تصعيد مفاجئ.. هل تعلن الكويت الحرب على الإخوان المسلمين؟

مهدي محمد | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مفاجأة من العيار الثقيل صدمت قيادات وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين حول العالم، عندما أعلنت دولة الكويت اعتقال 8 من أعضاء الجماعة المصريين المقيمين على أراضيها، وتم إعلان ذلك بلهجة هي الأولى من نوعها، بعدما وصفتهم بأنهم "خلية إرهابية".

ربما لو جاءت تلك الخطوة من السعودية أو الإمارات لأصبح الأمر مفهوما أو منطقيا، نظرا للخصومة السياسية لنظامي البلدين مع الجماعة من ناحية، وعلاقاتهما الوثيقة بالنظام المصري من ناحية أخرى.

وبقدر ما يحمل الإعلان الكويتي من رسائل ودلالات شديدة الخطورة، بقدر ما يفتح الباب على مصراعيه أمام مجموعة من التساؤلات بشأن تداعياته وتأثيراته السلبية في الكويت وجيرانها الخليجيين وفي مصر أيضا.

لا تسلموهم

في إعلان مفاجئ كشفت السلطات الكويتية عن اعتقالها 8 أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين مصريي الجنسية، قالت إنهم شكلوا "خلية إرهابية" مرتبطة بالجماعة، وأنه صدرت في حقهم أحكام بالسجن تصل إلى 15 سنة من محاكم مصرية.

وأضاف البيان الرسمي لوزارة الداخلية الكويتية، أن تلك الخلية "قامت بالهرب والتواري من السلطات الأمنية المصرية متخذين دولة الكويت مقرا لهم، وباشرت الجهات المختصة عملية أمنية استباقية، تم بموجبها ضبطهم في أماكن متفرقة".

البيان تابع أنه "وبعد إجراء التحقيقات الأولية معهم أقروا بقيامهم بعمليات إرهابية وإخلال بالأمن في أماكن مختلفة داخل الأراضي المصرية، ولا تزال التحقيقات جارية للكشف عن من مكّنهم من التواري وساهم بالتستر عليهم والتوصل لكل من تعاون معهم".

وبعبارات شديدة اللهجة حذرت الداخلية الكويتية بأنها "لن تتهاون مع كل من يثبت تعاونه أو ارتباطه مع هذه الخلية أو مع أية خلايا أو تنظيمات إرهابية تحاول الإخلال بالأمن، وإنها ستضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه المساس بأمن الكويت".

جماعة الإخوان المسلمين أعربت في بيان لها عن "ثقتها بعدالة ونزاهة تعامل السلطات الكويتية مع المقبوض عليهم، وبأن الكويت لن تسلمهم للسلطات المصرية"، مشيرة إلى أن عملية تسليمهم ستعرضهم للظلم والاضطهاد والمعاملة غير الإنسانية.

وأشارت إلى أن الأفراد المقبوض عليهم يعملون في الكويت بشكل قانوني ولم تثبت أي إساءة أو خرق للقوانين بحقهم، مؤكدة أنها تحرص دائما انطلاقا من "ثوابت فكرها ومنهج عملها وسياساتها" على احترام أبنائها للنظم والقوانين في البلدان التي يعملون بها.

وأكدت الجماعة إدراكها لـ"أهمية الكويت ومكانتها المعروفة"، وتثمين "مواقفها المشرفة بما يتعلق بأحداث المنطقة والقضايا العادلة التي تناصرها".

وفور الإعلان الكويتي استنكر الناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي الخطوة الكويتية وأطلقوا العديد من الهاشتاجات الرافضة لها.

غموض وارتباك

وقبل الخوض في رسائل ودلالات وتداعيات الإعلان الكويتي، وجب التوقف كثيرا أمام تفاصيل البيان، وما تضمنه من ملاحظات سواء في لهجته الحادة أو المصطلحات لتي تبناها وما تعنيه.

البداية مع الوصف الذي أطلقه بيان الداخلية الكويتية على المعتقلين وهو "الخلية الإرهابية"، كثيرون اعتبروه متسرعا إلى حد كبير، فالجماعة داخل الكويت غير مصنفة "جماعة إرهابية"، ويمثلها "جمعية الإصلاح الاجتماعي" وذراعها السياسي "الحركة الدستورية الإسلامية" (حدس) والممثلة في البرلمان الكويتي الحالي بعدد 3 نواب.

كما يفترض أن يطلق هذا التوصيف من القضاء الكويتي بعد التحقيقات مع المعتقلين والبحث في الأحكام التي صدرت ضدهم في مصر، ولعل التناقض هنا يظهر على اعتبار أن البيان لم يُشر من قريب أو بعيد إلى ارتكاب هؤلاء أية مخالفة أو جريمة تستوجب العقاب داخل الأراضي الكويتية.

وكان لافتا حديث البيان عن فرار المعتقلين إلى الكويت للتواري من الأجهزة الأمنية المصرية، على الرغم من أنهم منطقيا غادروا مصر ودخلوا الكويت بطريقة شرعية وبأوراق ثبوتية ووثائق معتمدة من السلطات المصرية، فلا مجال هنا للهرب أو التواري، حيث لا حدود مشتركة مثلما كان يحدث مع السودان قبل فترة.

وتضمن البيان تهديدا مباشرا بالضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه الإخلال بأمن الكويت، وهنا محل تضارب آخر، أقحم اسم الكويت معرضة لخطر مزعوم من أناس، لم يرتكبوا عنفا أو مخالفة داخل البلاد باعتراف رسمي إذ خلا البيان من ذلك تماما، واكتفى بالقول إنهم ارتكبوا جرائم داخل الأراضي المصرية.

النائب السابق في البرلمان الكويتي ناصر الدويلة، قال: إن "الكويت بقيت بعيدة عن خزعبلات الأنظمة القمعية.. وصدور بيان الداخلية بشأن الخلية الإرهابية الإخوانية تحول كبير جدا جدا جدا له ما بعده، فهل نحن أمام مرحلة جديدة في تاريخ الحريات أم هي سقطة غير موفقة؟".

وتابع: "رسالتي لسمو الشيخ جابر المبارك (وزير الداخلية الكويتي) أن سقطة وزارة الداخلية في بيانها الأخير تمس السيادة الكويتية، ومن الواضح أن هذه السقطة متعمدة وهي غير مسبوقة، فإن كانت ستشكل نهجا جديدا للحكومة فأنت تسير بالاتجاه المخالف للتاريخ، وإن كانت مجرد تخبط غير منضبط ومخالف للدستور فابحث عن كبش فداء أو تحملها".

الكاتب الصحفي المصري قطب العربي، رأى أن الطريقة التي أعلنت بها الداخلية الكويتية هذا الإعلان "يشي بوجود فرع للداخلية المصرية في الكويت هو الذي تتبع هؤلاء المظاليم، وهو الذي كتب البيان الذي نشرته الداخلية الكويتية، فهذه ليست لغة الكويتيين ولا هذه الطريقة لعرض فيديوهات لهم هي طريقة كويتية".

وتابع في منشور على "فيسبوك": "هؤلاء الأشخاص لم يدخلوا الكويت متسللين بطريقة غير مشروعة، بل دخلوا رسميا عبر مطارها، مطمئنين إلى ما تتمتع به من نزاهة وعدالة، ولم يصدر عن أحد منهم ما يسيء للكويت وأهلها، بل إن حبهم للكويت وأهلها هو ما ألجأهم إليها دون سواها".

وقال قطب العربي: إن "من قام بهذا العمل تسبب في تشويه سمعة الكويت، وواجب كل المحترمين في الكويت من حقوقيين وبرلمانيين وإعلاميين كشف ملابسات ما حدث ومحاسبة من فعله؛ حتى لا يكرره وحتى لا يلحق الكويت بمحور الثورات المضادة".

تداعيات مزلزلة

ولا يمكن اعتبار تلك الخطوة الكويتية حدثا عابرا، بل مرحلة مفصلية وتطورا لافتا مؤكد أن له ما بعده، ليس على مستوى الكويت فقط، بل إقليميا أيضا داخل دول الخليج العربي وخارجه.

ولعل أبرز تداعيات البيان الكويتي، أن عملية اعتقال المصريين المقيمين في الكويت والصادر بحقهم أحكام قضائية داخل مصر سوف تتوسع خلال الفترة المقبلة، الأمر الذي يضع المئات وربما الآلاف منهم على قائمة طويلة كأهداف لتحركات مقبلة، ربما تكون جاهزة للضوء الأخضر.

يؤكد هذا التوقع، تصريحات مصدر أمني مصري، كشف فيها أن إعلان السلطات الكويتية جاء بعد مراسلات بين الجهات الأمنية المصرية ومسؤولين في الكويت استمرت لسنوات، مشيرا إلى وجود "نشرة حمراء واتفاقية تعاون أمني بين القاهرة والكويت، تتيح تسليمهم في أقرب وقت ممكن".

ورحب المصدر بالخطوة الكويتية، وقال: إنها "بداية تنسيق حقيقي لخطوات أخرى بين مصر والكويت، ومصر ودول خليجية أخرى، خاصة وأن الأفراد المضبوطين في الكويت هاربين منذ مدة".

ومن المنتظر، أن تتسع دائرة الملاحقات لتشمل كويتيين ربما هم كفلاء هؤلاء المعتقلين، وبالنظر إلى لهجة التهديد في بيان الداخلية الكويتية وحديثه عن ملاحقة من تعاون معهم وتستر عليهم، يعطي إشارة واضحة إلى إمكانية ملاحقة كويتيين على علاقة بالأمر.

ولعل الأمر إذا استمر على هذا المنوال لن يتوقف عند حدود اعتقالات ومحاكمات، بل قد يصل إلى حظر جماعة الإخوان المسلمين داخل الكويت وتصنيفهم جماعة إرهابية، على غرار ما اتخذته السعودية والإمارات في أعقاب إطاحة الجيش المصري بالرئيس الراحل محمد مرسي في يوليو/تموز 2013.

الجديد في البيان الكويتي ليس القبض على منتمين للإخوان، بل إعلان ذلك في بيان رسمي وتوصيف المقبوض عليهم بـ"الخلية الإرهابية" وربطها بالجماعة، ففي أغسطس/آب 2013 اعتقلت الكويت أعضاء من الإخوان.

وسبق أن أعلنت الكويت ترحيل 9 مصريين تظاهروا دعما لمرسي، وفي ٢٠١٤ اعتقلت الكويت القيادي الإخواني محمد القابوطي وسلمته لمصر، وفي أغسطس/آب 2017 تسلم الإنتربول المصري اثنين من الإخوان.

ويبدو أن جميع من في الكويت يترقب الخطوة التالية، سواء ضد المصريين المطلوبين أمنيا أو الذين صدرت بحقهم أحكام قضائية قالت الأمم المتحدة ومنظمات دولية ومحلية إنها مسيّسة، أو ضد الكويتيين.

خليجيا، يعلم الجميع أن الآلاف من الإخوان الذين فروا من ملاحقات أمنية بعد انقلاب يوليو/تموز 2013، لجأوا بطريقة أو بأخرى إلى دول خليجية مثل السعودية والإمارات، ورغم أن الخطوة الأولى في هذا الصدد كانت تنتظر من أحدهما إلا أنها جاءت من حيث لم يتوقع أحد، وليس مستبعدا أن يوضع الحبل على الجرار وتقدم كل منهما على اتباع التصعيد الكويتي.

ما المقابل؟

بعيدا عن تداعيات الخطوة الكويتية، فإن الأمر ينطوي على علاقة وثيقة بالنظام الحاكم في مصر الذي يحارب الإخوان بلا هوادة حتى قبل أن يصبح عبدالفتاح السيسي رئيسا للجمهورية.

ومن المتعارف عليه في دنيا السياسة والعلاقات بين الدول أو بين نظم الحكم، تنازل طرف لآخر من أجل مصلحة ما، أو تبادل المصالح في إطار حرص كل طرف على تحقيق ما يصبو إليه، ففي أي خانة يمكن أن تصنف الخطوة الكويتية؟

ليس ببعيد عن أي متابع أن العلاقات بين القاهرة والكويت أصابها بعض الفتور في أعقاب الأزمة الخليجية، فبينما اصطفت مصر إلى جانب دول حصار قطر، التزمت الكويت حيادا رأته دول الحصار فيما بعد انحيازا للدوحة.

ويبقى الاحتمال قائما، بشأن وصف الخطوة الكويتية ضد الإخوان على أنها "عربون محبة" أو بادرة حسن نية أو حتى هدية من أجل تصفية الأجواء الغائمة مع مصر السيسي، وتحسين العلاقات التي شابتها بعض السلبيات.

ليس شرطا هنا أن تنتظر الكويت مقابلا مباشرا لهذه الهدية أو ثمنا مدفوعا، فربما حركتها إستراتيجية دأبت عليها منذ عقود في سياستها الخارجية قائمة على الاحتفاظ بعلاقات متوازنة مع جميع الأطراف سواء في محيطيها العربي والخليجي أو حتى على المستوى الدولي.

لكن تلك الخطوة قد تكون غير مجانية، وأن الكويت تنتظر المقابل، فماذا يمكن أن تقدم مصر؟

اقتصاديا، لا يمكن لمصر الغارقة في ديونها والمكافحة للبقاء أن تدعم دولة مثل الكويت، لكن قد ينطوي الأمر على فرص استثمارية واعدة داخل مصر أو هدية مثلا على غرار استثناء ملك البحرين من شرط تملك غير المصريين بشبه جزيرة سيناء عام 2016 والموافقة على تمليكه أرضا شاسعة وفيلات بالمنطقة.

بعيدا عن المقابل، يرى مراقبون أن الخطوة الكويتية جاءت تنفيذا لرغبة سعودية أو إماراتية أو من كلتيهما، أو بضغط مورس على الكويت بشدة نتيجة الملفات الحساسة التي تشهد خلافا متعاظما بين سياسة كل من الرياض وأبو ظبي وبين الكويت، خاصة فيما يتعلق بالملف الإيراني.

انتكاس التجربة

عُرفت الكويت دوما بتميزها عن دول الخليج وغالبية الدول العربية بنظام سياسي يجنح كثيرا إلى الديمقراطية بوجود دستور، وبرلمان منتخب، وأحزاب سياسية، وانتخابات حرة ونزيهة، ونتيجة لذلك سادت حالة من التعايش السلمي بين مكونات المجتمع المختلفة قبليا ومذهبيا.

هذه الحالة جعلت الكويت تغرد منفردة خارج السرب الخليجي تحديدا، بحيث لم تعرف يوما مواجهات بين السنة والشيعة، أو انتهاكات لحقوق الإنسان، أو الحديث عن قضاء مسيّس، ولعل هذا ما تسبب في الذهول والصدمة التي أصابت كثيرين بعد إعلان البيان سالف الذكر.

ويعزو كثيرون ذلك إلى ما يتمتع به أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد من خبرات متراكمة، وسيطرة بلا استبداد على مفاصل السلطة وتناغم بين العائلة الحاكمة.

وبينما تتجه المؤشرات إلى تصعيد مؤكد لأزمة الإخوان المسلمين في الكويت، فإن هناك من يعوّل على حكمة الشيخ صباح في التدخل لإنقاذ الموقف، الذي قد يهدد وحدة النسيج الاجتماعي للبلاد التي تعيش تجربة سياسية فريدة وسط محيطها الخليجي والعربي.