هل تفلح مطالبات إصلاح النظام السياسي بالمغرب أمام "ملكية متجذرة"؟

منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عاد عبد الإله بن كيران، الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة المغربية السابق، إلى واجهة الأحداث السياسية في المغرب بعد تجديد تمسكه بموقفه السابق الرافض للملكية البرلمانية، ردا على تصريح وزير الدولة والقيادي في الحزب الحاكم مصطفى رميد الذي عدّ فيه  الملكية البرلمانية لا مفر منها.

هذه المواقف المتقابلة، تعيد طرح التساؤل مجددا عن طبيعة النظام السياسي في المغرب، ومقارنته بالشعارات التي رافقت الإصلاحات السياسية في أعقاب التحركات الشعبية التي شهدتها البلاد في العام 2011 بالتزامن مع ثورات الربيع العربي.

الخوف من التغيير

ليست المرة الأولى التي يخرج فيها رئيس الحكومة السابق عبد الإله بن كيران بتصريحات متمسكة بشكل النظام الحالي في المغرب، إذ قال في لقاء مع شباب "حزب العدالة والتنمية": "إذا كانت الملكية البرلمانية هي ملك يسود ولا يحكم؛ فأنا ضدها ولم أوافق عليها، وهذا كلام ليس أول مرة أقوله".

وأكّد في اللقاء نفسه أنه "وقف ضد قيادات الحركة والحزب، التي أرادت الخروج في احتجاجات 20 فبراير/تشرين الثاني"، شاكرا شباب الحزب على تجاوبه مع مطلبه بعدم الخروج للاحتجاج".

وكان على رأس مطالب الاحتجاجات المطالبة بإرساء نظام ملكي برلماني، والقضاء على الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية، وهو ما خشيه بن كيران وعدد من الإصلاحيين الذين يعتبرون الملكية ووحدة التراب المغربي والهوية الإسلامية جزءا واحدا مرتبطا ببعضه منذ قرون.

أكثر من ثلاثة قرون الآن على العرش العلوي في المغرب، المملكة الوحيدة في إفريقيا وثاني أقدم أسرة حاكمة في العالم بعد الأسرة الإمبراطورية في اليابان، وتقول العائلة المالكة في المغرب إنها تنتسب إلى "علي بن أبي طالب وزوجه فاطمة الزهراء بنت رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم".

 وقد مهدت انتفاضة "المولى الشريف" على الدولة السعدية لقيام الدولة العلوية عام 1640، بتولي ولده محمد بن الشريف بن علي الشريف الثالث، وهو المعروف في تاريخ الدولة العلوية بمحمد الأول ليتواصل حكم الأسرة إلى يومنا هذا .

سلطة دينية

باستقرار السلطة الحاكمة في المغرب وتمتين نفوذها واستقلالها عن الدولة العثمانية في المشرق، ومقاومتها للغزو الإسباني على سواحلها، اعتمد الملوك المتعاقبون على نسبهم "الشريف" في تمتين شرعيتهم، وقد أصر الملوك المغاربة على حمل لقب "أمير المؤمنين" بما يعنيه من خلفية دينية اعتبارية تشبّه حامله بالخلفاء الأولين في الدولة الإسلامية، إذ نصت الفقرة الأولى من الفصل 41 من الدستور المغربي"الملك أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية".

شهد المغرب الأقصى كغيره من البلاد العربية غزوا استعماريا أوروبيا مع بداية القرن الـ20، إلا أن المملكة المغربية اشترك في احتلالها الفرنسيون والإسبان الذين تقاسموا استغلال الأراضي المغربية، وكغيره من نماذج الاحتلال تحت لافتة الحماية حافظ الاستعمار الفرنسي على المؤسسة الملكية وجردها من سيادتها وسلطتها على البلاد، إلا أنه وباعتلاء الشاب محمد الخامس عرش المملكة التحمت المؤسسة الملكية مع طموحات الشعب المغربي في التحرر والاستقلال، ونسجت علاقات وثيقة بقيادات الحركة الوطنية وفي مقدمتها حزب الاستقلال المغربي.

وتجسّد سعي الملك في تحقيق استقلال المغرب وضمان وحدة أراضيه في عدد من التحركات؛ أبرزها زيارته لمدينة طنجة شمال المغرب الخاضعة حينها لإدارة دولية فرنسية بريطانية إسبانية، وألقى فيها خطابا دعا فيه لوحدة المغرب واستقلاله في  9 أبريل/نيسان 1947.

هذا الحراك الملكي أثار حفيظة القوى الاستعمارية التي التجأت إلى نفي الملك وأسرته إلى جزيرة كورسيكا، ثم أٌبعِد يوم 2 يناير/كانون الثاني 1954 إلى مدغشقر؛ ليعود إلى عرش المملكة بعد الإعلان عن استقلال المغرب يوم 2 مارس/آذار 1956.

استبداد عنيف

5 سنوات فقط، كانت فترة حكم الملك محمد الخامس، بعد نيل المغرب استقلاله ليتولى من بعده ابنه الحسن الثاني، شهدت فترة حكمه قبضة أمنية حديدية، خاصة في الفترة الممتدة من منتصف الستينات إلى الثمانينات، شهدت انتهاكات لحقوق الإنسان تورطت فيها أجهزة أمنية في حق المعارضة، ولعل من أبرزها ملف المعارض السياسي البارز المهدي بن بركة، الذي اختفى في باريس ولم يعلم مصيره حتى اليوم،  ومعتقل "تازمامارت" الذي شهد أفضع أنواع التعذيب بحق المعارضين.

في ظل أزمة اقتصادية عاشتها المغرب نهاية التسعينات وصفت بـ "السكتة القلبية" التجأ الحسن الثاني إلى شيء من الانفتاح السياسي وتوسيع دائرة المشاركة في الحكم؛ عبر إقرار ما اصطلح عليه حكومة التناوب التي ترأسها زعيم حزب الاتحاد الاشتراكي عبد الرحمن اليوسفي عام 1998.

 وبعد أقل من عام توفي العاهل المغربي ليخلفه ابنه الأكبر محمد السادس على عرش المملكة، شهدت فترة حكمه منحى إصلاحيا ابتدأه بإقالة وزير الداخلية إدريس البصري والذي بقي على رأس الوزارة قرابة العشرين عاما، شهدت فيها المغرب الكثير من التعديات على حقوق الإنسان، تلى ذلك رفع الإقامة الجبرية على الشيخ عبد السلام ياسين، المرشد الراحل لجماعة العدل والإحسان، والسماح بعودة المعارض اليساري إبراهام السرفاتي، ودشن تجربة العدالة والانتقالية والإنصاف والمصالحة؛ لفتح صفحة جديدة مع معارضي النظام وضحاياه إلا أن الإصلاحات بقيت محدودة في عالم يشهد تغيرات كبيرة.

الربيع المغربي

لم يكن المغرب نشازا عما يقع في محيطه العربي؛ إذ جددت الثورة في تونس الأمل لدى الشعوب العربية من أجل تحقيق طموحاتها في الحرية والكرامة والديمقراطية، وبعد نجاح المصريين في الإطاحة بالرئيس المخلوع حسني مبارك، وانطلاق ثورة عارمة ضد نظام معمر القذافي في ليبيا وعبد الله صالح في اليمن.

انطلقت في 20 فبراير/شباط 2011 تحركات شعبية واسعة رفعت نفس المطالب التي نادت بها بقية الشعوب العربية، ولتدارك ما يمكن أن يصل له الحراك تلقف العاهل المغربي الرسالة وبادر بتقديم جملة من الإصلاحات، كان على رأسها تعديل دستوري واسع يقلص من سلطات الملك، ويمنح سلطة إضافية للبرلمان والحكومة المنبثقة عنه التي يرأسها الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية.

وقال الملك في خطاب للشعب المغربي يوم 9 آذار/مارس 2011  "ولنا في قدسية ثوابتنا، التي هي محط إجماع وطني، وهي الإسلام كدين للدولة، الضامنة لحرية ممارسة الشعائر الدينية، وإمارة المؤمنين، والنظام الملكي، والوحدة الوطنية والترابية، والخيار الديمقراطي، الضمان القوي، والأساس المتين، لتوافق تاريخي، يشكل ميثاقا جديدا بين العرش والشعب".

نحو ملكية دستورية

مع إقرار الدستور الجديد، دخل المغرب في مرحلة سياسية جديدة، تقوم علي نظام مبني على شكل من أشكال الملكية الدستورية، في ظل تعزيز صلاحيات رئيس الوزراء. فالمغرب بعد الدستور الجديد تتمتع إلى جانب الملك، برئيس للحكومة يمارس صلاحيات كاملة، ويمثل القطب الثاني للسلطة التنفيذية، إذ نص الفصل الأول منه على أن "نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية.

يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحاكمة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة"، مؤكدا أن "السيادة للأمة، تمارسها مباشرة بالاستفتاء، وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها. تختار الأمة ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم".

رغم أن الدستور الجديد للمغرب قد ضمن تنظيم أول انتخابات وصفت بالشفافة والديمقراطية سمحت لأكبر أحزاب المعارضة المغربية، حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية، بالوصول إلى السلطة وتقديم أمينه العام عبد الإله بن كيران، لرئاسة الحكومة بعد نيله ثقة البرلمان، إلا أن الوزير رئيس الحكومة الجديد بقي مصرا على الترديد، في أكثر من مناسبة، بأن الملك هو رئيس الدولة وصاحب السلطة العليا في البلاد.

وصرّح في مقابلة تلفزيونية قائلا: "إن ملكيتنا هي ملكية دستورية، وليست ملكية برلمانية؛ والدليل على ذلك أن جلالة الملك هو رئيس الحكومة، وقبل ذلك هو رئيس الدولة بنص الدستور، ثم بعد ذلك هو أمير المؤمنين، إذن الجانب الديني، ثم بعد ذلك هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية وكل الأجهزة التي تحتها، إذن في الحقيقة وحتى نكون واضحين جلالة الملك هو الذي يسير المغرب وهو الذي يحكم”.

فبموجب الدستور المغربي الملك يسود ويحكم، وسلطاته ليست رمزية فحسب. وهو ما جعل جزءا كبيرا من المعارضة السياسية في المغرب والنشطاء يجددون في كل فترة مطالباتهم بإرساء ملكية برلمانية على غرار الملكية البريطانية أو الإسبانية، كما لا تغيب في المغرب أصوات مطالبة بإسقاطها جملة والتأسيس لنظام جديد.

ديمقراطية شكلية

أعادت عدة تصريحات لسياسيين من داخل الحكومة والمعارضة في المغرب الحديث عن مطلب الملكية البرلمانية، وهو أحد أهم المطالب الإصلاحية التي رفعها الشباب المغربي إبان حراك 20 فبراير/ تشرين الثاني عام 2011؛ إذ انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقتطف من حديث للقيادي في حزب العدالة والتنمية المغربي عبد العلي حامي الدين، خلال لقاء داخلي للحزب، جاء فيه قوله "أنا أؤمن أن شكل الملكية اليوم إن لم يتغير لن يكون مفيدا لها ولا لبلدنا".

وأكد أن "الملكية بشكلها الحالي معيقة للتقدم والتطور والتنمية"، وهو ما أيده مصطفى الرميد عضو الأمانة العامة لحزبه قائلا "كما قيل، فإن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، ولأن الملكية لا تكون ديمقراطية إلا إذا كانت ملكية برلمانية، فإن تطور الوعي الإنساني لن يقبل أي شكل آخر من الملكيات في العاجل أو الآجل".

ويبدو أن هذا الموقف من المؤسسة الملكية قد ترسخ لدى عدد كبير من الإصلاحيين في المغرب؛ خاصة بعد أزمة تشكيل الحكومة بعد انتخابات العام 2016 وما بات يعرف بالبلوكاج، الذي قوبلت به مساعي رئيس الحكومة المكلف حينها عبد الإله بن كيران، لتشكيل الحكومة وانتهى بإزاحة الملك له وتعيين سعد الدين العثماني رئيسا للحكومة.

معارضة راديكالية

في الجهة المقابلة من الحسابات الانتخابية والسياسية التي تعيشها الأحزاب المغربية وتربط مواقفها من المؤسسة الملكية، ترتفع أصوات من حين لآخر للمطالبة بمراجعة النظام برمته والبحث عن بديل كامل للمؤسسة الملكية، إذ ترفع جماعة "العدل والإحسان" شعار إسقاط النظام الملكي منذ تأسيسها على يد مرشدها الراحل عبد السلام ياسين.

ورفضت بموجب تمسكها بهذا الطرح  الدخول في العملية السياسية والمشاركة في الانتخابات، وهو ما يجمعها مع قوى يسارية راديكالية اتفقت خلال حراك 20 فبراير/ تشرين الأول 2011 على رفع مطلب انتخاب جمعية تأسيسية، تحدد هوية النظام السياسي في المغرب مستقبلا دون خطوط حمراء موضوعة من أحد.