الصهيونية والعروبة من المنظور العربي

د. عبدالله الأشعل | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

العروبة هي الصفة أو الهوية التي تطلق على سكان المنطقة العربية أما الصهيونية فهي مشروع سياسي الهدف منه القضاء على العروبة وهوية المنطقة، ولذلك احتمى الفلسطينيون بالعروبة وساروا وراء الشعارات القومية التي تكررت في الفكر القومي وحاولت بعض النظم أن ترفعها صدقا أو وهما.

ولكن العروبة ارتبطت بنظم معادية للغرب ولإسرائيل فقسمت المنطقة بين الموالين للغرب والمعادين له وتصادف أن هؤلاء المعادين يميلون إلى موسكو؛ فوقعت المنطقة في أتون الحرب الباردة الدولية والحرب الباردة العربية أما الحركة الصهيونية فقد نشطت عالميا لترسيخ مشروعها في المنطقة وكان عنوانها هو إسرائيل.

نظر العرب إلى العروبة بشكل منقسم وحتى الفريق الموالي للغرب لم ينكر عروبته لكنه كان يعارض استخدام العروبة في صراعات النظم من الناحية السياسية، تماما مثلما أن الدول الإسلامية لا تنكر الإسلام وتمارسه ولكنها تنكر استخدام الإسلام في الصراعات بين الدول أو بين الحاكم والمحكوم داخل الدولة، وهذا هو الذي أطلق عليه بعض الكتاب الغربيين خطأ الإسلام السياسي.

وكان انتصار العروبة يعني انتصار الدول الموالية لموسكو فحاربت واشنطن هذه العروبة وتصدت لدعاتها. بل إن موسكو حاربت العروبة هي الأخرى لأسباب مختلفة. أما الصهيونية فقد تغير وضعها في المنطقة العربية لتقلب وضع إسرائيل في الصراع من أجل المشروع الصهيوني ولا أقول الصراع العربي الإسرائيلي.

والحق أن صورة الصهيونية كانت تتمتع بالتعاطف في مصر على أساس أنها تعكس مأساة اليهود المضطهدين في ألمانيا لدرجة أن الدكتور طه حسين كان يعتبرها حركة خيرية للعطف على المظلومين، وقد تبرع المصريون لهذه الحركة ولكن بعد المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في فلسطين تغيرت صورة الصهيونية بحيث أصبح وصف صهيوني يطلق على العمل الإجرامي وغير الأخلاقي وخاصة بعد عدوان إسرائيل ضمن العدوان الثلاثي على مصر بعد تأميم قناة السويس عام 1956.

وقد ترتب على ذلك أن طردت الحكومة المصرية الجالية اليهودية المصرية خوفا من تضارب الولاء عندهم بين مصر وإسرائيل، رغم تمسك الجالية اليهودية بجنسيتها ومصريتها. وبعد عام 1967 تأكدت صورة الصهيونية السلبية تماما في العقل العربي، على أن هذه الصهيونية سرطان يفتت الجسد العربي وأن الوحدة العربية ضد هذا الخطر أكثر لزوما من ذي قبل.

ولكن المشكلة أن كارثة 1967 كانت تعني هزيمة للعروبة وانتصارا للصهيونية وأن هذه العروبة كانت تتضمن الوحدة العربية خاصة من أجل مواجهة إسرائيل فعملت الصهيونية منذ ذلك الوقت على مطاردة العروبة وإعلاء الصهيونية وربطت بين الهزيمة العربية وبين انتصار إسرائيل مما يعني انتصار الصهيونية على كل ما هو عروبي.

وعند هذه المحطة تقدمت واشنطن بمحاولات ظاهرها محاربة النفوذ السوفييتي وباطنها هزيمة العروبة وانتصار الصهيونية، وانتهزت فرصة أن موسكو هي الأخرى ضد العروبة وليست ضد إسرائيل والصهيونية؛ لأن الشيوعية تحارب القوميات والانتماءات الدينية، وهذه هي الثغرة التي نفذ منها الغرب لتفكيك الشيوعية من خلال تطبيقاتها وثغرات هذا التطبيق. 

وبعد هزيمة 1967 ساهم التيار الإسلامي لاعتبارات نتفهمها ولا نوافق عليها في مطاردة العروبة على افتراض أن العروبة عنصرية وقطرية بينما الإسلام يشمل كل المسلمين أيا كان موقعهم على الخريطة.

وقد سادت بعد هذه الهزيمة نغمة مشبوهة تحت شعار "اعرف عدوك"، ولم يكن الهدف معرفة العدو بحجمه الطبيعي وإنما المبالغة في فضائل المنتصر ما دامت الصهيونية قد انتصرت على العروبة فهي في هذه النظرية أفضل من العروبة وهذا هو الذي آل إليه الحال في المنطقة العربية الآن، وهذا يذكرنا بحركة الافتتان بالغرب ما دام الغرب متقدما واستعمر الشرق وهي نفس النظرية التي نادت بالتغريب كطريق للتقدم بعد الحرب العالمية الأولى في مصر وهي النظرية التي قادها طه حسين ولطفي السيد والنخب المصرية التي تلقت تعليمها في الغرب مقابل النخب التي أكدت على الهوية الإسلامية أو الهوية الفرعونية أو الطريق الشيوعي وهي الأجنحة الأربعة للحركة الوطنية في مصر، وهذا هو المناخ الذي نشأت فيه حركة الإخوان المسلمين.

وتعتبر صفقة كامب دايفيد محطة حاسمة في مصير العروبة وصراعها مع الصهيونية، إذ تغيرت صورة الصهيونية في المنطقة العربية كما بدأت صورة العروبة في التدني مع نتائج انهيار الاتحاد السوفييتي والدكتاتورية العربية في بداية تسعينات القرن الماضي، حتى تمكنت واشنطن من إلغاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتجريم الصهيونية، بل وتقرر الاحتفال السنوي بذكرى محرقة اليهود في ألمانيا الهولوكوست ثم حولت واشنطن الصهيونية إلى صورة إيجابية وهي أنها تعبر عن القومية اليهودية.

ولم تظهر القومية اليهودية إلا بعد هزيمة القومية العربية على الرغم من الفارق بين المفهومين فالقومية العربية مفهوم ثقافي بينما القومية اليهودية خليط من الدين والسياسة على الرغم من أن القومية اليهودية تفترض أن اليهودية عرق وليست دينا.

وفي عام 2002 أصدر الكونجرس قانونا باعتبار الصهيونية عملا إيجابيا يستحق الدفاع عنه ضد ما أسماه القانون بـ"الأعمال المناهضة للسامية"، فكأن الصهيونية هي السامية مع أن الصهيونية مشروع سياسي والسامية تقسيم أنثروبولوجي. وهكذا فرضت واشنطن الصهيونية كفضيلة سياسية وتحت نفوذ واشنطن لدى العرب إنقاد العرب إلى هذا المفهوم على حساب تقلص العروبة، خاصة بعد نكبات الدكتاتورية العربية في مصر والعراق وغيرها؛ فارتبطت العروبة بالهزائم مقابل ارتباط الصهيونية بالتقدم والانتصارات.

ثم جاءت صفقة القرن لكي تؤكد انسحاب العروبة تماما كهوية للمنطقة العربية أمام الصهيونية التي تطمح في الحلول محل الفلسطينيين وإقامة الدولة اليهودية الخالصة. هذه القراءة تساعد على وضع خطة لإنقاذ العروبة من الاستبداد العربي وإسرائيل وطمس الوعي الشعبي وتغييب العقل.