات أخرى، إلى أن إيران أرادت بخطواتها الأخيرة، دفع أوروبا بعيدا عن أمريكا فيما يتعلق بالأزمة الدائرة في الخليج، وهو ما حقق نجاحا حتى الآن رغم التحرش البحري الذي جرى مع السفن البريطانية في مضيق هرمز، خاصة وأن تصريحات الحكومة البريطانية بعد اجتماعها الأمني الموسّع، لم يحمل في ثناياها حديث عن اشتباكات عسكرية، وإن كانت يحمل الكثير من الغضب نتيجة التصرفات الإيرانية.

ووفق الرأي نفسه، فإن تصريحات وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، التي أكد فيها أن بلاده لن تتبنّى موقف الرئيس الأمريكي ترامب إزاء إيران وإستراتيجية الضغوط القصوى الأمريكية، ولكنها تضع تهدئة التصعيد من خلال الدبلوماسية على قائمة الأولويات، يصب في نفس الاتجاه الذي تريده طهران، التي بدأت تتمتع بدعم صيني وروسي مميز خلال الأحداث الأخيرة.

جرأة إيرانية

وصفت شبكة "بي. بي. سي" البريطانية ما يحدث بين طهران وواشنطن، بأنه عبارة عن جرأة محسوبة من إيران، ومناورات مدروسة من أمريكا، وحسب محللين اعتمدت عليهم الشبكة البريطانية في تحليل المشهد الجاري في مياه الخليج العربي، فإن إيران باحتجاز الناقلة البريطانية أظهرت قوتها في الرد بالمثل وعدم قدرة بريطانيا على حماية سفنها.

ووفق التقرير ذاته، فإن إيران "تتحرش بخصومها الغربيين، لمعرفة إلى أي مدى يمكن لها التحرك في الخليج من دون عقاب بطرق تتفادى إشعال الحرب، بدلا من الاشتباك مع جيش أمريكي قوي، لكن يبدو أنها تزيد من أخطائها وسوء تقديرها، الأمر الذي من الممكن أن يؤدي إلى نشوب نزاع مسلح له تداعيات عالمية".

وهو ما ذهب إليه أيضا تحليل، بول سالم، رئيس معهد الشرق الأوسط بواشنطن، الذي أكد أن التصعيد الإيراني الأخير مبني على تقييم إيراني بأن ترامب لن يتورط في حرب مع إيران، وخاصة إذا بقيت الهجمات الإيرانية مركزة على حلفاء واشنطن، وهو ما عبر عنه وزير خارجية إيران جواد ظريف، خلال زيارته الأخيرة لنيويورك بأن العقوبات الاقتصادية الأمريكية "القاتلة" لن تمر دون ثمن، وأنه في حال تعرضت إيران لأي ضربة عسكرية أمريكية، فإنها سترد على حلفاء واشنطن.

ورأى بول سالم، أن ما تريده إيران في هذه المرحلة هو تنازلات أمريكية معينة لتخفيف الخناق الاقتصادي عليها، مثل العودة إلى إعفاء الدول الصناعية التي كانت تستورد النفط الإيراني مثل اليابان والدول الأوروبية من العقوبات الأمريكية، مقابل وقف عملياتها التخريبية في الخليج، وضد السعودية عبر الحوثيين.

أهداف أمريكية

وتفيد تحليلات أخرى بأن الرئيس الأمريكي ترامب يسعى من وراء "مناوراته" مع إيران إلى تحقيق أربعة أهداف، أهمها  التوصل إلى اتفاق جديد مع إيران يرتبط باسمه وبالجمهوريين"؛ والثاني: هو "توفير اتفاق تستفيد منه الشركات الأمريكية الممنوعة من العمل في إيران نظرا للقانون الأمريكي الذي يمنع الاستثمار مع دولة راعية للإرهاب، وهي حصيلة استفادت منها الشركات الأوروبية إثر التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران.

أما الهدف الثالث فهو مرتبط بإسرائيل، حيث يريد ترامب التوصل إلى اتفاق يلبي شروط ورغبات اللوبي الصهيوني المتنفذ، وأخيرا استمرار ابتزاز جيران إيران وبيعهم أكبر قدر من السلاح والخبرات وإدامة الرعب من "البعبع الإيراني".

مخاطر المغامرة

ووفق تحليل للباحثة سانام فاكيل، في صحيفة "جارديان" البريطانية، فإنه من غير الواضح ما إذا كانت الإستراتيجية التي تنتهجها إيران ستحقق هدفها في تبديد غضب الشعب الإيراني من إعادة فرض العقوبات؛ وخاصة لأنها محفوفة بمخاطر التصعيد، وتهدد بتعقيد العلاقات الثنائية بين بريطانيا وإيران وإهدار الجهود الأوروبية الواسعة المبذولة من أجل انقاذ الاتفاق النووي الذي يلزم إيران بتقييد صارم لبرنامجها النووي في مقابل رفع العقوبات.

وترى الباحثة، أنه على الرغم من تلك المخاطر والتهديدات، إلا أن إيران ترى هذه المقامرة ضرورية في الوقت الراهن؛ لتحسين نفوذها الدولي في حال استئناف المفاوضات الدبلوماسية. ولم تثمر جهود الوساطة التي استمرت أسبوعين لإطلاق سراح ناقلة النفط الإيرانية "غريس 1" عن شيء، الأمر الذي دفع المرشد الأعلى الإيراني على خامنئي للتصريح بأن "الجمهورية الإسلامية وقواتها الملتزمة لن تترك هذا الشر من دون الرد عليه".

وبحسب قول الباحثة في معهد "تشاتام هاوس"، فإن صنّاع السياسية الإيرانيين يحاولون تكرار النجاحات الملحوظة التي تحققت من مواجهة 2005 التي أدت إلى تسريع البرنامج النووي الإيراني الذي يُعتقد أنه أسفر عن تنازلات دولية كبرى، وتحاول أوروبا، العالقة بين الضغوط الأمريكية والإحباط من الانتهاكات النووية الإيرانية، اتباع نهج مستقل.

ولكن، سانام فاكيل، أكدت أن استمرار إيران في التصعيد سيدفع على الأرجح إلى إنشاء تحالف أوروبي- أمريكي ضد إيران، وبخاصة مع الإدانة المشتركة من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا لتصرفات إيران ومطالبتهم بالإفراج السريع عن ناقلة النفط المُحتجزة.